مثقّفو تونس ومدوّنوها: محمود درويش لم يمت
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إسماعيل دبارة من تونس: في الوقت الذي يوارى فيه الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش الثرى قرب قصر الثقافة في رام الله بعد تشييع رسمي وشعبي مهيب في باحة مقر الرئاسة الفلسطينية ، تكفي إطلالة سريعة على أشهر المدونات التونسية خصوصا تلك التي تعنى بالثقافة و الأدب و الشعر و مواقع الصحف الوطنية لإدراك مكانة الشاعر الفقيد في قلوب التونسيين عامة مثقفين و مواطنين عاديين.
"يوم آخر حزين يمرّ علينا كعرب ...يكتفي السيد منير الماجري 24 سنة بتلك العبارة ليعبر عن مرارته و هو يتابع بنظرة حزينة جنازة الشاعر محمود درويش و الكلمة التأبينية التي ألقاها الرئيس الفلسطيني محمود عباس عبر شاشة الفضائيات بأحد مقاهي العاصمة تونس.
جليسه الأستاذ منذر 51 سنة اعتبر في حديث مقتضب للغاية مع إيلاف شاعر المقاومة حيا يرزق بدواوينه ...بتاريخه و بنضالاته الطويلة.
عبد الله الراجحي طالب آداب سنة رابعة يقول لايلاف::محمدود درويش حيّ يرزق ..نعم... صباحا لمّا أبحرت على الانترنت ووجدت أشعاره المختلفة على صفحات الآلاف من المواقع و المدونات تأكدت أن العظيم لا يموت سيبقى خالدا بما فعل و بما كتب ..فهنيئا له."
الدكتور محجوب أحمد قاهري صاحب مدونة أحزان مواطن عربي كتب بنبرة حزينة للغاية عبر الشبكة العنكبوتية " لم تستطع الحاجة حورية من منع ابنها النجم العربي والمبدع والفنان والشاعر والمقاوم محمود درويش, استمعت إلى كلامه عن العملية الجراحية التي ستجرى له على القلب المتعب منذ سنة ولادته في 1941 بقرية البروة شرق مدينة عكا... ولم يفها إحساسه بالرحيل إلى العالم الأخر... وكانت الحاجة تظن بان مستشفيات أمريكا قد تحمه من هذا الرحيل
ولأنه لا يخشى الموت بعدما تأكد بأنه سيبقى دوما على الحياة, فقد سلم نفسه يوم الأربعاء الماضي لأكبر الأطباء في العالم في اكبر المستشفيات... سلم لهم قلبه الذي بقى ينبض حبا وثورة على مدى سبع وستون عاما... وانتهى العملية بظروفها... ولم تمض سويعات حتى حدثت تعكرات غير متوقعة بمعدة الشاعر الكبير.. لتنتهي العملية الثانية بموته السريري... ثم فارق الحياة كبيرا كما عهدناهhellip;
كبيرا بما أبقى لنا من أربعة عشر ديوانا ترجمت إلى عشرين لغة عالمية... كبيرا بنضاله مع الحزب الشيوعي الفلسطيني على مدار سنوات طوال.. وكبيرا بانتصاره على طاغوت إسرائيل وقد اعتقلته خمس مرات... وكبيرا بكتابته وثيقة الاستقلال الفلسطيني سنة 1988... وكبيرا بانسحابه من منظمة التحرير احتجاجا على اتفاقية أوسلو...
الحاجة حورية تبك ضناها الذي رحل.. وهو القائل بان -العصافير تموت في الجليل- ولأن محمود درويش لم يمت فلن يقبل الإسرائيليون بان يدفن الشاعر في الجليل."
شاعر تونسي شاب اسمه سامي الذيبي اكتفى بنشر صورة له مع الشاعر الفقيد في آخر زيارة له إلى تونس و كتب عبر مدونته المسمّاة "الشّعر العربي /الشاعر سامي الذيبي/صوت الأحرار" و تحت عنوان 'الشّعر الأقرب للضّمير':
"إنّ الشاعر الكبير محمود درويش ثبّت مساره الشّعري وأسّس لقصيدة عربيّة لا تتنصّل من هويّتها...هو الذي أنجب جيلا من الشّعراء اليوم
إنّ الهرم الدّرويشي في قصائد أغلب شعراء هذا الجيل تبقى مشدودة للكتابة الدّرويشيّة ومن منّا(أقصد الشّعراء) لا يطارده النّفس الدّرويشي في كلّ ما يكتب
...
أرى مكاني كلّه حولي.أراني في المكان بكلّ
أعضائي و أسمائي.أرى شجر النّخيل ينقّح
الفصحى من الأخطاء في لغتي.أرى عادات
زهر اللّوز في تدريب أغنيتي على فرح
فجائيّ.أرى أثري وأتبعه.أرى ظلّي
وأرفعه من الوادي بملقط شعر كنعانيّة
ثكلى.أرى ما لا يُرى من جاذبيّةِ
ما يسيلُ من الجمال الكامل المتكامل الكلّيِّ
في أبد التّلال،ولا أرى قنّاصتي.
(ضيفا على نفسي أحلُّ )
لم يكن محمود درويش مجرّد عابر في الشّعر العربي والإنساني،وإنّما كان يعمل في القصيدة جاهدا كي تكون أشعاره البرزخ الذي تسمو فيه قصائده
" "ولكنّي أقول: وكلّ ما في الأمر أنّي
لا أصدّق غير حدسي
( لم ازل حيّا )""
لقد صدَقَ درويش حينَ صدّق حدسه فهو لم يزل حيّا في كل ما أبدع وسيظل إسمه ملتصقا بالقضيّة الفلسطينيّة والحداثة الشّعريّة..فهو المعبّر البارع عن هموم الفلسطينيين والعرب والإنسانيّة جمعاء
""وتمرّ سائحةٌ
وتسألني :أيمكن أن أصوّركَ احترامًا للحقيقة؟
قلتُ :ما المعنى؟ فقالت لي:أيمكن أن أصّوركَ
امتدادًا للطّبيعة ؟ قلتُ: يمكنُ...كلّ شيء ممكنٌ.
فعِمي مساءً،واتركيني الآن كي أخلو"
من جهته نعى اتحاد الكتاب التونسيين فرع الشمال الغربي عبر مدونته 'الكلمة أمانة ' الشاعر محمود درويش و جاء في التدوينة :
اتحاد الكتاب بالشمال الغربي ينعى شاعر المقاومة
محمود درويش ... يسافر وحيدا
هكذا يوجعنا الموت كعادته ويصيبنا في الرؤية والوجدان هذه المرة ,, يقطع أحد أصلب الشرايين التي تربطنا بالأرض .. وداعا لرجل الكلمة / الرسالة والقصيدة الأمانة ولكننا ننتمي ـ رغم الموت ـ لقصيدة يتناوب عليها كل الشعراء على مر التاريخ :
إذا مات منا شاعر قام شاعر** قؤول لما قال الكرام فعولُ "
الزميلة و الكاتبة التونسية المعروفة آسيا العتروس كتبت في مقال لها عبر جريدة 'الصباح' في عددها الصادر اليوم الأربعاء مقالا مطولا لعلّ من أهم ما جاء فيه :"سجّل أنا عربي" "احن إلى خبز أمي" "نيرون مات ولم تمت روما" "كانت تسمى فلسطين.. صارت تسمى فلسطين"... كلمات خطها الشاعر الفلسطيني الراحل سفير القضية الفلسطينية محمود درويش في مختلف المحافل الدولية متجاوزا معها كل الحدود الجغرافية والسياسية حاملا معها وبها ملفات القضية التي عاش ومات من اجلها ليقتحم بها كل العقول والقلوب ويحظى معها باحترام الأعداء قبل الأصدقاء فصارت كلماته التي نقلت إلى أكثر من عشرين لغة تخيف سياسة المحتل الذي وان كان ينجح في اغلب الاحيان في قمع أصوات النشطاء والسياسيين فانه لم يكن ليجد سبيلا إلى شعر درويش ومن قبله ادوارد سعيد أو غيرهم من جنود القلم والفكر الذين حملوا الرسالة الأخرى غير الرسمية للقضية الفلسطينية فلم يمنحوا جوازات ديبلوماسية ولابطاقات عبور ولم يحصلوا على أي نوع من الامتيازات المجانية كانوا السيف المسلط على رقاب الاحتلال وممارساته ولكنهم كانوا أيضا الصوت المستنكر والرافض لمختلف أسباب الصراعات والفتنة بين أبناء القضية الواحدة وكل محاولات استبدال لراية الوطنية بالراية الفئوية المتسلطة.
و تمضي بالقول متحدثة عنه بحرقة كبيرة:" ستتوارثه الأجيال لتحفظه في الذاكرة الفلسطينية إلى ما لانهاية فقد رحل من قبل عمالقة الشعر الأدب العربي ولكن كلماتهم وإشعارهم ومآثرهم بقيت وستبقى طالما ظل هناك من يدونها ويرددها... وإذا كان درويش قد كتب وثيقة إعلان استقلال فلسطين في الجزائر دون ان يشهد وقائع إعلان قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس فانه لم يتردد في إعلان استقالته من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجا على اتفاقات اوسلو التي غيبت الحلم.. .سجل انه عربي في حياته بل انه عالمي في قناعته بقضيته وبانسانيته وبمفهومه للحب وللخبز وللحرية ولحقوق الإنسان والعدالة والمساواة..."
أما الكاتب رشيد خشانة فقد جدّد التأكيد لايلاف على أنه كان من" الشهود على استقالة درويش من منصب المستشار الثقافي للأمين العام للجامعة العربية، ثم من عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.وفي الثمانينيات وبعد انتقال مقر الجامعة العربية مؤقتا إلى تونس (1979 - 1990) في أعقاب اتفاقات كامب ديفيد، سعى الأمين العام للجامعة آنذاك الشاذلي القليبي للاستفادة من قامة ثقافية كالتي يمثلها درويش. وبقدرة عجيبة (ربما لأن القليبي وزير ثقافة سابق)، قبل الشاعر أن يرتدي قفازات المستشار، فصار أول مستشار ثقافي للأمين العام للجامعة، وهو منصب أنشئ من أجله وعلى مقاسه.
و في مقال له عبر صحيفة العرب القطرية يكتب خشانة متحدثا عن درويش:
"شق الراحل ثياب الموظف الرسمي في مناسبتين لأنها سببت له ضيقاً في التنفس.. الشعري. فالشاعر المُحلق في رحاب الكلمة لا ينسجم مع مُقتضيات الانضباط البيروقراطي، ولا يتحمل قيود المنصب الرسمي ولو ارتدى الأخير رمزاً وطنياً وثورياً.
وفي خضم الصراع بين غواية الشعر وإغراء الوظيفة الوثيرة، تردد درويش كثيرا قبل أن يقتنع (مؤقتا) بكونه يستطيع أن يُغير من داخل الجهاز، فولج عالما كان يرتاب منه لأنه يُدرك أنه لم يُخلق له، لأنه يكتب فيه على هامش متن يصوغه الآخرون، فلا الرموز رموزه ولا المفردات مفرداته ولا الرسالة رسالته.
خرق درويش في مسيرته الإنسانية نواميس النظام وتمرد على قوانين الوظيفة البيروقراطية وكسر قيودها مرتين، مُثبتا بذلك أنه شاعر أولا وأخيرا، والشاعر لا يتعايش مع التنازلات ولا يتنفس الحلول الوسطى."
و في الختام ...قد تكون استعارة عبارات الأستاذ الزميل عبد القادر الجنابي خير ختام:" تحية إلى ذكرى محمود درويش الذي فضّل أن يسير على خيط رفيع بين هاوية السياسة وفضاء الشعر. والتاريخ هو الحكم".