أخبار

الولايات المتحدة تبدأ في عملية " انقاذ سآكاشفيلي "

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

موسكو: احتاجت الولايات المتحدة إلى أسبوع كامل لاستيعاب ما تتمخض عنه "ديمقراطية الورود" التي ترعاها في جورجيا، وسآكاشفيلي شخصيا و"حملته الأوسيتية". والآن بدأت على ما يبدو، بجد عملية "انقاذ سآكاشفيلي". وبدأت في نفس الوقت حول "العقدة القوقازية" ملحمة دبلوماسية، سيكون صمود روسيا أو النصر فيها، للأسف، أصعب من أي صدام مسلح.

فقد وصلت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في الرابع عشر من أغسطس إلى باريس حيث التقت مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ثم غادرتها إلى تبليسي للالتقاء مع سآكاشفيلي في اليوم التالي. وأمر الرئيس بوش في نفس الوقت بالبدء بنقل مساعدات إنسانية إلى جورجيا. ووصلت إلى هناك أولى طائرات النقل العسكري الأميركية "س ـ 17" مع شحنات من الأدوية والمواد الغذائية. كما تتوجه نحو شواطئ جورجيا من منطقة الخليج العربي عدد من سفن القوات البحرية الأميركية "لمنع الحصار الروسي لدى نقل المساعدات الإنسانية".هذا وغادرت رايس باريس صباح الجمعة متوجهة الى تبيليسي حيث ستؤكد للقادة الجورجيين دعم واشنطن لهم في نزاعهم مع روسيا. ويفترض ان تسعى رايس الى اقناع ساكاشفيلي باتفاق وقف اطلاق النار الذي تقدمت به الرئاسة الفرنسية للاتحاد الاوروبي.

وليس سرا، أنه لا توجد "لجسر البنتاغون الإنساني" أي علاقة باحتياجات جورجيا الإنسانية. وهذه أول خطوة سياسية ملموسة لدعم ميخائيل سآكاشفيلي عمليا، كان بحاجة إليها طوال الأيام الأولى لاجتياح أوسيتيا الجنوبية. فقد بدأ الرئيس الجورجي حتى بالتشكي علنا من أن كافة التصريحات الأولى لإدارة بوش ضد موسكو، المتعلقة بالنزاع كانت "مرنة للغاية"، وأنه "لم يحصل على الدعم المطلوب". وهذا بكل جلاء ليس ما كان ينتظره ممن دفعه لغزو أوسيتيا الجنوبية.

وشدد البيت الأبيض في نفس الوقت انتقاداته للكرملين. وأعلن بوش، بالتحديد، أنه تهدد روسيا عزلة دولية، و"إنها لا تسلك سلوك الشريك الدولي كما تود ذلك حسب تأكيدها".

ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن الأميركيبن ينظمون كل دعم إعلامي لعملياتهم السياسية أو السياسية العسكرية في كافة أنحاء العالم بشكل دقيق للغاية عادة (يكفي التذكير باجتياح أفغانستان والعراق). ولكن هذا لم يحدث مع جورجيا. وأخذت تظهر في الصحافة ال أميركية في الأيام الأخيرة معلومات "سرية" بأن كوندوليزا رايس حذرت سآكاشفيلي قبل أكثر من شهر - على حد الزعم إبان زيارتها إلى تبليسي - حتى "من التفكير بالحل العسكري للنزاعات في جورجيا"، وعدم القيام بعمليات عسكرية. إلا أن سآكاشفيلي، إما لم يستوعب هذا، وإما أطلق لنفسه العنان، وأخذ يعمل بالاعتماد على نفسه. وهذا من حيث المبدأ، حالة عادية "لحاكم عميل عادي"، ترك وشأنه.

وتدل كافة تحركات البيت الأبيض الأخيرة، كما يبدو، على أنه صحا من المفاجأة وبدأ بما يسمى في واشنطن "بالحد من الضرر" عن طريق الدبلوماسية العدوانية الوحيد الذي بقي. وتدل أيضا على أن إدارة بوش ارتكبت هفوة هائلة في تقييمها لرد فعل روسيا على عملية سآكاشفيلي العسكرية. فمجرد لم ينتظروا هذه الفعالية الخاطفة والقسوة العسكرية من جانب ميدفيديف وبوتين، ولم يتوقعوا أيضا عدم تردد موسكو من الإقدام عليهما في يوم افتتاح الأولمبياد.

وإن الألعاب الأولمبية هي أيضا بالمناسبة، مفتاح لإدراك ما جرى. فإن إدارة الولايات المتحدة واثقة من زمن مقاطعة ألعاب 1980 الغابر (إثر دخول القوات السوفيتية أفغانستان)، من أن الحكام الروس يتهيبون المقاطعة الأولمبية الجديدة ـ الأولمبياد الشتوي في سوتشي عام 2014.

وليس مسرا في الحقيقة إذا وصلت الأمور إلى هذا الحد. ومع ذلك من الممكن أن يتغير الكثير خلال ست سنوات، وعلى الأقل ابتداء من إدارة بوش. ويجدر القول إنه رغم احتدام الانتقادات إلى روسيا بشأن "اجتياح جورجيا"، أعلن عضو مجلس الشيوخ مرشح الجمهوريين لمنصب الرئاسة جون ماكين أنه "كرئيس للدولة لن يبعث قوات أميركية إلى النزاع في جورجيا".

وترى الولايات المتحدة ولندن، النصير الرئيسي الثاني "لتقريع الكرملين بشكل مؤلم أكثر" أنه يتعين الرد على إجراءات روسيا بصورة قاسية ومن بين العقوبات اختيار التي تطال سمعة موسكو، حسب تعبير "التايمز"، بصورة أقوى. وتشمل القائمة التي تهدد واشنطن باختيار عقوبة منها، علاوة على مقاطعة أولمبياد سوتشي، الحيلولة دون قبول روسيا في منظمة التجارة العالمية، ورفض منح عضوية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، واستبعاد روسيا من مجموعة "الثمانية الكبار"، ووقف المفاوضات حول توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين روسيا والاتحاد الأوروبي، وتعليق برنامج الشراكة من أجل السلام مع الناتو.

ويتعين على حلف شمال الأطلسي بلورة موقفه العام في لقاء وزراء خارجية الحلف، الذي سيعقد على عجل بطلب من بوش في بروكسل في الأسبوع القادم. وإنه سيجري يوم الاثنين أو الثلاثاء (18 أو 19 أغسطس). وسيكون منح تبليسي وكييف "تذكرة إلى الناتو" على عجل ـ من خلال شمولهما بخطة العمل لنيل عضوية الناتو، من أكثر الخيارات المؤلمة جدا التي قد تحاول واشنطن فرضها على الأوروبيين. فهذا بالذات ما تعذر على جورجيا وأوكرانيا الحصول عليه في قمة الحلف في بوخارست في أبريل الماضي. وفي الحقيقة، ليس من المؤكد أن توافق فرنسا وألمانيا وإيطاليا على هذا.

وفيما يخص اتفاقية الشراكة الجديدة مع الاتحاد الأوروبي، فمن الأنفع لموسكو الآن، مهما كان هذا غريبا، عدم التسرع في توقيعها، لأن وضع الأمور الحالي يناسب روسيا تماما. وتحتاج أوروبا إلى هذه المعاهدة أكثر. وانضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية ضروري أكثر بكثير في الغالب للبزنس الغربي، الذي يسعى منذ أمد للكشف عن كافة إمكانيات روسيا. ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، هي في الغالب نادي بحث علمي للمشاريع الاقتصادية لـ30 بلدا عضوا، وإننا لسنا على عجل للانتماء إليه. وأما شراكة روسيا ـ الناتو من أجل السلام، فقد أصبحت منذ أمد خرافة.

وبصدد عقوبة استبعاد موسكو من مجموعة "الثمانية الكبار"، وإن كانت قاسية جدا، إلا أن تطور "الثمانية" في المرحلة الراهنة في الحقيقة، أصبح مضحكا للغاية. وخاصة إذا أخذنا بالاعتبار، أن هذه المجموعة نفسها فقدت في أنظار الكثيرين المعنى الذي أرسي فيها في البداية، وتدنت إلى مستوى ساحة نقاش غالية الثمن.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف