أخبار خاصة

مصر بعد 11 أيلول: ماضٍ بلا حياة حزبية ومستقبل بلا معونة عسكرية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مصر بعد أحداث 11 سبتمبر
ماضٍ بلا حياة حزبية ومستقبل بلا معونة عسكرية
محمد حميدة من القاهرة:
ربما لم تتأثر مصر بقوة بسبب حدث خارجي لم يحدث على أرضها، مثلما تأثرت بهجمات 11 ايلول - سبتمبر التى ضربت أميركا عام 2001، فقد جاءت توابع 11 سبتمبر لتجمّد ما تبقّى من العمل الحزبي المصري تقريبًا، وشهدت السنوات التى تبعته تطبيق المزيد من الحصار على منظمات المجتمع المدني والحريات والمزيد من الشد والجذب بين الجانبين الاميركي والمصري أدى إلى تقلص دور مصر الإقليمي، وتقلصت على الجانب الاخر المعونة الاقتصادية الاميركية الى حد كبير بشكل يبعث حالة من التشاؤم إزاء مستقبل المعونة العسكرية .

فعلى الرغم من أن الاحداث مر عليها اكثر من 7 اعوام، إلا أنها ألقت تبعات على الحياة السياسية الداخلية والخارجية، وتوابعها لا تزال مستمرة على صعيد عدد من الملفات، ابرزهاملف المعونة، فبعد توقيع معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر واسرائيل عام 1979 ، وافقت الولايات المتحدة على امداد البلدين بمعونات اقتصادية وعسكرية . وعلى مر السنين بلغت المساعدة الى مصر اكثر من 50 مليار دولار، بمتوسط سنوي يبلغ نحو 815 مليون دولار يتجه نحو التنمية الاقتصادية ومبلغ 1،3 مليار دولار لمعدات عسكرية.

المعونة فى خطر

ولكن بعد 11 سبتمبر راجعت ادارة بوش برنامج المساعدات بحثًا عن سبل جديدة لحث الدول المستقبلة للمعونات على الاتجاه نحو الاصلاح الاقتصادى والمزيد من الديمقراطية ، لكن لم يحظَ الشركاء المصريون بالمصداقية، وفي عام 2004 وبعد ضغط أميركي كبير وبعد اسقاط نظام صدام حسين، قام الرئيس مبارك بتعين مجلس وزراء اصلاحي تحت قيادة احمد نظيف. وتفاوض الفريق المكون لمجلس الوزراء الجديد مع الولايات المتحدة بشأن مذكرة تفاهم مشروطة لإصلاح القطاع المالي، كانت مذكرة التفاهم هذه الاولى لكلا البلدين وبدلا من تخصيص الاموال مباشرة الى وزارة التعاون الدولي، أصبحت مقيدة بمعايير محددة وبتخصيص مباشر الى وزارة المالية . لكن مع إلقاء القبض على" سعد الدين ابراهيم" رئيس مركز ابن خلدون للدراسات بتهمة الاضرار بأمن مصر القومي واستقبال اموال اجنبية من الخارج مع بداية ولاية بوش الاولى بدأت العلاقة تتوتر وافرجت مصر عنه بعد ان لعب البيت الابيض بورقة المعونة , لكن من بعدها بدأ المبلغ فى التقلص واستصدر الكونغرس قرارًا باستقطاع 200 مليون دولار بحجة تراجع حقوق الانسان وعدم تأمين الحدود .

مصر بطبيعة الحال غير راضية عن ذلك ، على الرغم ان المساعدة الاميركية تمثل جزءًا ضئيلاً من اقتصاد مصر. ففي عام 1979 عندما بدأ البرنامج كانت المعونة تمثل ما يقرب من 5% من الناتج المحلي الاجمالي لمصر. لكن اليوم تمثل أقل من ربع 1% فقط مع انتعاش خزانة مصر بأموال الخصخصه. ان المساعدات الاميركية بالنسبة إلى المصريين فى الاساس رمزية ومرتبطة الى الابد باتفاقات كامب ديفيد للسلام.. يعتبر بعضهم فى اميركا انه من المستحسن الاستمرار في تقديم المساعدة الاقتصادية من اجل علاقات اكثر سلاسة. لكن المفاوضات بشأن هذا "المبلغ الصغير" لا تنتهي وهو ما يسهم فى تأجيج مشاعر ميرره لكلا الجانبين. علاوة على ذلك تعطى المعونة فرصًا عديدة للكونغرس لشرط ما تبقى وبالتالي وضع ضغوط اضافية على العلاقة.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية , خاض " ديفيد اوبى" و"توم لانتوس " نائبا الكونجرس معركة شاقة لشرط تقديم المساعدة العسكرية لمصر ، ولكن اضطرا بدلاً من ذلك لقبول شروط على المعونة الاقتصادية . ونجحا في العام الماضى فى استصدار قرار بشرط المساعدات العسكرية باجراء اصلاحات سياسية ومدى التقدم في ايقاف عمليات تهريب الأسلحة التي تقوم بها حماس الى داخل غزة.

ان الكثيرين في القاهرة وفى وزارة الخارجية الاميركية يساورهم قلق بالغ من فقدان درع المساعدة الاقتصادية تمامًا، فالكونغرس ، مع اجراء لانتوس - اوبى المعدل , سيدفع بطريقة اكثر قوة لفرض شروط على المساعدات العسكرية. ومن غير المرجح ان تستمر كتيبة الخارجية في الادارة الاميركية المقبلة. وبغض النظر عن من يفوز بكرسى الرئاسة الا ان اعداء مصر فى الكونجرس مرشحون للزيادة وخصوصًا مع تحول النظام الى استهداف الجيل المقبل من الناشطين كما حدث في يوليو الماضى باعتقال 14 ناشطًا من شباب الفيس بوك بتهمة التحريض ضد النظام .

الحياة الحزبية خارج الخدمة

واذا كان بعضهم يعتبرالنشاط الحزبي المصري ضعيف منذ نشأة التعددية الحزبية , الا ان الاعوام التى عقبت الأحداث شهدت موت الحياة الحزبية تمامًا، تجمد نشاط نصف الأحزاب السياسية المصرية ، وتأثرت الاخرى بسبب الشد والجذب مع الحكومة, حتى اضحت أحزاب بلا نشاط ، وعرضت اخرى للبيع بسبب الفقر المالي وفقر الكوادر، وأخرى نشطة ولكنها مجمدة وتمارس عملها عبر الإنترنت، ولم تستطع تيارات سياسية انشاء حزبا يعبر عنها . فقد قامت لجنة شؤون الأحزاب بتجميد عمل 7 أحزاب مصرية بعد الاحداث وهى الأحرار والعمل و مصر الفتاة والشعب الديمقراطي و العدالة الاجتماعية ومصر العربي الاشتراكي والوفاق القومي لاسباب مختلفة. وعانت بقية الأحزاب من مزيد من التهميش والتضييق والمشاكل المالية، فالأحزاب الكبرى مثل الوفد والناصري والتجمع عانت ولا تزال من تهميش دورها لصالح الحزب الحاكم، ولا يؤخذ بآرائها في القضايا الكبرى الداخلية أو الخارجية ، كما أنها تعاني من صراعات داخلية، والأحزاب الصغرى تصارع فقط للحصول على الدعم المالي المحدود الذي تقدمه الدولة للأحزاب سنويًا.

القوى الاسلامية فى ازدهار

بعد الاحداث اعتقد الجميع ان التيارات الإسلامية ستكون هي الضحية الأولى لأحداث 11 سبتمبر في سياق الحملة الأميركية على الإرهاب والتي طالت غالبية القوى الإسلامية في العالم العربي الا ان النقيض حدث، صحيح ان حملات الاعتقال والمحاكم العسكرية استمرت لعناصر جماعة الإخوان المسلمين، الا انها استمرت بالوتيرة نفسها السابقة في إطار السياسة الأمنية المصرية المستمرة تجاه الجماعة منذ سنوات طويلة . وكان لافتا عقب الاحداث حالة الزخم غير العادي عن فكرة المصالحة بين الحكومة والجماعة الإسلامية المصرية، واستغرب كثيرونالهدوء الرسمي المصري في التعامل مع قضايا الحركة الإسلامية، وعدم قيام الحكومة بحملة اعتقالات واسعة ضد هذه العناصر على غرار ما فعلته دول أخرى، بل استغربوا تشديد التعامل مع الإخوان مقابل التهدئة وفتح أبواب الإعلام أمام قادة الجماعة الإسلامية في السجون.
المحامي منتصر الزيات قال: إن مصر لم تساير حملة الغضب الأميركية عقب هجمات 11 سبتمبر ولم تعتقل أحدًا أو تفرض ظروفًا استثنائية كالتي فرضتها العديد من دول العالم باستثناء اعتقالات روتينية لأعضاء من جماعة الإخوان المسلمين. وقال: "إن تداعيات 11 سبتمبر على تشكيلات الحركة الإسلامية في مصر لم تكن بالصورة التي هي عليها في غيرها من الدول العربية أو الغربية، فالحكومة المصرية لم تلجأ لاتخاذ إجراءات تعسفية ضد الحركات الإسلامية، ولم تلجأ لأسلوب القبض أو الاشتباه بالجملة.. وحتى إحالة عدد من الإخوان للقضاء العسكري تدخل في سياق العلاقة الخاصة بين الحكومة والإخوان، وهي العلاقة القائمة على الشد والجذب. وفي ما يتعلق بموقف الحكومة من الجماعة الإسلامية فإنها اختارت الإبقاء على مبادرة وقف العنف. وربما اتت سياسة الحكومة بثمارها بعد المراجعات الاسلامية الاخيرة الخاصة بتيار الجهاد.

اما ضياء رشوان المختص بشؤون الحركة الإسلامية في مركز دراسات الأهرام يقول ان مصر شهدت تقاربًا بين الحركات الإسلامية والحكومة ، "أصبحنا نرى تقاربًا في المواقف بين الإخوان والحكومة مثلا؛ حيث أعلن الإخوان رفضهم علانية للتدخل الأميركي في شؤون مصر في قضية سعد الدين إبراهيم، على الرغم من التضييق الأمني ضدهم" . كما أن التقارب نفسه حدث في علاقة الحكومة بالجماعات الجهادية المحلية، وهو ما تمثل في تمسك الحكومة بمبادرة وقف العنف.. ولعل هذا ما عكسه تصريح الدكتور عصام العريان -القطب الإخواني- من أن أحداث 11 سبتمبر فرضت على عاتق الإخوان أعباء كبيرة في المرحلة المقبلة، أهمها البحث عن كيفية بناء حوار مع النخبة الحاكمة في المنطقة للتصدي للهجمة الأميركية.

قيود على المجتمع المدنى وبناء المساجد

وربما كانت أبرز ملامح فترة ما بعد 11 سبتمبر على المستوى الداخلي المصري هي فرض مزيد من القيود على المجتمع المدني المصري والجمعيات الأهلية؛ حيث صدر في يونيه 2002 قانون جديد للجمعيات الأهلية المصرية التي يبلغ عددها 16 ألف جمعية أثار أزمة بين الحكومة المصرية وجمعيات حقوق الإنسان المصرية فقد اعترضت على عدد من مواد القانون غالبية أحزاب المعارضة المصرية، إضافة إلى جمعيات حقوق الإنسان والمجتمع المدني المصري، وطالبت بتعديلها، خصوصا المادة رقم 42 و17 حيث تنص الأولى على: "حل أي منظمة غير حكومية بقرار من وزارة الشؤون الاجتماعية في حال عدم احترامها المادة رقم 17". وتنص المادة الثانية (رقم 17) على: "حظر تخصيص أموال المنظمات غير الحكومية لأغراض غير تلك التي تأسست من أجلها، والحصول على أموال من طرف أجنبي أو إرسالها إليه".

أيضًا شهد العام الأول لما بعد 11 سبتمبر تميرر قانون سابق بشأن اشتراطات بناء المساجد، غرضه الأساسي التضييق على بناء الزوايا الصغيرة غير الخاضعة للحكومة والتي قد يكون بعضها مقرًا لجماعات إسلامية.. حيث أقدمت الحكومة على سن 10 شروط في نهاية نوفمبر 2001 كشروط لبناء المساجد، أبرزها أن يودع المتبرع ببناء المسجد مبلغا لا يقل عن 50 ألف جنيه بأحد البنوك ضمانا لجدية العمل، وألا يُنشأ مسجد إلا بموافقة صريحة من وزارة الأوقاف. وقد ذكر د. "عبد الصبور شاهين" الداعية الإسلامي أن السبب وراء هذه الشروط "هو الحملة الأميركية الدولية لمكافحة الإرهاب واضاف إن الأسباب الحقيقية وراء هذا القرار هي الدواعي السياسية التي لخصها في أن "بناء مزيد من بيوت الله يعني أن المجتمع المصري مقبل على طاعة الله، وهو ما لا تريده الجهات الأجنبية خاصة أميركا؛ لذلك فهي تريد دينًا مفصلاً لا يعكر صفوها أو يهدد هيمنتها.

تقلص دور مصر الاقليمى

وعلى صعيد السياسة الخارجية , منذ أحداث 11 سبتمبر وظهرت محاولات اميركية للضغط على مصر لتقليص نفوذها في المنطقة لصالح مزيد من الانفراد الإسرائيلي بالمسألة الفلسطينية، والتمهيد لضرب العراق لصالح إسرائيل أيضا وهو ما حدث بالفعل وقد سعى اللوبي الصهيوني لاستغلال تحفظ مصر - في البداية - على الانخراط في التحالف الأميركي ضد الإرهاب ليظهرها كدولة غير حليفة، مقابل التعاون الإسرائيلي وتوافق المصالح الأميركية الإسرائيلية، وأثّر هذا على صورة مصر بشكل سلبي، ودفع واشنطن لمحاربة نفوذ مصر في مناطق مهمة تمس الأمن القومي المصري والعربي كالسودان وفلسطين والعراق.

واستمر التوتر في العلاقات المصرية الأميركية، وانعكس على تقلص الدور الخارجي المصري في فلسطين والسودان والعراق بضغوط أميركية واضحة لحساب الدور السعودي والقطري مؤخرًا. وقد اعتبرت المبادرة التي عرضتها السعودية وتحولت إلى مبادرة عربية في فلسطين محاولة أميركية لتقليص النفوذ المصري في فلسطين عبر إعطاء السعودية دورًا أكبر ، كما تدخلت إدارة بوش بشكل واسع في قضية جنوب السودان، واستَبَقت النفوذ المصري هناك عبر اتفاقية ماشاكوس التي اعتبرتها القاهرة ضارة بالأمن القومي المصري وحتى في قضية ضرب العراق حرصت واشنطن على استبعاد الدور المصري تماما، وتقليص نفوذها هناك عقب التقارب الاقتصادي والسياسي بين الطرفين وبدء تبادل الزيارات بين مسئولي البلدين.بل حولت واشنطن القضية إلى قضية إرهاب دولية بعيدًا عن مصر والدول العربية، وتجاهلت كل المبادرات المصرية لمناقشة الحلول السلمية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف