البرلمان المصري يتهم الحكومة بالمسؤولية عن حادث المقطم

نبيل شرف الدين من القاهرة: بدأ مجلس الشعب (الغرفة الأولى من البرلمان المصري) مناقشة التقرير الذي أعدته اللجنة البرلمانية التي شكلها فتحي سرور رئيس البرلمان، حول كارثة انهيار كتل صخرية ضخمة من جبل المقطم على عشرات المنازل في منطقة "الدويقة"، وسط أجواء بدت فيها تلك المناقشات كأنها محاكمة برلمانية للحكومة والإدارة المحلية، وقد تخللتها ملاسنات واتهامات قاسية من قبل نواب المعارضة وحتى الحزب الحاكم للحكومة .

وفي الاجتماع الطارئ للجنة مشتركة من الإسكان والإدارة المحلية، واجه النواب الحكومة ممثلة في المهندس أحمد المغربي وزير الإسكان، ومحمد عبد السلام المحجوب وزير التنمية المحلية، وعبد العظيم وزير محافظ القاهرة، بلائحة اتهامات حادة وأسئلة وبيانات عاجلة تحمل الحكومة ـ وخاصة أجهزة المحليات ـ المسؤولية عن هذه الكارثة المروعة .

وبدأ رئيس البرلمان فتحي سرور الحديث قائلاً إن هذا الحادث ليس جديدا ولا مفاجئا وإنما كان قديما متوقعا بعد حادث الانهيار الصخري الذي وقع في حي "منشأة ناصر" في شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام 1993 .

كما أوضح رئيس البرلمان أن الحكومة أعدت دراسة قومية في أعقاب حادث الانهيار الصخري في منطقة منشأة ناصر عام 1993 حددت فيه عدة مناطق يتهددها خطر انهيار صخري في منطقة منشأة ناصر والدويقة منها "عزبة بخيت" التي شهدت انهياراً صخرياً هائلاً يوم السبت الماضي .

معضلة العشوائيات

وأشار التقرير البرلماني إلى أن الدراسة حددت مناطق مهددة بسقوط أحجار فوقها وتشمل المساكن أسفل الجوف المطل على "عزبة الزبالين" و"عزبة بخيت" في الدويقة، والجوف المطل على الطريق الصاعد لمدينة المقطم بجوار مباني الإذاعة وبقايا المحاجر، كما حدد التقرير مناطق مهددة بالانهيار الصخري منها الأجزاء المتبقية من الحائط المنهار بعزبة الزبالين عند مدخل منشأة ناصر والحائط فوق منشآت شركة "نرش" كما أن هناك عدة مناطق مهددة بانهيار أو تصدع المنازل ومناطق مهددة بالانهيار عند حدوث سيول ومساكن مهددة بمخاطر لعيوب إنشائية ومعمارية وهي لا تتجاوز 15% من إجمالي مسطح "عزبة الزبالين" .

وأكد التقرير البرلماني أن المجلس ومنذ حادث عام 1993 وحتى الآن، أجرى دراسات استند فيها إلى آراء الخبراء لتفادي تكرار هذا الحادث حذر فيها من أن الخطورة لاتزال قائمة في بعض المناطق، ما يتطلب إخلاء هذه المناطق على وجه السرعة حماية للمواطنين ووضع خطة على مراحل لنقل سكان حي منشأة ناصر والدويقة إلى المدن الجديدة حول القاهرة، وأحال هذه التوصيات على الحكومة .

وجدد البرلمان توصياته للحكومة بضرورة الاستمرار في تطوير المناطق العشوائية وفقا لبرامج زمنية محددة، مع توفير التمويل اللازم لتنفيذ هذه المشروعات وضرورة وجود هيئة لإدارة الأزمات ومواجهة الكوارث وإخلاء العقارات الخطرة فوراً، مع إيجاد البديل المناسب للسكان، ويراعي ظروفهم الاجتماعية وخضوع المناطق العشوائية التي تقرر الإبقاء عليها وتطويرها، وتوصيل المرافق للمباني في المناطق العشوائية وهدم المناطق المتدهورة بصورة مرحلية وتيسير كافة الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية والبيئية وتوفير خدمات الطوارئ لتمتد إلى معظم قاطني المناطق العشوائية .

انتقادات للحكومة

وتوجه فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصري بسؤالين للحكومة عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة تنفيذا للتوصيات التي أصدرها المجلس في أعقاب حادث 1993، وما هي الإجراءات التي يجب أن تتخذ لتفادي تكرار مثل هذا الحادث.

واتهم النائب المستقل علاء عبدالمنعم الحكومة ومحافظة القاهرة بالتقصير في حادث الدويقة ، وقال إن هناك تقاريرعدة تحذر من تساقط صخور الجبل، بينما طالب نائب الجمالية والمنشأة حيدر بغدادي (حزب وطني) بسرعة تسكين المواطنين في أربعة مواقع ستنهار فوقها الصخور خلال الايام القادمة في مساكن بديلة ، وأكد كذب إشاعة إقامة مقبرة جماعية للشهداء في الحادث .

أما النائب المستقل حسين إبراهيم فتساءل : "لماذا لم يحضر رئيس مجلس الوزراء الاجتماع اليوم؟"، فرد سرور قائلاً إنه لم يوجه الدعوة لرئيس الوزراء لحضور الاجتماع.. ولكن النائب أكد أن رئيس الوزراء يمكنه حضور أي اجتماع لمناقشة أمور تهم الدولة .

كما انتقد النائب عن الحزب الوطني (الحاكم) مجدي علام وزير المالية بسبب "حجب الأموال المخصصة لتطوير العشوائيات في موازنة العامين الماضيين" ، وتساءل كيف سيتم التطوير وانقاذ حياة المواطنين ، محذرا من أن هناك مناطق عشوائية أخرى تهدد حياة قاطنيها ويجب تخصيص الأموال اللازمة على وجه السرعة لتطويرها.

أما النائب حمدين صباحي رئيس حزب "الكرامة" - تحت التأسيس - فحذر من أن عشرة ملايين مواطن يسكنون المناطق العشوائية حول القاهرة يعتبرون قنابل موقوتة ، مطالبا بتوفير المسكن الآدمي لهم .واقترح النائب أن يتبرع أعضاء المؤسسات السيادية بنصف مخصصاتهم لحين انتهاء أزمة الاسكان .

بدورها اتهمت النائبة جورجيت قلليني وزارة الاسكان بالتقاعس عن تشطيب هذه الوحدات ما تسبب في عدم نقل سكان عزبة بخيت وسقوط العديد منهم قتلى .

ورد أحمد المغربي وزير الاسكان ، فأكد أن هناك مخططا لنقل السكان خلال أربعة أسابيع بعد الانتهاء من التصويت، وقال إن هناك شيئا اسمه القدر، وإن كانت كلمة القدر قد أصبحت لاتروق لعدد من الناس فهذا أمر غريب ، وأضاف "حسبي الله ونعم الوكيل في كل من لايؤمن بالقدر".
لكن نائب حزب الغد رجب هلال حميدة رفض هذا الكلام، وقال "من صحيح العقيدة الايمان بالقدر، مع الأخذ بالأسباب ووزير الاسكان لم يأخذ بالأسباب لتفادي هذه الكوارث" .

وتساءل النائب "هل أخر وزير الاسكان تسليم هذه المباني للناس حتى يمكن بيع جزء منها لشركة "إعمار" لاستعمالها كمكاتب إدارية؟".

دفاع الحكومة

من جانبه أوضح عبدالسلام المحجوب وزير الادارة المحلية أن وزارة الإسكان تقوم بتنفيذ مشروعات اسكان لمحدودي الدخل في المحافظات ويتم الاحتفاظ بنسبة من الوحدات لحالات الاخلاء الإداري .

بدوره، قال عبدالأحد جمال الدين ممثل الأغلبية إنه كان يتمنى أن يتكلم البعض بالشكل الذي يعالج ويبني بدلا من استغلال الكارثة لمهاجمة الحكومة، رافضا التشكيك في النظام، وأكد أن هذا أمرا غير مقبول، ويجب على الجميع أن يتقي الله في هذا البلد ولايظهر الشماتة في الكوارث.
ونفى عبدالسلام المحجوب وزير التنمية المحلية أن تكون هناك مخاوف من تفشي مرض الطاعون مكان الكارثة ، وقال إن وزارة الصحة تقوم أولا بأول بإجراء عمليات تطهير في المناطق التي يتم رفع الأنقاض عنها وإجراء التطعيمات اللازمة للمواطنين، مؤكدا أنه لاخوف مطلقا من هذا الأمر، وأشار إلى أن عدد المنازل في المنطقة 38 منزلا ، وهناك ضحايا تحت الأنقاض ، ولن يتم وقف عمليات الازالة والبحث إلا بعد الانتهاء من انتشال كل جثث المتوفين .

أما النائب سعد عبود فانتقد عدم حضور محمد إبراهيم سليمان وزير الاسكان السابق ونائب الجمالية والمنطقة المنكوبة الاجتماع، وقال: "إنه بنى القصور الفخمة للصفوة ونسي أبناء دائرته الذين انتخبوه" ، فرد سرور قائلا "نحن لانحاكم إبراهيم سليمان .. نحن الآن نناقش الكارثة".
وتعقيبا على ما أثاره بعض النواب من أن سكان المناطق سيبيعون الشقق التي ستخصص لهم ، ويعودونللسكن في هذه المناطق العشوائية، قال سرور " يجب على الحكومة أن تتقدم بمشروع قانون لتجريم بيع المساكن التي تخصصها الحكومة للإخلاء الإداري ووجود عقوبة جنائية ومالية لهذا الاجراء" .

وفي تعقيبه على مداخلات النواب، أكد عبد العظيم وزير محافظ القاهرة أن المحافظة ستلتزم بالعدالة في توزيع الشقق ولن يأخذ أي شخص غير مستحق شقة، مشيراً إلى أن الذين تمت إزالة منازلهم لمرور معدات الاغاثة الثقيلة سيكونون ضمن أوائل المستحقين للمساكن الجديدة .

وأضاف محافظ القاهرة أن معسكر الفسطاط سيغلق خلال يومين على الأكثر بعد تسكين من فيه في المنازل الجديدة ، مطالبا بتخصيص الأموال اللازمة ، وهي بالمليارات ، لتنفيذ الخطة المتكاملة لتطوير العشوائيات.

من جانبه ، أكد علي المصيلحي وزير التضامن الاجتماعي أن هناك إدارة أزمة أدارت هذه الكارثة ، وكان رئيس الجمهورية يرأس اجتماعا وزاريا خصص الجزء الكبير منه لبحث هذا الموضوع وتم تحديد واجبات كل هيئة لتلافي آثار هذه الكارثة، وأشار الى أنه قام باتصالات مع الجمعيات الأهلية لتوفير الغذاء والملبس للمتضررين وكان هذا في أسرع وقت.

وفي ختام الاجتماع دعا فتحي سرور إلى عرض التوصيات في اجتماع آخر لاعداد تقرير يرفق به ما قام به مجلس الشعب لمواجهة الكارثة.