كيف يواجه أوباما الدعاية السلبية ضده؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: تُعد الانتخابات الرئاسية الأميركية من أعقد الانتخابات الرئاسية في العالم وأكثرها استحواذًا على اهتمام الرأي العام العالمي، نظرًا لمكانة الولايات المتحدة على المسرح العالمي وتأثير الرئيس القادم إلى البيت الأبيض في السياسة الأميركية عالميًا وعلى مكانتها وتفردها بالقضايا الدولية. ولكنَّ انتخابات هذا العام المقرر لها في الرابع من نوفمبر المقبل تمثل مرحلة فاصلة في التاريخ السياسي الأميركي، فهي حالة فريدة من نوعها، حيث شهدت فوز أول أميركي أسود (باراك أوباما) ببطاقة حزب كبير، فضلاً عن منافسة سيدة (هيلاري كلينتون) للحصول على بطاقة ترشيح حزب كبير في الانتخابات التمهيدية، وترشح سيدة أيضًا لمنصب نائب الرئيس (سارة بالين)، وفي حال فوزها ستُعد أول سيدة أميركية تتولى هذا المنصب.
ومع بداية السباق الانتخابي - انتخابات الرئاسة أو الكونغرس وبل وانتخابات الولايات - يقوم المرشحون انتقاد منافسيهم وإبراز أهم عيوبهم، والعمل على تشويه صورتهم أمام الرأي العام في كثير من الأحيان- كما هي العادة في الانتخابات الأميركية-، ولا يقتصر هذا الأمر على المرشحين المتنافسين من حزبين مختلفين، فقد يحدث هذا مع متنافسين من الحزب ذاته ، ففي بداية السباق التمهيدي بين المرشح الديمقراطي "باراك أوباما" ومنافسته السابقة سيدة أميركا الأولي السابقة "هيلاري كلينتون" وفي ظل احتدام المنافسة بينهما للفوز ببطاقة الحزب لخوض الانتخابات الرئاسية، وجهت هيلاري عديدًا من الانتقادات إلى منافسها السابق "أوباما" لاسيما حول توجهاته فيما يخص مواقفه بشأن السياسة الخارجية الأميركية، وبشأن مقاربته لعديد من القضايا والأزمات التي ستواجه الرئيس القادم إلى البيت الأبيض، وخاصة فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب،والتأزم الأميركي في العراق، ومواقفه من الأزمة النووية الإيرانية، واتهامه بعدم الخبرة السياسية، وقام أوباما بدوره بالرد على هذه الانتقادات.
انتقاد جمهوري مستمر لأوباما
بعد فوز أوباما بترشيح الحزب الديمقراطي ومساندة منافسته السابقة "هيلاري" وأقطاب الحزب له، والتي تجلت في المؤتمر القومي للحزب بدنفر في أغسطس الماضي، وترشيح أوباما بشكل رسمي ليكون مرشح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية، انتقلت جبهة الهجوم إلى المعسكر الجمهوري وعلى رأسه المنافس الجمهوري "جون ماكين".
مع بداية جولة أوباما الخارجية الأخيرة التي زار خلالها أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط، اتهمه ماكين بافتقاره للخبرة في مجال السياسة الخارجية. وتأكد هذا الشعور لدى ماكين والجمهوريين بصفة عامة عندما أعلن أوباما عن اختياره للسيناتور المخضرم والخبير في الشؤون الدولية جوزيف بايدن ليكون مرشحًا معه لمنصب نائب الرئيس على بطاقة الحزب الديمقراطي.
تعددت أشكال الانتقادات والهجوم والحرب النفسية التي يشنها ماكين وأنصاره على أوباما، فعادة ما يوجه ماكين انتقاداته لأوباما مباشرة خلال إلقائه لخطبه أمام ناخبيه كما حدث في عديدٍ من اللقاءات الانتخابية كلقائه بالمحاربين القدامى، واجتماعه مع الناخبين في ميلووكي Milwaukee، هي أكبر مدن ولاية ويسكنسن Wisconsin. وانتقاده لمقاربة أوباما للقضايا الاقتصادية لاسيما قضية الطاقة والضرائب، واتهامه باللعب بورقة العنصرية لصالحه. وفي أحد انتقاداته لأوباما يقول ماكين عن أوباما :إنَّه أسودُ وإنَّ صور الرؤساء الموجودة على الدولار هي لرؤساء بيض.
كتب تشن هجومًا على أوباما
وقد استخدام الجمهوريون والمحافظون المعارضون للمرشح الديمقراطي كافة الأساليب في حربهم وهجومهم على المرشح الديمقراطي، منها إصدار مجموعة كتب تنتقد أوباما وتحاول النيل منه، وكان من أبرز هذه الكتب كتاب " أمة أوباما The Obama Nation" لجيروم كورسي Jerome R. Corsi الأكاديمي المحافظ والمتهم بترويج الشائعات، والذي سبق وأن أصدر كتابًا عن جون كيري John F. Kerry المرشح الديمقراطي السابق للرئاسة في انتخابات 2004، بعنوان " غير لائق للقيادة" Unfit for Command والذي هاجم فيه كيري وانتقد دوره في حرب فيتنام مما كان له أبلغ الأثر في هبوط شعبية كيري، وإعطاء الفرصة لمنافسة الرئيس الحالي جورج بوش لينال منه ويوجه له انتقادات مما قوض من فرص فوز كيري في الانتخابات الرئاسية السابقة.
وقد تعرض الكتاب الذي ألفه جيروم كورسي لحياة أوباما الشخصية، فقال جيروم : إن أوباما كان يتعاطي المخدرات في شبابه، وإن والده كان سِكِّيرًا ومتعدد الزيجات، وعندما التحق بالجامعة كان يتبنى الأفكار الشيوعية وخاص أفكار الكاتب الشيوعي فرانك مارشال ديفيز Frank Marshall Davis. كما وجه الكاتب انتقادات لاذعة لأوباما فيما يتعلق بسياسته الخارجية وبخاصة تعامله مع الملف النووي الإيراني، ورأيه أن إيران تمثل خطرًا هامشيًّا على الولايات المتحدة، وسعيه لاحتواء الدول المارقة مثل كوريا الشمالية.
وما يزيد من خطورة هذا الكتاب أن مصادر بيع الكتب الأميركية تشير إلى أن كتاب كورسي هذا قد حقق أعلى نسبة مبيعات مما يثير المخاوف من رواجه بين الجمهور، هذا بالإضافة إلى كتب أخرى قد تم إصدارها منها كتاب "منطق ضد باراك أوباما A Case Against Barak Obama" لديفيد فريدوسو David Freddoso والذي يكشف فيه علاقة أوباما بالقس المحافظ جيرما رايت وويليام آيرز الناشط اليساري السابق والأستاذ بجامعة شيكاغو حاليًا، وكتاب "Fleeced" لإلين ماكجان Eileen Mcgann وديك موريس Dick Morris، وقد لاقت هذه الكتب رواجًا وانتشارًا في السوق الأميركية خاصة عبر موقع أمازون الإلكتروني الخاص ببيع الكتب على شبكة الإنترنت.
الإعلانات المدفوعة الأجر.هجوم جديد على مرشح التغيير
ومع تعدد وسائل النيل الجمهوري من باراك أوباما، اعتمدت حملة المرشح الجمهوري على أكثر الوسائل الدعاية السلبية شراسة وأوقعها تأثيرًا وهي الدعاية الإعلامية السلبية، فقد قامت حملة ماكين بعمل مجموعة من الإعلانات المدفوعة التي تنتقد أوباما وتوجهاته بالنسبة للسياسة الخارجية والداخلية.
وأحد تلك الإعلانات التي تسمى "Tiny " أو الشيء الصغير أو التافه، تسلط على موقف أوباما من إيران وأنها لا تشكل خطرًا حقيقيًّا، بالرغم من أنها - على حد قول أعضاء حملة ماكين - تساند الجماعات الإرهابية وتعمل على تطوير قدراتها النووية. ففريق ماكين يرى أنه إذا كان أوباما لا يرى أن كل هذا يمثل تهديدات حقيقية فهو غير مؤهل لقيادة البلاد. ومن تلك الإعلانات أيضا إعلان " الشخصية الشهيرة" والذي يصف أوباما بأنه شخصية شهيرة سيئة القدر مثل بريتني سبيرز وباريس هليتون في إشارة للسخرية منه ومن تاريخه العائلي والمعاناة التي واجهها في صغره.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الهجوم على المرشح الديمقراطي لا يقتصر على الجمهوريين فقط وإنما امتد سيل الانتقادات عليه من جانب بعض الأقليات التي تنتمي بشكل أو بآخر للحزب الديمقراطي، هناك موقع يسمى" قف أوباما Stop Obama" يقوم عليه بعض الشباب المنتمين لأقليات الهيسبانيك والآسيويين، ويهدفون إلى تعريف الرأي العام بالوجه الآخر لباراك أوباما ويتهمونه بالترويج لنفسه واستخدام قضية العنصرية كورقة للعب بها على أوتار الناخبين، كما يتهمونه بالتحيز للأقلية السوداء ويسعون بكل الطرق لتقويض فرصه في الفوز في الانتخابات المحتدمة حاليًا.
أوباما يدافع عن نفسه
في وسط هذا الكم الهائل من الانتقادات والهجوم يعكف فريق حملة أوباما على الرد على هذه الانتقادات ومحاولة كشف الحقائق الخاصة بتوجهاته وآرائه في القضايا الداخلية والخارجية والدفاع عن تاريخه الشخصي، وذلك من خلال تخصيص جزء من الموقع الإلكتروني الخاص بحملته للرد على هذه الشائعات ويسمى هذا الجزء " محاربة الافتراءاتFight The Smears"، ومن الافتراءات التي تم الرد عليها تلك الخاصة بحقيقة عقيدة أوباما وعلاقته بالإسلام والتأكيد على ديانته المسيحية، والرد على اتهام ماكين له بعدم زيارة الجنود الأميركيين الجرحى في ألمانيا بسبب عدم تغطية الإعلام لها، والحقيقة - كما يقول أنصار أوباما - أنه حرص على الزيارة دون تغطية إعلامية لعدم تسييس قضيتهم. كما تم تخصيص جزء من هذا الموقع للرد على كتابات المحافظين المهاجمة لأوباما وخاصة كتاب "أمة أوباما " لجيروم كورسي، والذي يعتبره أفراد فريق حملة أوباما غير لائق للنشر Unfit For Publication. ومن أمثلة ردود فريق حملة أوباما على افتراءات في هذا الكتاب، ردهم على اتهام كورسي لأوباما بأنه مزدوج الجنسية أي يحمل الجنسية الكينية نسبة لوالده إلى جانب جنسيته الأميركية، فيقولون بأن كينيا لا تمنح الجنسية لأي شخص من أصول كينية ويحمل جنسية أخرى إلا لمن هم أقل من 21 سنة. وأن هذا مثبت في مكتب الأحوال الشخصية U.S. Office of Personnel Management.
ومن ضمن الأساليب الأخرى التي يستخدمها الجمهوريون في انتقاد أوباما اقتباسهم وتحريفهم لبعض الجمل من الكتابين اللذين ألفهما أوباما، وهما "حلم من أبى" "Dreams From My Father" و "جرأة الأمل" "The Audacity of Hope".
واللذان يعتبران بمثابة سيرة ذاتيه له، فيما يتعلق بعلاقته بوالده ونظرته للتعامل مع البيض والسود، وموقفه من الأقليات المسلمة والمهاجرين، وفي المقابل يرد فريق حملة أوباما على ذلك من خلال نشر النصوص الصحيحة لهذه الاقتباسات وتوضيح موقف أوباما، ومنها الجزء الخاص بكتابه "جرأة الأمل" من الأقليات المسلمة والمهاجرين في المجتمع الأميركي، والتأكيد على أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر كان لها تأثيرٌ سلبيٌّ على هؤلاء حيث أعطتهم الشعور بعدم الأمان والانتماء لهذا المجتمع الرافض لهم. ويرى أوباما ضرورة احتوائهم وإشعارهم بأنهم جزء من الأمة الأميركية.
لم يقتصر الدفاع عن أوباما على فريق حملته الانتخابية فقط وإنما امتد لباقي أقطاب الحزب الديمقراطي، فقد قام السيناتور جون كيري بإطلاق موقع للدفاع عن أوباما، ومؤخرًا قامت هيلاري كلينتون بإعلان وقوفها إلى جانب أوباما بعد المنافسة الشرسة بينهما، وتجلى ذلك في خطابها أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي ودعوتها لتوحيد صف الديمقراطيين والالتفاف حول أوباما والعمل على مواجهة آلة الدعاية الشرسة التي يطلقها الجمهوريون. والأكثر من هذا أنه يوجد في صفوف الجمهوريين من يعمل على تأييد أوباما والدفاع عنه فتوجد مجموعة تسمى : " جمهوريون من أجل أوباما Republicans For Obama" تعمل على تعريف الناخبين بوجهات نظره وتصحيح الصور السلبية التي كونها الجمهوريون عنه.
كما صدرت بعض الكتب التي تدافع عن أوباما وسياساته كالكتاب الذي ألفه روبرت كوتنرRobert Kuttner، محرر ومؤسس مجلة المنظور الأميركي The American Prospect، بعنوان " تحدي أوباما Obama's Challenge" والذي يتحدث بشكل أساسي عن رؤية أوباما لإنعاش الاقتصاد الأميركي والتحديات التي ستواجهه إذا ما فاز بمنصب الرئاسة خاصة بالنسبة لقضايا الرعاية الصحية، والضرائب، والبيئة، ويرى كوتنر أن أوباما لديه القدرة على التغيير وتحسين الأحوال الاقتصادية للدولة، وهذا يحتاج لقرارات جريئة ومؤثرة ولابد من تنفيذ ما وعد به في حملته الانتخابية والاستفادة من تجارب الإدارات السابقة في تعاملها مع الأزمات الاقتصادية التي شهدتها الولايات المتحدة على مدار تاريخها. كما يقوم أوباما الآن بمبادلة ماكين الهجوم ومحاولة التأكيد على أن ترديد ماكين لشعار التغيير هو مجرد شعار مفرغ من مضمونه، وأن توجهات ماكين ما هي إلا امتداد لسياسات الإدارة الحالية.
شعبية أوباما .والاختبار الصعب
ورغم فوز أوباما بتسمية الحزب الديمقراطي له كمرشح في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم، والتفاف أعضاء الحزب وأقطابه حول هذا الترشيح في لحظة تاريخية فارقة لم تحدث منذ خمسين عامًا، إلا أن كل هذه الجهود مازالت غير كافية لإقناع الرأي العام الأميركي بأوباما، فقد تؤثر هذه الانتقادات بشكل سلبي على شعبيته، فأظهرت بعض الاستطلاعات تراجع شعبية أوباما وتقلص الفارق بينه وبين ماكين. بالإضافة إلى عدم اقتناع كل الديمقراطيين به خاصة مناصري كلينتون فتوجد نسبة تقدر بـ 27% من أنصار هيلاري مترددين بشأن تصويتهم لأوباما مقابل 52%، في حين قرر21% من أنصارها التصويت للجمهوري ماكين.
مازالت المنافسة حامية الوطيس بين المرشحين ولم يتم حسم النتيجة النهائية، فهذه الانتخابات تشهد تقلبات في النتائج وفي آراء الجمهور حول كل مرشح. ففي أعقاب مؤتمر الحزب الجمهوري الذي عقد في أوائل سبتمبر ومع اختيار جون ماكين لحاكمة ألاسكا سارة بالين لتكون مرشحته لمنصب نائب الرئيس - في محاولة لجذب أصوات النساء-، وإدارته الذكية لأزمة إعصار جوستاف ارتفعت ولأول مرة شعبيته وتفوق على أوباما بفارق أربع أو خمس نقاط، وذلك على الرغم من التحفظات على اختياره لبالين القليلة الخبرة بالعمل السياسي إلى جانب الملاحظات التي أثيرت حول حياتها الخاصة فيما يتعلق بحمل ابنتها المراهقة، والاتهامات الموجهة لها بتورطها في قضية فساد واستغلال نفوذها كحاكمة لولايتها.
وهو الأمر الذي يفرض على أوباما تحديًّا كبيرًا لمحاولة بلورة رؤية شاملة لسياساته الداخلية والخارجية ومحاولة كسب تأييد الناخبين من الطبقة العاملة والنساء، وتقديم إطارٍ واضحٍ للعمل في مجال السياسة الخارجية بشكل خاص وذلك في محاولة للتخلص من إخفاقات إدارتي بوش .