أخبار

المجتمع المدني يعبر عن الخجل من معالجة أحداث غزة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

جنيف: في الوقت الذي يُوجد فيه شبه إجماع تام على خطورة الانتهاكات التي تعرضت لها بنود القانون الإنساني الدولي ومبادئ حقوق الإنسان وفي حق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، اعتبر عدد من ممثلي منظمات المجتمع المدني المتواجدين في جنيف أن المناقشة المخصصة للحدث في مجلس حقوق الإنسان "تدعو للخجل"، وذهبوا إلى أن بعض الدول الغربية "تحاول تبرير جرائم إسرائيل".

على هامش انعقاد الدورة الخاصة لمجلس حقوق الإنسان والمخصصة لمناقشة الوضع في قطاع غزة، وبعد الاستماع الى كلمات المفوضة السامية لحقوق الإنسان ولكلمات ممثلي بعض الدول وما احتوت عليه من مواقف، التقت سويس انفو مع عدد من ممثلي المنظمات الحقوقية والإنسانية لمحاولة التعرف على مدى انعكاس مأساة المدنيين الفلسطينيين في نقاش مجلس حقوق الإنسان وتدخلات المسؤولين الأمميين عن حقوق الإنسان.

ويمكن القول أن ردود فعل ممثلي هذه المنظمات تمثل أفضل تلخيص لحقيقة ما يدور داخل ردهات مجلس حقوق الإنسان وخلف كواليسه في دورته التاسعة.

نقاش لا يرقى إلى مستوى الدم والآلام

عن نظرة ممثلي منظمات المجتمع لما جرى في غزة ومدى انعكاس أو غياب ذلك في مداولات يقول راجي صوراني، الناشط الفلسطيني ورئيس المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان: "مع الأسف انا مصدوم بكل المعايير والمقاييس مما يدور من حديث لا يرقى الى مستوى الدم والآلام والدمار الواقع في غزة بعد عامين من الحصار المجرم، والذي حول غزة الى أشبه بمزرعة للحيوانات يُقذف إليها بقليل من الطعام والدواء وتأتي فوق هذا الآلام والمعاناة. هذه حرب إسرائيلية مجرمة لأول مرة تذاع علنا أمام شاشات التلفزة وأمام مرأى ومسمع من العالم كله. ونحن في اليوم الرابع عشر ولم يوضع وقف لهذه الجريمة المنهجية المنظمة التي في عين العاصفة منها المدنيين هدفا بالقتل والجرح والدمار".

أنطوان مادلان مدير مكتب الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان في بروكسل يقول: "عشت أحداث غزة بنوع من الخجل والغضب لكون المجموعة الدولية لم تتمكن من تجنب مثل هذه الأزمة رغم تواجد مؤشرات مسبقة. إننا نتحدث عن الأوضاع في الأراضي الفلسطينية منذ سنوات ولكن الأوضاع لم تتوقف عن التدهور كل مرة. وأنا أشارك في هذه الدورة لمجلس حقوق الإنسان يعتريني نوع من الخجل لكون هذه المجموعة الدولية لم تتمكن من تفادي ما حدث".

أما سيلين بران من مركز "أوروبا - العالم الثالث"، فعبرت عن "الصدمة لما تم من دمار مجاني للمدارس والمنازل والمستشفيات. وكذلك للطريقة التي تطبق بها إسرائيل عمليات القتل بدون أية محاكمة لعناصر ترى أنها تنتمي الى حماس. وهذا ما يجعلنا كمنظمات مدافعة عن الحقوق نصنف ذلك في خانة الإعدام خارج نطاق القانون. وهذا ما يزعجنا كمنظمات حقوقية".

إزدواجية في المعايير وإنتقائية

من تابع المداولات التي تمت لتعديل وتنقيح مشروع قرار تقدم به الوفد الفلسطيني، والذي سيكون القرار النهائي لهذه الدورة، واستمع الى تعليقات الدول قد يصيبه الذهول. إذ في الوقت الذي يموت فيه الأطفال والنساء، نجد من يعترض على موضع فاصلة أو يرغب في حذف كلمة واستبدالها بكلمة أخرى. وهناك من ممثلي الدول الغربية من ذهب إلى حدّ المطالبة بحذف عبارة "الأراضي المحتلة"، وهو ما دفع ممثل دولة آسيوية إلى التساؤل: "هل تم تحرير الأراضي المحتلة لكي يتم التخلي عن تسمية رسمية للأمم المتحدة؟".

على ضوء هذه العينة، حاولنا معرفة مدى تقييم متحدثينا لهذه الطريقة التي يتناول بها مجلس حقوق الإنسان لمداولاته. فالسيد راجي صوراني يقول: "مع الأسف هناك تصرف وكأن هناك دم مقدس ودم غير مقدس وألم مقدس وألم غير مقدس. عندما نتحدث عن الدم والألم اليهودي والإسرائيلي فهو مقدس وعندما نتحدث عن الدم والألم الفلسطيني فهو غير مقدس. هذه ازدواجية في المعايير وانتقائية. هذا إيلاج لشريعة الغاب من قبل المجتمع الدولي يجب أن نوقفه. نحن نريد شريعة القانون ونريد احترام القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي واتفاقية جنيف الرابعة. نريد حماية المدنيين الفلسطينيين ووقف هذا القتل وهذه العجلة من الدماء التي تمارسها إسرائيل ضد المدنيين في قطاع غزة. حان الوقت لكي لا تكون حقوق الإنسان للمثقفين والأكاديميين بل للمواطنين العاديين في الأراضي المحتلة لينعموا بأمنها وحمايتها".

أما انطوان مادلان من الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، فإنه يرى - رغم أن النقاش لم يكن إلا في البداية - أن "المؤشرات الأولية تترك أنطباعا من أن المجموعة الدولية أو على الأقل الدول الغربية تحاول تبرير تصرف إسرائيل. وهذا التصرف مؤسف لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير جرائم الحرب. ولا يمكن بأي حال من الأحوال السماح لنظام ديمقراطي، وهو نظام ديمقراطي، أن ينتهك القانون الإنساني الدولي ومن العار أن نرد على الإرهاب بمزيد من الإرهاب".

ويضيف انطوان مادلان "أعتقد أن آليات الحماية في القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي مهددة بمثل هذه التصرفات خصوصا عندما يتحدث متزعمو الدفاع عن حقوق الإنسان عن حق الدفاع عن النفس لتغطية جرائم حرب. ولا شيء يمكن أن يبرر جرائم الحرب والأتعس أن يكون ذلك من قبل نظام ديمقراطي".

أما السيدة سيلين بران من مركز أوروبا والعالم الثالث CETIM فقد ذكرت بأنها "الدورة الخاصة الرابعة المخصصة للمشكل الفلسطيني الإسرائيلي. وعلى الرغم من كل الانتهاكات التي ارتكبت منذ ستين سنة من قبل إسرائيل وعلى الرغم من تخصيص العديد من الدورات الخاصة لم تطبق القرارات المنبثقة عنها. فنحن نلتقي ونناقش ولكن لا تطبيق لكل ما يصدر. ويكفي ان ننظر لما حدث للمقرر الخاص المكلف بوضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة الذي لم يُسمح له بمغادرة مطار تل أبيب وهذا تصرف ندينه كمنظمات مدافعة عن حقوق الإنسان لأنه بدون هؤلاء المقررين الخاصين لا يمكننا الإطلاع على الأوضاع".

"عجزكم لن يزيدنا إلا إصرارا"

هؤلاء المناضلين في مجال حقوق الإنسان عندما يصدمون بمثل هذه التصرفات داخل محفل يراد به أن يكون المحفل الأول للدفاع عن حقوق الإنسان هل يثني ذلك من عزيمتهم لمواصلة النضال في مجال حقوق الإنسان؟

يكاد يكون الجواب على ذلك موحدا إذ يقول راجي صوراني "يجب ألا نكف وألا نتوقف وأن نصفع هذا العالم بلعنة ودماء هؤلاء الأطفال وأن نؤكد أننا نحن من يريد شريعة القانون والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. نحن الذين لدينا تفوقا أخلاقيا وإنسانيا على هؤلاء القتلة والمجرمين. عالم به شريعة الغاب لا يصلح لأحد. روعة هذا القانون أنه ينتصر للضعفاء والمقهورين والمظلومين. مرة أخرى هذا لا يتعارض ولا يتناقض مع حق رئيسي وأساسي من حقوق الإنسان وهو الحق في تقرير المصير والمقاومة ضد هذا المحتل المجرم".

أما أنطوان مادلان فيقول "لا أعتقد أن أمامنا خيارا آخر غير مواصلة النضال لأنه إذا لم نواصل النضال سيتغلب أنصار قانون الغاب على دعاة احترام القانون.ولكن عندما ننظر لقرار مجلس الأمن نصبح اقل تشاؤما. لأن هذه الإدانة أتت متأخرة ولو اننا لم نكن نتوقعها. ولكنها خطوة أولى في إعادة تثبيت سيادة القانون في فلسطين. والخطوة الثانية هي التي ننتظرها في مجلس حقوق الإنسان اليوم والمتمثلة في إرسال لجنة تحقيق دولية لتوثيق الجرائم وتحديد المسئوليات في تلك الجرائم. وإعطاء الضحايا حق التعويض الذي يشكل حقا اساسيا . فإسرائيل ملزمة بضمان أمن مواطنيها ولكنها ملزمة أيضا بأمن الفلسطينيين لأنها هي القوة المحتلة. ولا يمكن باي حال من الأحوال مثلما تشير الى ذالك كل تقارير آليات حقوق الإنسان ان نقبل تصرف إسرائيل الرامي الى انتهاك القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي أثناء إيفائها بالتزاماتها لحماية مواطنيها".

سيلين بران ، ترى من جهتها أن "هذا التخاذل للمجموعة الدولية وللمحافل الدولية المخصصة لحقوق الإنسان يزيدنا تشجيعا على مواصلة الكفاح والتجند من أجل حقوق الإنسان. فقد خرجت الجماهير في جنيف وبرن وفي عدة مناطق من العالم لكسر هذا الصمت، ونصرة الشعب الفلسطيني. وهذا ما ينطبق على المسيرة الكبرى المتوقعة في العاصمة الفدرالية برن يوم السبت" 10 يناير 2009.

"لا مفر من تحقيق دولي"

وفيما ترتفع العديد من الأصوات للمطالبة باتخاذ خطوات عملية وملموسة وعدم الاكتفاء بالتصريحات المعنوية والبلاغات الأدبية والقرارات التي سرعان ما يتم تناسيها داخل الأدراج، يتساءل المراقبون عن الخطوات العملية التي اتخذتها أو ستتخذها المنظمات الحقوقية والمعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان لتجسيد مطالبها الداعية إلى تطبيق القانون بدون انتقائية؟

عن ذلك يجيب راجي صوراني "أنا بتقديري وبدون استثناء منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والعربية والدولية كالفدرالية الدولية ولجنة الحقوقيين الدوليين كان لهم موقف أخلاقي متقدم وموقف قانوني واضح وصارم تجاه ما كان حدث من جرائم بالإغلاق والتي جعلت الوضع كارثيا قبل هذه الهجمة المجرمة وما حدث من جرائم. فقد طالبنا بوقف فوري لهذه الحرب المجرمة المرتكبة ضد المدنية. وطالبنا برفع فوري للحصار وليس تقديم مساعدات إنسانية لمزرعة الحيوانات المسماة قطاع غزة. نحن نريد حياة طبيعية حرية حركة للأفراد والبضائع وأن يقف هذا الحصار. كما طالبنا بلجنة تحقيق دولية لأن ما مر من جرائم يجب ألا يُغفر وألا يُنسى وأن يتم محاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين من قبل المجتمع الدولي. وكمنظمات حقوقية وإنسانية عملنا على ملاحقة هؤلاء المجرمين في بريطانيا وإسبانيا وغيرها من الدول وسنعمل على توثيق وملاحقة المجرمين في هذه الجرائم أيضا. ونؤكد على أن الأساس في هذا الموضوع هو إنهاء هذا الاحتلال المجرم. إذ بعد واحد وأربعين عاما من الاحتلال، وبعد مرور 60 عاما على النكبة نحن نواجه العام والأيام الأكثر دموية وسوادا في حق المدنيين الفلسطينيين. لقد حان لهذا الاحتلال أن يتوقف وأن ينتهي".

أنطوان مادلان بدوره يرى من جهته أن "هناك نوعان من الخطوات العملية التي يجب القيام بها. اولا العمل على المستوى الإنساني على الحد من تدهور الوضع الإنساني، تطبيق وقف إطلاق النار الذي أقره مجلس الأمن. وإيصال المساعدات الإنسانية الطارئة والرفع الفعلي للحصار المفروض على غزة. أما فيما يخص الجرائم المرتكبة فيجب العمل على إرسال لجنة تحقيق. ومن المتوقع أن يتم تخويل المفوضة السامية لحقوق الإنسان مهمة القيام بتحقيق على وجه السرعة وتحديد مرتكبي الانتهاكات. وما سنشدد عليه في تدخلنا امام المجلس هو تذكير الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة بأن لها مسؤولية والتزاما بموجب عضويتها في معاهدة مناهضة التعذيب وعضويتها في معاهدات جنيف بمتابعة مرتكبي أعمال التعذيب وجرائم الحرب وتقديمهم للمحاكمة إذا ما تواجدوا على ترابها".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف