الجزائر تريد استرجاع أرشيفها المهرّب إلى فرنسا
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ويجمع مختلف ممثلي العائلة الثورية الكبيرة على حتمية مطالبة الجزائر لفرنسا بتسليم هذا الأرشيف، خصوصا خرائط التجارب النووية التي كانت صحراء الجزائر مسرحا لها في ستينيات القرن الماضي، ويدعو كثيرون إلى ممارسة مزيد من الضغط على المحتل القديم لدفعه إلى تسليم الأرشيف بالفترة الممتدة ما بين 1942 إلى 1962، فضلا عن مجموع الوثائق التي استولت عليها الإدارة الكولونيالية وتخص بالأساس مرحلة ما قبل احتلال فرنسا للجزائر في الرابع جويلية 1830.
ويستغرب مجاهدون قدامى تحدثوا إلى "إيلاف" تماطل فرنسا في تسليم كافة أرشيف الثورة، واكتفاءها ببضع وثائق لا تغني ولا تسمن من جوع على غرار خرائط الألغام التي أودت بحياة الآلاف من الأبرياء في الماضي، ويلفت هؤلاء إلى أنّ تغييب هذا الأرشيف وما يمثله من مرجعية أساسية للكتاب والمؤرخين، أسهم في ترويج معلومات مغلوطة عن التاريخ الجزائري الحديث، وحالة من التشويه المقصود للثورة التحريرية ومحاولة (تجميل) الصورة البشعة للمحتل الفرنسي.
ويرى السعيد عبادو الأمين العام للمنظمة الجزائرية للمجاهدين، أنّ فرنسا مطالبة بتسليم الجزائر كل أرشيفها التاريخي الذي استحوذت عليه لدى اجتياح جيوشها للجزائر، وأوضح عبادو أنّ هناك (أرشيفا مغلقا ويوجد محلّ تستر)، وانتقد التعامل الرسمي للدبلوماسية الفرنسية، قائلا إنّ موقفها تجاه المستعمرة القديمة، ينطوي على وجه واحد، ويكرّس التهرب من الواقع المفروض، رغم أنّ "حقوق الشعوب لا تسقط بالتقادم"، تماما كمحاولة البعض القفز على آلام الجزائريين.
ودعا الوجه الثوري البارز "الأخضر بورقعة" السلطات الفرنسية إلى فتح الأرشيف النووي حتى يتسنى للجزائر الكشف على المناطق التي تأثرت بالإشعاعات النووية في الجزائر، في وقت يطالب "جمال يحياوي" مدير مركز البحث التاريخي بالجزائر، بإرغام فرنسا على إظهار الأماكن التي تعمدت تلويثها بأسلحة جرثومية.
ويبدي المجاهد المخضرم "أحمد محساس" استياءا من كون القطع الأرشيفية التي سلمتها فرنسا للجزائر في فبراير/شباط 2008، لم تتضمن سوى بضع مشاهد من مظاهرات الثامن مايو/آيار 1945، واقتصر على بضع مشاهد مصورة عن أوضاع الجزائريين الاجتماعية إبان فترة الاحتلال، وأخرى عن عمليات قام بها الجيش الفرنسي ضد الثوار الجزائريين، وكذا هجمات فدائية جزائرية على أهداف فرنسية.
ويعتبر محساس أنّ فرنسا تمعن في التلاعب بالأمور، ويشدد على أنّ تسليم خرائط الألغام لا يعني شيئا طالما أنّ باريس ترفض الاعتراف بجرائم الاستعمار، بينما تقدّر المحامية البارزة فاطمة الزهراء بن براهم رئيسة لجنة تحرير العلاقات الجزائرية الفرنسية من الفكر الاستعماري، أنّ المطالبة باسترجاع أرشيف الجزائر ينبغي أن تأخذ وتيرة أكثر سرعة وفاعلية، سيما وأنّ الأرشيف المحتجز في فرنسا يغطي على جرائم حرب مروعة وجرائم ضد الإنسانية نفذها جلادو فرنسا بحق الجزائريين.
ويستهجن كثير من الخبراء والمؤرخين وكذا عموم الفاعلين في الأسرة الثورية والمجتمع المدني استمرار ما يسمونه (التعنت الفرنسي) واكتفاء باريس بإقرار جزء يسير فقط من ذاكرة تاريخية لا تزال مجهولة المصير، رغم الاتفاق المبرم بين الجزائر وفرنسا قبل 14 شهرا، علما أنّ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي برّر (التعاطي الباهت) لبلاده مع المسألة برغبتها (تلافي كل مقاربة إيديولوجية وأى استخدام سياسي للموضوع)، رغم دلالة ورمزية هذا الأرشيف الذي يعدّ تاريخ الأمة وشهادة ميلاد الدولة الجزائرية وتطورها عبر التاريخ، ما سيسمح للمؤرخين والباحثين بإنجاز عدة دراسات حول التاريخ الجزائري بمختلف تجلياته تنظيميا، اقتصاديا، سياسيا، اجتماعيا وإداريا.
من جانبه، يستبعد عبد المجيد شيخي المدير العام لمركز الأرشيف الجزائري، أن تسلم فرنسا أرشيفها المتعلق بملف نشاطها النووي في صحراء الجزائر، ويبرر شيخي نظرته بكون فرنسا تعتبر هذا الأرشيف من أسرار دفاعها القومي، رغم خطورة انعكاسات رفضها تحديد مكان دفن النفايات المشعة التي تشكل تهديدا خطيرا للجزائريين، ويتصور شيخي أستاذ التاريخ في جامعة الجزائر، أنّ المطلوب اليوم من فرنسا هو الاعتراف أولا بالمسؤولية، في وقت يلفت الأستاذ والمؤرخ "محمد القورصو" إلى أنّ اتصالات جرت بين 1980 و1981 بين مركز الأرشيف الجزائري ومصلحة الأرشيف التابعة لوزارة الداخلية الفرنسية كانت على وشك الانتهاء، لكن تهديد بعض الأقدام السود بحرق مقر أرشيف "أكس أون بروفنس" جنوب فرنسا، أجهضت الاتفاق، موضحا أن الحادث وقع في سياق رهانات الانتخابات الفرنسية التي واجهت فاليري جيسكار ديستان وفرانسوا ميتران آنذاك. ويركّز مختصون على ضرورة فتح الأرشيف النووي، لإدراك حقيقة الـ17 تفجيرا نوويا التي نفذتها فرنسا بين 13 فيفري 1960 و16 نوفمبر 1966، وأسفرت عن مقتل نحو 42 ألف شخص استخدمتهم فرنسا كـ"فئران تجارب"، في تجارب نووية فاقت قوتها التفجيرية خمسة أضعاف قنبلة هيروشيما، ولا يزال آلاف الضحايا وسكان المنطقة يطالبون بمعرفة حقيقة ما جرى، في وقت تبقى فرنسا مصرة على تحديد مكان دفن النفايات السامة والمواد المشعة التي تشكل تهديدا خطيرا للإنسان والبيئة في الجزائر، تماما مثل معضلة الألغام الفرنسية التي زرعتها فرنسا في الجزائر، حيث تسبّب 11 مليون لغم زرعها الجيش الفرنسي في الجزائر خلال ثورة التحررية (1954-1962)، في مقتل ما لا يقل عن 12 ألف شخص، بينهم 7328 جزائريا خلال السنوات العشر الأخيرة، ناهيك عن تسببها في إعاقات وعاهات مستديمة لمئات الآخرين، وهي أرقام مخيفة برأي الخبراء، علما إنّ بيانات رسمية تؤكد إنّ ثلاثة ملايين لغم مضاد للأفراد، ما تزال مطمورة على طول الحدود الغربية والشرقية للجزائر شرقا وغربا بطول 1160 كلم، بعدما نجح جيشها في إتلاف ثمانية ملايين لغم خلال السنين الماضية.
من جانبه، صرّح "عبد القادر بوسلهام" الدبلوماسي الجزائري السابق:"إنه من العار أن لا نستطيع الاطلاع على أرشيفنا الموجود في مدن غربية عديدة، على غرار فرانكفورت، جنيف، واشنطن، باريس وأنقرة، إضافة إلى مقر الصليب الأحمر الدولي، فيما استبعد "عبد المجيد شيخي" المدير العام للمركز الجزائري للأرشيف، أن تسلم فرنسا الأرشيف الجزائري الكامل الذي تستحوذ عليه، وقال شيخي إنّ فرنسا لن تتجاوب طالما أنّها تعتبر هذا الأرشيف "سرا دفاعيا فرنسيا"، ورأى المؤرخ الجزائري المعروف محمد القورصو، أنّ استعادة الأرشيف مرهون بزوال نفوذ الأقدام السوداء (قدماء المستوطنين الفرنسيين في الجزائر)، وقد هدّد بعض من هؤلاء بحرق مقر الأرشيف بمنطقة "أكس أون بروفنس" جنوب فرنسا.
ويقول باحثون لـ"إيلاف" إنّ الأرشيف المصادر من طرف فرنسا، يغطي زمن التواجد العثماني بالجزائر، إذ يعود إلى سنة 1516 بالإضافة إلى وثائق هامة سبقت الغزو الفرنسي للجزائر، ووثائق أخرى تتعلق بكل الممارسات التي قامت بها النظام الكولونيالي الفرنسي بالجزائر، من مراسلات رسمية وأوامر بالقتل والاعتقال، وإحصائيات موثقة لكل ضحايا الممارسات الفرنسية البشعة، ولائحة بأسماء الحركى الذي خانوا بلادهم، ووثائق أخرى هامة حول فترات دقيقة من تاريخ الجزائر، تتوزع بين مداولات الجهاز القضائي الفرنسي في الجزائر، ومراسلات رسمية لثوار جزائريين، وما طبع حكاية (فصل صحراء الجزائر عن الشمال)، وقد وضع المشرّع الفرنسي شروطا تعجيزية تقضي بانقضاء مائة سنة للاطلاع عليه.
من جهتها، تلاحظ المحامية البارزة "فاطمة الزهراء بن براهم"، أنّ معظم الأرشيف الجزائري بين القرن الخامس عشر إلى التاسع عشر، لا يزال مبعثرا بالخارج، سيما بفرنسا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا ودول اسكندنافية أخرى، وأضافت أن قضية المطالبة به باتت صعبة جدا، سيما لدى السلطات الفرنسية، كونها وضعت قوانين مشددة للاطلاع عليه، وتنظر بن براهم كما حقوقيين آخرين بأنّ الفيتو الفرنسي مردّه خشية ساستها من استخدام الأرشيف لإدانة باريس بجرائم الحرب التي ارتكبتها، والمصنفة في خانة "إبادة عامة ضد الإنسانية"، وعلى هذا وضع الإليزيه وتوابعه قيودا مدروسة.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف