تغير إستراتيجي نحو مكافحة المخدرات في أفغانستان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: إتجه الرئيس أوباما لإعادة تقييم الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان على أثر تردي الأوضاع الأمنية في أفغانستان وقائد القوات الأميركية والدولية في أفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال لزيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان ،وتواكب ذلك مع دراسة الإدارة الأميركية لتعديل استراتيجيتها في أفغانستان لاسيما الإجراءات المرتبطة بمكافحة المخدرات وبناء الدولة الأفغانية، بالنظر إلى إخفاق الاستراتيجية التي أعلنتها إدارة الرئيس أوباما في التصدي لحركة طالبان وتصاعد الخسائر البشرية والتكلفة المادية للتواجد العسكري الأميركي في أفغانستان.
وفي هذا الصدد جاءت فاندا براون الباحثة بمؤسسة بروكنغز في دراستها التي جاءت تحت عنوان " استراتيجية أوباما للحد من زراعة المخدرات في أفغانستان : احتمالات نجاحها وأوجه القصور المحتملة " والتي أصدرتها بروكينغز لتؤكد على أن استراتيجية الرئيس أوباما في أفغانستان قد تستغرق وقتًا كي تحقق نجاحًا ملحوظًا في استعادة الأمن والاستقرار لاسيما في ظل وشائج الصلة القوية بين القبائل الأفغانية وحركة طالبان وهو ما دفعها للقول بأن التركيز على الأبعاد الأمنية والعسكرية في استراتيجية أوباما يجب ألا يأتي على حساب بناء مؤسسات الدولة الأفغانية وإرساء دعائم الاقتصاد الأفغاني والتنمية الاقتصادية التي ستؤدي لتراجع الدعم الذي تحظى به حركة طالبان، كما أن التنمية الريفية ودعم القطاع الزراعي الأفغاني سوف يؤدي للقضاء على أحد المصادر الرئيسة لتمويل نشاط حركة طالبان وهي زراعة الأفيون وهو ما سيستغرق وقتًا أطول مما تتوقع إدارة الرئيس أوباما لارتباط التنمية الزراعية بتغيرات جوهرية لثوابت المجتمع الأفغاني التي ترسخت على مدار عقود.
مكافحة المخدرات والتنمية الإقتصادية
أعلنت إدارة الرئيس أوباما في صيف 2009 عن استراتيجيتها لمواجهة زراعة الأفيون في أفغانستان بما يمكن اعتباره أول استراتيجية متكاملة للتعامل مع إخفاق الجهود الأميركية على مدار الأعوام الماضية في التعامل مع تلك الإشكالية والتي تركزت على إزالة زراعات الأفيون دون التركيز على التنمية الزراعية أو دعم الاقتصاد الأفغاني للارتقاء بمستوى دخل الفرد واحتواء معدلات البطالة المتزايدة في أفغانستان .
حيث لا يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي في أفغانستان حوالي 23.03 مليار دولار ويصل متوسط دخل الفرد حوالي 800 دولار سنويًّا وتشكل عائدات زراعة الأفيون ما يزيد على ثلث الناتج القومي الإجمالي الأفغاني ثم تأتي المساعدات الخارجية لأفغانستان في المرتبة الثانية، كما تشكل زراعة الأفيون النشاط الاقتصادي الرئيس وشبه الوحيد للمواطنين الأفغان في المناطق الريفية على الرغم من تحريم الشريعة الإسلامية للتعاملات التجارية في المواد المخدرة بشكل عام، بالنظر إلى أن الأرباح الناتجة عن فرض الضرائب على زراعة الأفيون مقابل حمايتها تتراوح بين 70 و100 مليون دولار سنويًّا وفق ما ذكره تقرير هيئة أبحاث الكونغرس في أغسطس 2009 ويستفيد من تلك الأنشطة إلى جانب حركة طالبان أمراء الحرب الأفغانيين والمسؤولين الحكوميين والشرطة وزعماء القبائل ولا يقتصر الأمر على الربح المادي فحسب وإنما تستفيد تلك الأطراف من النفوذ السياسي الناجم عن حماية النشاط الاقتصادي الرئيس للمواطنين الأفغان.
وفي حال إذا تمكنت الاستراتيجية الأميركية من تقليص زراعة الأفيون فإن النفوذ السياسي لطالبان سوف يتراجع بصورة كبيرة ومن ثم يجب أن تتبع الولايات المتحدة نهجًا مختلفًا يقوم على الاستمالة والاستقطاب للقائمين على زراعة الأفيون وتوفير مصادر بديلة للدخل وليس إزالة زراعات الأفيون بصورة قسرية أو القيام بملاحقة المنخرطين في هذا النشاط الاقتصادي غير القانوني.
إخفاق الإستراتيجية الأميركية في أفغانستان
تقلصت زراعة أفغانستان من الأفيون بين عامي 2008 و2009 بنسبة 22 % لتبلغ المساحة التي تشغلها زراعة الأفيون حوالي 23 ألف هكتار ،كما تراجع إنتاج أفغانستان من الأفيون بنسبة 10% ليصل إجمالي إنتاجها حوالي 6.900 طن وهذا التراجع لا يعزى إلي إنجازات قوات المساعدة الدولية التابعة لحلف الناتو ايساف ISAF وإنما لتراجع الطلب في السوق الدولية على الأفيون خلال الفترة سالفة الذكر لاسيما في ظل التقديرات التي تؤكد أن الإنتاج الأفغاني من الأفيون بمستواه الحالي يعادل ضعف الطلب الدولي على الأفيون بما يعني وجود بعض الأفراد في أفغانستان على علاقة بحركة طالبان يقومون بتخزين الأفيون للحفاظ على الأسعار والحيلولة دون انخفاضها .
لقد أخفقت إدارة الرئيس جورج بوش في الفترة بين عامي 2001 و2008 في التصدي لزراعة الأفيون وذلك لتركيزها على للمواجهة الأمنية مع القائمين على زراعة الأفيون وتدمير منازلهم وتجاهل التطلعات الاقتصادية للشعب الأفغاني في تحقيق مستوى ملائم من الدخل وممارسة أنشطة اقتصادية دائمة ،ومن المفترض أن تتواكب الجهود الأمنية مع إجراءات دعم الاقتصاد الأفغاني، بالنظر إلى أن إجراءات مكافحة زراعة الأفيون في الفترة سالفة الذكر أدت إلى تراجع متوسط دخل الفرد في أفغانستان بنسبة 90 % مما أدى للجوء عدد كبير منهم لممارسة أنشطة إجرامية مثل السرقة أو الانضمام لحركة طالبان أو الانتقال للعمل في زراعة الأفيون في هلمند، ويرتبط ذلك بافتقاد الحكومة الأفغانية للشرعية وعدم إدراكها لمعاناة المواطنين في أفغانستان ولاسيما في المناطق ذات الأوضاع الاقتصادية المتردية في خوجياني وأشين وشينوار والتي لا تهتم الحكومة الأفغانية أو منظمات الإغاثة الإنسانية بتقديم الدعم المادي والإنساني لقاطنيها بما دفع عددًا كبيرًا من أبنائها بالانضمام لحركة طالبان بعد معارضتهم لحكم طالبان في السابق وساعد على ذلك تراجع شرعية زعماء القبائل المتحالفين مع الولايات المتحدة.
أمن المواطن الأفغاني والإحتواء الإقتصادي لطالبان
يرتبط نجاح الولايات المتحدة في التصدي لزراعة الأفيون بتكامل عدة أبعاد محورية في الاستراتيجية الأميركية للتعامل مع الأوضاع في أفغانستان ،ويتمثل أول تلك الأبعاد في تحقيق الأمن والاستقرار للمواطن الأفغاني والامتناع عن القصف العشوائي للمواقع المدنية بما يعرض المدنيين للخطر ويقوض من الدعم الذي تحظى به قوات المساعدة الدولية في أفغانستان، ويجب على الإدارة الأميركية الفصل بين مكافحة الأفيون واستهداف المزارعين الفقراء القائمين على زراعته في مختلف أرجاء أفغانستان، وإذا نجحت قوات حلف الناتو في تحقيق الأمن فإن الاستثمارات الأجنبية والوطنية ستتدفق لدعم القطاعات الزراعية والخدمية في المناطق الريفية بما يقضي على زراعة الأفيون وبصورة حاسمة ناهيك عن الارتقاء بالصورة الذهنية للأفغانيين حول الدور الذي تؤديه الولايات المتحدة والقوات الدولية في حفظ الأمن والاستقرار وحمايتهم من هجمات حركة طالبان والتنظيمات الإجرامية .
أما البعد الثاني في الاستراتيجية الأميركية فيتمثل في تحريم زراعة الأفيون وإزالة الزراعات القائمة للقضاء على مصدر رئيس لتمويل نشاط حركة طالبان وبالإضافة للتصدي للمصادر الأخرى مثل التبرعات المالية من الباكستانيين والتبرعات القادمة من منطقة الشرق الأوسط وتهريب السلع عبر الحدود الباكستانية الأفغانية ،كما يجب التركيز على استمالة العناصر الأفغانية المتعاونة مع حركة طالبان وصغار التجار والمتعاملين في زراعة الأفيون ومنحهم عفوًا عامًّا مقابل إحجامهم عن تقديم أي مساعدة لطالبان في المستقبل ،ويمكن في هذا الصدد تأكيد أن القوات الدولية في أفغانستان لن تتمكن من استهداف جميع أنشطة زراعة وتخزين الأفيون في وقت متزامن ومن ثم يجب التركيز على المناطق التي تسيطر عليها حركة طالبان أو التي تقوم بحمايتها بمقابل مالي ومن شأن ذلك أن يقوض الدعم الذي تحظى به حركة طالبان .
ويتمثل البعد الثالث في الاستراتيجية في التنمية الزراعية وهو ما يمكن اعتباره المحور الأساسي في هذه الاستراتيجية بالنظر إلى ما ينطوي عليه من تعزيز شرعية الحكومة الأفغانية وإرساء دعائم الاقتصاد الأفغاني وتوفير فرص عمل للمواطنين وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الريفية فضلاً عن الارتقاء بالبنية التحتية بما يقضي على كافة مبررات لجوء المواطنين للانخراط في أنشطة غير قانونية مثل زراعة الأفيون .
هل تقضي التنمية الزراعية على زراعة الأفيون؟
و لكن تظل إشكاليات مثل استحالة تحقيق التنمية في فترة قصيرة واستيعاب زراعة الأفيون لعدد كبير من المواطنين والعائد المادي المرتفع بالمقارنة بزراعة المحاصيل الأخرى وعلي الرغم من ذلك تشير عدة مؤشرات إلى أن غالبية المواطنين الأفغان على استعداد بالتضحية بعائد زراعة الأفيون إذا ما تم توفير فرص بديلة للعمل في زراعة المحاصيل التقليدية خاصة في ظل تجريم الشريعة الإسلامية للعمل في تجارة المخدرات بشكل عام .
ويرتبط اجتذاب المواطنين الأفغان للزراعة التقليدية باستمرار الاستثمار في القطاع الزراعي لسنوات طويلة ومن المؤكد أن الاستثمارات الوطنية والأجنبية لن تتجه للقطاع الزراعي في المناطق الريفية في ظل انخفاض أسعار المحاصيل الزراعية نتيجة للأزمة المالية العالمية وافتقاد الأمن والاستقرار في أفغانستان ،كما أن هيكل القطاع الزراعي الأفغاني لا يزال بدائيًّا بعد ثماني سنوات من المواجهات العسكرية ولا توجد مؤسسة حكومية تشرف عليه وتقوم بتنظيمه لتنويع أو مؤسسات غير حكومية لإمداد المزارعين بالاحتياجات الأساسية ،كما أن زراعة محاصيل مثل القمح تستوعب عمالة تقل بنسبة 80 % عن زراعة الأفيون.
ومن ثم يمكن القول: إن نجاح التنمية الزراعية في أفغانستان يظل رهنًا بعوامل متعددة مثل الدعم المالي الذي تقدمه الولايات المتحدة لأفغانستان ونجاح قوات المساعدة الدولية في تحقيق الأمن والاستقرار وإعادة هيكلة قطاع الإنتاج الزراعي في أفغانستان ليصبح أكثر إنتاجية وتنوعًا كي يستوعب عددًا كبيرًا من المزارعين الأفغان، فضلاً عن ضخ استثمار من جانب الدول الأعضاء بحلف الناتو لدعم القطاعات الزراعية والخدمية وتفعيل دور مؤسسات الدولة الأفغانية والمنظمات غير الحكومية لتقديم العون للمناطق الأفغانية الأكثر فقرًا.