أفغانستان معضلة أميركية تمتد إلى باكستان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عقدت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في الأول من أكتوبر الجاري جلسة استماع لتقييم واستعراض الوضع في أفغانستان والأحداث الجارية وتأثيرها على باكستان بمناسبة الذكرى الثامنة للحرب في أفغانستان. ترأس الجلسة جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وقد تحدث في الجلسة بجانب السفير الباكستاني السابق في الولايات المتحدة والباحث في السياسة العامة بمركز وودرو ويلسون حاليًا الدكتورة مليحة لودي والسيناتور الجمهوري عن ولاية إنديانا ديك لوجار Dick Lugar، والسيد ميلت بيردن Milt Bearden عمل في السابق بالاستخبارات الأميركية بباكستان، والسيد ستيف كول رئيس مؤسسة أميركا الجديدة بواشنطن.
دار النقاش حول دور اللاعبين الإقليميين، وضرورة تعزيز الشراكة والعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وباكستان، ودور المساعدات الأميركية في إعادة بناء وتعزيز الثقة بين البلدين خاصة المدنية منها، وتقييم الإجراءات الأميركية المتخذة في أفغانستان والتي سيكون لها انعكاسات وآثار عميقة على الوضع الأمني في باكستان، والتحديات المحتملة نتيجة توسيع العمليات العسكرية في أفغانستان، وتأثيرها على الوضع الأمني في باكستان وانعكاساتها على الأمن القومي الأميركي، ومناقشة الخيارات السياسية المطروحة أمام الإدارة الأميركية.
أثار كلٌٌّ من كيري وديك لوجار عدة تساؤلات محورية عن أهمية الاستراتيجية الأميركية المتبعة في أفغانستان ليس فقط لتأثيرها على الوضع الأمني في أفغانستان بل وعلى تعزيز إمكانات الاستقرار في باكستان والمنطقة بأسرها، حيث تساءل كير عن: ما تأثير حدوث زيادة كبيرة في عدد القوات الأميركية في أفغانستان على الوضع الأمني في باكستان؟ هل سيؤدى ذلك إلى استقرار الوضع الأمني في كلا البلدين أفغانستان وباكستان ؟ هل من الممكن تشكيل حكومة شرعية في أفغانستان، خاصة في الحزام البشتوني المضطرب في الشرق والجنوب الشرقي والتي تعد أكبر مصدر لزعزعة الأمن لباكستان؟، ما الدور التفاعلي للجيش الباكستاني وأجهزة المخابرات في حالة تقليص القوات الأميركية في أفغانستان؟ كذلك تسأل لوجار عن أثار كثافة الإجراءات الأميركية المتخذة لمكافحة التمرد في أفغانستان وتجاوزها عبر الحدود ؟ ما الآثار الناتجة في حالة انهيار الحكومة في أفغانستان واستمرار التقدم الكبير لطالبان على استقرار وأمن باكستان والمنطقة بأسرها ؟
تعزيز الشراكة مع باكستان
أوضح كيري ضرورة تحقق الاستقرار في المنطقة عن طريق تقييم الأهداف والتوجهات الاستراتيجية، وإصلاح وبناء الثقة بين الولايات المتحدة وباكستان كحليف استراتيجي؛ حيث أن كثيرًا من الباكستانيين يعتقدون أن الولايات المتحدة استغلت باكستان لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. فباكستان هي أكثر الشركاء تضررًا من حرب الولايات المتحدة في أفغانستان من أفغانستان ذاتها.
وبالرغم من إشارة كيري إلى باكستان باعتبارها دولة ديمقراطية من 170 مليون نسمة، إلا أنه أعرب عن قلقه لامتلاكها ترسانة نووية كبيرة مع وجود كثيرٍ من المتطرفين داخل حدودها، ولأن العلاقات بين وكالة الاستخبارات الباكستانية وحركة طالبان لا تزال مثيرة للقلق.
وقد أشاد كيري بخطوة مجلس الشيوخ في طريق بناء الثقة بين البلدين عن طريق سن وتمرير تشريعات تعزز الشراكة مع باكستان، ومنحها مساعدات غير عسكرية تصل إلى 1.5 مليار دولار سنويًّا على مدى السنوات الخمس المقبلة. وقد وافق مجلس النواب على مشروع القانون وتعهد أوباما بتوقيع عليه. ومن جانبه أشاد لوجار بخطوة الكونغرس بتمرير قانون تعزيز الشراكة مع باكستان خاصة في المجالات الدبلوماسية والتنمية، وأهميتها لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
كذلك أكد لوجار عن ضرورة دراسة وتحديد الخيارات التي تواجهها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطي في أفغانستان وباكستان وانعكاساتها على الأمن القومي الأميركي؛ باعتبار باكستان لديها كثافة سكانية تزيد بخمس مرات عدد سكان أفغانستان بالإضافة لامتلاكها لأسلحة نووية.
التحديات المحتملة للتصعيد العسكري
أوضحت الجلسة أنه من غير المرجح الارتكاز على التصعيد العسكري في أفغانستان وحده لعدم وجود ضمان لنجاحه بل على العكس من ذلك قد يكون له نتائج عكسية على كل المستويات. فعلى المستوى العسكري، المزيد من القوات يعني تكثيف المكافحة. لذلك بينت لودي أهمية كسب تأييد القوات الأصليين باعتبارهم الأقدر على إجراء وكسب عمليات مكافحة التمرد الذين يصورن أنفسهم على أنهم يقاتلون من أجل إقامة "الوطنية ومحاربة التدخل الأجنبي، إلا أن استمرار الصراع في أفغانستان يمكن أن يوفر حافزًا جديدًا وشرعية لطالبان الباكستانية. فسيدفع التصعيد العسكري طالبان للانضمام ومساندة تنظيم القاعدة، خاصة وأن هناك وجودًا لحركة طالبان على 70% من أفغانستان، مما يعني صعوبة محاربة المجاهدين الذين عجزت القوات السوفيتية والمقدرة ب140ألف جندي و100 ألف جندي من الجيش الأفغاني هزيمتهم. وسيترتب على ذلك آثار سلبية على الرأي العام بصفة عامة والغربي بصفة خاصة نتيجة تصاعد عدد القتلى ووقوع مزيد من الخسائر.
وعلى المستوى الاستراتيجي فإن تصعيد الحرب سيكثف التنافس بين القوى الإقليمية المجاورة لمحاولة بسط النفوذ في أفغانستان، وقد أبدت باكستان قلقها من الدور الهندي في أفغانستان. وعلى المستوى الاقتصادي، فالتصعيد يعنى تصاعد التكاليف الاقتصادية والاتفاق إلى أجل غير مسمى لتغطية التكاليف المتزايدة للحرب الأفغانية اللانهائية. وعلى المستوى الإقليمي، فان التصعيد العسكري له عواقب سلبية بالنسبة لباكستان وحملة مكافحة التمرد.
وذكرت لودي أهم تلك العواقب تدفق مزيدٍ من المسلحين ومقاتلي القاعدة في باكستان وتعزز من تعرض طرق الإمداد للولايات المتحدة والناتو للضربات، وجعل باكستان أرض المعركة "الجبهة العكسية" وإقحام القوات الباكستانية لحماية خطوط الإمداد، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تصاعد عمليات العنف الانتقامية على باكستان وتدفق مزيد من اللاجئين الأفغان، أي مزيد من الآثار المزعزعة للاستقرار في المنطقة الشمالية الغربية وبلوشستان. بالإضافة إلى تآكل التوافق السياسي الموجود حاليًا في باكستان لمحاربة التشدد.
حرب أفغانستان على غرار حرب فيتنام
أظهرت المناقشات أثناء الجلسة خطورة الانسحاب المتسرع للولايات المتحدة من أفغانستان في الوقت الحالي واعتباره خطأً استراتيجيًّا وكارثة تهدد أمن المنطقة، بالإضافة إلى أن مخاطر التصعيد العسكري ستجعل حرب أفغانستان صورة مماثلة لحرب فيتنام . فقد أكد كيري ضرورة وضع استراتيجية صحيحة لأفغانستان واتخاذ القرار الصحيح على الموارد لتجنب الأخطاء الأميركية السابقة والتعلم منها، حيث حذر من تكرار النتائج والأخطار المحتملة في حالة الانسحاب كما حدث عندما انسحبت أميركا من أفغانستان في عام1989- 1990عندما تخلت الولايات المتحدة عن أفغانستان وتركتها للفوضى مما أدى إلى تزايد دور تنظيم القاعدة، حيث تدفقت الأسلحة والمخدرات واللاجئين إلى باكستان وظهور جماعات متشددة وأخرى تدعم طالبان .
وقد بدأت الدكتورة مليحة لودي حديثها بالتساؤل عن ضرورة تحديد الهدف الاستراتيجي الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه في أفغانستان وعدم ترك خيار الاشتباك والتصعيد العسكري والحرب بلا نهاية. كذلك أوضحت مليحة أن ما ذكره أوباما من أهداف "تعطيل وتفكيك وإلحاق الهزيمة بتنظيم القاعدة"لابد أن يقابله تحقيق أهداف أخرى كبناء الأمة، ومحاولة لإقامة دولة مركزية في أفغانستان.
وقد ذكر ستيف كول أن النهج الأميركي في أفغانستان عقب الإطاحة بنظام طالبان في أواخر عام 2001 ومطاردة المتمردين الإسلاميين في باكستان أسهم في زعزعة الاستقرار في باكستان. وغالبًا ما صاحب ذلك فشل الدبلوماسية الأميركية في المنطقة في سد تعميق عدم الثقة بين حكومات كابول وإسلام أباد ونيودلهي. اعتماد الولايات المتحدة لفترة طويلة جدًا على الرئيس السابق برويز مشرف الذي فشل في التصدي لتهميش المعارضين السياسيين والمتطرفين الإسلاميين، بل على العكس من تسامحت المؤسسة العسكرية الباكستانية مع الجماعات الإسلامية المتطرفة، بما في ذلك حركة طالبان الأفغانية. في باكستان ذاتها، ترتب على ذلك، اعتبار كثير من الباكستانيين الوجود الأميركي في المنطقة قائم على المصلحة الذاتية ولا يمكن الاعتماد عليه لتوفير الأمن والاستقرار في المنطقة.
الخيارات المطروحة أمام إدارة أوباما
وفندت الجلسة مجموعة من البدائل المطروحة أمام الإدارة الأميركية، التي ترى أنها تحقيق أهدافها الاستراتيجية بأفغانستان وباكستان، فقد سرد ستيف كول عديدًا من البدائل، أهمها:
إذا أشارت الولايات المتحدة إلى قيادة الجيش الباكستاني أنها تعتزم التخلي عن الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في أفغانستان، أو أنها تعتزم الاضطلاع بهذا الهدف عن طريق سياستها الإقليمية في المقام الأول من خلال شراكة استراتيجية مع الهند فإن ذلك سيؤدي إلى تعزيز المعتقدات السائدة في المؤسسة الأمنية الباكستانية الذين يجادلون بأن دعم حركة طالبان هو في المصلحة الوطنية لباكستان. ويعني هذا عدم الاستقرار في باكستان من جهة وإضعاف الأحزاب السياسية الباكستانية والمجتمع المدني في كفاحه الطويل لبناء نظام دستوري.
في الوقت ذاته، إذا قامت الولايات المتحدة بالتصعيد العسكري أيًّا كان المسمى "مكافحة التمرد"، "مكافحة الإرهاب"، فإن ذلك من شأنه أن يعزز الأصوات في المؤسسة الأمنية الباكستانية المؤيدة لدعم حركة طالبان كحاجز ضد تزايد النفوذ الأميركي والهندي في المنطقة.
إذا تبنت الولايات المتحدة سياسة مكافحة الإرهاب "فقط" في أفغانستان مع وضع خطة للانسحاب من أفغانستان، فإن ذلك سيعمق مخاطر عدم الاستقرار على طول الحدود الباكستانية الأفغانية ويقوض الدور البناء لباكستان في المنطقة.
وخلص المتحدثون إلى ضرورة قيام الإدارة الأميركية بوضع استراتيجية سياسية جديدة وفعالة في أفغانستان تسعى لعزل وإضعاف عناصر حركة طالبان. هذه الاستراتيجية يجب أن تشمل في عنصرها العسكري الصمود والدفاع في المخيمات العسكرية لتجنب خسائر أكبر، مع التفاوض على وقف إطلاق النار المتبادل، حيثما أمكن ذلك وبدءِ المحادثات مع المسلحين، باستثناء تنظيم القاعدة وما يمكن تقديمه لهم مقابل نبذ القاعدة ووقف الأعمال العدائية ودعم التنمية. فضلا عن خلق توازن عرقي في قوات الأمن الأفغانية في مقابل الانسحاب التدريجي للقوات الأجنبية من أفغانستان.
وعلى الجانب السياسي ينبغي أن يكون الهدف الرئيس هو إنشاء نظام اللامركزية السياسية، التي كانت موجودة تاريخيًّا في أفغانستان، والذي يعكس التركيبة العرقية لأفغانستان مع حماية حقوق الأقليات ودمج الفئات المستبعدة من عناصر البشتون وطالبان وتلك التي يمكن أن تنفصل عن القاعدة. وعلى الجانب الاقتصادي، ينبغي أن يكون التركيز على التنمية المحلية وخلق فرص عمل.
وترى لودي أن أهم العوامل المؤثرة في نجاح الاستراتيجية الجديدة وجود دعم محلى وإقليمي، وضرورة تنفيذها عن طريق وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي. وأكد بيردن على ضرورة تهيئة الأحوال لتحقيق مزيد من الأمن والعدالة الأفغانية عن طريق استخدام الولايات المتحدة قيادتها في أفغانستان للعمل على تنظيم أدوار اللاعبين الإقليميين في تنفيذ هذه الاستراتيجية وضمان إسهاماتهم لاستقرار الأمن في أفغانستان.
وفى ختام الجلسة اتفقت الآراء على عدم منطقية الانسحاب الأحادي الجانب من قبل الولايات المتحدة وقوات التحالف من أفغانستان والذي سينظر إليه على أنه هزيمة استراتيجية وسيشجع ويعزز قوات التطرف في أنحاء العالم للتحالف مع القاعدة وطالبان. وان استراتيجية الخروج "الانسحاب" من أفغانستان يتوقف على ظهور استقرار في باكستان التي تتجه نحو تطبيع العلاقات مع الهند والحد من التطرف داخل حدودها. لذلك اجتمعت الآراء على ضرورة رسم استراتيجية جديدة وشاملة تمهد الطريق للحكومة والقوات الأفغانية للتوصل إلى بسط نفوذها وإحكام سيطرتها على أنحاء البلاد وتهيئة الأحوال الملائمة للانسحاب الأميركي تدريجيًّا . وكذلك خلصت المناقشات إلى أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن توفر الأمن والاستقرار في أفغانستان بمفردها دون وجود شراكة فعالة للأطراف الإقليمية خاصةً باكستان على وجه التحديد، وأن إدارة أوباما تحتاج إلى بذل جهد أكبر للتواصل والتحالف مع باكستان على نطاق أوسع لتحقيق الاستقرار الإقليمي والتكامل الاقتصادي.