والدة أسير فلسطيني.. 28 عاما مرت ولا تزال تنتظر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الناصرة: صبحية وهبة يونس، من قرية عارة في المثلث الشمالي (داخل الخط الأخضر) واحدة من الأمهات اللواتي عشن تجربة فراغ ابنائهن، ولأنه من الطبيعي أن تتألم الوالدة أكثر من سواها لفراق ابنها، فباتت علاقتها، كما تصف بابنها "علاقة عشق بين أسير ومحرر" وأكثر من ذلك، كما تقول ام كريم "علاقة شوق وحنين لا ينتهي للقاء تحلم بأن يكون قاب قوسين أو أقرب".
لحظة الاعتقال
تتحدث ام كريم عن تفاصيل اعتقال كريم (52 عامًا) وقريبيها اللذين اعتقلا مع ابنها ماهر(55 عامًا) وسامي يونس (83 عامًا)، إذ تقول: "كانت طرقات الباب عنيفة على المنزل ليلة الرابع من كانون الثاني/ شتاء العام 1983، فـتح زوجي يونس فضل اليونس الباب، كانت الساعة قد تجاوزت الثانية ليلاً، كنت خلف الباب، فدفع الجنود بي الى الداخل، وطالبوني بإحضار كريم، الذي كان يدرس في جامعة بن غوريون في بئر السبع، لم يجدوه فغادروا المكان، وفي الليلة ذاتها، كانوا قد قادوا سامي قريب العائلة الى المعتقل. وفي صباح اليوم التالي ألقوا القبض على كريم أمام زملائه في جامعته، وبعد بضع ساعات لحق به قريبه ماهر، أما التهمة التي وجهت للثلاثة من عائلة يونس قتل "جندي اسرائيلي".
تتابع ام كريم سرد التفاصيل: "أخذت العائلة تبحث عن محامٍ قدير، له باع في القضايا الأمنية فأرشدونا الىالمحامي (ز.ك) الذي طلب مبلغًا عاليًا، في حينه يصل الى 16 الف دولار في العام 1983 (15 الف دولار مقابل أتعابه و1000 دولار لتشريح جثة القتيل)، وبعد 27 جلسة محكمة امتدت على مدار سنة كاملة، صدر حكم النيابة الإسرائيلية بإعدام كريم وماهر شنقًا بالحبل".
تقول ام كريم بصوتٍ خافت: "مؤكّد أنّ الحكم جاء لتحطيمنا معنويًا ونفسيًا، فلم تكن إسرائيل لتعدم أحد سجنائها حتى العام 1983، وما صدر من قرار، أعتقد أنه جاءَ ليخيفنا ويعاقبنا على كوننا مواطني اسرائيل الذين (خُنا المواطنة). وما جرى عندما طالبنا بلقاء السجناء أنهم أتوا بحراسة، يرتدون بذلات حمراء اللون، مقيدي الكفيْن والرجلين".
تابعت ام كريم سرد حيثيات الاعتقال فقالت: "تمّ استبدال المحامي العربي بآخر يهودي يدعى "زخروني" من مدينة بيتح تكفا، تلذي جصل هلة 7 الاف دولار نظير مجهوده، وخلال جلساتٍ قصيرة لم تستغرق الشهر، غيرت المحكمة قرارها من الإعدام شنقًا لمؤبدٍ مفتوح".
"هل تصدقين أنه عندما صدر الحكم بالإعدام صارت الوفود تهل علينا وكأنها تُقدم واجب العزاء؟!" قالت ام كريم، التي بدت متأثرة رغم مرور 27 عامًا على هذا الحَدث.
ام كريم تتحدث عن "قساوة الفراق وغياهب السجون"
تشعر ام كريم بغصةٍ في القلب عندما تتحدث عن تجربة السجن، وتعتبر نفسها أيضًا سجينة، مثلما مثل ابنها كريمها، فهي أمضت الى جانب ابنها 28 سنة، خلال زياراتها الدورية، مرة كل اسبوعين، فتقول: "لم أستثنِ أي زيارة طوال السنوات الماضية، كنت دائمًا أجد من يرافقني من العائلة، إما والده أو أحد أشقائه أو عمه أو خاله، وفقط في الشهر الأخير لم أزره، بسبب العملية التي أجريتها لاستئصال إحدى الكِليتين، التي فسدت بسبب الحصوة".
تقول ام كريم أنه "في لقاءاتي الدائمة مع كريم، كان إذا ما رآني أدمع ينزعج ويهددني بقطع الزيارة، ويقول بالحرف الواحد: "هل ضايقتك؟!! ألا تعتبرينني رجلاً شهمًا وشجاعًا؟!!! أليس من المفترض أن تفتخري بي بدل أن تبكي من أجلي؟!!!، ألستِ أنتِ مَن تؤمن أنّ السجن للرجال، فهل غيرتي رأيك الآن؟!!!"
تبتسم ام كريم، رغم الدموع المنهمرة: " ما يعزي القلب أنّ كريم ترك انطباعًا ممتازًا في قلوب الآخرين من زملائه السجناء ومن أهاليهم..."، وأضافت: "أحمد الله أن كريم لم يتزوج ويترك خلفه زوجة وأبنائنا، فذلك بالنسبة لي سيكون كمن طُعن في صدره بالخنجر".
وحول المعاناة التي ذاقتها ام كريم قالت: "كانت المعاناة في الوصول إلى السجون، قاسية لأبعد حدود الوصف، ففي السنوات الست الأولى أمضينا فترة طويلة ونحن نسافر تاركين أطفالنا صغارًا، لننطلق عند الساعة الرابعة صباحًا، باتجاه معتقل نفحة الصحراوي (النقب- طريق متسبيه ريمون)، ونستقل الباص الذي ينقل العمال المسافرين الى تل أبيب، ومن تل أبيب نسافر بالباص المتجه الى بئر السبع ومن نستبدله بالباص المتجه الى متسبيه ريمون (في النقب)). وما كنا نكترث حتى لو اساء بعضهم معاملتنا، فرؤية الابن تخفف من وقع كل إساءة، فنتغاضى عن كلِ مكروهٍ مقصود، من قبل إدارة السجن أو احد أفرادها، وأسوأ ما نعيشه هو لقاء الأبناء عبر الزجاج دون أن نلامسه ونتحدث اليه عبر هاتفٍ يوصل الصوت بيننا، ووجهونا تفصل بينها نافذة زجاجية".
وام كريم يونس تحفظ طريق السجون الاسرائيلية، لكثرة ما تنقلت بين السجون فتارة تسافر الى نفحة أو اشكلون أو بئر السبع أو الرملة أو الجلبواع و"وحده سجن مجيدو الذي لم يتسنّ لها زيارته، حيث لم يزرهُ كريم معتقلاً، بينما تلتقي الحاجة ام كريم ولدها في سجن في هداريم".
وتقول ام كريم: "في السابق كانت الأمور المتاحة في السجون أكثر بكثير من المتاح اليوم، اليوم الوضع زاد صعوبة، بينما في الساحة كان يسمح للأهل بإدخال الزيت والزيتون وأصناف كثير من الطبخ (كأوراق الدوالي) والأرز إضافة إلى الملابس دون تحديد والقهوة والشاي، أما اليوم فاستعيض عن المسموحات السابقة بالكانتينا وهي مبلغٌ (يصل إلى 1300 شاقل شهريًا)، يُدفع لدكانة السجن ليتزوّد الأسير ببعض مستلزماته من صابونٍ ودخان وشامبو وأدوات حلاقة ومعجون أسنان وما إلى ذلك، حسب طلبه.
أما صحة السجين فتصفه والدته صبحية يونس بالقول: "هو على ما يُرام، ويواصل دراسته الجامعية، وفي كل مرةٍ أراه فيها يبدو أكثر عزمًا وإصرارًا، وهو شديد التفاؤل بقرب خروجه من السجن، لأنه في بعد اعتقاله بقليل طلبه أحمد جبريل في إحدى الصفقات مع إسرائيل، بعد أن هدّد جبريل بقتل الأسرى الإسرائيليين الثلاثة في حال تمّ اعدام كريم".
وتهمس أم كريم أنها "سمعت من أحد المفاوضين، أنّ حماس غير موافقة على الافراج عن الجندي شاليط، إن لم يكن فلسطيون الداخل من بين المنوي الإفراج عنهم في هذه الصفقة".
وفي بيتها في قرية عارة في المثلث، جلست ام كريم وقالت: "حتى الكرسي ملّ هو الآخر انتظار كريم، إنني اشتاقُ الى ابني بصورة لا اعرف وصفها، تفوق الخيال، اشتاق لضمه الى صدري وعناقه طويلاً، وأخشى ما أخشاه أن أنهار ساعة لقائه، فلا تحملني رجلاي وأفقد توازني ويضيع وعيي!! ولطالما قال لي ابني كريم عُدّي الساعات حتى أدخل إليكِ على غيرِ موعدٍ، فأصدقه، لأنني أعرف أنّ إسرائيل اعتادت على الافراج عن السجناء الأمنيين دون سابق انذار..." وتضيف ام كريم بنبرة أهدأ: كثيرًا ما سألته: هل تذكر طريق بيتنا؟! فيضحك ويقول "وهل أتوه عن البيت، ثم أنه سهلٌ جدًا، انه على الشارع الرئيسي، مقابل محطة الباص!"...
أما عن احتمال إبعاده للخارج، إذا ما تمّ الافراج عنه من قبل السلطات الاسرائيلية فتشير ام كريم انها سمعت بهذا الأمر وتتوقعه، وتتقبله أيضًا، المهم في الأمر بالنسبة لها كما قالت ان يذوق طعم الحرية، حتى لو كان ذلك ثمنه التهجير الى الدنمارك او النرويج، وهي تأمل أن تسافر اليه هناك مرة أو مرتين على الأقل (قبل ان يسرقها العمر)...
وفي كل مرةٍ يتشعب الحديث ويبتعد قليلاً عن سجن كريم، تعود والدته لتتحدث بشوقٍ عنه، فهي تقول: "أتخيل أنه سيخرج، وأنا جالسة في مقعدي هذا، وإذا بالباب يفتح دون أن يقرع الباب أحد، ويدخل كريم فاتحًا الباب على مصراعيه، ليسرع اليّ ويحتضنني فأصرخ من شدة الفرحة، حتى يكاد يغمى علي".
حزينة تبدو ام كريم، بسبب بعدها عن ابنها السجين، وكلما تحدثت عنه انهمرت دموعها فعادت الى تجفيف وجنتيها من جديد، ثم هدأ البكاء فقالت: "لم يكن ما هو أجمل من أن يُمسك الشقيق بذراع شقيقته ويسلمها هو الى عريسها"!! وعندما احتفلنا بزفاف اصغر ابنائي انطلقت الموسيقى في المكان، وأثرَ بي صوت المغني وهو يقول: "انا مسافر يا امي ودعيني"... وفي مقطع آخر "...أنا عرفان يا امي دمعاتك سخية"... عندها بكيت بحرقةٍ شديدة في ركنٍ منزوٍ، فنظر اليّ أحد الأقرباء، وامسك بي (رحمة الله عليه، لقد توفي)، يومها سألها باستغراب: "ألستِ أنتِ ام كريم الصامدة الصابرة؟! كيف يمكن لكِ أن تكوني ضعيفة بهذا الشكل؟!!".
التعليقات
الله واكبر
سيف العراق -الدموع تنهمر من عيني ولا اعرف ماذا اقول ، حسبي الله ونعم الوكيل
مقعد في قطار
فلسطيني مغترب -مناديلُ ليست لناعاشقاتُ الثواني الأخيرةِضوءُ المحطةوردٌ يُضَلِّل قلبًا يُفَتِّش عن معطفٍ للحنانِدموعٌ تخونُ الرصيفَ. أساطيرُ ليست لنامن هنا سافروا، هل لنا من هناك لنفرحَ عند الوصول؟زنابقُ ليست لنا كي نُقَبِّل خط الحديدنسافر بحثًا عن الصِّفْر لكننا لا نحبُّ القطارات حين تكون المحطات منفى جديدًامصابيحُ ليستْ لنا كي نرى حُبَّنا واقفًا في انتظار الدخانِقطارٌ سريعٌ يَقُصُّ البحيراتِفي كُل جيبٍ مفاتيحُ بيتٍ وصورةُ عائلةٍكُلُّ أهلِ القطارِ يعودون للأهلِ، لكننا لا نعودُ إلى أي بيتٍنسافرُ بحثًا عن الصفرْ كي نستعيد صواب الفراشنوافذُ ليستْ لنا، والسلامُ علينا بكُلِّ اللغاتتُرى، كانت الأرضُ أوضحَ حين ركبنا الخيولَ القديمةَ؟أين الخيول، وأين عذارى الأغاني، وأين أغاني الطبيعة فينا؟بعيدٌ أنا عن بعيديَما أبعد الحبّ! تصطادنا الفتياتُ السريعاتُ مثل لصوصِ البضائعِننسى العناوين فوقَ زجاج القطاراتِنحن الذين نحبُّ لعشر دقائقَ لا نستطيع الرجوعَ إلى أي بيتٍ دخلناهلا نستطيع عبور الصدى مرتينمقعد في قطار....محمود درويشاتمنى وارجو النشر يا ايلاف.
مؤثر جدا
رحيق -مؤثر جدا
الله واكبر
سيف العراق -الدموع تنهمر من عيني ولا اعرف ماذا اقول ، حسبي الله ونعم الوكيل
مقعد في قطار
فلسطيني مغترب -مناديلُ ليست لناعاشقاتُ الثواني الأخيرةِضوءُ المحطةوردٌ يُضَلِّل قلبًا يُفَتِّش عن معطفٍ للحنانِدموعٌ تخونُ الرصيفَ. أساطيرُ ليست لنامن هنا سافروا، هل لنا من هناك لنفرحَ عند الوصول؟زنابقُ ليست لنا كي نُقَبِّل خط الحديدنسافر بحثًا عن الصِّفْر لكننا لا نحبُّ القطارات حين تكون المحطات منفى جديدًامصابيحُ ليستْ لنا كي نرى حُبَّنا واقفًا في انتظار الدخانِقطارٌ سريعٌ يَقُصُّ البحيراتِفي كُل جيبٍ مفاتيحُ بيتٍ وصورةُ عائلةٍكُلُّ أهلِ القطارِ يعودون للأهلِ، لكننا لا نعودُ إلى أي بيتٍنسافرُ بحثًا عن الصفرْ كي نستعيد صواب الفراشنوافذُ ليستْ لنا، والسلامُ علينا بكُلِّ اللغاتتُرى، كانت الأرضُ أوضحَ حين ركبنا الخيولَ القديمةَ؟أين الخيول، وأين عذارى الأغاني، وأين أغاني الطبيعة فينا؟بعيدٌ أنا عن بعيديَما أبعد الحبّ! تصطادنا الفتياتُ السريعاتُ مثل لصوصِ البضائعِننسى العناوين فوقَ زجاج القطاراتِنحن الذين نحبُّ لعشر دقائقَ لا نستطيع الرجوعَ إلى أي بيتٍ دخلناهلا نستطيع عبور الصدى مرتينمقعد في قطار....محمود درويشاتمنى وارجو النشر يا ايلاف.
مؤثر جدا
رحيق -مؤثر جدا