معركة الرعاية الصحية تنتقل لمجلس الشيوخ الأميركي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بعد سجال ومناقشات دامت أشهرا، نجح مجلس النواب الأميركي في إقرار مشروع قانون لإصلاح الرعاية الصحية بأغلبية ضئيلة، في خطوة وصفها كثيرون بـ"التاريخية".
واشنطن: نجح مجلس النواب الأميركي في إقرار مشروع قانون لإصلاح الرعاية الصحية يحمل اسم "Affordable Health Care for America Act"، بأغلبية ضئيلة حيث وافق 220 عضوًا مقابل معارضة 215 عضوًا، منهم 39 نائبًا ديمقراطيًا، معتبرين أن الرئيس أوباما قد نجح في تحقيق هدف استعصى تحقيقه على رؤساء الولايات المتحدة خلال عقود ماضية. وقد وصف أوباما تصويت مجلس النواب الأميركي على مشروع القانون بأنه "تصويت شجاع"، قائلاً "على مدى سنوات أخبرونا أننا لا يمكننا القيام بذلك"، ودعا، في خطاب له بعد نحو 14 ساعة من إقرار مجلس النواب لمشروع القانون، مجلس الشيوخ إلى تقديم هذا الجهد إلى خط النهاية".
الخطوط العريضة لمشروع مجلس النواب
تتمثل أهم بنود مشروع القانون الذي تبلغ عدد صفحاته حوالي ألف صفحة- وذلك وفقًا لتقرير أعده كل من إريكا ويرنر وريكاردو ألنزو- زاليدار لوكالة أسشيوتد برس، 8 من نوفمبر 2009 في الآتي:
يغطي المشروع 96% من المقيمين الشرعيين داخل الولايات المتحدة الأميركية الذين تقل أعمارهم عن 65 سنة، مقارنة بالنسبة الحالية التي تبلغ 83%، وحوالي ثلث الـ 18 مليون الباقين من غير مظلة تأمينية هم من المهاجرين غير الشرعيين. وسيتكلف مد مظلة التأمين الصحي طوال العشر سنوات المقبلة، حسب بيانات مكتب الميزانية في الكونجرس، حوالي 1.055 تريليون دولار. وتبلغ التكلفة الصافية حوالي 94 مليار دولار، مع احتساب العقوبات على الأفراد وأرباب العمل الذين لا يتوافقون مع المتطلبات الجديدة. ويتحتم توفير نحو 900 مليار دولار في فترة الرئيس أوباما. بيد أن هذه الأرقام لا تتضمن مجموعة متنوعة من التكاليف الجديدة الواردة في مشروع القانون، بما في ذلك زيادة تغطية الأدوية الوصفات الطبية لكبار السن الداخلين تحت برنامج الرعاية الطبية، ولذا قد تصل التكلفة الإجمالية إلى حوالي 1.2 تريليون دولار.
ومن المتوقع أن يتم توفير الأموال خلال العقد القادم من خلال ضرائب جديدة على الدخل على الأفراد الذين يتجاوز دخلهم 500 ألف دولار في السنة، والأزواج الذين يتجاوز دخلهم أكثر من مليون دولار في السنة. وكان مشروع القانون الأصلي ينص على فرض ضرائب دخل جديدة على الأفراد الذين يتجاوز دخلهم 280 ألف دولار في السنة، والأزواج الذين يتجاوز دخلهم 350 ألف دولار في السنة، لكن الأرقام تم زيادتهما نتيجة خوف المشرعين من أن هذه الضرائب ستطول كثيرًا من الأفراد والقليل من الأعمال.
وهناك أيضًا أكثر من 400 بليون دولار مقتطعين من النفقات على نظامي "ميديكير" و"ميديكيد" ، و20 بليون أخرى أجور إضافية على صناع الأجهزة الطبية، و13 بليون من تحديد الإسهامات لحسابات الإنفاق المرنة والغرامات الكبيرة التي توقع على الأفراد وأصحاب العمل الذي لا يحصلونَ على التغطية الصحية؛ ومزيج الضرائب والأجورِ المتعلقة بالشركات الأخرى.
ويجب على كل الأفراد أن يكون لديهم تأمين وإلا سيواجهون عقوبة ضريبية تبلغ 2.5% من الدخل. ويمكن للأفراد أن يتقدموا بطلبات تنازلات المشقة إذا كانوا لا يستطيعون تحمل التغطية الصحية. ويجب على أصحاب الأعمال أن يزودوا العاملين لديهم بالتأمين وإلا سيتعرضون لعقوبة تبلغ نسبتها 8% من قائمة الرواتب. مع إعفاء الشركات بقوائم الرواتب أقل من 500 ألف دولار سنويًا، وتتدرج العقوبة في الشركات التي تتراوح قوائم الرواتب فيها بين 500 ألف دولار و700 ألف دولار. أما بالنسبة للأعمال الصغيرة، 10 عمال أو أقل، فيحصلون على اعتمادات ضريبة لمساعدتهم على تزويد العاملين لديهم بالتغطية الصحية.
بداية من العام 2013 سيتم فتح الباب لتبديل التأمين الصحي للأفراد وأصحاب العمل الصغيرة. وبمرور الوقت سيمتد الأمر ليشمل أصحاب الأعمال الكبيرة. ويمكن للولايات أن تختار طريقة التغيير الخاصة بها بدلاً من الطريقة الفيدرالية، وذلك في حالة التزامها بالقوانين الاتحادية.
وعن القيود على صناعة التأمين سيتم السماح بالتغطية التأمينية التي تقوم على أساس الشروط المسبقة. ولن يتم السماح بارتفاع أقساط التأمين بالنسبة للشروط المسبقة أو على أساس النوع. وستبنى القيود المفروضة على ارتفاع أقساط التأمين على أساس العمر. وبشأن الخيار الحكومي فإن خطة حكومية سيتم إنشاؤها وإدارتها بواسطة وزير الصحة والخدمات البشرية. وصممت الخطة أصلا من قبل الديمقراطيين لدفع معدلات الرعاية الصحية بالإضافة إلى 5 في المائة للأطباء.
لكن الصيغة النهائية لمشروع القانون- بفضل المشرعين المعتدلين- من شأنها السماح لوزير الصحة بالتفاوض حول الأسعار مع مزودي الخدمة. ويمنح القانون حماية سوقية لمدة 12 عامًا للعقاقير التي تعتمد على تكنولوجيا عالية والمستخدمة في مكافحة السرطان والشلل الرعاش وغيره من الأمراض الفتاكة. ويطالب وزير الصحة بالتفاوض على أسعار الأدوية نيابة عن المستفيدين من الرعاية الطبية.
المعركة في مجلس الشيوخ
لا يعني تمرير مشروع القانون الخاص بإصلاح الرعاية الصحية في مجلس النواب أن الطريق بات ممهدًا لإصدار تشريع الرعاية الصحية، فهناك شعور عام داخل البيت الأبيض والكونجرس أن المواجهة الأصعب لم تأت بعد، حسبما تذكر شيريل جاي ستولبيرج في تقرير لها بصحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان "أوباما يضغط على الشيوخ لتمرير مشروع الصحة"، في 9 من نوفمبر 2009. فالمناقشات داخل مجلس النواب ألقت الضوء على الضغوط الكثيرة التي ستؤثر على أعضاء مجلس الشيوخ عند مناقشتهم قضايا مثيرة للجدل مثل التمويل الفيدرالي للإجهاض، والتغطية التأمينية للمهاجرين غير الشرعيين، وخيار التأمين الحكومي.
ومن جهة أخرى يعتبر الوقت عاملاً شديد الأهمية بالنسبة لمسئولي إدارة أوباما، فالرئيس أوباما يريد الانتهاء من قانون الرعاية الصحية حتى يتمكن من تحويل انتباهه إلى الأولويات التشريعية الأخرى، بما في ذلك تمرير مشروع قانون الطاقة وإصلاح النظام المالي.
وبصفة عامة، فإن مشروع القانون الذي أقره مجلس النواب يختلف في جوانب عديدة عن مشروع القانون الذي يعمل عليه الديمقراطيون في مجلس الشيوخ، حيث قام السيناتور هاري ريد، زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، بدمج اقتراحات كل من اللجنة المالية ولجنة الصحة والتعليم والعمل والرواتب التقاعدية (HELP) في مشروع واحد، ورغم أن تفاصيل المشروع ليست متاحة للعامة فإن الخطوط العريضة معروفة.
فخلافًا لمشروع قانون مجلس النواب، والذي ينص على فرض ضرائب على الأفراد الذين يكسبون أكثر من 500 ألف دولار في السنة، والأزواج الذين يحصلون على أكثر من مليون دولار، فإن مشروع القانون الخاص بمجلس الشيوخ يفرض ضريبة تبلغ 40 في المائة على ما يسمى "خطط كاديلاك" التي تبلغ تكلفتها أكثر من 8 آلاف دولار في السنة للفرد، أو 21 ألف دولار للعائلة. وخلافًا لمشروع قانون مجلس النواب، الذي يتضمن خطة التأمين الحكومي، فإن مشروع القانون في مجلس الشيوخ يسمح للولايات بالانسحاب من هذا الخيار.
وتتمثل الخطوط العريضة للمشروع في أن نسخة اللجنة المالية في مجلس الشيوخ تشير إلى تغطية ما يقرب من 94 في المائة من الأميركيين. ولن يحصل المهاجرون غير الشرعيين على أية مزايا حكومية. ويهدف قادة مجلس الشيوخ إلى إبقاء التكلفة دون 900 مليار دولار على مدى 10 سنوات. ويتم توفير التكلفة من خلال الرسوم على شركات التأمين، وصناع الأدوية، ومصنعي الأجهزة الطبية. الضرائب المفروضة على شركات التأمين، تساوي 40 في المائة من إجمالي الأقساط المدفوعة على خطط التأمين التي تكلف الأفراد أكثر من 8 آلاف دولار سنويًا، والعائلات أكثر من 21 ألف دولار سنويًا، لكن هذا الرقم قد تتم زيادته إلى نحو 23 ألف دولار سنويًا. وقد يسمح للمتقاعدين فوق سن الـ 55، والعاملين في مهن عالية المخاطر أن يتمتعوا بخطط تأمينية تكون تكلفتها أعلى بدون فرض الضرائب عليهم. بالإضافة إلى الاقتطاعات من النفقات على برنامجي "ميديكير" و"ميديكيد"، والرسوم التي ستفرض على أصحاب العمل الذين يتلقى العاملون لديهم إعانات حكومية لمساعدتهم على دفع أقساط التأمين. وغرامات على الأشخاص الذين يمتنعون عن شراء التغطية.
ويجب على كل شخص تقريبًا أن يحصل على التغطية إما من خلال صاحب العمل، أو من تلقاء نفسه أو من خلال الخيار الحكومي. وسيكون هناك إعفاءات بسبب المصاعب الاقتصادية. وتطالب نسخة اللجنة المالية بمجلس الشيوخ الأفراد والأسر بشراء التغطية طالما أنها لا تتكلف أكثر من 8 في المائة من دخلهم. وأولئك الملزمون بشراء التغطية ويرفضون سيواجهون غرامة قدرها 100 دولار في السنة الأولى من البرنامج، من المرجح أن تزيد بمرور الوقت. و بالنسبة لأصحاب العمل فإنهم ليسوا مطالبين بتوفير التغطية الصحية، لكن الشركات التي لديها أكثر من 50 من العاملين بدوام كامل عليها دفع رسوم تصل إلى 750 دولار مضروبة في إجمالي حجم قوة العمل إذا أنهت الحكومة دعم التغطية بالنسبة للموظفين.
اقترح السيناتور ريد خطة تأمين فيدرالية جديدة بمعدلات سداد لمقدمي الخدمة يتم التفاوض عليها مع ويز الصحة والخدمات الإنسانية. وخلافًا لمشروع القانون الذي أقره مجلس النواب يمكن للولايات الانسحاب من هذه الخطة. وليس واضحًا حتى الآن ما إذا كان الاقتراح سيحصل على ما يكفي من الأصوات لتمريره. ويمكن الاستعاضة عنه بنظام بديل جاهز من جانب المعتدلين، لن يدخل حيز التنفيذ حتى يصبح واضحًا أن الولايات تعاني من نقص القدرة على التنافسية بين شركات القطاع الخاص. وأيضًا مشروع قانون من شأنه أن يخلق متعاونيات co-ops غير ربحية مملوكة لأعضائها للتنافس مع شركات التأمين الخاصة.
وعن كيفية اختيار التأمين الصحي، سيتمكن كل من الأفراد الذين يعملون لحسابهم، والأفراد غير المؤمن عليهم والشركات الصغيرة من اختيار خطة تأمين صحية من خلال كيانات شرائية جديدة تديرها الدولة. وسيشجع المشروع الموظفين على الحفاظ على خطط التأمين الموفرة لهم في العمل. وبالنسبة للأدوية يمنح القانون 12 عامًا من الحماية السوقية للعقاقير التي تحتاج لتكنولوجيا عالية والمستخدمة في مكافحة السرطان والشلل الرعاش وغيره من الأمراض الفتاكة.
وستسهم شركات الأدوية بحوالي 80 مليار دولار على مدى 10 سنوات، وستستخدم معظم هذه الأموال للحد من الفجوة في التغطية العلاجية في نظام ميديكير. وبشأن إجراءات مكافحة الاحتكار فيتوقع أن يعرض تعديل على مجلس الشيوخ لإنهاء استثناء قطاع صناعة التأمين الصحي من مكافحة الاحتكار الممنوح له.
معارضة جمهورية وديمقراطية
تواجه خطة إصلاح الرعاية الصحية معارضة كبيرة داخل الكونجرس، كما سبق تفصيله في تقرير سابق تحت عنوان "الكونجرس وقضية الرعاية الصحية"، سواء من قبل الجمهوريين الذين صعدوا من لهجتهم، وهو ما بدا واضحًا في تصريحات السيناتور ميتش مكونيل، الزعيم الجمهوري في مجلس الشيوخ، حيث قال "قريبا سوف يكشف الديمقراطيون في مجلس الشيوخ عن النسخة الخاصة بهم"، مضيفا "إننا لا نعرف كم سيكون حجمه كبيرًا أو كيف سيكون مكلفًا، لكننا نعرف على وجه اليقين أنه سيعني ارتفاع أقساط التأمين وزيادة الضرائب وتخفيضات هائلة على الرعاية الطبية لخلق مزيد من البرامج الحكومية. ليس هذا إصلاحًا".
وتتعدد أسباب معارضة الجمهوريين لخطة الإصلاح، فهناك دوافع أيديولوجية؛ حيث إن جانب كبير من الجدل الدائر حول هذه الخطة يدور حول الفلسفة التي تقوم عليها، بمعنى الدور الذي ستلعبه الحكومة الفيدرالية في تنفيذها. فغالبية الجمهوريين، واليمين الأميركي خاصةً، يرفضون بشكل قاطع فكرة تدخل الدولة، ويعمدون إلى تقليل هذا التدخل إلى الحد الأدنى.
وهناك أسباب تتعلق بالخوف من التكلفة الكبيرة لخطة إصلاح الرعاية الصحية، واحتمالية أن تؤدي إلى زيادة عجز الميزانية الفيدرالية بنحو 293 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة فضلاً عن إضرارها بالشركات المتوسطة والصغيرة التي يعول عليها الخبراء لامتصاص الأعداد المتزايدة من العاطلين من جراء الأزمة الاقتصادية.
وبجانب معارضة الجمهوريين يواجه المشروع الخاص بمجلس الشيوخ معارضة من بعض الديمقراطيين المعتدلين، على رأسهم السيناتور جوزيف ليبرمان الذي تعهد، في برنامج "فوكس نيوز صنداي"، بتعطيل وعرقلة أي خطة تتضمن خيار التأمين الحكومي. قائلا "إذا كان خيار التأمين الحكومي موجود في مشروع القانون. وباعتبارها مسألة ضمير، لن أسمح لمشروع القانون هذا أن يدخل مرحلة التصويت النهائي".