أخبار

أجيال الهجرة في فرنسا يحلمون بأوباما جديد..

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

كانت أكثر دول أوروبا ترحيبًا بهذا الحدث
أجيال الهجرة في فرنسا يحلمون بأوباما جديد..

أنيسة مخالدي من باريس:
لماذا لا يصبح لنا "أوباما" فرنسي؟ هذا التساؤل أصبح يجّسد الحلم الجديد لأجيال الهجرة في فرنسا من عرب و أفارقة وآسيويين، أصبحوا يعيشون منذ وصول أول رئيس من أصول أفريقية لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية على وقع طموحات جديدة بمساهمة وتمثيل أقوى لهم في جميع مجالات الحياة السياسية، المهنية والاجتماعية بحيث يعكس واقع ثقلهم البشري والاقتصادي الحقيقي في المجتمع الفرنسي.

حماس الفرنسيين و إعجابهم بشخصية "أوباما" قد بدأ قبل انتخابه، حيث تكونت في ضاحية باريس لوحدها أكثر من 20 جمعية مناصرة للرئيس الأميركي، معظمها بإيعاز من شباب الضواحي ذوي الأصول الأجنبية، مهمتها جمع التبرعات وبيع أغراض تحمل صور الرئيس الأميركي على شبكة الأنترنت. بعضها كجمعية www.pour-obama.fr التي يرأسها سياسي شاب يدعى كمال حمزة، جمعت تأييد ما يقارب من 10.000 مواطن فرنسي من بينهم شخصيات معروفة كالوزير السابق جاك لانغ، الممثلة إيزابيل أجاني أو عمدة باريس "برتران دولانوي".

كما كشفت دراسة أوروبية قام بها معهد "إيفوب"، بأن فرنسا كانت أكثر دول أوروبا ترحيبًا بهذا الحدث، حيث أعلن %78 من مواطنيها أنهم مسّتعدون لانتخاب مرشح مثل أوباما في بلدهم مقابل %72 من الألمان، %66 من الإيطاليين و%54 من الأسبان، لكن ما حدث أيضا هو أن أجيال الهجرة المغاربية والإفريقية قد أسقطوا وضعيتهم على وضعية الأقليات الأميركية، ورأوا أنفسهم فيهم، فعاشوا هذا الحدث كأنه يخّصهم مباشرة. يقول رولان كاريول" مدير معهد CSA للإحصاء: "مع أن المشوار و التاريخ ليسا متشابهين تماماً، إلا أن الأقليات في فرنسا والولايات المتحدة قد شهدتا نفس المحّن والأحزان من عبودية واستعمار ثم الفقر والتمييز العنصري، ولكن في الوقت الذي عرف فيه السود الأميركان ثورة في الستينات انتهت بفرض وجودهم في كل المجالات، بقي أبناء المهاجرين العرب و الأفارقة في فرنسا ينتظرون مكتوفي الأيدي".

علماً أن حركة التمرد السلمية الوحيدة التي عرفها هؤلاء كانت في بداية الثمانينيات وسميت آنذاك ب"لامرش دي بور" أو "مسيرة أبناء المهاجرين" وكانت قد عمّت كبريات المدن الفرنسية للتنديد بالتمييز العنصري الذي يطالهم والمطالبة بمزيد من العدالة الاجتماعية، لكن سرعان ما وظّفها الحزب الاشتراكي لأغراضه السياسية فأنشأ جمعية "أس أو أس رسيزم" sos racisme المناهضة للتمييز العنصري والتي تحّولت شيئا فشيئا عن مهمتها الأساسية لتصبح أداة دعاية في يد الحزب الاشتراكي.

"أوباما بالنسبة لأجيال الهجرة في فرنسا يعني "الحلم"- يقول كريم زريبي" إطار سامي وناشط في الحزب اليساري- فوصول أول رئيس أسود على رأس دولة كبيرة كالولايات المتحدة الأميركية يعني ببساطة أن ذالك ربما قد يحدث عن قريب في فرنسا..." و قد كان ناشطون سياسيون ومثقفون قد حاولوا عبر عدة مناسبات دقّ ناقوس الخطر: الأقليات العرقية ليست ممثلة بما فيه الكفاية في فرنسا، والمشكلة لا تعني ميدان السياسة فقط، فكل المجالات معنية باستثناء الرياضة.

ففي الوقت الذي تطورت فيه وضعية السود واللاتينيون في الولايات المتحدة الأميركية بشكل ملحوظ في ظرف 40 سنة أصبحوا فيها على رأس كل مؤسسات الدولة الخاصة والعامة بفضل تطبيق قانون "التمييز الإيجابي" أو "البوزيتسف أكت" الذي يجبر أرباب العمل والإدارات على توظيف 20% من ذوي الأصول الأجنبية، بقي المشهد السياسي والمهني في فرنسا شاحباً يكاد يخلو من وجوه التعددية. ففي البرلمان الفرنسي الذي يضم 377 نائب لا يوجد ولا ممثل من أصول عربية أو سوداء. بينما أربعة نساء فقط يمثلن أكثر من %20 من الفرنسيين في مجلس الشيوخ بقصر "الّلُوكسبورغ" (لوسنا) اثنتان من أصول جزائرية، واحدة من أصول مغربية وواحدة من أصول إفريقية.

تمثيل الأقليات في بروكسل ليس أحسن حالاً، واثنان فقط هو عدد النّواب الذين رشحّهم الحزب الاشتراكي لتمثيله في البرلمان الأوروبي هما الجزائري الأصل "قادر عارف" و"هرلام ديزير" المارتينيكي الأب. نفس الاستنتاج الكارثي موجود على مستوى التمثيل المحلي، حيث كشفت دراسة أخيرة أنجزت بطلب من المجلس الأعلى للاندماج (HCI) بأن ممثلي البلديات ذوي الأصول الأجنبية لا يمثلون في جميع أنحاء فرنسا سوى نسبة %6 وهو ما يعادل 2300 ممثل معظمهم في مناصب ليس بها أي سلطة تنفيذية تُذكر كمنصب مستشار بلدي أو عون عمدة وأربعة فقط من بين هؤلاء استطاعوا الوصول لمنصب عمدة أو رئيس بلدية. مثل هذا التمثيل لا يعكس بتاتا حقيقة النسيج العرقي والاجتماعي الفرنسي الذي يضم الآن 3 أجيال من الهجرة، وحيث تشّكل الأقليات العرقية في بعض المناطق السواد الأعظم من السكان. بعض السياسيين الشباب المنّحدرين من الهجرة يرون أن مهمة دعم وتشجيع التمثيل السياسي للأقليات تقع الآن على عاتقهم و قد قام العشرات منهم بعد أيام من تعيين الرئيس الأميركي الجديد بالإعلان عن إنشاء جمعية جديدة لهذا الغرض سميت aneld يقول السيد ساري فؤاد وهو أحد مسئوليها أن "مهمتها هي اكتشاف "أوباما" جديد لفرنسا أو زيدان ثاني للسياسة..." وكلهم دعوا إلى محاكاة المثل الأميركي في تشجيع التعددية، ففي أقل من خمسين سنة و بعد أن كان السود مهّشمين في كل الميادين وصل عدد أعضاء الكونغرس الذين يمثلونهم اليوم إلى 42، رؤساء البلديات إلى 614، المحافظين إلى أربعة إضافة إلى حكومة "أوباما" الجديدة التي يعتبر أكثر من نصف أعضاءها من ذوي الأصول الأجنبية، ناهيك عن وجود المئات منهم على رأس أكبر المؤسسات المهنية و الإعلامية في البلاد.

و الواقع أن "الحلم" بتمثيل أقوى في كل هياكل الدولة قد بدأ يراود أجيال الهجرة الفرنسية من عرب وسود منذ أكثر من سنتين حين وعد الرئيس سركوزي بمناسبة حملته الانتخابية بإنصاف هذه الفئات عن طريق تطبيق سياسة "التمييز الإيجابي" المعمول بها في الولايات المتحدة و بريطانيا، لكن باستثناء "رمزية" إجراء التعيين الذي استهدف ثلاث وزيرات من أصول أجنبية، فإن كثير من القرارات التي كان قد أعلن عنها في حملته الانتخابية لتعزيز هذا التوجه قد تّم التخلي عنها. فقانون "التمييز الإيجابي" رُفض بحجّة أنه قد يثير تمييز من نوع آخر ضد "البيض" وقد يوقظ الأحقاد العرقية و الاجتماعية رغم أن المدافعين عنه لا يوصون بتطبيقه إلا لمدة "مؤقتة"، كذالك الحال بالنسبة "للسيرة الذاتية المجهولة" CV anonyme الذي صادق عليه النواب منذ سنتين، لكنه لم يدخل حّيز التنفيذ لأن الرئيس لم يمضي بعد المرسوم الرئاسي الخاص به وهو الإجراء الذي كان معظم مناصري التعددية قد أوصوا به لتشجيع وصول شباب الضواحي إلى المدارس الكبرى و مناصب العمل المهّمة التي غالبا ما تبقى مغلقة في وجوههم بسبب أصولهم الأجنبية ووضعيتهم الاجتماعية التي تظهر على السيّر الذاتية". الانتقادات طالت أيضا قرارات سركوزي الأخيرة بإنشاء هيئات تراقب احترام المؤسسات الإعلامية و المهنية لمبدأ التعددية وهما المجلس الأعلى للاندماج (HCI) و مفتشيه التعددية (CD ) اللتان لا تملكان أي سلطة فعلية تجبر المؤسسات على احترام مبدأ التعددية في التوظيف أو معاقبتها مثلاً في حالة التقصير و كل ما يمكن أن تفعله هذه الهيئات هو مراقبة الوضع ورفع تقريرها للوزارة المعنية ليس أكثر ولا أقّل. أكثر من بعض المبادرات المتفرقة فإن أجيال الهجرة من مغاربة وإفريقيين ينتظرون الآن سياسة "حقيقية" تسمح بإخراجهم أخيراً من دائرة التهميش التي يعيشون فيها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف