بدء مبكر للشد والجذب بين البيت الأبيض والكونغرس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: مع فوز الديمقراطيين وسيطرتهم على الكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، وعلى البيت الأبيض مكونين حكومة تُعرفُ باسم الحكومة الموحدة، أضحت هناك وجهتا نظرٍ حول العلاقة بين البيت الأبيض والكونغرس. تتوقع وجهة النظر الأولى انسجامًا تامًّا بين الكونجرس والبيت الأبيض يُمكن الرئيس الأميركي من تنفيذ أجندته دون معارضة.
في حين ترى وجهة النظر الأخرى عكس ذلك مستندة إلى الخبرة التاريخية في أن سيطرة أحد الحزبين الكبيرين، الديمقراطي أو الجمهوري، على السلطتين التنفيذية والتشريعية لا يعني انسجامًا في الرؤى بين البيت البيض والكونغرس وخير مثال على ذلك فرانكلين روزفلت الذي قاد الولايات المتحدة في وقت بلغ الكساد الاقتصادي فيه ذروته، وبمساعدة الأغلبية الديمقراطية في الكونغرس في ذلك الوقت تمكن من قيادة الولايات المتحدة للخروج من الكساد، ولكنه في فترته الثانية اصطدم بحزبه في الكونغرس.
وعلى هذا المنوال بدأ الرئيسان الديمقراطيان "جيمي كارتر" و"بيل كلينتون" ولايتيهما بأغلبية لحزبهما في مجلسي الشيوخ والنواب، قبل أن تتوتر علاقتهما مع الكونغرس بعد ذلك بدرجة كبيرة. ويستند أنصار الرأي الثاني إلى معاناة باراك في الحصول على موافقة مجلسي الكونغرس على خطته لإنقاذ الاقتصاد الأميركي.
أميركا من الحكومة المنقسمة إلى الموحدة
تمتع الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش بفترة حكومة موحدة غير قصيرة امتدت من بداية حكمه عام 2001 وحتى انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في عام 2006، تمكن خلالها من كسب تأييد الكونغرس لكثيرٍ من سياساته الداخلية والخارجية، كما أسهمت في تضاءل الدور الرقابي للكونغرس على الإدارة الأميركية، والتغاضي عن كثيرٍ من فضائحها وممارساتها التي مثلت في بعض الأحيان خرقًا واضحًا للحريات ومواثيق حقوق الإنسان.
وقد وضعت انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في عام 2006 نهاية لفترة الحكومة الموحدة وبدأت مرحلة الحكومة المنقسمة ما بين رئيس جمهوري في البيت الأبيض وأغلبية ديمقراطية في الكونغرس، حاول الديمقراطيون من خلالها التأثير على سياسات الإدارة الأميركية وتغيير مسارها وفرض قدرٍ أكبرَ من الرقابة عليها. نجحت محاولات الديمقراطيين في أحيانٍ وأخفقت في أحيانٍ أخرى. ولكنها أدت إلى إنعاش الكونغرس واستعادته لدوره القوي والمؤثر في صنع القرارات، وليس اقتصار دوره على منح التأييد والدعم لسياسات الإدارة الأميركية.
ومع انتخاب الرئيس الديمقراطي باراك أوباما تبدأ مرحلة جديدة من الحكومة الموحدة (Unified Government)، ما يسمح للرئيس أوباما بتنفيذ برنامجه وتحويله إلى سياسات وقوانين. فداخل مجلس النواب يسيطر الديمقراطيون على 256 مقعدًا من أصل 435، وفي مجلس الشيوخ يصل عدد أعضائه الديمقراطيين إلى 58 مقعدًا من أصل مائة مقعد.
ولكن الرئيس الأميركي يطمح في أكثر من الحصول على أغلبية تمكنه من تحويل أجندته إلى سياسات وقوانين؛ فهو يسعى إلى حث أعضاء مجلسي النواب والشيوخ على تخطي الولاءات الحزبية، وإلى كسب تأييد عدد من الجمهوريين لتمرير مشروعاته الخاصة بالاقتصاد والسياسة الخارجية وغيرها من القضايا الداخلية.
المعارضة وإمكانات التأثير داخل الكونغرس
من الخطأ الاعتقاد أن وجود أغلبية ديمقراطية داخل الكونغرس يمثل ضمانة للبيت الأبيض لتمرير سياساته دون معارضة واختلافات بين الإدارة والكونغرس. فالنظام الأميركي يمنح الأقلية داخل الكونغرس بعض الآليات التي تُمكنها من التأثير على الأغلبية. فقد يتمكن الجمهوريون أحيانًا من عرقلة القوانين أو التأثير على بعض القوانين والضغط على الديمقراطيين لتقديم تنازلات.
فطبقًا للقواعد المعمول بها داخل مجلس الشيوخ لا توجد قيود على استمرار النقاش حول أي موضوع، وبالتالي قد يستمر النقاش إلى ما لا نهاية، وأحيانًا ما يتعمد الجمهوريون الاستمرار في النقاش بهدف منع التصويت على مشروع القانون. وقد استغل الجمهوريون ذلك بالفعل في الدورة السابقة للكونغرس التي سيطرت عليها أغلبية ديمقراطية. ولإنهاء النقاش يحتاج الديمقراطيون إلى التصويت على قرار بإنهاء النقاش على مشروع القانون داخل المجلس ونقله إلى مرحلة التصويت ويُتخذ القرار بأغلبية 60 صوتًا.
وداخل مجلس النواب يمكن للمعارضة استخدام "الاقتراح بإعادة مشروع القانون للجنة المختصة"؛ بغرض القضاء على مشروع القانون وعدم التصويت عليه. كما يحق للأقلية استخدام "الاقتراح بإعادة مشروع القانون إلى اللجنة بتوصيات" وهي تعد بمثابة الفرصة الأخيرة للأقلية لاقتراح تعديل على مشروع القانون قبل التصويت عليه خاصة في الأوقات التي تضع فيها الأغلبية قواعد من شأنها أن تحد، أو تمنع مناقشة التعديلات على مشاريع القوانين.
إعادة الانتخاب وراء غياب الولاء الحزبي
والكونغرس الأميركي، مثله في ذلك مثل كافة المجالس التشريعية، يتأثر نوابه بالناخبين وتفضيلاتهم مما يجعلهم (أي النواب) يصوتون أحيانًا بما يتعارض مع السياسات الحزبية. فعلى عكس مجلس الشيوخ الذي يُنتخب أعضاؤه لمدة تصل إلى ست سنوات، فإن أعضاء مجلس النواب يتم انتخابهم مع كل دورة برلمانية كاملة (أي كل عامين) ما يجعلهم أكثر حرصًا على إرضاء ناخبيهم حتى يتم إعادة انتخابهم مرة أخرى. وفي حين يتم انتخاب نواب مجلس الشيوخ من قبل ناخبي الولاية بأكملها، فإن أعضاء مجلس النواب يتم انتخابهم في دوائر انتخابية أصغر داخل كل ولاية.
كما أن بعض الديمقراطيين قد يختلفون مع توجهات الرئيس والإدارة، وهو أمر شائع في السياسة الأميركية حيث لا يتم التصويت دائمًا على أساس الاعتبارات والولاءات الحزبية. وبالرغم من ازدياد التماسك الحزبي والاستقطاب داخل الكونغرس وارتفاع نسبة التصويت القائمة على الولاءات الحزبية مع تراجع المعتدلين والوسطيين في كلٍّ من الحزبين في السنوات الأخيرة خاصة خلال فترتي ولاية جورج بوش، إلا أن ذلك لا يعني ضمان استمرار التصويت بهذه الصورة.
صحيح أن فترة الحكومة المنقسمة في عامي 2007- 2008 خلال دورة الكونغرس الـ110 قد كرست التصويت الحزبي، غير أن الوضع أحيانًا يختلف في ظل الحكومة الموحدة، وقد يحتاج الرئيس أحيانًا لتقديم بعض التنازلات للحصول على بعض أصوات حزب الأقلية لضمان الحصول على أغلبية كافية لتمرير مشروعات القوانين التي يتقدم بها. وبذلك فإن مجرد وجود حكومة موحدة لا يعني بالضرورة أن يكون الكونغرس والإدارة على وفاق تام.
خطة الحوافز الاقتصادية .الاختبار الأول
تُعتبر خطة الحوافز الاقتصادية التي تقدم بها الرئيس باراك أوباما إلى الكونغرس بما يزيد على 800 مليار دولار ما بين إنفاق حكومي وتخفيضات ضريبية أول اختبار للعمل بين الإدارة والكونغرس. وقد قام الرئيس أوباما بزيارة للكونجرس وأجرى عددًا من الحوارات مع الجمهوريين بهدف إقناعهم بالتصويت لصالح الخطة، والتي أعلن غالبية الجمهوريين معارضتهم لها لتضمنها إنفاق حكومي ضخم ونسبة أقل من التخفيضات الضريبية.
ومعروف أن الجمهوريين والديمقراطيين يختلفون في سياساتهم الخاصة بتنشيط الاقتصاد؛ فبيمنا يسعى الجمهوريون لزيادة الإعفاءات والتخفيضات الضريبية، يدفع الديمقراطيون إلى زيادة الإنفاق الحكومي مع تخفيضات ضريبية أقل. وقد أظهرت النقاشات داخل الكونغرس الأمريكي أن الجمهوريين قد يكون لهم تأثير على الصورة النهائية التي سيصدر بها القانون.
وقد تضمنت الخطة الأولية إنفاقًا حكوميًّا ضخمًا على البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية وصل إلى ثلثي المبالغ المخصصة للخطة. وقد طلب أوباما من النواب الديمقراطيين حذف إحدى البنود التي يرفضها الجمهوريون في صيغة الخطة داخل مجلس النواب. كما تمكن الجمهوريون داخل مجلس الشيوخ من التأثير على بنود الخطة، فقد أقر مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء الماضي (10 من فبراير 2009) الخطة بقيمة 839 مليار دولار وتتضمن زيادة 110 مليار دولار تخفيضات وإعفاءات ضريبية عن الخطة التي وافق عليها مجلس النواب بقيمة 819 مليار دولار. وهو الأمر الذي جعل ثلاثة من نواب مجلس الشيوخ الجمهوريين - هم سوزان كولينز وارلين سبيكتر وأوليمبيا سنو - يوافقون على الخطة التي تم إقرارها بأغلبية 61 صوتًا مقابل 37، في حين لم يصوت أي من النواب الجمهوريين لصالح خطة الحوافز المالية والتي تمت الموافقة عليها بأغلبية ديمقراطية 244 صوتًا، في حين عارضها جميع الجمهوريين. وجدير بالذكر أن أحد عشر نائبًا من النواب الديمقراطيين قد عارضوا مشروع القانون.
وبالرغم من المعارضة الجمهورية الكاملة لمشروع خطة الحوافز الاقتصادية داخل مجلس النواب، إلا أن ذهاب الرئيس أوباما إلى الكونغرس ونقاشاته مع عدد من القادة الجمهوريين يعكس صدق نواياه في التعامل مع الجمهوريين والقضاء على الاستقطاب الحزبي داخل الكونغرس، ورغبته في التوصل لحلول وسطية تَلقى قبول الديمقراطيين والجمهوريين معًا وتؤدي إلى خروج قانون بتأييد من الحزبين. وهو ما دفع جون بوينر زعيم الأقلية الجمهورية إلى القول بأن الرئيس كان صادقًا في رغبته في العمل مع الجمهوريين وفي محاولة الوصول إلى أرضية مشتركة والحصول على دعم جمهوري لخطته.
وبالرغم من إخفاق أوباما مع الجمهوريين داخل مجلس النواب، إلا أن التعاون بينهما قد يثمر نتائج أفضل في المستقبل، خاصة مع مناقشة الخطط القادمة للإنقاذ المالي وغيرها من القضايا الداخلية والسياسة الخارجية.
نتيجة للاختلافات بين الصيغة التي أقرها مجلس الشيوخ والتي وافق عليها مجلس النواب، يتعين على المجلسين العمل على توحيد بنود الخطة ووضع صيغة موحدة حتى يتم إرسالها للرئيس للتصديق عليها. وقد تقدم الديمقراطيون بتنازلات للحفاظ على موافقة الجمهوريين الثلاثة داخل مجلس الشيوخ؛ حيث يتم حذف بعضٍ من الإنفاق الحكومي على التعليم والصحة الذي تقدم به الديمقراطيون في مقابل الزيادة في الخفض الضريبي الذي كان سببًا في تصويت النواب الجمهوريين المعتدلين الثلاثة.
وفي التحليل الأخير نخلصُ إلى أنه بالرغم من أن الشواهد الأولية، تُؤكد تمتع أوباما بأغلبية ديمقراطية، قد تمكنه من تنفيذ غالبية سياساته، خاصةً مع الإجماع الديمقراطي الذي حصل عليه في خطة الحوافز الاقتصادية، إلا أن استمرار هذا الوضع في المستقبل ليس أمرًا مؤكدًا، كما أن رغبة الإدارة الأميركية في التحاور مع الأقلية الجمهورية داخل الكونغرس وكسب تأييدهم يعطي فرصة حقيقية للجمهوريين للضغط على الإدارة والأغلبية الديمقراطية داخل الكونجرس لتقديم تنازلات للجمهوريين والموافقة على بعض مقترحاتهم بما يضمن عدم احتكار الديمقراطيين الكامل لعملية صنع السياسات في واشنطن.