أخبار

إنقسام أميركي يلوح بالأفق حول الحوار مع حماس

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

واشنطن: أثار الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة، وما سبقه من تكثيف حركة حماس لتهديداتها للجانب الإسرائيلي، وإعلانها عن إنتهاء الهدنة الأمر الذي أخذته إسرائيل منطلقًا لها في هذا العدوان جدلاً واسعًا حول أسلوب إدارة حركة حماس للصراع مع إسرائيل منذ سيطرتها على قطاع غزة في منتصف عام 2007، ومن ثم الأسلوب الأمثل للتعامل معها كفصيل فلسطيني معني بالعملية السياسية وعملية السلام.

وفي هذا الإطار تناولت عديدٌ من التحليلات الأميركية الدور الذي لعبته حماس في إشعال الأزمة الأخيرة، وما تتلقاه الحركة من دعم من قبل بعض الأطراف الإقليمية، وذلك في محاولة للإجابة على تساؤل محوري حول إمكانية استيعاب حركة حماس من خلال إجراء حوار مع قياداتها، ومدى النجاح المحتمل لهذا الحوار للوصول إلى حل شامل ودائم للقضية الفلسطينية، في ظل تعنت طرفي النزاع وتعثر المفاوضات، بسبب شروط كلٍّ منهما المجحفة في رأي الطرف الآخر.

مدى مسؤولية حماس عن الهجوم الإسرائيلي

هناك اختلاف في وجهات النظر العربية والغربية حول أسباب وتداعيات الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة الذي بدأ في السابع والعشرين من شهر ديسمبر الماضي (2008) والتي استمرت لقرابة اثنين وعشرين يومًا. وهذا الانقسام في الرأي حول أسباب العدوان كان محور مقالة "حسن منيمنيه" الخبير بمعهد أميركان إنتربريز، التي حملت عنوان "تحدي حماس"، والمنشورة على موقع المعهد في 6-1-2009.

يرى الكاتب أن اختلاف وجهات النظر امتد ليشمل الأطراف الإقليمية التي انقسمت ما بين مؤيد لحركة حماس ولائم لها، فبينما أمعن الإعلام العربي في إظهار الدمار والإصابات التي لحقت بالفلسطينيين، أوضح الإعلام الغربي أن الحرب على غزة من جانب إسرائيل كانت بهدف الدفاع عن النفس، وشجبًا لسلوك حماس غير المسئول المتمثل في استهداف البلدات الإسرائيلية بالصواريخ، وإنهائها الهدنة، ورفضها للمبادرة المصرية - السعودية.

كما انقسم الإعلام العربي على ذاته في متابعة الحرب، فكانت قنوات مثل الجزيرة والمنار ـ على سبيل المثال- منابر لشن الهجوم الذي تبنته الأطراف الداعمة لحماس على ما صنفت بالدول المعتدلة، وفي مقدمتها مصر التي حظيت بالنصيب الأكبر من الهجوم، حيث دعا الأمين العام لحزب الله اللبناني "حسن نصر الله" الشعب المصري للخروج على قيادته، وفتح معبر رفح بالقوة أمام الأسلحة المتدفقة من سوريا، التي شنت هجوما ضاريًا إلى جانب إيران على كل من مصر والسعودية، بسبب ما أسمته تواطؤًا مع إسرائيل على غزة، في الوقت الذي لم تطلق فيه رصاصة مقاومة واحدة في الجولان منذ سنوات، بالإضافة إلى المفاوضات غير المباشرة التي دخلتها مع إسرائيل خلال الفترة الماضية.

وفي هذا الإطار أشارت المقالة إلى أن النهج الذي اتبعته حماس خلال فترة الحرب هو النهج ذاته الذي اتبعه حزب الله في حربه الأخيرة مع إسرائيل (يوليو وأغسطس 2006)، المتمثل في عدم الاكتراث بأرواح المدنيين، ومستقبل البلاد السياسي والاقتصادي، بهدف تحقيق نصر زائف - حسب الكاتب -. غير أن ما أبدته حماس وتبديه من تصلب مدعوم من سوريا وإيران، قد أثر سلبًا على شعبيتها عربيًّا. كما حملها عديدًا من الزعماء العرب بما فيهم الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" مسئولية المجزرة التي حصدت أرواح المدنيين الفلسطينيين. فضلاً عن أن هذه الحرب قد أبرزت حقيقة تشوش ثقافة المقاومة، وأكدت على أن الصراع مع إسرائيل هو صراع حدود، وليس صراع وجود، وأن إسرائيل لها الحق كأي بلد آخر في أن تنعم بالأمن، وتدافع عن نفسها ضد العدوان.

التنازلات المعنوية كحل

ومع تأكيد المقالة السابقة على مسئولية حماس عن الدمار الذي خلفته الحرب الأخيرة على غزة، أشارت مقالة أخرى تحمل عنوان "كيف يمكن للكلمات أن تنهي الحرب" للكاتبين "سكوت أتران" و"جيرمي جينجز" ، نشرت بصحيفة نيويورك تايمز 25-1-2009، إلى أن كلا الطرفين مسئول عن الحرب- أي إسرائيل وحماس- وأنه من الصعب تحديد الخاسر والرابح في هذه الحرب، التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء، ومليارات الدولارات. ومع ذلك يبدو أن الصراع بين الطرفين مؤهل للدخول في مواجهات عسكرية أخرى باتت وشيكة. غير أن ذلك لا يعني استحالة الوصول إلى حل سياسي حتى مع أكثر الأطراف تشددًا من الجانبين.

وفي مستوى آخر للتحليل أشار الكاتبان أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ديني النزعة، وتسيطر عليه أيدلوجيات دينية متعددة تعتنقها قيادات الجانبين وتؤمن بها، وتدير هذا الصراع وفقًا لها، مستعينين في ذلك التحليل باستطلاع للرأي أجراه الكاتبان على ما يقرب من 4000 فلسطيني، وإسرائيلي بين عامي 2004 و2008، استهدفا منه معرفة الاتجاهات السياسية للمواطنين، بما فيهم اللاجئين، ومؤيدي حماس.

أوضح الاستطلاع الذي سعى لقياس مدى استجابة المستطلعين لتقديم بعض الحوافز مقابل سلام دائم، أن هناك قيمًا مقدسة تحكم الصراع، فعلى سبيل المثال، أوضح حوالي نصف المستوطنين الذين خضعوا للاستبيان، رفضهم لفقدان أرضًا من الضفة الغربية - التي يعتبرونها منحة إلهية - في مقابل السلام، كما أكد نصف الفلسطينيين الذين شملهم الاستبيان على حتمية السيطرة الكاملة على القدس التي تضم المسجد الأقصى، وفي الوقت ذاته أظهرت نسبة كبيرة من الفلسطينيين استجابة لاقتراح حول الاعتراف بوجود دولة إسرائيل، إذا ما أقدمت إسرائيل من جانبها على تقديم اعتذار للشعب الفلسطيني عمَّا لاقاه من معاناة منذ حرب 1948. وعلى الشاكلة ذاتها أبدى إسرائيليون استجابة لتقسيم القدس، والقبول بالجوار الفلسطيني فيها، إذا ما أعلنت حركة حماس، والجماعات الفلسطينية الأخرى اقتناعها بحق الوجود الإسرائيلي.

وتأكيدًا على أن ما يحكم الصراع بين الطرفين أيدلوجيات المعنيين بإدارته من الجانبين، أكدت نتائج الاستطلاع على أن حركة حماس إنما تسعى إلى تحقيق مكاسب معنوية إلى جانب الموافقة على ما تضعه من شروط لإتمام عملية السلام، يبقى في مقدمتها انتزاع اعتذار من إسرائيل للشعب الفلسطيني عن معاناته، حيث شمل الاستبيان على سبيل المثال، "موسي أبو مرزوق" الذي يشغل منصب نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الذي أكد على ما سبق، وذلك من خلال سؤاله عن إمكانية نجاح عملية السلام بدون الاعتراف بحق العودة، في مقابل دعم مالي ومنح من الدول الغربية لإعادة التعمير وتطوير البلاد، فكان رفضه قاطعًا، وعندما عرض عليه الاعتذار للشعب الفلسطيني من قبل إسرائيل، بدا أكثر مرونة مؤكدًا أن الاعتذار مهم كبداية، وفي رد فعل مماثل أكد "بنيامين نتينياهو" على قبوله بحل الدولتين، والعودة إلى حدود 1967، في مقابل اعتراف الأطراف الفلسطينية كافة بما فيهم حماس، بحق الشعب اليهودي في دولة مستقلة، بشرط إظهار هذا الاعتراف جديًا من خلال تغيير شعاراتهم المعادية للإسرائيليين، وتغيير مناهجهم الدراسية التي تدعم هذا التوجه.

وفي نهاية المقالة استخلص الكاتبان أن تنازلات معنوية رمزية، مثل الاعتراف بحق اليهود في دولة مستقلة، والاعتذار عن معاناة الشعب الفلسطيني، يمكن أن تحدث تغيرًا في المواقف المتصلبة التي يتخذها الطرفان، لاسيما الأكثر تشددًا على الجانبين.

لا سلام بدون التفاوض مع حماس

وتأكيدًا على إمكانية التوصل لحل سياسي ناجح للقضية الفلسطينية، أشار الكاتب "ريتشارد دبليو . مورفي" الخبير "بمعهد الشرق الأوسط" في حوار أجراه معه "برنارد جورتزمان"، ونشره "مجلس العلاقات الخارجية"على موقعه الإلكتروني، إلى أن الولايات المتحدة بمقدورها إحلال السلام بين إسرائيل وفلسطين، إذا لم تضع الحوار مع حماس على قائمة محظوراتها، والاكتفاء بالحوار مع السلطة الفلسطينية كما كان الحال طيلة السنوات الماضية، لاسيما بعد سيطرة حماس على غزة. مؤكدًا على أن هذا الحوار لن يأتي سريعًا، لكنه في الوقت ذاته حتميًا، وعلى اعتقاده بأن حماس تعد ممثلاً شرعيًّا لجزء من الشعب الفلسطيني، وبالتالي يجب وضعها في الاعتبار عند تناول حلول القضية الفلسطينية.

وفي إطار البحث عن سبل مثلى للتعامل مع حماس، أشار مورفي في حواره إلى عدم اعتقاده في إمكانية التحرك سياسيًّا نحو حماس في الوقت الحالي من خلال إجراء حوار أو دمجها في المفاوضات، لكنه يمكن للولايات المتحدة أن تتوقف عن اتخاذ المواقف التي من شأنها مهاجمة الفلسطينيين، وإضعاف حماس، وإلا فكيف السبيل إلى تحقيق هدف عودة محمود عباس إلى غزة مرة أخرى بدون التعامل مع حماس التي تسيطر على القطاع حاليًا.

وفي رده على تساؤل حول ما إذا كان تغيير نمط سلوك التعامل مع حماس يتطلب تغيير الخطاب السياسي الأميركي في هذا الشأن؟ الأمر الذي قد يثير موجات من الغضب في الولايات المتحدة ذاتها وإسرائيل؟ أكد "مورفي" على عدم اعتقاده بضرورة تغيير الخطاب السياسي الخاص بحماس، في حين أن المطلوب إيجاد خطوات ملموسة على أرض الواقع، كأن يبرز الدور الأميركي في إعادة إعمار قطاع غزة، وتطوير أوضاعها المتردية، من حيث البنى التحتية وسبل معيشة الأفراد الذين باتوا يعيشون واقعًا بائسًا في ظل غياب سبل الحياة الأولية. وذلك من خلال التعاون مع بعض الجهات، التي طالما اعترضت الولايات المتحدة على وجودها، وشرعيتها.

صعوبة الحوار مع حماس

وعلى النقيض مما سبق أشارت مقالة بعنوان "هل يجب التفاوض مع حماس"؟ ، نشرت على موقع معهد " أمريكان إنتربريز" بتاريخ 21-1-2009، للكاتب "ديفيد فروم"، الزميل بالمعهد، إلى صعوبة التوصل إلى حل سلمي في القضية الفلسطينية طالما أن حماس طرف أساسي فيها، نظرًا للمواقف المتعنتة التي تتبناها الحركة، حيث أوضحت المقالة أن الحرب الأخيرة على غزة قد أعادت طرح تساؤل سابق مفاده: هل يجب على الحكومات الغربية إجراء حوار مع حماس؟ إذ أنه ولسنوات عدة مضت حثت مجموعة من المتخصصين في السياسة الخارجية على ضرورة الحوار مع حركة حماس، وقد تصاعدت الدعوات بإجراء هذا الحوار عقب التطورات الأخيرة، كما تبنت عديد من الحكومات الأوروبية هذا الرأي، وعلى رأسها الحكومة البريطانية.

وفي مقالته حاول الكاتب أن يلقي مزيدًا من الضوء على الجدل المحتدم حول إمكانية إجراء حوار مع حماس، حيث أوضح وجهة نظر الداعين إلى هذا الحوار، موضحًا اعتقادهم بأنه على الرغم من قيام حركة حماس بأعمال انتقامية في الجانب الإسرائيلي، غير أن الحركة لا يمكن إنكار دورها في تقديم الخدمات للمجتمع الغزاوي، لاسيما في ظل ما تتلقاه الحركة من دعم من قبل الفلسطينيين في القطاع، وهو ما أدى إلى فوز حماس بالأغلبية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وهي الانتخابات الوحيدة التي تمت في فلسطين عام 2006، كما أنه لا يمكن الحكم على كل أفراد حماس بأنهم مرتكبون لأعمال العنف التي تستهدف حياة المدنيين الإسرائيليين، بل إن منهم من هو منفتح على التعامل مع إسرائيل، وبالتالي فلا يمكن الحكم على جميع أطراف الحركة من دون الدخول معهم في حوارات استكشافية لما يعتنقونه من أفكار.

مشيرًا إلى التجربة الأميركية في العراق وأفغانستان قائلاً: ففي العراق أجرت الولايات المتحدة حوارًا مع السنة المتشددين، وقد ساعد الحوار معهم في حل عديدٍ من المشكلات المستعصية مع تنظيم القاعدة في العراق، وفي أفغانستان تحاول الولايات المتحدة محاورة بعض عناصر حركة طالبان، في محاولة منها لمعرفه سبل إقناع مثل هذه الحركات بنزع سلاحها، والانضمام إلى العملية السياسية، فلماذا يختلف الأمر مع غزة؟.

وحسب رأي الداعين إلى الحوار مع حركة حماس، فإن هذا الحوار يفيد في حل الصراع المحتدم هناك، ومن شأنه أيضا خلق فرصًا وربما سلسلة من الحوافز المهمة للمنطقة بشكل عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص. وعن رأيه أوضح الكاتب أن حركة حماس التي سيطرت على قطاع غزة بالقوة من خلال الانقلاب على السلطة الفلسطينية في يونيو 2007، ومحاولة اغتيال الرئيس محمود عباس، تجد نفسها في الخانة ذاتها مع الرئيس عباس، في منافسة حول مستقبل الفلسطينيين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف