الحرب على غزة... إسرائيل تهدد بتكرارها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
حماس تتمسك بشروطها والردع لم يتحقق
الحرب على غزة... إسرائيل تهدد بتكرارها
خلف خلف من رام الله: تدلل التجارب التاريخية أنه لا يكتب لعملية عسكرية النجاح المأمول ما دامت تفتقد إلى هدف محدد وطريقة تحقيقه (التنفيذ)، ونتيجة تشابك خيوط اللعبتين السياسية والعسكرية يضيف الخبراء عنصرًا ثالثًا يتمثل في القدرة على المحافظة على الإنجاز المحقق لأطول فترة ممكنة، بمعنى أوسع، توفير آليات وأدوات تضمن تحويل الوضع الجديد الناشئ إلى واقع مسلم به، فالانتصار العسكري في مؤداه النهائي يعتمد على الاستثمار والتوظيف السياسي بالشكل المطلوب، وهي زاوية إذا ما نظر عبرها لنتائج الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي بدأت بتاريخ 27/ ديسمبر (كانون الأول) 2008، فيمكن القول إن الهدف العام الذي سعت إليه تل أبيب لتحقيقه يفتقد لمقومات ديمومته وصموده.
فمثلاً انخفاض عدد الصواريخ الفلسطينية المنطلقة صوب بلدات إسرائيل الجنوبية أبان الحرب، وصفه القادة العسكريون والسياسيون في تل أبيب بإحدى إنجازات الحرب الرئيسية، لكن المعطيات المتدفقة في وسائل الإعلام العبرية منذ خروج آخر جندي من غزة تشير إلى أن الصواريخ والقذائف متواصلة في السقوط في المناطق الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة بوتيرة يومية متفاوتة.
وقد وصل الأمر، اليوم الثلاثاء (3/3/2009) إلى تعطيل الدراسة كليًا في جميع المدارس في مدينة اشكون الإسرائيلية احتجاجًا على تردي الأوضاع الأمنية. بحسب الإذاعة الإسرائيلية العامة فقد أتخذ القرار بتعطيل الدراسة من قبل لجان أولياء الأمور، وهي وضعية بمجملها تعيد إلى الأذهان الوضع الذي كان سائدا قبل شن الحرب.
لقد حاولت إسرائيل الاستفادة قدر الإمكان من تحقيقات لجنة فينوغراد، وكان أداؤها الإعلامي أفضل في حربها الأخيرة على غزة، كذلك اداء جيشها تحسن، إذ لم تقع خسائر كبيرة في ارواح جنوده، والذي يمكن رده بشكل أساس إلى استخدام كثافة نارية عالية من الطيران والدبابات، لكن يبدو أن تل أبيب لم تتمكن من تجاوز الإخفاق على مستوى القرار السياسي المتصل في تحديد الأهداف، فكان إجراء تحديد الأهداف طويلاً وملتويًا، ولهذا تضررت الفاعلية.
في بدية الهجوم حددت القيادة السياسية الإسرائيلية هدفاً عامًا هو "تغيير الوضع في الجنوب"، وبعد ثلاثة أيام من اندلاع الحرب اندلع نقاشًا حادًا في صفوف القيادة ذاتها حول الأهداف المفصلة، المراد جنيها من هذه العملية العسكرية الضخمة، وكان هناك ثلاثة توجهات، بحسب الخبير الإسرائيلي غيورا ايلند: التوجه الأدنى طالب بإحراز هدنة طويلة تقوم على الردع؛ والتوجه "المتوسط"، دعا لتدمير قوة حماس العسكرية الأساسية؛ والتوجه الأقصى دعا إلى إسقاط حكم حماس، وإنشاء واقع سياسي جديد، وتم تبني التوجه الأدنى بعد أسبوعين من بدء الحرب.
لكن ذلك لم ينه النقاش ويوقفه، إذ تعالت أصوات عسكرية داخل إسرائيل تطالب بوقف تهريب السلاح عبر الأنفاق من جمهورية مصر العربية إلى قطاع غزة، وهو إجراء استهدف منع حركة حماس من أعادة بناء ذاتها عسكريًا، وعليه، فقد ركز الطيران الحربي الإسرائيلي على قصف كافة المناطق التي يعتقد أنها تحتوي على انفاق للتهريب.
لقد طالب جيش الاحتلال أكثر من مرة المواطنين الفلسطينيين في رفح إخلاء منازلهم القريبة من الشريط الحدودي تمهيدًا لقصف تلك المناطق التي تكثر فيها الانفاق، لكن هذا المخطط الإسرائيلي لم يقض ايضًا على عمليات التهريب نهائيًا، بل أن المعطيات والتقارير التلفزيونية التي خرجت من غزة منذ زوال غبار المعارك تدلل على أن العديد من الانفاق ما زالت عاملة، بل أنه يجري ترميم ما قصف منها لإعادة تشغيله.
بكلمات أخرى، لم تقض هذه الحرب على حماس، فهي ما زالت تحتفظ بقوتها العسكرية وتسيطر بشكل قوي على القطاع، وبحسب استطلاعات الرأي ارتفعت شعبيتها في الضفة الغربية والعالمين العربي والإسلامي، وبقدر أقل في غزة، التي فقدت أكثر من 1500 من ابنائها، ودمرت بنيتها التحتية بشكل كبير، ويبدو أن حركة المقاومة الإسلامية استمدت قوة وشرعية أكبر، لهذا فهي تمسكت بشروطها لتجديد التهدئة مع الجانب الإسرائيلي، بل رفضت كذلك ربط موضوع فتح معابر القطاع بتحرير الجندي جلعاد شاليت.
نهاية القول إن الواقع السابق الذي أفرزته الحرب، وعدم قدرة إسرائيل على حسم المعركة دبلوماسيًا لصالحها على النطاق الدولي، يدفعها على ما يبدو للتهديد مرة أخرى باللجوء إلى الخيار العسكري لحسم الأمور على الأرض، رغم إدراكها المسبق أن المتضرر الأكبر من الحرب الأخيرة على غزة كان المدنيين، وليس حركة حماس، وهو ما الحق الأذى في صورة إسرائيل أمام الكثير من دول العالم وبخاصة الغربية منها، وهي حقيقة يعترف بها كبار المحللين والكتاب الإسرائيليين.