التعامل مع حماس: إلى متى تستطيع واشنطن تجنبه؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: وعد رئيس الوزراء البريطاني، غوردون براون، الكونغرس الأميركي "بالعمل دون كلل معكم من أجل السلام في الشرق الأوسط"، غير أنه يبدو أن لبريطانيا بعض الأفكار الخاصة بها بشأن كيفية تحريك العملية قدماً، وهي أفكار تصطدم بالمحافظين الذين مازالوا يتمتعون ببعض المناصب العليا في واشنطن. بل حتى عندما كان براون يجري محادثات في "الكابيتول هيل"، كانت حكومته تعلن عزمها التخلي عن مقاطعة "حزب الله" اللبناني الشيعي، الذي أدرج جناحه العسكري ضمن قائمة المنظمات الراعية للإرهاب، سائرة في ذلك على خطى نظيرتها الأميركية.
وأوضح وكيل وزارة الخارجية البريطانية، بيل راميل، قائلاً: "إننا نجري مراجعة لموقفنا.. في ضوء التطورات الإيجابية التي يشهدها لبنان"، في إشارة إلى مشاركة الحزب في حكومة الوحدة الوطنية، في يوليو/ تموز الماضي، التي يتمتع فيها حزب الله وحلفاؤه بالقدرة الكبيرة والفعالة على الاعتراض. ولا شك أن تشكيل الحكومة اللبنانية شكل هزيمة لجهود إدارة الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، بإقامة حكومة موالية للغرب في بيروت، ويمكنها أن تستثني الأحزاب المؤيدة لسوريا وإيران.
لقد تشكلت الاستراتيجية الأميركية على حقيقة أن حزب الله وحلفاءه يتمتعون بدعم واسع بين أولئك الذين يقدسون "استعراض العضلات العسكرية لدعمهم في معاركهم"، فيما تقر لندن أن حزب الله هو حقيقة سياسية لا يمكن تجاهلها في لبنان، ولذلك فهي تخطط لإشراكه في الحوارات والمحادثات لتشجيعه على اتخاذ مواقف أكثر عملية. ويثير الموقف البريطاني السؤال التالي: إلى متى يمكن للولايات المتحدة أن تتجاهل التعامل مع حماس، فيما يخص الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية؟
فحركة المقاومة الإسلامية "حماس" تعد حقيقة سياسية لا يمكن تجاهلها في الأراضي الفلسطينية، وانتزعت شرعية وجودها وتفوقها عبر صناديق الاقتراع والمقاومة المسلحة. ولا شك أن المقاطعة الأميركية لحركة حماس على أمل الترويج للسلام مع السلطة الفلسطينية، المعتدلة التي تحظى بدعم الغرب، أصبحت أكثر وهماً وخيالاً، فعززت موقف الحركة وقوتها وأضعفت رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بين أفراد شعبه. ويبدو أن بريطانيا أكثر إطلاعاً على الواقع، ففي حين يشدد راميل على أن بريطانيا لم تتنازل عن رفضها إجراء حوار مباشر مع حماس، فقد بدأت تشجع الآخرين على القيام بذلك بالإنابة عنها.
وزير الخارجية البريطانية، ديفيد ميليباند، قال في القاهرة الأسبوع الماضي "لقد تم ترشيح مصر لإجراء محادثات مع حركة حماس بالنيابة عن الجامعة العربية.. وفي الواقع بالنيابة عن العالم أجمع.. وهناك آخرون يتحدثون مع حماس، وهذا هو الأمر المناسب الذي ينبغي القيام به.. وأعتقد أننا يجب أن نترك المصريين يتخذون هذه الخطوة." إن الحاجة إلى دمج حماس في العملية السلمية، رغم صعوبة ذلك في ضوء العوائق التي وضعتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية، تصبح أمراً واقعاً بين صانعي السلام في الشرق الأوسط.
ومن بين من أعلنوا عن مواقف مماثلة، وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، شلومو بن عامي، كبير المفاوضين في كامب ديفيد عام 2000. فقد قال بن عامي: "سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن حماس لن تذوي أو تختفي، إذ منذ انتصارها في الانتخابات الديمقراطية عام 2006، عززت حركة حماس موقفها في المجتمع الفلسطيني رغم محاولة تحطيمها بواسطة الحصار الاقتصادي والمقاطعة السياسية والضربات العسكرية.. هذا الخيار ليس ناجعاً، لا بد من اتباع استراتيجية جديدة."
ووفقاً لتصريحات إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، العامة، فإن واشنطن تبدو غير مقتنعة حتى الآن. لقد أوضحت الإدارة أنها لن تجري محادثات مع حماس ما لم تكن الأخيرة مستعدة للإعلان عن استجابتها لمتطلبات "الرباعية" الدولية حول الشرق الأوسط، أي الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، ونبذ العنف والموافقة على الاتفاقيات السابقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
على أن السؤال المباشر الذي يطرح نفسه هو ليس إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية ستجري محادثات مع حماس، وإنما إذا ما كانت الإدارة الجديدة ستتبع خطى إدارة بوش في محاولة تجاهل حكومة فلسطينية تتضمن حركة حماس، وهو بالفعل ما أعلنته وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، خلال زيارتها الأخيرة للشرق الأوسط. وإذا ما نظر إلى تصريحات كلينتون الأخيرة هذه فإنها يمكن أن تقرأ باعتبارها "تحذيراً لعباس."
ولكن لا يوجد أي سبب لتصور أن حماس ستستجيب لهذه الشروط، ولديها كل الأسباب للانتصار على عباس في الانتخابات الفلسطينية، المقررة العام المقبل. يقول بعض الدبلوماسيين المخضرمين، ومن بينهم بن عامي، وزعيم الدبلوماسية البريطانية كريس باتن، آخر حاكم بريطاني لهونغ كونغ، وآخرون إن القضية لا تكمن في فشل شروط الرباعية على حماس أو رفض الأخيرة الاعتراف بإسرائيل، وإنما في العملية الدبلوماسية برمتها، وعدم تنظيم ذلك سيعزز وضع حركة حماس.
إن المصالحة الفلسطينية مهمة وضرورية، كما أقر مبعوث أوباما للشرق الأوسط، جورج ميتشل، من أجل تحقيق الاستقرار الفوري للأوضاع عبر الهدنة وإعادة إعمار غزة. وتشير تقارير من واشنطن أنها تشجع التوصل لمصالحة بين حماس وفتح، وهو ما يثير مخاوف رئيس الوزراء المكلف، بنيامين نتنياهو، الذي يدعو لمواصلة مقاطعة حماس وأي حكومة فلسطينية تشارك فيها الحركة. ولكن من دون اتخاذ مواقف أكثر عملية، كالموقف البريطاني، فإن إدارة أوباما ستجد نفسها مشلولة بوصول الوضع في الشرق الأوسط إلى طريق مسدود.