منظمة إنقاذ دارفور وصدام السودان مع منظمات الإغاثة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: حظيت أزمة دارفور باهتمام إعلامي وزخم سياسي بشكل لافت للنظر في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية ، حيث حشدت الأزمة جهود مئات من المنظمات المدنية ومئات الآلاف من المتطوعين والحقوقيين والسياسيين من مختلف الاتجاهات الفكرية والدينية، حتى صارت واحدة من القضايا المهمة التي تنافس مرشحي الرئاسة في الانتخابات الأميركية على تأكيد استعدادهم للتصدي لها.
ويرجع هذا الاهتمام إلى تنظيمات سعت لوضع الأزمة على أجندة الرئاسة والكونغرس في الولايات المتحدة والعمل من أجل الضغط على النظام السوداني لتنفيذ اتفاق السلام الشامل الذي تم توقيعه عام 2005 لإنهاء أكثر من عقدين من الحرب الأهلية في السودان. وفي هذا الإطار أعلنت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن في مايو الماضي (2008) حزمة من العقوبات الاقتصادية ضد السودان خاصة الشركات المملوكة للدولة، وذلك إضافة للعقوبات التي كانت واشنطن قد فرضتها منذ عام 1997 بدعوى رعاية السودان للإرهاب. وأحد أهم هذه الأطر التنظيمية التي سعت لوضع أزمة دارفور على الأجندة السياسية في الولايات المتحدة "حملة إنقاذ دارفور Save Darfur".
حملة إنقاذ دارفور.. إطار للعمل السياسي
أُنشئت حملة إنقاذ دارفور كتحالف بين عدد من المنظمات الحقوقية والسياسية والدينية خلال مؤتمر دارفور الطارئ Darfur Emergency Summit الذي عقد في مدينة نيويورك يوم الرابع عشر من يوليو عام 2004 والذي أقيم بجامعة مدينة نيويورك City University of New York، وهو المؤتمر الذي أعد له المتحف التذكاري للهولوكوست بالولايات المتحدة The United States Holocaust Museum ومنظمة اليهود الأميركيين للخدمة العالمية American Jewish World Service.
دفعت هذه النشأة البعض للتأكيد على أن الحملة تشكلت بجهود اليهود الأميركيين، وهو ما عبر عنه Gal Beckerman في مقالة بالـJerusalem Post في السابع والعشرين من إبريل 2006، حيث أكد أن الحملة جاءت بمبادرة من المجتمع اليهودي الأميركي. وأشار إلى أن الدور الذي قامت به منظمات يهودية في تكوين وأنشطة التحالف فاق غيرها من المنظمات. كما أشار كذلك إلى أن التواجد اليهودي المكثف في هذا التحالف الذي يهتم بالصراع في دولة إسلامية أغلب ضحاياه من المسلمين قد أثار تساؤلات حول دوافع هذه المنظمة.
ومن الجدير بالذكر أن حملة إنقاذ دارفور نمت حتى أصبحت تضم أكثر من 180 منظمة دينية وسياسية وحقوقية وتجاوز حجم عضويتها 130 مليون شخص من جميع أنحاء العالم. وتضم الحملة في مجلس إدارتها أشخاصًا ينتمون لمنظمات يهودية ومسيحية وإسلامية. ومن ضمن أعضاء مجلس الإدارة د. جيمس زغبي رئيس المعهد العربي الأميركي.
تعمل الحملة في مجال الضغط السياسي خاصة من خلال التعاون مع أعضاء الكونغرس. كما قامت الحملة بعديدٍ من الأنشطة الدولية، حيث قامت بعقد مقابلات مع دبلوماسيين وسياسيين أفارقة وعرب وأوروبيين لشرح أبعاد القضية وضرورة التحرك حيالها. كما قام التحالف بعدد من الزيارات لمناقشة قضايا حقوق الإنسان في السودان مع عدد من زعماء العالم، وشارك في هذه الجولات عدد من نجوم الفن والرياضة مثل جورج كولونيGeorge Clooney ودون شيدل Don Cheadle من نجوم الفن، وبطل التزحلق على الجليد جوي تشيك Joey Cheek وبطلة العدو تجلا لاروب Tegla Laroupe.
كما أنشأ التحالف اتحاد الجمعيات من أجل إنقاذ دارفورCommunities United to Save Darfur وهو إطار تنظيمي يجمع أكثر 200 جمعية تعمل على المستوى المحلي وتهدف لوقف أعمال التطهير العرقي في دارفور. وتطمح حملة إنقاذ دارفور لتحقيق الأهداف التالية:
إنهاء العنف ضد المدنيين في دارفور.
تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى الإقليم.
تهيئة الأوضاع لعودة اللاجئين إلى بيوتهم.
إحداث تنمية مستدامة في دارفور.
محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات في دارفور.
كما قامت حملة إنقاذ دارفور بعديدٍ من الحملات الدعائية الناجحة، منها حملة المليون صوت من أجل دارفور Million Voices for Darfur عام 2006 لجمع مليون بطاقة بريدية من كافة أنحاء الولايات المتحدة وإرسالها إلى الرئيس بوش للدعوة إلى تشكيل قوة متعددة الجنسيات أكبر من تلك الموجودة في دارفور حاليًا بهدف حماية المدنيين. وقد وقع بيل فريست زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ على البطاقة رقم مليون ووقعت هيلاري كلينتون على البطاقة رقم مليون وواحد. كما حشدت الحملة حوالي 100.000 من أنصارها أمام الكونغرس في الثلاثين من أبريل 2006 للدعوة إلى إنهاء سياسة التطهير العرقي في دارفور. وكان من بين المتحدثين في ذلك اليوم جورج كولوني ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي والسيناتور الديمقراطي وقتها باراك أوباما. وقد قامت الحملة بتنظيم 41 مسيرة مشابهة في حوالي 41 دولة أخرى، وقام نشطاؤها بإرسال 15 ألف رسالة لبريد القراء بعدد من الصحف و215 ألف بريد إلكتروني لأعضاء الكونغرس وأكثر من مليون بريد إلكتروني للبيت الأبيض.
كما سعت المنظمة لحث الإدارة الأميركية على زيادة ضغوطها على الحكومة الصينية لتوقف دعمها للنظام السوداني، وسعت لإقناع الرئيس بوش بالعدول عن قراره بحضور افتتاح أولمبياد بكين.
ورغم انتقادها لسياسات بوش خاصة فيما يتعلق بتمويل قوات حفظ السلام الدولية في دارفور، والسعي للتفاوض مع الحكومة السودانية قرب نهاية ولايته، إلا أنها رحبت بالعقوبات التي فرضتها إدارته على السودان. وأعلنت المنظمة عن تفاؤلها بأن إدارة أوباما سوف تزيد من الضغوط على حكومة الخرطوم، وقدمت خطة للإدارة الجديدة تقوم على دفع جهود السلام في السودان والترتيب لإنشاء قوة لحفظ السلام في دارفور وزيادة المساعدات الإنسانية ودعم جهود التنمية الاقتصادية طويلة الأمد و إخضاع المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان للمحاكمة.
والأدلة على نجاح حملة إنقاذ دارفور عديدة، منها مثلاً تصريح أندرو ناتسيوس Andrew Natsios مبعوث الرئيس السابق بوش للسودان في يونيو 2007 لواشنطن بوست أن حملة إنقاذ دارفور نجحت في إبقاء القضية على الساحة الإعلامية وأمام الرأي العام وجعلت الموضوع في الصدارة بشكل غير مسبوق منذ حركة إنهاء سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. كما صرح جوزيف بايدن عام 2007 عندما كان نائبًا في مجلس الشيوخ أن جهود حملة إنقاذ دارفور للضغط على الإدارة والكونغرس وإبقاء قضية دارفور في الصدارة كان لها تأثيرًا هائلاً.
خلافات مع منظمات الإغاثة
رغم النجاح الهائل الذي حققته حملة إنقاذ دارفور، إلا أنها واجهت انتقادات حادة لأسلوب عملها. فقد نجحت المنظمة في حشد عديدٍ من الجهود وجمع ملايين الدولارات من التبرعات حتى بلغت ميزانيتها 15 مليون دولار عام 2006، حيث تعتمد على تبرعات من أفراد وشركات عملاقة ومنظمات خيرية. ولكن بعدها عن جهود الإغاثة في دارفور دفع لانتقادها. وقد علق ممدوح ممداني الأستاذ بجامعة كولومبيا على نشاط حملة إنقاذ دارفور قائلاً: إن الأموال الطائلة التي تجمعها لا يذهب أيٌّ منها إلى السودان، وإنما تتجه لدعم حملتها الإعلامية.
يضاف إلى هذا أن التركيز الأساسي للتحالف ينصب على الدفع نحو مزيدٍ من التشدد تجاه حكومة الخرطوم أكثر من اهتمامه بدعم الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل للأزمة. ومن هنا تشير استفاني ستروم Stephanie Storm في مقالة بالهيرالد تربيون Herald Tribune إلى خلافات بين حملة إنقاذ دارفور ومنظمات الإغاثة العاملة في السودان، خاصة بعد أن بدأت حملة إعلامية عام 2007 تدعو من خلالها إلى مواقف أكثر تشددًا لإنهاء الصراع، بما في ذلك منع الطيران فوق دارفور.
وعلى الجانب الآخر ترى منظمات الإغاثة أن هذا الطرح يمثل خطرًا على نشاطها نظرًا لأنها تستخدم طائرات لإيصال مساعداتها للمناطق المنكوبة. كما ترى عديد من منظمات الإغاثة أن الحلول الدبلوماسية يجب أن تحظى بالأولوية لتفادي مزيدٍ من العقبات التي يمكن أن تضعها حكومة البشير في السودان أمام الجهود الإنسانية في حالة تصعيد الضغوط عليها.
وانتقد سام وورثنغتون Worthington الرئيس والمدير التنفيذي لمنظمة التفاعل Interaction ـ وهي تحالف لعدد من المنظمات العاملة في مجالات التنمية ومكافحة الفقر ـ الحملة الإعلامية التي قامت بها حملة إنقاذ دارفور باعتباره معوقًا للجهود الإنسانية هناك. وعبر عن دهشته من عدم قدرة المنظمة على الوقوف على حقيقة ما يحدث على الأرض. كما أكد أن حملة إنقاذ دارفور لا تمثل منظمات الإغاثة، وأشار إلى أن مطالبتها بفرض حظر على الطيران يمكن أن يؤدي لزيادة حدة الأزمة.
و مع الزيادة الهائلة في حجم الموارد التي نجحت حملة إنقاذ دارفور في جمعها، وأسلوب العمل الذي يركز على الجانبين السياسي والإعلامي، وتركيزها على الحل العسكري من خلال زيادة حجم وقدرات قوة حفظ السلام في دارفور وفرض حظر طيران فوقها، ظهر اتجاه يرى أن الحملة تتناول الموضوع من جانب واحد، بحيث تصوره على أنه عملية عدوان مستمرة من جانب ميليشيات الجنجويد ضد المدنيين، بينما تتغاضى عن التجاوزات التي ارتكبها المتمردون في الإقليم، بحيث يتم تصوير الصراع باعتباره صراعًا بين العرب والأفارقة، وذلك على الرغم من أن غالبية سكان دارفور من العرب المسلمين.
كما جاء التركيز على العمل الإعلامي والحملات الإعلانية باعثًا على التشكيك في إمكانية استخدام هذا المجال كبوابة لتمرير الأموال لمصالح خاصة، وقد أدت هذه الشبهات إلى فصل المدير التنفيذي لحملة إنقاذ دارفور دافيد روبنستاين David Robenstein في يونيو 2007.
خاتمة
فعلى الرغم من النجاح الكبير الذي حققته حملة إنقاذ دارفور Save Darfur في وضع الإقليم السوداني المنكوب في بؤرة الاهتمام السياسي والإعلامي بالولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية، إلا أنه بدأ يطفو على السطح صدام بينها وبين المنظمات العاملة في مجال الإغاثة بالسودان. وظهر أن الاختلاف في أساليب العمل قد أدى لاختلاف في رؤية الأولويات وبدائل الحل. فحملة إنقاذ دارفور ركزت منذ نشأتها على العمل السياسي والإعلامي، ووجهت جانبًا رئيسًا من اهتمامها للضغط على صانعي القرار في الولايات المتحدة من أجل اتخاذ مواقف متشددة ضد نظام البشير في السودان والمتهم بممارسة جرائم إبادة ضد المدنيين في دارفور.
ورغم عديدٍ من الزيارات التي نظمتها للسودان وغيرها من الدول الإفريقية، إلا أنها لم تنغمس بأي شكل في الجهود الإنسانية في دارفور، حتى بدا نشاطها بالنسبة للبعض عملاً نخبويًّا يركز على حشد نجوم الفن والرياضة، والتركيز على النشاط السياسي المكثف كجماعة ضغط في واشنطن، حيث مقرها الرئيس، إلى جانب نشاطها في عديدٍ من عواصم العالم بعيدًا عن قلب الصراع.
وعلى الجانب الآخر يرى عدد من المحللين والعاملين في مجال الإغاثة أن الملايين التي أنفقتها الحملة على الإعلانات والنشاط السياسي لم تفعل شيئًا لتخفيف معاناة المدنيين في دارفور. كما أثارت توجهات حملة إنقاذ دارفور نحو الدفع لمزيدٍ من الضغوط على السودان قلق المنظمات العاملة على الأرض الواقع، حيث خشيت هذه المنظمات من تدهور احتمالات التهدئة مما قد يؤثر على عملها الإنساني. وقد أثارت نشأة المنظمة كمبادرة من جمعيات يهودية أميركية، إضافة إلى الشبهات التي ثارت مؤخرًا حول نزاهة إدارتها المالية الشكوك حول دوافعها.
الأزمة بين حملة إنقاذ دارفور ومنظمات الإغاثة العاملة في السودان هي تكرار لإحداث مشابهة للخلاف بين العمل السياسي والميداني، إلا أن الوضع الراهن، خاصة منذ عام 2007 مع تصاعد الضغوط من أجل مزيدٍ من الإجراءات المتشددة تجاه حكومة السودان، يشير إلى شبه انفصال بين الطرفين. وقد أجَّجَ من هذا الانفصال المظهر الذي ظهرت عليه حملة إنقاذ دارفور باعتبارها تمثل نخب سياسية جمعتها مبادرات من قوى المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة.
ورغم توسع حملة إنقاذ دارفور لتشمل عديدًا من المنظمات الأهلية داخل الولايات المتحدة وخارجها، إضافة إلى منظمات أخرى تعمل على المستوى المحلي، فإن ما تحتاجه الآن هو مزيد من التواجد على الأرض ومزيد من التعاون مع منظمات الإغاثة، خاصة أن إدارة أوباما والتي أعلنت عن دعمها لإنهاء الصراع في دارفور سوف يكون عليها مراعاة العمل مع جميع القوى للوصول لتهدئة تسمح بمواصلة الجهود الإنسانية. وهو ما أكدت عليه كل من هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية وسوزان رايس المندوبة الدائمة في الأمم المتحدة أن العمل الإنساني سيكون له الأولوية في المرحلة الراهنة.