أوضاع قاتمة تسيطر على مستقبل أفغانستان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بايدن: لم نكسب حرب أفغانستان لكننا لم نخسرها كابول: كان التّـقييم السائد حتى بداية عام 2009، هو أن الوقت لا يزال مبكّـرا لليأس من "حالة أفغانستان" أو هكذا كان قادة عدّة دُول، ممَّـن لديهم قوات تعمَـل في الجبال هناك، يتمنَّـون.
لكن رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر، ألقى بقُـنبلة في وجه أوباما منذ أسبوع، عندما قال إن الجميع يخوض حرباً غير مجدية في أفغانستان وبأن أحدا لن يستطيع هزيمة العناصر المتمرّدة هناك وبأنه لن يُـرسل قوات كندية إليها، إلا إذا كانت هناك خطَّـة للانسحاب، وقد بدأت الإدارة الأميركية بالفعل في البحث عن تصَـوُّر لمستقبل أفغانستان.
لقد كانت تلك التّـقديرات القاتِـمة، متداولة منذ ما لا يقل عن 15 شهرا تقريبا في الأوساط السياسية والعسكرية الغربية، لكن كان ثمّـة تصوّر بأنه ليس هناك بديل آخر سوى "الاستمرار في المهمة".
فأفغانستان واحدة من الدّول الخطِـرة في العالم، وسيكون ثمَـن الانسحاب منها، أكبر من تكلفة البقاء فيها، لذا، كانت الدول التي اجتمعت في باريس في يونيو 2008، مستعدّة لتقديم حوالي 25 مليار دولار أخرى، إلا أن الشّـكوك بدأت تخرج إلى العَـلن بصورة صادِمة.
لم تعُـد المسألة تتوقّـف عند حدّ التقديرات العسكرية، التي تُـشير إلى "عودة طالبان" بالفعل أو نشاط قادِم للقاعِـدة أو فقدان للسَّـيطرة على حدود باكستان أو كارثة تُـحيط بممرّات إمدادات الناتو (الحلف الأطلسي)، بما أدّى إلى الحديث عن أعراض فيتنامية، وإنما وصلت إلى مستقبل عملية الإعمار التي تتطلب أكثر من 100 مليار دولار وحوالي 20 عاما، فلن تقوم الدولة المتحضِّـرة الحديثة التي تحدّثت عنها الإدارة الأميركية السابقة، ولا يعرف أحد شكل الدولة التي سيفرزها المؤتمر الدولي القادم حول أفغانستان.
على أي حال، لا يبدو رغم كل ذلك، أنه سيتم ترك أفغانستان، فلن يتِـم ببساطة تجاوُز فِـكرة أنها الدولة التي أفرزت هجمات 11 سبتمبر 2001 ضدّ الولايات المتحدة أو التي أدّت إلى ظهور موجَـة إرهاب القاعدة، التي طالت دُولا كبيرة ومتوسّطة في العالم، تمتد من إندونيسيا حتى بريطانيا، وربما تثير أيضا قلق دول عربية وإسلامية، ممّـن أصابتها ضربات إرهابية قاصمة بعد عام 1992 بفعل العائدين من أفغانستان وقتها، فالانسحاب الوحيد المتصوّر سيكون اضطراريا.
توجّـهات متضاربة
المشكلة أن السيناريو السيء يتّـسم بملامح شديدة الوضوح، فقد مرّت أكثر من 7 سنوات دون أن تتمكّـن الولايات المتحدة أو قوات الناتو أو "حكومة كابل" من السيطرة على البلاد، والأخطر، أن فقدان السيطرة كان يتصاعد مع الوقت وليس العكس، على الرغم ممّـا بدا دائما من أن هناك مفاتيح ما يُـمكن من خلالها ضبط أوضاعها وأن أي قوة مضادّة، كطالبان أو القاعدة، يمكِـن أن تثير مشاكل، إلا أنها لن تعيد الماضي.
لكن أشباح الماضي لم تتبدّد، فقد ثبَـت بشكل شِـبه نهائي، أن استئصال طالبان والقاعدة من المناطق القبلية الجبلية، لم يعُـد متصوّرا، بل أن طالبان قد استعادت كثيرا من عناصر قوّتها، سواء فيما يتعلّـق بالسيطرة على جنوب البلاد، عسكريا ثم سياسيا، ثم بدأت تقترِب من العاصمة كابل في انتظار هجمات الربيع، كما بدأت عناصر القاعدة في العودة من العراق إلى أفغانستان وبدأت في تطوير أساليب عمل طالبان نفسها، لتُـصبح أكثر احترافية وعُـنفا.
في نفس الوقت، بدأت خطوط إمدادات قوات الطرفين في التحول بشدّة. ففي حين أدّت صعوبة السّيطرة على مناطق الحدود الباكستانية - الأفغانية (حتى بعد رحيل مشرّف، الذي اتُّـهم أحيانا بالتّـقاعس)، إلى تحسّن إمدادات طالبان، بدأت خطوط إمدادات الناتو تُـواجه مشكلة، لدرجة أنه بدأ تداول تقارير شِـبه مؤكّـدة حول تفاهمات تجري بين واشنطن وكل من موسكو وطهران، لخلق بدائل غير تقليدية.
المفارقة الأخرى، هي أن إدارة أوباما قد بدأت في التحوّل من الاهتمام بالعراق إلى الاهتمام بأفغانستان، لتعلن عن إرسال 17 ألف جندي إضافي إلى هناك، بحيث كان من المُـمكن تصور أن زيادة عدد القوات يُـمكن أن يساهم في استعادة السيطرة، إلا أن المُـيول الإنسحابية واسعة النِّـطاق قد بدأت في الظهور، بدرجة يصعب تدارُكها لَـدى دول حلف الأطلسي، وبينهم أقرب حلفاء الولايات المتحدة، كبريطانيا وكندا، اللذين عانت قوّاتهما في الجنوب.
توجّـهات معدلة
إن تلك الأوضاع قد أدّت إلى ظهور الخيارات "العملية" في أفغانستان، كما حدث بالضبط في حالة العراق، وأولها، التفاهم مع طالبان أو الجناح الأكثر اعتِـدالا فيها، إضافة إلى استخدامٍ مكثَّـف لعلاقات المال مع بعض القبائل ودفع القوات الباكستانية للعمل مرّة أخرى بكثافة ضدّ "الأطراف المساندة" في مناطق الحدود، مقابل توقّـف القوات الأميركية عن قصفِـها، مع التركيز على تنمية المناطق الشرقية في أفغانستان لتهدِئتها، ثم تسليمها إلى الجيش الأفغاني.
إن الفيصل سيكون غالبا هو الاعتماد على "الخيار الأفغاني"، سواء من خلال إعادة تدريب وتمويل وتسليح الجيش الأفغاني بصورة تجعله أكثر قدرة على السيطرة أو تجعل الحكومة أكثر قُـدرة على التفاوض على الأقل، مع طرح حلول أكثر واقعية للاقتصاد، وصلت إلى الحديث عن الاستفادة "في الصّادرات الطبية" من زراعات الأفيون، إضافة إلى استمرار المساعدات المالية لتنمية قطاعات حضرية، تجعل السكان أكثر قُـدرة على "الصّـمود"، بل في بعض الأحيان، يبدو أن هناك بعض الأسُـس التي يمكن أن تدفع في اتجاه سيناريو أقل قتامة.
فطالبان لن تعود أبداً كما كانت عليه، سواء في قُـدراتها القتالية أو توجّـهاتها المتشدّدة أو تحالُـفاتها الخارجية أو مصادرها التمويلية، وقد وضح أن قُـدراتها على القِـتال وإدارة المناطق المُـسيطر عليها في الوقت ذاته، تواجه تحديا.
كما أن تنظيم القاعدة لم يعُـد كما كان عليه على الإطلاق، سواء فيما يتعلّـق بقياداته أو إمكانياته أو تمويله أو حتى القَـبول العام له في أفغانستان، وسوف يتم استِـهدافه بشدّة لَـدى أية محاوله لإعادة تجميع صفوفه مرّة أخرى من جانب جميع الأطراف.
الأهم أن سنوات ما بعد سقوط طالبان، لم تكن سيِّـئة بالنسبة لبنية أفغانستان، فمن المُـمكن الجدل كثيرا حول مدى كفاءة حكومة كرزاي في التأثير بشكل إيجابي على حياة المواطنين أو حتى فساد بعض المسؤولين الرّسميين في إدارة المساعدات، لكن الدولة شهدت تحسُّـنا لم تشهده عبر تاريخها في مجالات التعليم والصحة والبنية الأساسية.
سيناريوهات مركّـبة
وبالتالي، فإن ما سيجرب في أفغانستان، سيكون على الأرجُـح واحدا من السيناريوهات المركّـبة، التي آلت إليها حالة مثل العراق. فقد بدأت مرحلة ما بعد غزو العراق بأحلام الدول الديمقراطية الغنية، قبل أن تطرح احتمالات التقسيم الجغرافي والحرب الأهلية، ثم استقرت الدّولة على أساس توازُنات حرِجة لن تحقِّـق لها استقرارا مؤكّـدا، لكنها تُـجنِّـبها أيضا الانهيار الشامل.
إذا تكرّرت تلك التجربة، فإن النظام السابق لن يعود، وإنما سيتِـم إدماج عناصِـره في النظام الجديد وِفق صِـيغ متعدّدة، أصبح هناك تُـراث كامل لها، وإذا عاد نظام طالبان عبر العنف المسلّـح، نظرا لخصوصيات أفغانستان، لن يكون كما كان، وسيُـحاصَـر من كل جانب وسيقبل حلولا وسيطة، وهنا، تبرز أهمية حالات كالصومال وغزّة، التي تشهد تطويعا صعبا لحركات ذات توجّهات حادّة أو كانت كذلك. فخيارات طالبان ذاتها، لا تقِـل صعوبة عن خيارات كرزاي.
لقد قال ستيفن هابر إنه قرأ تاريخ أفغانستان وإنه وجد أن "التمر" موجود فيها منذ الأزل وأن لديه أسئلة صعبة جدا حول إستراتيجية أوباما لضمان النجاح، وربما لن تكون لدى أوباما بالفعل إجابات لمثل تلك الأسئلة، فالمسألة لم تعُـد النجاح، وإنما "عدم الفشل"، وهو ما يمكن أن يتحقّـق في أفغانستان أو يبدو حتى الآن أن أحدا لن يحتمِـل وقوعه فى انتظار إجابات أوباما، التي سيكون عليه فيها أن يقدّم ما هو أكثر من شِـعاره الانتخابي "نعم نستطيع".