الرأي العام الأميركي وقرار اعتقال البشير
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: تصاعدت وتيرة التطورات السياسية في منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية من جانب ودوليًّا من جانب آخر على أثر إصدار المحكمة الجنائية الدولية لمذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر البشير تتضمن اتهامات بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور، وهو ما تواكب مع احتدام الجدل السياسي حول إمكانية تبرير هذا القرار من منظور القانون الدولي والدعم الذي يمكن أن يحظى به من الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن.
وفي هذا الصدد يمكن القول: إن موقف الولايات المتحدة الأميركية من القرار ارتبط بصورة وثيقة بتوجهات مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما حيال قضايا حقوق الإنسان عالميًّا من جانب، وثوابت رؤية الجمهور الأميركي للتطورات في دارفور وموقف الحكومة السودانية بقيادة الرئيس عمر البشير تجاهها من جانب آخر. ومن هذا المنطلق يسعى هذا التقرير للإجابة على تساؤل مفاده: كيف أثرت توجهات الرأي العام الأميركي تجاه الأوضاع الإنسانية في إقليم دارفور على سياسات الحكومة الأميركية بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس عمر البشير؟، وذلك من خلال استعراض ثوابت تلك الرؤية والمتغيرات التي لحقت بها وانعكاساتها على السياسات الرسمية للإدارة الأميركية الجديدة.
السودان ما بين التهديد الإرهابي والإبادة الجماعية
فرضت أحداث الحادي عشر من سبتمبر على الجمهور الأميركي ضرورة تبني منظور أوسع في التعامل مع التطورات الدولية التي تؤثر على الأمن القومي الأميركي انطلاقًا من أن عدم تعامل الولايات المتحدة مع انتهاكات بعض الدول للقانون الدولي وإغفال تفاقم الصراعات الإثنية في دول أخرى من شأنه أن يثير تهديدات غير مباشرة وعلى المدى البعيد للولايات المتحدة ولاسيما التهديدات الإرهابية منها، وفي هذا الإطار كشف استطلاع الرأي الذي أجرته مجلة النيوزويك الأميركية Newsweek في 12 من أكتوبر 2001 عن تأييد حوالي 71% من الجمهور الأميركي لاتخاذ إجراءات صارمة ضد الحكومة السودانية باعتبارها "أحد الدول الداعمة للإرهاب في منطقة الشرق الأوسط" وفق رؤية الأميركيين.
بيد أنه مع تراجع حدة ردود الفعل الآنية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر لدى الرأي العام الأميركي ولاسيما ما يتعلق بالتقييم الوقائي للتهديدات الخارجية بدأ التركيز ينحصر في ضرورة التعامل بشكل إيجابي مع الإبادة الجماعية وأعمال العنف التي استهدفت قاطني إقليم دارفور، ففي استطلاع الرأي الذي أجراه البرنامج الدولي للتوجهات السياسية the Program on International Policy Attitudes التابع لجامعة ميرلاند University of Maryland الأميركية في يوليو 2004 أكد حوالي 56% ممن شملهم الاستطلاع أن الأوضاع في إقليم دارفور لا يمكن أن توصف إلا بكونها إبادة جماعية في مقابل وصف حوالي 24% لتلك الأحداث بكونها حربًا أهلية بين طرفين.
وفي السياق ذاته أبدى حوالي 54% ممن شملهم الاستطلاع الذي أجرته المؤسسة ذاتها في ديسمبر 2004 تأييدهم بدرجة أو بأخرى لاستخدام الولايات المتحدة للقوة بصورة منفردة لإنهاء الإبادة الجماعية وضمان استقرار الأوضاع الأمنية في دارفور وذلك بالتوازي مع تأييد حوالي 61% لتدخل الأمم المتحدة لأغراض إنسانية في إقليم دارفور وموافقة حوالي 71% على تقديم الولايات المتحدة لدعم مادي وعسكري لقوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في إقليم دارفور.
هل تستخدم الولايات المتحدة القوة العسكرية ضد البشير؟
تبنى الرأي العام الأميركي هذا التوجه القائم على الانخراط بإيجابية في جهود إنهاء الصراع في دارفور على الرغم من غياب المعرفة التفصيلية بتطورات الأوضاع بالإقليم أو الأطراف المتحاربة وهو ما يستدل عليه بتأكيد حوالي 47% من المبحوثين في استطلاع مؤسسة بيو لاستطلاعات الرأي Pew Research Center for the People the Press في مايو 2007 عن أن معرفتهم بالأحداث في إقليم دارفور ضئيلة في مقابل إشارة حوالي 30% لعدم معرفتهم بالإقليم أو موقعه الجغرافي.
أثر تدهور الأوضاع الأمنية بالعراق وعدم تحقيق القوات الأميركية لانتصار حاسم ميدانيًّا، فضلاً عن انحسار التأييد الذي تمتعت به توجهات رموز التيار المحافظ بالولايات المتحدة على رؤية الجمهور الأميركي للنهج الأكثر ملائمة في معالجة الأوضاع الإنسانية المتردية في إقليم دارفور وهو ما اتضح من خلال استطلاعات الرأي التي أجريت في الآونة الأخيرة حول السياسات الواجب اتباعها.
وكانت أبرز التحولات في هذا الصدد متمثلة في تفضيل التحرك الدولي متعدد الأطراف على النهج الأحادي في التعامل مع الأوضاع بإقليم دارفور، حيث أكد حوالي 48% ممن شملهم استطلاع الرأي الذي أجراه مركز بيو لاستطلاعات الرأي Pew Research Center for the People the Press في 3 من يونيو 2007 أن الولايات المتحدة تتحمل قدرًا ما من المسؤولية تجاه إنهاء أعمال الإبادة الجماعية في إقليم دارفور في مقابل معارضة حوالي 34% وهو ما يمكن اعتباره تراجعًا في اعتقاد الأميركيين بمسؤولية الولايات المتحدة عن المستوى الذي تضمنه استطلاع الرأي الذي أجرته المؤسسة ذاتها في أكتوبر 2006 بالنظر إلى تأييد حوالي 55% من الأميركيين لمسؤولية الولايات المتحدة لإنهاء المعاناة الإنسانية لسكان إقليم دارفور.
كما تقلص تأييد الرأي العام الأميركي لاستخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية سواء منفردة أو بالمشاركة مع دول أخرى أو حتى في إطار قوات دولية تابعة للأمم المتحدة بناء على تفويضٍ من مجلس الأمن للتصدي لأعمال الإبادة الجماعية السالفة الذكر، حيث أيد حوالي 45% ممن شملهم استطلاع الرأي الذي أجراه مركز استطلاعات الرأي الدولي التابع لجامعة برينستون الأميركية Princeton Survey Research Associates International في يوليو 2007 مشاركة الولايات المتحدة في إطار قوات دولية تابعة للأمم المتحدة لحفظ السلام في دارفور في مقابل معارضة حوالي 38% لتلك المشاركة، في حين كان مستوى التأييد للمشاركة الأميركية في قوات دولية متعددة الجنسية في استطلاع الرأي الذي تم إجراؤه في ديسمبر 2006 حوالي 54% ممن شملهم استطلاع الرأي.
المحكمة الجنائية الدولية وبداية عهد المنظمات الدولية
و في السياق ذاته تصاعد تأييد الرأي العام الأميركي للإجراءات الدولية متعددة الأطراف في إطار المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة لإنهاء المعاناة الإنسانية في دارفور، ففي استطلاع الرأي الذي أجراه مجلس جامعة شيكاغو للشؤون العالمية Chicago Council on Foreign Relations في سبتمبر 2008 نوه حوالي 72% إلي ضرورة دعم الإجراءات التي تتخذها الأمم المتحدة في إقليم دارفور.
وفي السياق ذاته أيد حوالي 68% ممن شملهم استطلاع أجراه البرنامج الدولي للتوجهات السياسية Program on International Policy Attitudes في يوليو 2008 أن تتعاون الولايات المتحدة مع المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب في دارفور، وفي السياق ذاته أعرب حوالي 56% عن اعتقادهم بأن تصديق الولايات المتحدة الأميركية على معاهدة روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية من شأنه أن يعزز جهودها في ملاحقة مجرمي الحرب ومنع جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في كافة أرجاء العالم وهو ما يأتي اتساقًا مع الدور المتصاعد للمنظمات الدولية في وضع قواعد وأُطر عامة للسلوك الدولي لحفظ الأمن والسلم الدوليين بما يحمل في طياته تداعيات على سيادة الدولة بالمفهوم التقليدي بما فيها الولايات المتحدة ذاتها.
إدارة أوباما ودارفور.. معضلة خارجية جديدة
لم تكن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في السياسات المبدئية التي تبنتها حيال توجيه لائحة اتهامات بارتكاب جرائم حرب للرئيس السوداني عمر البشير بمعزل عن رؤية الأميركيين للأوضاع الإنسانية في إقليم دارفور وحدود الانخراط الأميركي الممكن قبوله في هذا الصدد وهو ما أكده ميريل ماكبيك Merrill A. McPeak أحد مستشاري السياسة الخارجية بالحملة الانتخابية للرئيس أوباما والباحث بمجلس سياسات التحول الديمقراطي Council of Democratization Policies بما أورده في مقاله بصحيفة الواشنطن بوست Washington Post في 7 من مارس 2009 أن إدارة الرئيس أوباما تضع الأوضاع الإنسانية في دارفور ضمن قائمة أولوياتها على المستوى الخارجي وتنظر للأوضاع الإنسانية على أنها أحد نتائج عملية إبادة جماعية وليس صراعًا إثنيًّا.
حيث اعتبر نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جوردن دوجويد في 6 من مارس 2009 أن قرار المحكمة الجنائية الدولية يعد وسيلة للضغط من أجل التوصل إلى تسوية للنزاع في دارفور، مؤكدًا أن الإدارة الأميركية لا تفكر الآن في تأجيل مذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة، مشيرًا إلي أن الرئيس السوداني هارب من العدالة الدولية وذلك بالتوازي مع تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في 5 من مارس حول ضرورة مثول الرئيس السوداني أمام المحكمة الجنائية الدولية كفرصة لإثبات عدم ارتكابه لجرائم حرب في دارفور.
و في السياق ذاته قامت وزارة الخارجية الأميركية بتقليص عدد الدبلوماسيين الأميركيين في سفارتها بالخرطوم وأصدرت تحذيرًا للرعايا الأميركيين حول احتمالات استهدافهم من جانب بعض الفصائل في الخرطوم، في حين أدان الرئيس الأميركي باراك أوباما في لقائه مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قرار الحكومة السودانية بطرد حوالي 12 من منظمات الإغاثة الإنسانية العاملة في دارفور مؤكدًا أن الولايات المتحدة تعمل بأكبر قدر ممكن من الفعالية مع الأمم المتحدة للتوصل لإنهاء الأزمة الإنسانية وإعادة السودان إلى مسار السلام والاستقرار على المدى الطويل.
ومن هذا المنطلق يمكن القول: إن الولايات المتحدة تعتبر في قرار المحكمة الجنائية الدولية سالف الذكر أحد أدوات الضغط على الخرطوم لحسم صراعها مع متمردي دارفور سلميًّا، وتعتبره الإدارة الأميركية أحد تبعات سياسة الحكومة السودانية في التعامل مع قضية توزيع الثروة والتنمية بين مختلف الأقاليم السودانية، ولذا فإن الدعم الأميركي الحذر للقرار لم يكن غريبًا في ضوء توافقه مع توجهات للرأي العام الأميركي حيال تلك القضية، إلا أن ذلك لا يمكن أن يمتد بأي حال لانخرط الولايات المتحدة في أي عمل عسكري ضد السودان انطلاقًا من عدم تفضيل الأميركيين لهذا الخيار من جانب وسيطرة القضايا الاقتصادية على أجندة إدارة الرئيس أوباما من جانب آخر فضلاً عن حرص الولايات المتحدة على عدم تكرار سيناريو إخفاق استخدام القوة العسكرية لإسقاط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين عام 2003 في تحقيق الأمن والاستقرار بالعراق على المدى البعيد.
التعليقات
جريده ايلاف
ابراهيم القصاص -ما هي الأبعاد السياسية لاعتقال البشير؟وإذا كانت أمريكا تحاسب البشير بكونه مجرم حرب فأين محاكمه إسرائيل وانتهاكاتها لحقوق الإنسان في فلسطين وجنوب لبنان أليس الأولى هو محاسبه إسرائيل على هذه الجرائم البشعة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.........!!!!!!!!
الرأي العام الأميرك
محمد سالم -باديئ ذي بدا و قبل الالتفاتة الى رؤساء دول و حكومات و امم و شعوب.و قبل ان تتظاهر المحكمة الدولية بالعدالة و حقوق الانسان بدعم من دول مشبوهة تستخدم المحكمة الدولية -التي لا تعترف بها اصلا- كعصى ضد اخرين. و ذلك لتحقيق اهداف و تنازلات لصالحها و لاغراض من يتبعها من ضعفاء العقول و من هجنتهم بسياساتها الهدامة...?لنفكر سوية و بروية في الامور التالية كقتل الملايين من الرضع و الشيوخ و النساء العراقيين و الفلسطينيين و الصوماليين و الافغان و اللبنانيين و الطوارق و الشيشان و اليغور و سكان الاوغادين,و الاوغنديين الذين ثبت تورط الفرنسيين في مجازرهم مع جهات غربية اخرى ?او قتل المرحوم المناضل ياسر عرفات ?او احتلال دولة العراق المستقلة و تقديم رئيسها اضحية لاوامر تل ابيب...? هذا فضلا عن مسح دولة العراق كمفهوم و قوام لا كاسم من الخريطة الدولية ? او من قسم دولا و شرد امما و شعوبا و قصف الابرياء بالاسلحة المحرمة دوليا و شجع العصابات بعضها ضد بعض?و اشعل الحروب بين الجيران و ابناء الامة الواحدة? و قسم دولا الى كيانات كرتونية ليست قادرة على البقاء مثل تيمور الشرقية و غيرهاو شجع الاخ على قتل اخيه?و فرق الامة الواحدة مائة فرقة ?و حجم الكبير و ضخم الصغير لصالح نزواته و افكاره المغرضة...? هؤلاء من يستحق المحاكمة الدولية امثال من قتل و دمر و شرد و قسم في العراق و فلسطين و لبنان و الصومال و اوغندا و ليبيريا و,و,و,...و قبل ان يتشدق ما يدعى بالمحكمة الدولية باقوال و مذكرات و اقاويل و تقولات علينا ان نتذكر ان الدول المحرضة لهذه المحكمة مثل امريكا و بريطانيا و فرنسا و غيرها من الدول الغربية لا تعترف بالمحكمة الدولية لا اصلا و لا فرعا.و انما تتخذها سلاحا ضد من لم ينصاع لها او من فضل مصالح امته على مصالحها...?او بلغة اخرى من لم يساير هذه الدول في مخططاتها و مطامعها الموجهة للاستيلاء على خيرات و مقدرات الشعوب...?و لعل القارئ يتذكر هنا المواقف الغربية من قضايا او شخصيات معروفة سرعان ما تغيرت المواقف الغربية منها 190 درجة بمجرد تطويع هذه القضايا او الشخصيات و انصياعها للصالح الغربي على حساب اوطانها و شعوبها ...? من هنا يتضح ان الغرب و جنوده و اجندته لم و لن يسئلوا لا عن الانسان و لا عن حقوق الانسان و لاهم يحزنون ?لان من دمر و يدمر الانسان يصعب عليه التظاهر بحمايته ? و لان فاقد الشيئ لا يعطيه ?و ا