دينس روس.. صقر أميركي يتولى الملف الإيراني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: كان من المتوقع أن يُعلن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ووزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، عن تعيين الدبلوماسي والسياسي المخضرم دينس روس، مبعوثًا إلى منطقة الشرق الأوسط بدلاً من الدبلوماسي المحنك السيناتور السابق جورج ميتشل، نظرًا لخبرة روس بالمنطقة وعملية السلام، خلال عمله بإدارة بيل كلينتون كمبعوث لعملية السلام بمنطقة الشرق الأوسط. ويبرر كثيرون عن عدم تسمية روس لهذا المنصب لاستغلال معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الذي يعمل به روس كمستشار وزميل متميز في برنامج الزمالة زيجلر، التسريبات عن تعيين روس مبعوثًا للشرق الأوسط من أجل جذب مزيدٍ من الأموال والتبرعات للمعهد من الجالية اليهودية، وهو الأمر الذي زاد من شكوك أوباما وكلينتون من تعيين دينس روس لمنصب المبعوث الأميركي للمنطقة.
وعلى الرغم من عدم تعينه مبعوثًا إلى الشرق الأوسط وكثرة التوقعات عن تعيين روس مبعوثًا إلى الملف النووي الإيراني، لم يُعلن عن روس مبعوثًا لإيران ولكن وزيرة الخارجية الأميركية أعلنت عن تعينه مستشارًا خاصًّا ـ وليس مبعوثًا خاصًّا ـ لها لشؤون الخليج ـ بما في ذلك إيران ـ وجنوب غربي آسيا. ولعل السبب في تسمية "روس" في هذا المنصب وعدم ذكر إيران فيه ولا في نص خطاب التعيين راجع لغياب العلاقات الدبلوماسية بين طهران وواشنطن، وبالتالي لم يكن من المناسب تسمية المنصب حسبما كان يتوقع كثيرون، ويتوقع أن يكون هذا السبب هو وراء تأخر تسمية روس، رغم كثرة التسريبات والتوقعات. ورغم هذا التأخير في تسمية روس إلا أن أوباما ربط في خطابه يوم السابع والعشرين من فبراير الماضي بينه وبين المبعوثين الآخرين "جورج ميتشل" المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط، والدبلوماسي المخضرم "ريتشارد هولبروك" المبعوث الخاص بشأن أفغانستان وباكستان، من أجل استقرار السياسة الأميركية في المنطقة، وإحداث تحول فيها عن سياسة سلفه جورج بوش الابن.
إيران في صميم مهام روس
على الرغم من عدم ذكر إيران في اسم المنصب أو قرار التعيين، إلا أنها ستكون الأولوية الأولى لروس. فتعيينه في هذا المنصب يأتي في وقت تسعى فيه إدارة أوباما لإعادة هيكلة سياساتها تجاه إيران؛ لتداخل طهران في عديدٍ من ملفات المنطقة بداية من العراق ودورها الجلي في استقراره أو عدم استقراره، وكذلك أمن منطقة الخليج العربي ذات الأهمية الاستراتيجية في الفكر الأمني الأميركي لما تزخر به تلك المنطقة من احتياطات نفطية، ناهيك عن إمكانية تهديد طهران أمن الطاقة الأميركي والدولي باستهدافها ناقلات النفط في الخليج العربي أو من خلال غلق مضيق هرمز، وصولاً إلى الدور الإيراني في الصراع العربي ـ الإسرائيلي بعلاقاتها القوية مع قوى المقاومة والممانعة في المنطقة لاسيما حزب الله اللبناني وحركة المقاومة الإسلامية حماس، وعلاقاتها الاستراتيجية بدمشق ووصولاً إلى حاجة واشنطن إلى طهران في أفغانستان في ظل مقاربة أميركية جديدة تجاه الوضع الأميركي المتأزم هناك. وأخيرًا المساعي الإيرانية لامتلاك تكنولوجيا نووية. فأي تحول في السياسة الأميركية ـ الإيرانية من شأنه إحداث انفراجة في كثير من تلك الملفات، ومن ثم خدمة المصالح والسياسة الأميركية بالمنطقة.
وهذا التداخل الإيراني في كثير من ملفات المنطقة عبر عنه الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية روبرت وود قائلاً: "إن تعيين روس جاء لمنطقة تخوض فيها الولايات المتحدة حربين ـ في إشارة إلى العراق وأفغانستان ـ وتهديدات جمة على شاكلة الإرهاب والانتشار النووي وأساليب الوصول إلى موارد الطاقة والتنمية الاقتصادية وتعزيز الديمقراطية وحكم القانون".
وأشاد وود بخبرة روس الواسعة ليس فقط في قضايا المنطقة بل أيضًا على مستوى التحديات السياسية والعسكرية بالمنطقة والتي تصل تداعياتها إلى خارج منطقة الخليج وجنوب آسيا. مضيفًا أن وزيرة الخارجية تتطلع للاستفادة من هذه الخبرة والرؤية الدبلوماسية لـ"دينس روس".
وعن مهمة روس، قال وود: إن "روس" سيقدم المشورة الاستراتيجية لوزيرة الخارجية الأميركية وكبار مسؤولي الوزارة بشأن المنطقة والعمل على ضمان انسجام السياسات الأميركية مع الأوضاع في المنطقة والتنسيق مع كبار المسؤولين في وضع وصياغة مقاربات سياسية جديدة، وبطلب من الوزيرة، المشاركة في الأنشطة المشتركة بين الوكالات ذات الصلة في المنطقة. بالإضافة إلى دوره التنسيقي مع المبعوثين الآخرين، جورج ميتشل الخاص بمنطقة الشرق الأوسط نظرًا للدور الإيراني الجلي في منطقة الشرق الأوسط ومع قوى المقاومة والممانعة في المنطقة لاسيما حزب الله اللبناني وحركة حماس، فنجاح أو فشل ميتشل يرتبط بالموقف الإيراني من قضايا المنطقة الذي هو في تزايد مستمر في وقت تراجعت فيه القوى الإقليمية التقليدية، وكذلك نجاح هولبروك يرتبط أيضًا بالتنسيق مع طهران.
رؤية "روس" للأزمة النووية الإيرانية
تتلخص رؤية "دينس روس" للأزمة النووية الإيرانية في مقالة له بمجلة النيوزويك الدولية في التاسع والعشرين من نوفمبر الماضي (2008) والمنشورة على موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في الرابع من ديسمبر الماضي (2008) والمعنونة بـ "الحوار الحازم مع طهران" أن إسرائيل واصلت مساعيها لامتلاك أسلحة نووية؛ لأن الإدارة الأميركية السابقة ـ إدارة بوش ـ لم تمارس ما يكفي من الضغط أو الحوافز لإثناء طهران عن مساعيها تلك. قائلاً: إن عقوبات الأمم المتحدة خلال الأعوام الثلاثة الماضية كانت تستهدف برنامج التسلح الإيرانية والبرنامج النووي والصاروخي في المقام الأول وليس الاقتصاد الأوسع نطاقًا. فاستهداف الاقتصاد بصورة مباشرة سيفرض على النظام الإيراني (الملالي) تقويض برنامجها النووي، إذ يعاني الاقتصاد الإيراني من نقاط ضعف، فإيران تستورد 34% من احتياجاتها من الغاز وأن صناعتي النفط والغاز الطبيعي لديها ـ هما مصدرا الدخل الرئيسان اللذان تستخدمها طهران في كسب تأييد الشعب "شراء سكانها" ـ في أمس الحاجة لاستثمارات وتكنولوجيا جديدة. ويرى روس أن من شأن العقوبات "الذكية" أن تجبر قادة إيران على النظر إلى التكاليف الباهظة في عدم تغيير سلوكهم.
ويرى في مقالته أن السبيل للضغط على طهران بشأن برنامجها النووي هو التركيز بدرجة أقل على منظمة الأمم المتحدة والتركيز بدلاً من ذلك بصورة كبيرة على الحلفاء الأوروبيين واليابان والصين والمملكة العربية السعودية لحمل إيران على إبداء تعاونها مع المجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي، وتعاونهم مع واشنطن في العمل على تقويض الطموح النووي الإيراني. ويرى أن تكاتف الجهود الأميركية والدولية سيكون لها كبير الأثر على الضغط على إيران، فيشير في مقالته إلى شكوى الأوروبيين بأنهم إذا ما قلصوا من تعاملهم التجاري مع طهران، انبرى الصينيون لاستغلال الفرصة بتعزيز تعاونهم مع الإيرانيين. ولذا يرى أن انضمام الصين إلى فريق الضغط سيبدد هذا الخوف.
ويدعو "روس" إلى الموازنة بين العصا (القوة الصلدة) والجزرة (القوة الناعمة)، بعبارة أخرى الموازنة بين العقوبات والحوافز. قائلاً: علينا تقديم مزايا سياسية واقتصادية وأمنية لطهران بشرط تغيير سلوكها ليس في قضية طموحها النووي فحسب بل في مجال ما يطلق عليه "الإرهاب". ويرى أن المزاوجة بين العقوبات والحوافز سيُظهر لطهران الخسائر التي تلحق بها جراء مضيها في الطريق النووي، وكذلك ما سيكسبه قادتها من الاعتدال في سلوكهم.
ويرى أن السياسة الذكية لإدارة الأزمة النووية الإيرانية تكمن في الاعتماد على تلك السياسية القائمة على المزاوجة بين القوتين الصلدة والناعمة، وهذا المزيج من القوتين يطلق عليهما عالم السياسية الأميركي "جوزيف ناي" - أبو القوة الناعمة - وريتشارد أرميتاج في تقرير صادر عن مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية القوة الذكية.
ولعل هذا جليٌّ في تصريحات المسؤولين الأميركيين التي تزاوج بين القوتين. ففي المؤتمر السنوي الدولي للأمن في ميونيخ في السابع من فبراير الحالي أكد نائب الرئيس "جوزيف بايدن" استعداد واشنطن إلى الحوار مع إيران. وفي أول مؤتمر صحفي لأوباما في التاسع من الشهر الجاري جدد أوباما دعوته لإقامة حوار مباشر مع إيران وبمقاربة جديدة للعلاقات الأميركية ـ الإيرانية، ولكنهما في الوقت ذاته لا يعلقان التعاون الدولي ضد إيران وفرض عقوبات عليها والتلويح بالقوة الصلدة في حال إصرار طهران على المضي في طموحها النووي وتخطي العتبة النووية وامتلاك أسلحة نووية. وفي نهاية مقالة روس في النيوزويك يؤكد على ضرورة تجنب الإدارة الأميركية الجديدة التعايش مع إيران نووية أو العمل العسكري لمنع إيران من أن تصبح دولة نووية.
وفي ورقة بحثية له تحت عنوان "إيران: تقييم الخيارات الأميركية الاستراتيجية" نشرها مركز الأمن الأميركي الجديد في سبتمبر الماضي (2008)، ينصح بأن تزاوج السياسة الأميركية أيضًا في انخراطها مع إيران بين عدم فرض شروط مسبقة للحوار والضغط على إيران.
ويطرح في ورقته تلك كيف يكون الحوار والضغط دون أن يشعر أي من طرفي الحوار أنه في وضع ضعيف. ويرى أن أولى خطوات هذا الحوار هو دمج واشنطن والأوروبيين في الحوار مع طهران دون مطالبتها أن تتوقف عن تخصيب اليورانيوم. ولتجنب سوء فهم أن إيران خرجت منتصرة من هذه الصفقة فإنه يقول: ثمنها ستدفعه الدول الأوروبية بتبني عقوبات صارمة على الاستثمارات ونقل التكنولوجيا لإيران بصورة عامة أو في مجال الطاقة. وهذه السياسة من شأنها ـ حسب ورقة روس ـ أن تُوصل رسالة إلى طهران مفادها رغبة واشنطن في استمرار الحوار وأن تلك العقوبات القاسية مفروضة من كل دول الاتحاد الأوروبي.
معارضة لتعيين روس
يُثير تعيين روس حفيظة الأوساط الإيرانية؛ نظرًا لأن "روس" من أكثر الشخصيات الموالية لإسرائيل في إدارة أوباما، وهو ما يبدد طموح واشنطن في إحداث تغيير في سياساتها تجاه طهران، الذي بدأت تشير إليه إدارة أوباما من خلال تصريحات أوباما وأعضاء إدارته.
وفي هذا السياق يرى البروفيسور ويليام بيمان الخبير في الدراسات الشرق أوسطية بجامعة مينيسوتا أن تعيين "روس" سيقوض من فرص البدء في حوار بناء مع طهران لخلفيته المعارضة لإيران وموالاته لتل أبيب. مشيرًا إلى أن روس كان أحد الموقعين على مشروع القرن الأميركي وأحد الداعين إلى غزو العراق في تسعينيات القرن المنصرم، وأيضًا إلى عمله بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الموالي لمنظمات اللوبي الإسرائيلي داخل واشنطن وعلى وجه الخصوص منظمة إيباك.
ورغم تصاعد المخاوف من دور "روس" المتشدد في الملف النووي الإيراني، يقلل كريم سيجادبور الباحث المتميز بمؤسسة كارينجي للسلام الدولي والمتخصص في الشؤون الإيرانية، من دور "روس" في الملف النووي الإيراني قائلاً: إن مسؤول إيران بوزارة الخارجية الأميركية "بيل بيرنز" سيستمر في ممارسة دوره الرئيس في تشكيل السياسة الخارجية الأميركية تجاه طهران، الذي يرى فيه سيجادبور اختيارًا مثاليًّا لما يتمتع به "بيرنز" من قدرات دبلوماسييه ومخابراتية، فضلاً عن القدرة على التعامل مع الإيرانيين والأوروبيين وكذلك مع الروس والصينيين لدرجة الاحترام والتقدير التي يتمتع بها بين حلفاء واشنطن.
وفي المقابل هناك من يؤيد تعيين "روس" في هذا المنصب الجديد والتعامل مع الملف الإيراني، فيرى كثيرون داخل واشنطن وخارجها أن تعيين روس والذي يُعد من الشخصيات ذات "الوزن الثقيل" داخل الإدارات الأميركية يؤشر إلى الجدية التي توليها واشنطن للدور الإيراني في المنطقة والبرنامج النووي الإيراني. ويضيف آخرون أن تعين "روس" يضمن تأييد التيار المتشدد الأميركي الذي ينتقد سياسة أوباما القائمة على الحوار مع إيران والانفتاح الأميركي على طهران.
ويشيد البعض بهذا التعيين نظرًا لأن روس قادر في حال التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وطهران أن يتفاوض مع تل أبيب لعلاقاته القوية بالمسؤولين الإسرائيليين والمتخوفين من القدرات النووية الإيرانية والرافضين للحوار مع طهران والراغبين في تبني إدارة أوباما سياسة متشددة تجاه طهران مثل التي تبناها بوش. فوجود روس في منصبه هذا سيساعد على التوصل إلى صيغة تفاهم ترضي الأطراف الثلاثة في الأزمة، واشنطن وتل أبيب وطهران.
روس سياسي ودبلوماسي مخضرم
يجمع روس بين خبرة العمل السياسي والدبلوماسي والبحثي، فبعد تعينه في منصبه الجديد سيترك روس معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، حيث كان مستشارًا بالمعهد وزميلاً متميزًا في برنامج الزمالة زيجلر Ziegler. ولمدة اثني عشر عامًا من العمل الدبلوماسي، كان لروس دور كبير في تشكيل الانخراط الأميركي في عملية السلام بمنطقة الشرق الأوسط والحوار المباشر، فقد كان روس الرجل الأول لعملية السلام في الشرق الأوسط أثناء ولاية إدارة كل من جورج بوش الأب وبيل كلينتون. وقد قام بدور الوسيط في مساعدة الفلسطينيين والإسرائيليين للوصول إلى الاتفاق المؤقت عام 1995؛ كما توسط بنجاح في اتفاقية الخليل عام 1997 وقام بتسهيل معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية.
وكخبير سياسي ودبلوماسي محنك لمَّا يزد على عقدين من الخبرة في الشؤون السوفيتية والشرق الأوسط عمل عن كثب مع وزراء الخارجية جيمس بيكر ووارن كريستوفر ومادلين أولبرايت. ولروس خبرة كبيرة بالعمل الدبلوماسي والحكومي، ففي إدارة بوش الأب عمل روس مديرًا للتخطيط السياسي بالخارجية. وشغل روس منصب المبعوث الخاص للشرق الأوسط أثناء ولايتي الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون.
ويشير موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في الجزء التعريفي بروس إلى دوره المتميز في السياسة الأميركية تجاه الاتحاد السوفيتي السابق ـ فقد كانت أطروحته لنيل درجة الدكتوراه عن صناعة القرار في الاتحاد السوفيتي السابق ـ، وتوحيد ألمانيا، والمفاوضات الأميركية داخل حلف شمال الأطلنطي، ومفاوضات الحد من التسلح، والتحالف الدولي في حرب الخليج الثانية 1991.
ولدوره في العمل الحكومي الأميركي والدبلوماسي حصل روس على عدد من الأوسمة لتميزه السياسي فقد منحه الرئيس كلينتون الميدالية الرئاسية للخدمات الفيدرالية المدنية المتميزة ومنحه كلٌّ من وزير الخارجية بيكر وأولبرايت أرفع وسام لوزارة الخارجية. وحصل أيضًا على ميدالية جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس التي تخرج فيها، وكذلك على أعلى وسام منها. وحصل روس على الدكتوراه الفخرية من عدد من الجامعات منها المعهد اللاهوتي اليهودي وجامعة سيراكيوز وكلية أمهيرست.