الإنفاق العسكري على الطاقة عبء على واشنطن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: منذ أزمة الحظر النفطي العربي عام 1973، والولايات المتحدة الأميركية تُدرك أهمية مصادر الطاقة ومدى تأثيرها على أمنها القومي، ولذا أضحت قضية أمن الطاقة على الأجندة الأميركية رغبة منها في تأمين احتياجاتها من مصادر الطاقة وإشباع متطلبات مجتمعها الصناعي الكبير من مشتقاتها المختلفة. ولهذا هدفت واشنطن إلى زيادة الكميات المعروضة من الطاقة لأنه بدون ذلك قد تواجه الولايات المتحدة تهديدًا جديًّا لأمنها القومي.
وفي إطار المساعي الأميركي لتأمين إمدادات الطاقة وسيطرتها على مناطق الوفرة اعتمدت الإدارات الأميركية على القوة العسكرية لتأمينها، وهذا النهج عبر عنه الرئيس الأميركي الأسبق "جيمي كارتر Jimmy Carter" في خطابه الثالث لحالة الاتحاد، فقد قال: "إن أية محاولة لقوى خارجية للسيطرة على منطقة الخليج العربي سيُعد اعتداءً على مصالح حيوية أميركية، ومثل هذا الاعتداء سترد عليه واشنطن بكافة الوسائل بما فيها القوة العسكرية". كما أن الحرب الأميركية في العراق تهدف في الأساس، وإن لم تعلن إدارة بوش السابقة، إلى السيطرة على العراق ذات احتياط نفطي في منطقة غنية بالنفط، فضلاً عن الانتشار العسكري والقواعد الأميركية في بلاد الوفرة النفطية والغاز الطبيعي في إقليم بحر قزوين والدول الإفريقية، على سبيل المثال، ناهيك عن الانتشار العسكري الأميركي في منطقة الخليج العربي.
وللوقوف على الإنفاق العسكري الأميركي، من قواعد وعمليات عسكرية.، لتأمين مصادر الطاقة وإمداداتها أعدت "أنيتا دانكس Anita Dancs" المدرس المساعد بكلية Western New England، مع ماري أوريسيش Mary Orisich، الباحث المساعد بمشروع الأولويات القومية National Priorities Project والمديرة البحثية للمشروع ذاته سوزان سميس Suzanne Smith، دراسة تحت عنوان "التكلفة العسكرية لتأمين الطاقة The Military Cost Of Securing Energy"، نشرت ضمن إصدارات مشروع الأولويات القومية في شهر أكتوبر الماضي (2008).
وتجدر الإشارة إلى أن المشروع هو مؤسسة بحثية مستقلة تهدف إلى تبسيط البيانات الفيدرالية للمواطنين ليعرفوا كيف تنفق الضرائب التي يدفعونها. وتهدف تلك الدراسة من نشرها فتح نقاش عريض حول طريقة استخدام القوات العسكرية الأميركية والأولويات الأميركية حول الإنفاق على الطاقة.
الأسعار لا تعكس التكلفة
تنطلق الدراسة من أن التدخل الخارجي الأميركي لتأمين منشآت الطاقة لا ينعكس على أسعارها في السوق، ولكن من يتحمل تكلفة هذا التدخل لتأمين تلك المنشآت هم دافعو الضرائب الأميركية. بعبارة أخرى من يتحمل تكلفة التدخل الخارجي لتأمين الطاقة هو دافع الضرائب وليس المستهلك، حيث لا تُضاف تكلفة هذا التدخل والحماية إلى أسعار النفط والغاز ومصادر الطاقة الأخرى عند طرحها في السوق.
وتضيف الدراسة أنه رغم ارتفاع أسعار الطاقة في السوق الأميركية إلا أنها لا تعكس السعر أو التكلفة الحقيقية لمصادر الطاقة. فتكلفة أسعار الطاقة لا تتضمن تكلفة ما يترتب على استخدامها من تكلفة أخرى أو المنافع الأخرى. فعلي سبيل المثال استخدام جالون من الجازولين يسبب تلوث الهواء والذي يكون له تأثير على صحة المواطن، فضلاً عما يحدثه هذا التلوث من مشكلة الاحتباس الحراري عالميًّا، وتكلفة تنقية الهواء من التلوث والإنفاق على الرعاية الصحية لا تتضمنه أسعار الطاقة في السوق.
لماذا دراسة الإنفاق العسكري على الطاقة
وتركز الدراسة على الإنفاق العسكري لتأمين الطاقة انطلاقًا من ثلاثة أسباب رئيسة: أولها كثرة حالات استهداف الجنود الأميركيين المدربين جيدًا وبتكلفة عالية في مناطق الطاقة، فمؤخرًا بدأت المنظمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم القاعدة تُولي أهمية في إطار إستراتيجياتها التكتيكية والعملياتية لاستهداف المنشآت النفطية مما لها من تأثير على الدول الصناعية الكبرى يفوق في كثير من الأحيان الأنواع الأخرى من الهجمات الإرهابية.
وثانيها: أن أموال الضرائب التي تُنفق على تدعيم وتعزيز القوات الأميركية لتأمين المنشآت النووية يحمل الولايات المتحدة تكلفة الفرصة، بمعني آخر يُضيع على واشنطن فرصة إنفاق تلك الأموال على الرعاية الصحية والتعليم، واحتياجات الأمن القومي الأخرى.
والسبب الأخير للاهتمام بدراسة الإنفاق العسكري لتأمين مصادر الطاقة هو عدم تضمين أسعار الطاقة (النفط والغاز) في السوق تكلفة العمليات العسكرية للحصول على الطاقة أو تأمينها، وهو أمر ـ حسب الدراسة ـ يؤدي إلى خلل في أسواق الطاقة وزيادة استهلاكها. وترى أنه لو تضمن سعر الطاقة في السوق تكلفة العمليات العسكرية فإن ذلك سيؤدي إلى تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الخارجية فضلاً عن تقليل آثار استخدام الطاقة على البيئة بتقليل الطلب على الطاقة.
وهذه الدراسة ليست الدراسة الأولى التي توضح التكلفة العسكرية للمساعي الأميركية لتأمين الطاقة خارجيًّا، فقد سبقها خلال الخمس والعشرين سنة الماضية كثير من الباحثين، المحافظون والليبراليين، وعدد من المؤسسات الحكومية، ولكن تلك الدارسات السابقة ركزت على بيانات قديمة لخفض ميزانية العمليات العسكرية أو التركيز على نفط منطقة الخليج العربي فقط. وفي ظل تركيز إستراتيجية الأمن القومي على تنوع إمدادات الطاقة، من حيث النوع ومناطق الإمداد، فإن تلك الدراسة تركز على التهديدات العالمية لامتدادات ومصادر الطاقة. فهي تربط بين الإستراتيجية العسكرية الأميركية والتهديد العالمي للطاقة، وتقديم البدائل لزيادة الإنفاق على تطوير الطاقة المتجددة.
تكلفة الإنفاق العسكري على الطاقة
ولتقدير الإنفاق العسكري الأميركي على مصادر الطاقة وامتداداتها اعتمدت الدراسة على طريقتين مختلفتين لتقدير النفقات العسكرية المحتملة لتأمين إمدادات الطاقة للسنة المالية 2009. فاعتمدت على مصادر أولية شملت ميزانية وزارة الدفاع (البنتاغون)، وعدد من وثائق الإستراتيجيات العسكرية، وعدد من التصريحات وشهادات مسؤولين بوزارة الدفاع الأميركية. وقد قدرت الدراسة الإنفاق العسكري الأميركي على الطاقة بدون إضافة تكلفة الحرب الأميركية في العراق.
ولتقدير تكلفة الإنفاق العسكري لحماية الطاقة طورت الدراسة أسلوبين لتقدير تلك التكلفة، ويتضمن كل أسلوب فرضيات مختلفة. الطريقة الأولي Force-Construct Planning تُحدد الإنفاق العسكري على أساس خطط إنشاء القوات لـ" إستراتيجية حرب التهديدين الكبيرين Two Major-Theater War strategy (2-MTW)"، والتي تعني تحديد المخططين الإستراتيجيين لحجم القوات للمحاربة في حربين في منطقتين مختلفتين حول العالم.
والطريقة الثانية Regional Breakdown تقوم على عدد من الخطوات المحددة أولها تقسيم الميزانية العسكرية على حسب مناطق العالم وبعد ذلك يتم تحديد نسبة العمليات أو الأنشطة في كل منطقة والتي تسهم في تأمين الوصول إلى الطاقة.
وقد توصلت الدراسة إلى أن 97 بليون دولار إلى 103.5 بليون دولار من إنفاق وزارة الدفاع خلال العام المالي 2009 ستنفق على تأمين الوصول الأميركي لمصادر الطاقة خارجيًّا وذلك بصرف النظر عن الإنفاق العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان. ولو تم إضافة تكلفة الحرب الأميركية في العراق فإن الرقم سيرتفع إلى ما بين 209 بليون دولار إلى 215 بليون دولار.
وترفض الدراسة أن تكون الولايات المتحدة الأميركية غزت العراق لشيء غير الرغبة في السيطرة على العراق، الدول الغنية باحتياطات نفطية في منطقة غنية بهذا المورد الحيوي للاقتصاد الأميركي.
ولم تضفْ الدراسة كل التكلفة العسكرية الأميركية في العراق ولا التكلفة المستقبلية لهذه الحرب والتي يتوقع أن تزيد كثيرًا عما تردده كثيرٌ من التحليلات الأميركية والغربية بل والعربية. كما أضافت الدراسة أيضًا نصف التكلفة للقواعد العسكرية والأنشطة العسكرية المحيطة بمنطقة الخليج العربي والمناطق المحيطة بالقيادة المركزية الأميركية U.S. Central Command USCENTCOM، والتي تغيب فيها المصالح الأميركية إلا مصلحة احتوائها على الوقود الحفري (النفط والغاز الطبيعي).
خلاصة الدراسة
وعلى الرغم من أهمية ما وصلت إليه تلك الدراسة إلا أنه يمكن القول إنها مازالت في طور التطوير، فالقائمون عليها يشيرون إلى مساعيهم للحصول على معلومات أخرى من وزارة الدفاع الأميركية استنادًا على قانون حرية المعلومات Freedom of Information Act، وبجانب الاستمرار في الاعتماد على الدراسات المبدئية.
وتخلص الدراسة إلى أنه لو خفضت الولايات المتحدة من الانتشار العسكري العالمي، وعملت على تقليل الصراعات المستقبلية المحتملة، ستستطيع تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة غير المتجددة. وتدعو الدراسة إلى أن يكون هذا بالتوازي مع حملة لتشجيع الاستثمار والإنفاق في تطوير مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، وألاًّ تعمل الولايات المتحدة على تخفيض ميزانية العمليات العسكرية فقط، ولكن عليها أيضًا المشاركة في جهود مواجهة التغيرات المناخية.
وهذا يفرض على إدارة أوباما تبني سياسات من شأنها التوفيق بين هدفين متعارضين هما إشباع الاحتياجات النفطية الأميركية وضمان تأمين مصادر الطاقة باستمرار للاستجابة لأي تغيرات داخلية أو خارجية طارئة من جهة، وتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية في إشباع هذه الاحتياجات من جهة أخرى. ففي حملته الانتخابية طرح أوباما مشروعًا لتقليل الاعتماد على الطاقة من الخارج اعتمادًا على الداخل الأميركي، وقد كانت تلك الإستراتيجية محور تقرير نشر سابقًا تحت عنوان " أوباما يسعى لتحقيق استقلال نفطي أميركي".
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه : هل سينجح الرئيس الأميركي الجديد، باراك أوباما، الذي تولي زمام الأمور في العشرين من يناير هذا العام، في تلبية الاحتياجات الأميركية من الطاقة اعتمادًا على الداخل الأميركي فقط؟، والإجابة ستكشف عنها الفترة القادمة، وإن كانت بالنفي. حيث إن كافة المحاولات الأميركية البديلة للطاقة من الخارج تحتاج إلى التخصيص المالي وهو صعب في وقت تمر به واشنطن بأزمة مالية طاحنة، كما أن كافة المحاولات الأميركية مازالت في بداياتها.