كريستوفر هيل.. الرهان الأميركي الجديد في العراق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: "لا تملك بلادنا موهبة أفضل من تلك لأي مهمة صعبة" هكذا تحدث فرانسيس ريتشاردونى السفير الأميركي الأسبق في مصر عن الدبلوماسي المخضرم كريستوفر هيل الذي اختاره الرئيس باراك أوباما ليقود أكبر بعثة دبلوماسية أميركية في الخارج، وليكون سفيرًا لبلاده في العراق خلفًا للسفير رايان كروكر.
ففي السابع والعشرين من فبراير الماضي، أعلن الرئيس باراك أوباما ترشيح كريستوفر هيل (57 عامًا) لهذا المنصب الدقيق في انتظار تصديق مجلس الشيوخ على اختياره قبل أن يبدأ مهامه، قائلاً: إن السفير هيل خضع لاختبارات عدة من عمله في برنامج التعاون المدني "بيس كوربس" إلى عمله في كوسوفو وكوريا، وأثبت فيها براجماتية وموهبة نحن في حاجة إليها في الوقت الحالي".
خبرة هيل الدبلوماسية الطويلة في أوروبا وآسيا وسمعته الممتازة في الحقل الدبلوماسي التي اكتسبها عبر سنوات عديدة من العمل بوزارة الخارجية هي التي قادته لهذا المنصب بعد أن أثبت قدرة هائلة على تذليل الصعاب وهي الصفة التي تبدو أميركا في أشد الحاجة لتوافرها في من يمثلها في العراق لكي يقود تحولاً صعبًا بأمر من أوباما الذي عارض الحرب من الأساس لكنه وجد نفسه في وضع يحاول إصلاح أخطاء بوش.
وقال روبرت زلنيك الباحث بمؤسسة هوفر البحثية الأميركية إن المساعي الأميركية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط على الصعيد الفلسطيني والصعيد العراقي باتتْ في يد الدبلوماسيين المخضرمين جورج ميتشل وكريستوفر هيل.
وأضاف زلنيك في مقال بصحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" إن النتيجة المحتومة لجهود ميتشل وهيل هي الفشل، إلا في حالة تعلمهما من أخطاء الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، وتبني توجهات إيجابية تترجم إلى خطوات عملية على طريق السلام وفتح مفاوضات جادة يمكن أن تسفر عن اتفاقيات سلام.
نجاحات متواصلة من البوسنة إلى كوريا الشمالية
يعد هيل من كبار المفاوضين الأميركيين حيث كان نائبًا لريتشارد هولبروك المبعوث الخاص لباكستان وأفغانستان في المفاوضات الماراثونية التي جرت في قاعدة دايتون العسكرية في ولاية أوهايو مع الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش وأنهت الحرب في البوسنة عام 1995، والذي يعتبر من أبرز إنجازات الدبلوماسية الأميركية.
ويصف هولبروك في كتابه الذي يروى فيه مذكراته عن تفاصيل مفاوضات السلام في البوسنة، هيل بأنه ذكى ولا يهاب شيئًا ويحب النقاش والجدال ويستطيع أن يكون عاطفيًّا جدًّا وهادئًا في الوقت ذاته بما يقوي مهارات التفاوض لديه بشكل رائع.
لكن الاختبار الأصعب الذي خضع له هيل ونجح فيه هو الملف النووي لكوريا الشمالية حيث استطاع تطويعها والتوصل لاتفاق مع بيونج يانج عام 2007 يلزمها بالتخلي عن برنامجها النووي مقابل مساعدات في مجال الطاقة وتوطيد العلاقات الدبلوماسية مع الدول الغربية من خلال عمله كمساعد لوزيرة الخارجية الأميركية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادي، قبل أن تتعرض جهوده لنكسة خطيرة في يونيو 2008 عندما أقدمت بيونج يانج على تدمير برج التبريد في مفاعلها النووي وأذاعت الحدث على شاشات التليفزيون ليكون على مرأى ومسمع العالم كله.
ويقول الكاتب الصحفي جلين كيسلر في مقال له بجريدة "واشنطن بوست": إن مجهودات هيل لتغيير السياسة الأميركية تجاه كوريا الشمالية لاقت استحسانًا من إدارة جورج بوش السابقة مما مكنَّه من تحقيق التغيير الذي أراده بالفعل رغم معارضة ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي الذي رفض تقديم ما اعتبره تنازلات لحكومة بيونج يانج. وكان من ثمار هذا التحول الذي أحدثه هيل في السياسة الأميركية تجاه كوريا الشمالية وقف البرنامج النووي الكوري الشمالي والبدء في تفكيكه.
وينقل الصحفي الأميركي ديفيد سانجر في كتابه "الميراث" أو عن هيل قوله: " إن خصومه المتشددين في إدارة جورج بوش السابقة لم يعرفوا كيف يفاوضون" وأن كل ما يفهمونه هو إجبار الطرف الآخر على الاستسلام.
خبرة لا تكفي للمهمة
لكن خبرة هيل الواسعة في مجال التفاوض وحل النزاعات لا تؤهله بالضرورة لأن يقوم بالمهمة الصعبة في العراق وهى الإشراف على بدء الانسحاب الأميركي في أغسطس 2010 واستكماله بنهاية عام 2011 وفق الاتفاقية الأمنية الموقعة مع بغداد والانتقال بالعلاقات بين أميركا والعراق من مرحلة الاحتلال وما يعنيه من تعاون عسكري إلى مرحلة ما بعد الاحتلال بما يشمل تعاونًا سياسيًّا واقتصاديًّا وعلميًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا.
وبخلاف ذلك، فإن التحدي الرئيسَ الذي تواجهه الولايات المتحدة في العراق خلال الفترة القادمة يتعلق بإقناع بعض اللاعبين السياسيين الرئيسين في العراق بتحقيق المصالح العليا للبلاد وليس مصالحهم الحزبية الضيقة عقب الانسحاب الأميركي مستغلين عدم نضج العملية السياسية في العراق بعد، كما يرى الباحثان كينيث بولاك ومايكل أوهانلون بمركز سابان لدراسات الشرق الأوسط التابع لمؤسسة بروكينجز في مقال نشراه مؤخرًا بصحيفة "نيويورك تايمز".
وبالرغم من صعوبة المهمة التي يجد هيل نفسه فيها، إلا أنه قد يتمكن من النجاح في جمع الأطياف العراقية المتناحرة في صف واحد بفضل خبرته التفاوضية التي اكتسبها في ملف البوسنة من خلال التحاور مع أطراف مختلفة ذات مصالح متعارضة.
كما أن مهاراته التفاوضية قد تمكنه من إشراك الإيرانيين في حوار مثمر قد يفضى لصفقة كبرى مع طهران إذا ما تضافرت جهوده مع جهود ريتشارد هولبروك المبعوث الخاص لباكستان وأفغانستان وسوزان رايس السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، كما يرى جيمس دوبنز أول مبعوث خاص لأفغانستان في إدارة بوش.
وكما يشرح هيل رؤيته في التعاون الدولي في الملفات والقضايا الهامة في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أواخر نوفمبر الماضي، فان الصين تمسك بخيوط هامة في حل قضايا دارفور وإيران وكوريا الشمالية.
أما عن رؤيته حول قضية نشر الديمقراطية في العالم، فأوضح هيل أنه ليس من السهل على دولة ما أن تعيش فوضى الديمقراطية موضحًا أن من يحاول إدخال إصلاحات ديمقراطية هم الذين يجب أن يتحملوا مسؤوليات ذلك وتبعاته إذا ما ساءت الأمور، ولهذا يجب أن تتوخى أميركا الحذر عند إعطائها النصائح خاصة أن الناس أحيانًا ينظرون إلى النصائح الأميركية باعتبارها قادمة من مصدر قوة وسلطة هائلة بما يعني أن نصائحها قد تؤخذ بمحمل خاطئ.
ويرى بعض المحللين أن اختيار هيل في هذا الموقع الحساس لتنفيذ سياسة جديدة تمس بالأمن القومي الأميركي بشكل مباشر لم يكن موفقًا؛ نظرًا لأن خبرة هيل بالعراق والشرق الأوسط عمومًا تبدو ضعيفة حيث أن عمله تركز دومًا في نطاق أوروبا وشمال شرق آسيا ولم يخدم أبدًا في المنطقة، كما أنه لا يتحدث اللغة العربية مثل سلفه كروكر الذي كان يحظى بخبرة واسعة لعمله في المنطقة العربية لفترة طويلة.
بعض المنتقدين لاختيار هيل سفيرًا بالعراق يرون أنه أحيانا يهرع إلى توقيع اتفاقيات مع الطرف المعادى كما يقول كيسلر في مقاله، مدللين على ذلك بزيارته التي قام بها إلى كوريا الشمالية في أكتوبر الماضي بعد أن نكثت بيونج يانج بوعودها، وهى زيارة عرضته لكثير من الانتقادات وقتها خاصة من أنصار الجناح المتشدد أمثال جون بولتون السفير الأميركي الأسبق في الأمم المتحدة.
لكن يبدو أن الرئيس الديمقراطي قرر الابتعاد عن ذوي الخبرة بالشرق الأوسط والاعتماد على أصحاب المهارات في التفاوض وحل النزاعات مستعينًا بدبلوماسيين ليس لهم أي خبرة بالمنطقة وذلك لفتح صفحة جديدة مع العراق لا تحمل أي شوائب أو مواقف قد تعرقل التقدم المراد. لكن يظل الحكم على نهج أوباما من السابق لأوانه في انتظار أول اختبار لهيل في بلاد الرافدين.
محطات في حياته
السيرة الذاتية لكريستوفر روبرت هيل مليئة بالمهام والإنجازات لكنها تظل بعيدة كليةً عن منطقة الشرق الأوسط، وكان آخر منصب شغله قبل ترشيحه سفيرًا في العراق هو مساعد وزير الخارجية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادي منذ أبريل 2005 عمل قبلها سفيرًا لبلاده في كوريا الجنوبية (2004-2005) ومقدونيا (1996-1999) وبولندا (2000-2004) ومبعوثًا خاصًّا لكوسوفو (1998-1999) كما عمل مساعدًا خاصًّا للرئيس الأميركي ورئيسًا لدائرة شؤون جنوب شرق أوروبا في مجلس الأمن القومي.
درس هيل الاقتصاد في كلية ثم التحق عقب تخرجه بالبرنامج الأميركي للتعاون المدني "بيس كوربس" عام 1974 حيث عمل في الكاميرون لينضم بعدها إلى قلعة الدبلوماسية عام 1977، تنقل فيها عبر محطات عديدة ليصل إلى درجة سفير في نهاية المطاف.