اليمن.. بين مخاطر الصوملة وتهديد الإرهاب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
صنعاء: في غضون أسبوع واحد، شهِـد اليمن تطوّرات وأحداث بدت مُـترابِـطة ومُـتداخلة فيما بينها إلى حد بعيد، وسلّـطت الضّـوء على هذا البلد وما يُـعانيه من اختلالات كبيرة وما يُـواجهه من مخاطِـر تهدِّد مُـستقبله ومستقبل المنطقة على حدٍّ سواء، وِفقا لِـما جاء على لِـسان عبد الكريم الأرحبي، نائب رئيس الوزراء اليمني ووزير التنمية والتخطيط، الذي حذّر من انحدار بلاده إلى مجاهيل "الصوملة"، وعزّزه خطَـر تنامي الاعتداءات الإرهابية الأخيرة.
وفي الوقت الذي أثار تصريح المسؤول اليمني الرّفيع المخاوِف من مخاطر "الصّـوملة" التي ألمح إليها وانشغل المُـراقبون والمهتمّـون ووسائل الإعلام بالتّصريحات، التي جاءت على لسان ذلك الوزير، تجدّدت الأعمال الإرهابية باستهداف عملية انتحارية لفوج سياحي من كوريا الجنوبية في شرق البلاد، أسفر عن مقتل أربعة وجرح آخرين، ثم تبعتها عملية انتحارية أخرى قُـرب مطار العاصمة صنعاء، ضد وفد من المحقِّـقين الكوريين، الذين قدِموا للتّـحقيق في مقتل مواطنيهم.
هذه التطورات لم تُؤد إلى إعادة طرح مُـشكلة الإرهاب في البلاد فحسب، بل سلطت الضّـوء مجددا على مُـجمل أوضاعه المُـختلة وما قد يَـؤول إليه من انهِـيار، وهو دفع نائب رئيس الحكومة إلى التّـحذير منه عندما عبّـر عن خِـشيته من أن تنزلِـق بلاده إلى المصير الصّـومالي، والتشديد على أن ذلك المصير، ليس في مصلحة أمْـن واستِـقرار دُول المنطقة، التي دعاها إلى مَـدِّ يَـد المساعدة.
وإذا كان التّـصريح قد أثار مخاوِف الكثيرين، فإنه ليس كذلك بالنسبة لتنظيم القاعدة، الذي يرى في اليَـمن أرض المَـدد لمشروعه الجِـهادي، طِـبقا لما يطرحه ويروّج له في بياناته وخُـطب أعضائه، وبالتالي، فالانهيار الذي يخشى منه المسؤولون، لن يكون إلا تُـربة خصبة لنشاط هذا التيار المتطرّف، طِـبقا لما تؤكِّـده جملة من المؤشرات الباعثة على التشاؤم.
وضع اقتصادي صعب
فالاقتصاد اليَـمني يجتاز أسوأ مراحِـله نتيجة لتراجُـع أسعار النفط في السوق العالمية من 147 إلى 40 دولارا من ناحية، ونتيجة لتناقُـص إنتاجه من جهة ثانية، في الوقت الذي يُـمثِّـل حوالي 42.5% من مصادر تمويل المُـوازنة وِفقا لقانون السَّـنة الجارية. فقد تناقص إنتاجه من 450 عام 2004 إلى 320 ألف العام الماضي، وجاءت مؤشِّـرات عائدات النّفط مطلع السنة الحالية، مثيرة للفَـزع، إذ سجّـلت خلال شهر يناير الماضي أدنى مستوىً لها منذ تِـسع سنوات، منخفضة بنسبة 77%، وبلغت عائِـداتها 73 مليون دولار مقارنة مع 317 مليون دولار في يناير من العام الماضي.
وتشير التّـقديرات إلى أنه، في حالة ثبات متوسّـط سِـعر البرميل عند (40) دولارا، سيبلغ عجْـز الموازنة 10،4% من النّـاتج المحلي الإجمالي، والمؤكّـد أن ترتفِـع نسبة العجز إلى أعلى من ذلك، كلما تناقَـص السِّـعر العالمي للنفط وبسبب الضّـربة المُـوجعة، التي وجّـهتها العمليات الإرهابية للقِـطاع السياحي، الذي كان يُـعوّل عليه أن يحقِّـق معدل نُـمو يصِـل إلى 15%، مما قد يقلِّـص حظوظ نُـموِّه كثيرا ويزيد من مصاعِـب الحكومة اليمنية، التي ما فتئت تُـواجه تحدِّيات عِـدّة وتتعرّض لضغوط مطلبية، بالكاد تستجيب لبعضها، ما يدعو إلى أخذ تصريح الأرحبي كمُـؤشِّـر حقيقي على خطَـرٍ يُـواجه صنعاء، وليس اعتباره أسلوب مجرّد ابتزاز، كما ذهبت إلى ذلك بعض الصّـحف ووسائل الإعلام.
اليمن .. جزء من الكلّ الإقليمي
علي سيف حسن، مستشار وزارة التنمية والتخطيط والناشط السياسي المعروف ورئيس المنتدى السياسي قال لسويس انفو في سياق إجابته على سؤال حول خلفيات ودلالات تصريح وزير التنمية: "الأرحبي عندما أطلق تحذيره، كان يفكِّـر بصوت عالٍ وكان يتحدّث بهَـمّ أمن واستقرار المنطقة ككُـل. فهو يُـؤمِـن أن الأمن لأي مِـنطقة لا يتحقّـق، إلا بأمن جميع مكوِّناتها، وما يجري في اليمن، هو جُـزء من الكُـلّ الإقليمي، يهُـم المنطقة برمّـتها".
ويضيف علي سيف حسن أن هذا الكلام "شدّد ويشدِّد عليه خبراء الأمن قبل غيرهم، فهو لم يقُـل أي شيء جديد، إذ سبق أن حذّرت الدّراسات المحلية والدولية الصادرة عن مؤسسات خِـبرة من المخاطر التي تواجه الدولة اليمنية، وسبق أن قُـلتُ هذا الكلام في عام 1998، والدكتور عبدالكريم الإرياني، مستشار رئيس الجمهورية قال الكلام نفسه، وإن بصيغة دبلوماسية، وهذا هو واقع حقيقي. فاليمن تُـعاني من نفاذ الموارِد الطبيعية الشّـحيحة أصلا، ونسبة نُـموّ السكان هي من أعلى المعدّلات العالمية والأقل دخلا، وتواجه تناقصا خطيرا في المياه في عموم التّراب الوطني وفي العاصمة صنعاء بوجه خاص، وبعد 20 سنة، سيجف حوضها المائي، فيما سيبلغ تِـعداد سكانها حينها 6 مليون، جميعهم سيصبح بلا ماء ولا مرعى".
وفي معرض ردِّه على أن الحكومة لم تستغِـل المساعدات التي مُـنحت لها استغلالا عقلانيا، نتيجة لانتشار الفساد، قال ورئيس المنتدى السياسي: "أكثر مَـن يعاني من شروط ومتطلّـبات المانحين واحتياجات وإمكانات الإدارات المستفيدة منها، هي وزارة التخطيط، مشيرا إلى ما يسمِّـيه وجود فَـجوة كبيرة بين شروط المانحين للمساعدات، وبين المستفيدين منها، وأنه لا يُـمكن ردْم تلك الفجوة بسهولة، إلا بعمل مُـشترك بين المانحين والدولة والأطراف المستفيدة، موضِّـحا أن اليمن تحصَّـل على أقل المعدّلات من المساعدات الخارجية، حوالي 13 دولارا للفرد، بينما دُول مشابهة بمعايير الحصول على المساعدات الدولية، وربما هي أحسن قليلا، لكن الفرد يتلقّـى فيها 33 دولارا.
وفي هذا السياق، شدد سيف قائلا: "الوزير يعلَـم يقِـينا أن البلدان المانِـحة ليست جمعيات خيرية، وإنما هي دُول لها مصالحها لا تقدِّم هِـبات، بل تخطِّـط من منظور إستراتيجي، ولذلك، خاطبهم باللّـغة التي يفهمونها، وركّـز على البُـعد الأمني الذي يُـدركه الجميع ويتحدّثون فيه بعيدا عن وسائل الإعلام والاعتداءات الإرهابية الأخيرة، ستزيد من مصاعب البلاد".
" إنهاك الدولة.. وإضعاف الإقتصاد"
ومن جهته، قال محمد الوصابي، الباحث في مركز سبأ للدراسات الإستراتيجية في ردّه على سؤال لسويس انفو حول ما تُـضيفه الاعتداءات الإرهابية الأخيرة على البلاد من مشاكل: "إنها ستزيد الوضع الأمني والاقتصادي في البلاد تأزّماً وتعقيداً، مؤكِّـدا أن تنظيم القاعدة، الذي نفّـذ هذه العمليات وعلى نحو استعراضي، يُقصَـد منها إظهار عجز الدولة اليمنية، التي يراها "غير شرعية" و"عميلة" لأميركا والغرب، كما للنِّـظام السعودي المجاور، وإنهاكها - وهي المُنهـَكة أصلاً - اقتصادياً، ولذلك وجّـه ضربته لدولة تربطها باليمن علاقات اقتصادية هامّـة. فكوريا شريك أساسي في مشروع الغاز اليمني، الذي سيبدأ تصدير حصّـة مهمّـة منه إلى كوريا، ابتداءً من منتصف العام الجاري، وتساهِـم فيه ثلاث شركات كورية، (إس كي) بنسبة 9.55%، والمؤسسة الكورية للغاز (كوغاز) بـ 6% وشركة هيونداي بـ 5.88%، ولذلك، فإنه أراد إضعاف أهمّ مفاصل الاقتصاد اليمني، حسب الوصابي.
وعلى الرّغم من أن الهجمات الإرهابية كشفت عن أن اليمن ما زال يواجِـه خطر الإرهاب، رغم محاولاته تجفيف منابِـعه وسيزيد من الضغوط على صنعاء، إلا أن الوصابي يعتقِـد عكس ذلك، مؤكِّـدا أنه مع اشتِـداد العُـنف الإرهابي الذي يستهدف موارِد وقطاعات اقتصادية حسّـاسة في اليمن، بالتّـوازي مع استفحال الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها البلاد، ستكون الحكومة اليمنية في وضع تفاوُضي أفضل فيما يتعلّـق بقدرتها على تلقِّـي المزيد من المساعدات الخارجية، الأمر الذي سيُعطي مصداقية لتحذيرات لكبار مسؤوليها - وفي مقدّمتهم عبد الكريم الأرحبي، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير التخطيط والتعاون الدولي - والتي تُلوِّح صراحةً بإمكانية غَـرق البلاد في الفَـوضى و"تحولها إلى صومال جديد".
الخلاصة، أن مهاوي الانهيار، التي يحذِّر منها، أصبحت أمرا مألوفا في تقارير المؤسسات المعنِـية برصْـد قوّة وضُـعف الدّول، ولم تعُـد مستفزّة للمسؤولين اليمنيين كما كانت من قبل، بعد أن أدركوا أنهم أمام حقائق كشَـفت عنها تداعِـيات الأزمة المالية بوضوح، وزادت من مخاطرها النّشاطات المتزايدة للقاعدة في الآونة الأخيرة، مما حدا بالمسؤول المكلّـف بخفايا المؤشرات التنموية، أن ينذر بعواقِـب خطيرة لبلاده وللمنطقة على حدٍّ سواء.
ويشاطره كثيرون في هذا التقييم، من بينهم علي سيف حسن الذي يقول: "إن المنطقة منظومة واحدة والمشاكل لا تعترف بحدود الدّول، وأن ما تشهده اليوم من تكامُـل وتعاون بين أطراف منظومة القاعدة، الذين كشفوا عن قُـدرات كبيرة في التّـنسيق والتخطيط والتعاون في تنفيذ العمليات، يعكس توحّـد المنطقة في شرّها، دون توحّـدها على الخير، مضيفا: "من المُـؤسف أن الشرّ يتوحّـد والخير يتفرّق، وما أتمنّـاه هو العكس، أن يحصل تنسيق وتكامل في مِـحور الخير، كما هو حاصل في مجال الشر".
مجرد محاولات يائسة؟
ويستنتج من كلّ ما يجري وممّـا يرصده المعنيون على اختلاف مواقعهم، أن مصدر القلق الأكبر، هو انهيار الدولة وهيمنة أمَـرَاء الحرب وتجّـارها على مقاليد الأمور، كما هو حال الصومال، لأن ذلك الوضع هو الملائِـم لتفريخ وتولِـيد الإرهاب، الذي سيتّـخذ وتيرةً أعنف في حال الانهيار المحذّر منه، عمّـا هو عليه حاليا، والذي يقرأ فيه البعض مجرّد عمليات مرتبكة لا تعبِّـر عن قوّة بقدْر ما هي دليل عن ضُـعف.
وفي هذا السياق قال المحلل السياسي سقاق عمر السقاف لسويس انفو: "يمكن القول أن تنظيم القاعدة (في جزيرة العرب) بعملياته الأخيرة، بدأ يفقد قواه وتماسُـكه جرّاء الضّـربات المستمرة التي وجِّـهت له من قِـبل أجهزة الأمن اليمنية، ويمكن التّـدليل على ذلك، حسب ما يذهب إليه سقاف، بأنه أصبح يهاجم أهدافا سهلة وبسيطة نسبياً. فالأفراد المستهدَفين من رعايا دولة آسيوية - كوريا الجنوبية - لم تكُـن الأنظار موجّـهة إليهم، بعكس العمليات السابقة التي استهدفت رعايا ومصالِـح غربية، مثل حادث مقتل السياح البلجيكيين وكذا الهجوم على السفارة الأميركية العام الماضي، هذا من ناحية، وربما أراد من خلال هذه العمليات، أن يصرِف النظر ويشتِّـت الجهود الأمنية، التي بدأت تشدّد عليه الخِـناق، من ناحية أخرى.
ويشاطِـره في ذلك سيف حسن، الذي يرى أن الهجمات الإرهابية الأخيرة، التي حدَثت مؤخَّـرا، مُـتهوِّرة وجريئة ولا تعدو، حسب سيف، أن تكون مجرّد محاولات يائِـسة لإثبات أن تنظيم القاعدة لم يتأثَّـر بالضربات المُـوجعة التي تلقّـاها مؤخرا، عندما ألقت سلطات الأمن اليمنية القبض على قائده الميداني السعودي الجنسية "أبو الحارث" محمد العوفي، بعد أيام قلائل من الإعلان عن تشكيل قيادة موحّـدة للتنظيم في الجزيرة بعضويته، والذي سلّـم لسلطات بلاده بعد فراره منها والتِـحاقه بالقيادة الجديدة.
الحل.. تحديث الدولة!
إجمالا، يمكِـن القول أن اليمن لا يواجِـه فقط خطر التهديدات الإرهابية، بل خطر تناقُـص موارده الطبيعية، نتيجة لانعكاسات تداعِـيات الأزمة المالية العالمية على عائداته من الصادرات النفطية، ومن ثَـمّ على مُـجمل أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية المولدة للظاهرة الإرهابية، ما يستدعي كل الأطراف المعنِـية في المنطقة، الأخذ بيَـد هذا البلد، حتى لا يقع في مهاوي الانهيار.
لكن ذلك لا يكفي وحده، حسب ما يذهب إليه الكثير من المحلِّـلين لمُـجريات الأمور في البلاد، وإنما يتطلّـب التحوّل بالدولة عن ممالاة ومحاباة الأطُـر التقليدية، التي أضعفتها باستمرار، إلى دولة عصرية وحديثة تقوم على المسألة والشفافية واحترام القانون، وهو أمر لطالَـما ربط بين بلوغه وبلوغ المساعدات المَـوعودة من قِـبل المانحين.
وفيما يرى عدد من المراقبين أن تلك الخطوات كفيلة بأن تقِـي البلاد مخاطر "الصّـوملة" وتقضي على خطر الإرهاب، لكن التحذير من العواقب لن يُجدي كثيرا، طالما لا يُـبذَل الجهد اللازم من أجل تجنّـب الوقوع فيها.