السودان: سيناريوهات تداعيات الأزمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الخرطوم: أفاد المحللون أن طرد أو إغلاق 16 منظمة من منظمات الإغاثة في السودان يمكن أن يجعل العلاقة بين الشمال والجنوب تسوء ويوقف عملية السلام في دارفور ويعيق العمل الإنساني في المستقبل.
وهذا القرار والإعلان الذي صدر في 16 مارس/آذار حول اعتزام البلاد سودنة كافة أعمال الإغاثة خلال عام قد قوبل بإدانة من أعلى المستويات في الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية.
وقال ولفرام لاتشر المحلل في الشأن السوداني في المجموعة الاستشارية Control Risks Group ومقرها لندن أن "الخلاف مع المحكمة الجنائية الدولية بصفة عامة وطرد وكالات الإغاثة بصفة خاصة لهما القدرة دون شك على زعزعة استقرار العلاقات بين الشمال والجنوب".
وعلى الرغم من الشراكة القائمة بينهما في حكومة الوحدة الوطنية منذ اتفاق السلام عام 2005 إلا أن حزب المؤتمر الوطني الشمالي والحركة الشعبية لتحرير السودان الجنوبية كانا على خلاف حول ترسيم الحدود وتوزيع عائدات النفط وتوقيت الانتخابات.
وقال لاتشر أن "قرارات الطرد قد تم اتخاذها من قبل حزب المؤتمر الوطني دون مشاورات وضد رغبة الحركة الشعبية لتحرير السودان وهذا بالتأكيد يسبب توتراً في العلاقات بين الطرفين"، مضيفاً أن "العلاقات بين الجانبين هشة جداً ومتقلبة وبناءً على تلك العلاقات يتوقف السؤال الكبير حول ما إذا كان الجنوب والشمال سيعودان مرة أخرى إلى الحرب في السنوات القليلة القادمة".
التوترات الحدودية
وتتسم العلاقات بين الطرفين بالتوتر بصورة خاصة على طول الحدود حيث دار أشد القتال ضراوة في الماضي. وعلى الرغم من أن الحكومة تقول أن عمليات الطرد تنطبق على جميع أنحاء البلاد، غير أن الحكومة الجنوبية قامت بتشجيع المنظمات غير الحكومية بالاستمرار في العمل هناك.
ويبقى من غير الواضح قواعد أي من الطرفين ستسود في المناطق المتنازع عليها على طول الحدود وخاصة المناطق الانتقالية الثلاث المحددة في اتفاقية السلام وهي أبيي وجبال النوبة في ولاية جنوب كردفان وولاية النيل الأزرق الجنوبية.
وقال ين ماثيو شول، المتحدث الرسمي باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان: "نحن نقول للمنظمات غير الحكومية أن قرار طردهم لاغ وغير ساري المفعول في تلك المناطق. وبالرغم من ذلك جرى طردهم من قبل الأمن".
وأضاف شول أن طرد المنظمات غير الحكومية من المناطق التي هي في أمس الحاجة إلى الإغاثة يمكن أن يثير ردة فعل من الجيش الشعبي لتحرير السودان.
الموارد
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمجتمعات أن تنقلب ضد بعضها البعض عندما تختفي الموارد التي تقدمها المنظمات غير الحكومية. وقالت سارة بانتيوليانو، الباحثة في معهد التنمية لما وارء البحار في المملكة المتحدة أن طرد المنظمات غير الحكومية في دارفور أدى إلى إنهاء نصف جهود الإغاثة، في حين لم يبق أحد تقريباً في جنوب كردفان.
ففي جنوب كردفان وحدها، قامت المنظمات غير الحكومية التي استهدفها الطرد بتقديم الخدمات الصحية والغذائية لما يقرب من 800 ألف شخص، وخدمات المياه والصرف الصحي لما يقرب من 400 ألف شخص ومساعدات الأمن الغذائي لحوالي 200 ألف شخص، وفقاً للأمم المتحدة.
وأوضحت بانتيوليانو أن "الناس غاضبون بالفعل بسبب عدم جنيهم لثمار السلام"، مضيفة أن "المنطقة هي أقل المناطق في البلاد التي تلقى دعماً من اتفاقية السلام".
وأشارت إلى أن نقص الدعم لتلك المناطق قد أدى إلى تفاقم التوتر. ففي شهري مايو/أيار وديسمبر/كانون 2008، اندلع القتال في مدينة أبيي مما أسفر عن مصرع عدد من المدنيين وتدمير البنية الأساسية وفرار الآلاف من الأشخاص.
وأضافت بانتيوليانو أنه خلال العام الماضي قامت الإدارة الأميركية ووزارة التنمية الدولية البريطانية بالبدء في الاستثمار في المناطق الثلاث في محاولة لمنع حرب حذر العديد من المحللين من إمكانية اندلاعها مرة أخرى.
أبيي
وقد وافق كل من حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان في يونيو/حزيران 2008 على خريطة طريق لأبيي لإنقاذ المنطقة من الحرب. وقد وعدت الرئاسة بتقديم أموال للإدارة الجديدة التي كانت ستحكم المنطقة الغنية بالنفط.
وقال كيول دنك، زعيم جماعة الدينكا في أبيي: "حتى الآن لا توجد موازنة لإدارة أبيي حتى للخدمات". وأضاف قائلاً: "لا أعرف كيف سيكون الوضع إذا تركت هذه المنظمات المنطقة. فهذا يعني أنها ستجرد من أية خدمات...لأهل المنطقة".
بدوره، قال دينج ألور وزير الخارجية، وهو من منطقة أبيي أيضاً، أن ذلك قد يؤدي إلى نزاع حيث سيتنازع الناس على الموارد المحدودة خاصة وأن التنافس على الأرض والمياه كان دوماً سبباً للنزاع بين المجتمعات المحلية.
وأضاف قائلاً: "إذا كان الناس في احتياج ولا يوجد ما يدعمهم، بالتأكيد سنتوقع حدوث بعض الإضطرابات".
وقد لعبت بعض المنظمات غير الحكومية دور المراقب وقامت ببناء الجسور بين الأطراف المتحاربة وكانت الجهات المناصرة الوحيدة لأكثر مناطق السودان حساسية.
عملية السلام
ويخشى المحللون من أنه عند توقف مضخات المياه وإغلاق المراكز الصحية وتوقف عمليات توزيع الغذاء ستبدأ الإضطرابات في الانتشار في بعض المخيمات التي تأوي 2.7 مليون نازح في دارفور، الأمر الذي سيصب في مصلحة المجموعات المتمردة في دارفور.
وقال كولن توماس جنسن، مستشار السياسات في مشروع "إيناف" (أي كفاية) ومقره واشنطن أنه "كلما طال بقاء تلك المخيمات وازدادت الأمور سوءاً، ازدادت معها رغبة الرجال والنساء اليافعين وحتى الأكبر سناً في حمل السلاح".
وأضاف توماس أن طرد المنظمات غير الحكومية يمكن أن يرتبط بمحاولة مستقبلية لإفراغ بعض المخيمات- التي تقول الحكومة أنها أرض خصبة للمتمردين- ونقل النازحين إلى "قرى نموذجية". وهذا التهجير القسري قد يزيد من تشجيع الناس على حمل السلاح.
ويقول زعماء المتمردين أن خطة الحكومة لسودنة جهود الإغاثة أمر غير مقبول تماماً نظراً لأن المنظمات السودانية ستكون دائماً تحت سيطرة الحكومة.
ونقلت صحيفة "سودان تربيون" الإلكترونية في 16 مارس/آذار عن خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة قوله: "كيف يمكن لمن يقتل الناس أن يصبح مصدر غذائهم؟ لن يقبل أهل دارفور بالتأكيد أية مساعدات من الجهاز الأمني للبشير وسوف يرفضونها".
وفي تصريح للصحيفة قال عبد الوحيد النور، مؤسس حركة تحرير السودان أن تلك الخطوة من قبل الحكومة ستدفع سكان دارفور لحمل السلاح "لأنه بالسلاح يمكنهم أن يسيطروا على الأرض ويقوموا بدعوة منظمات الإغاثة للوصول إليهم".
اتفاق سلام
وفي 16 فبراير/شباط، قامت الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة بالتوقيع على اتفاق حسن نوايا في قطر، ألتزم خلاله الطرفان بالسماح بتدفق المساعدات دون قيود إلى دارفور.
وقال جبريل إبراهيم، المستشار الاقتصادي لحركة العدل والمساواة وشقيق خليل، أن طرد المنظمات غير الحكومية كان خرقاً لهذا الاتفاق وأن حركته لن توافق الآن على المحادثات حتى تتم إعادة المنظمات غير الحكومية.
ويقول المحللون أن حركة العدل والمساواة هي بالفعل تحت ضغوط للتراجع عن إجراء محادثات سلام للحفاظ على مصداقيتها في مواجهة مذكرة التوقيف ضد البشير.
وأفاد لاتشر أنه "لو تسبب طرد وكالات الإغاثة في نزوح أعداد كبيرة من السكان في دارفور، فإن ذلك سيضع ضغوطاً أيضاً على حركة العدل والمساواة للانسحاب من المحادثات والمشاركة في هجوم جديد ضد الحكومة".
وقال توماس جنسن أن اختيار البشير لطريق المواجهة رداً على مذكرة التوقيف يصب في مصلحة حركة العدل والمساواة، مضيفاً أنه "يمكن للحركة أن تقول لماذا نفاوض؟... فطريق المواجهة يضعف احتمال التوصل إلى اتفاق سلام في المستقبل القريب".
رد فعل الولايات المتحدة
وقال لاتشر: "بصفة عامة، يعتبر تدهور العلاقات بين الحكومة والغرب من أهم تداعيات مذكرة التوقيف".
وأضاف أنه "من المرجح أن يثير طرد المنظمات موقفاً أكثر عدائية وتشدداً تجاه السودان من قبل إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما".
ويقول المحللون أن الولايات المتحدة قد تتخذ إجراءً انتقامياً صارماً لإظهار أن هذا النوع من السلوك لن يتم التسامح معه. ومع ذلك فإن الولايات المتحدة لديها خيارات محدودة الآن بعد أن قامت بالفعل بفرض عقوبات اقتصادية مشددة على السودان، ولم يعد المجتمع الدولي قادراً على استخدام مذكرة الاعتقال المحتملة كوسيلة ضغط.
كما قال توماس جنسن أن "هذا تصعيد واضح وتحدي من الخرطوم".
وقال جيري فولر، رئيس تحالف إنقاذ دارفور: "الدعوة الآن هي للضغوط الدبلوماسية وعزل الخرطوم دبلوماسياً للرجوع عن هذا القرار".
وأفاد جون نوريس، المدير التنفيذي لمشروع إيناف: "نحتاج إلى جهد دبلوماسي كبير يؤكد أن هذا الأمر غير مقبول، وأن هناك ثمناً لهذا القرار".
ولكن أليكس دي وال الباحث في مجلس أبحاث العلوم الاجتماعية بنيويورك يرى أن رد الفعل الصارم من قبل الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا يمكن أن يشعل حرباً.
ولطالما قال مسؤولون أميركيون من بينهم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ونائب الرئيس جو بيدن أن الولايات المتحدة تفكر في فرض منطقة حظر جوي فوق دارفور. ويرى نيكولاس كريستوف، وهو كاتب عمود في صحيفة نيويورك تايمز والجنرال ميريل ايه مكبيك، رئيس أركان القوات الجوية الأميركية في الفترة من 1990 إلى 1994، أن تدمير الطائرات السودانية قد يكون السبيل الوحيد للحصول على أداة ضغط على البشير.
ولكن دي وال أفاد أن السودان يرى أن هدف الغرب هو تغيير النظام وأنه لذلك لن يقوم "بانتحار جماعي" دون قتال، مضيفاً أن السودان والقوى الغربية في مجلس الأمن الآن "على شفا المواجهة المسلحة. ولو استمروا في التصعيد فستحدث حرب".
العلاقات السودانية التشادية
ويشترك السودان وتشاد حالياً في "حرب بالوكالة"، فكلاهما يدعم المتمردين الذين يحاولون الإطاحة بحكومة كل منهما. ويخشى المحللون من تدهور العلاقات عندما يقوم ما يقرب من 2.7 مليون شخص يعيشون في مخيمات دارفور بالسفر عبر الحدود.
وقال أحد عمال الإغاثة الذي طلب عدم ذكر اسمه أن "هناك 250 ألف لاجئ دارفوري في تشاد. وإذا تم إخلاء بعض المخيمات الكبرى في دارفور وقرر الجميع الذهاب إلى تشاد فيمكن أن يتضاعف هذا العدد بسهولة".
وقال توماس جنسن أن هذا قد يكون ما تريده الخرطوم تماماً. ففي محاولتها لهزيمة حركة العدل والمساواة، ستحاول الحكومة السودانية إسقاط الرئيس التشادي إدريس ديبي. كما أن استضافة الرئيس التشادي للاجئين سودانيين يتنافسون مع التشاديين المحليين على الموارد الطبيعية سيجعل من الرئيس ديبي أقل شعبية.
وأوضح جنسن أن "الاستراتيجية المفضلة للخرطوم هي إفراغ المخيمات وإجبار الناس على العودة إلى ديارهم، وهذه ستكون ضربة قاضية لتشاد وستضعف من حركة العدل والمساواة"، مضيفاً "أنهم يعتقدون أن بإمكانهم أن ينهوا هذه الحرب وأن يظهروا للمجتمع الدولي أن المساعدة الإنسانية لم تكن فعلاً ضرورية على أية حال، وأنه في النهاية لم يكن هذا هو سيناريو الكابوس الذي يعتقده الجميع".
ولكن لاتشر ودي وال قالا أن زيادة الوجود السوداني في تشاد يمكن أن يؤدي إلى نتيجة عكسية تماماً من خلال تسهيل الحشد التشادي للمتمردين السودانيين وبذلك ازدياد حدة القتال.
وقد حذرت منظمة كير وهي إحدى المنظمات المطرودة من أنه إذا أجبر غياب الخدمات أهالي دارفور على عبور الحدود "فإنه من المرجح أن يقوموا بذلك قريباً قبل أن يجعل موسم الأمطار من السفر أمراً أكثر صعوبة".
وطبقاً لعامل الإغاثة الذي قامت منظمته بمحادثات غير رسمية مع الحكومة التشادية، فإن تشاد قد تحاول إغلاق حدودها لإجهاض أي تحرك من هذا القبيل، مما سيؤدي إلى المزيد من التدهور في العلاقات".
مضايقات
وقال عامل إغاثة يعمل لدى إحدى المنظمات المطرودة أن "الجميع خائفون"، مضيفاً أن "الموظفين قد تعرضوا لمضايقات وجرى استجوابهم وتعرضت جميع كاميراتهم وهواتفهم وأجهزة الكومبيوتر الشخصية الخاصة بهم للسرقة. كما جرى تهديدهم بالاعتقال واحتجاز جوازات سفرهم وقامت الصحف السودانية بنشر أسمائهم واتهامهم بأنهم جواسيس. كل هذا حدث بعد ساعات من تطمينات الحكومة لنا بأن شيئاً لن يحدث".
وكانت المنظمات غير الحكومية الباقية "خائفة من أن الدور قد يأتي عليها" ولذلك من غير المرجح أن تتحدث في المستقبل أو تشترك في برامج حساسة بما في ذلك المشورة والدعم الطبي.