أخبار

بعد الرسائل غير المباشرة.. أي حوار إيراني- أميركي؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بيروت: هل أُجهض الحوار الأميركي- الإيراني حتى قبل أن يبدأ؟ هذا السؤال أطل برأسه بقوة في أعقاب الرسائل غير المباشرة بين الرئيس الأميركي أوباما ومرشد الثورة الإسلامية الإيرانية آية الله خامنئي، والتي بدا فيها (لوهلة) أن الثاني قابل انفتاح الأول عليه بالإنغلاق، وأنه وضع شروطاً مُسبقة على الحوار قد تؤدّي إلى نسفه.

ظاهرياً، كان الأمر كذلك بالفعل. فمضامين رسالة أوباما في عيد النوروز (عيد الربيع والعام الفارسي الجديد) كانت إيجابية للغاية وتضمنت المحاور الآتية:

أنها كانت خطوة أولى مهمة نحو الانخراط الدبلوماسي الأميركي مع إيران من شأنها، إذا ما قُوبلت بخطوة إيرانية مماثلة، أن تكسر قشرة جليد سميكة عمرها نيّف و30 سنة في العلاقات بين البلدين.

أوباما خاطب "قادة إيران"، جنباً إلى جنب مع "شعب إيران". وهذا يُعتبر بالأعراف الدبلوماسية اعترافاً ضمنياً بالنظام الإسلامي الإيراني، وقطيعة علنية مع توجّه الرئيس الأميركي السابق بوش لتغيير النظام في طهران.

هذه كانت المرة الأولى التي يُورد فيها رئيس أميركي تعبير "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" بدلاً من تعبير "النظام الإيراني" الذي كان يُستخدم كتعبير عن رفض الولايات المتحدة الإعتراف بشرعية هذا الأخير.

صحيح أن أوباما لم يعترف بالأخطاء التي ارتكبتها واشنطن مع إيران منذ إطاحة حكومة محمد مصدق الوطنية قبل 47 عاماً وحتى الآن، إلا أنه أقّر بأن التوترات كانت موجودة بين البلدين وأن حلّها يجب أن يكون بـ"الحوار الصادق القائم على الاحترام المتبادل" والدبلوماسية.

هذه بعض مضامين رسالة النوروز الأوبامية، التي نضحت أيضاً غزلاً بحضارة فارس العظيمة في مجال الأدب والفن والموسيقى والفلسفة. وهذا أمر لم تقم به الولايات المتحدة حتى مع دول كبرى كالصين وروسيا السوفياتية، حين قررت الإنتقال في العلاقات معهما من حافة الهاوية إلى حوافي الحوار البناء والاستيعاب اللطيف.

.. وردّ خامنئي

في المقابل، رد آية الله خامنئي في خطاب أمام مقام الإمام الرضا في مشهد (22 آذار/مارس الحالي) على أوباما مشدداً على النقط الآتية:

"منذ اليوم الأول للثورة، ناصبتنا الولايات المتحدة العداء. نحن نفهم ذلك، لأن الولايات المتحدة كانت حوّلت بلادنا إلى مرعى لها فجاءت الثورة لتسلبها إياه. لكن كان في وسع واشنطن أن تعبّر عن معارضتها بشيء أقل من هذه العدائية".

"منذ اليوم الأول للثورة أيضاً أطلقت واشنطن العنان لقوى المعارضة ودعمت الإرهاب بهدف تفكيك الوطن الإيراني، خاصة في المناطق حيث ثمة إمكانية لهذا التفكيك. بصمات الولايات المتحدة، من أموال وعملاء، لتحقيق هذا الهدف موجودة، ولاتزال، في كل مكان، بما في ذلك الآن على الحدود الإيرانية - الباكستانية".

"ثم جاءت مصادرة الأصول المالية والأسلحة بقيمة مئات الملايين من أموال الشعب الإيراني، وتلتها مباشرة حرب صدام ضدنا التي تمت بضوء أخضر أميركي والتي أزهقت أرواح 300 ألف من خيرة شبابنا. وفي ختام هذه الحرب أسقطت الولايات المتحدة طائرة مدنية إيرانية وقتلت 300 من مواطنينا، فيما كان مسؤولون أميركيون يدعون إلى إزالة الأمة الإيرانية من الوجود، لأن إيران في رأيهم لن تكون طيّعة ومعتدلة إلا إذا ما تحوّلت إلى جثة هامدة".

عظمة أم اضطهاد؟

هذا غيض من فيض رسالة خامنئي الضمنية إلى أوباما، والتي بدت انها تفرض شروطاً مسبقة (وقاسية أيضاً) على الحوار المرتقب. لكن الصورة ليست على هذا النحو البتة.

فخامنئي في الواقع لم يكن يهدد بل يشكو. لم يكن ينتهج تطرفاً إيديولوجياً وعناداً استراتيجياً ومشاعر عظمة كما صوّرت العديد من المداخل الإعلامية الغربية، بل على العكس تماماً: كان مرشد الثورة الإسلامية في إيران يعكس مشاعر الاضطهاد والضحية وآلام طرف مّعتدى عليه. وهي بالطبع أحاسيس سايكولوجية تستند إلى معطيات واقعية حقيقية، تشبه إلى حد كبير معطيات الحرب الاميركية الطاحنة ضد ثورة القومية العربية الناصرية في الخمسينيات والستينيات.

وعلى أي حال، خامنئي لم يحوّل هذه الشكاوى الغاضبة إلى مواقف رافضة لليد الممدودة الأوبامية. فهو طرح طرح تساؤلات محقة ثم تقدم بمطالب حقة على أساسها "يمكن أن تتغيّر إيران"، على حد قوله.

التساؤلات: ماذا تحقق من شعار "التغيير" الذي طرحه الرئيس الأميركي؟ أوضحوا ذلك لنا (والكلام لخامنئي): هل توقف عداؤكم للأمة الإيرانية؟ وما الدليل على ذلك؟ هل أفرجتم عن الممتلكات الإيرانية وألغيتم العقوبات القاسية وأوقفتم الإهانات والاتهامات والحملات الإعلامية المسمومة ودعمكم غير المشروط للنظام الصهيوني. ماذا تغير هنا؟ لاشيء. التغيير اللفظي غير كاف. تغيير السياسات لا الأهداف غير كاف. إنه سيكون مجرد تكتيك وخداع. والأمة الإيرانية لا يمكن استغفالها أو تخويفها".

هذا عن التساؤلات. أما الموقف فجاء على النحو الآتي (بالنص): "إننا لانبني مواقفنا على العواطف بل على الحسابات.. ونحن الآن لانمتلك أي خبرة مع الرئيس الإدارة الأميركية الجديدة. إننا سنرى ونحكم. فإذا ماتغيرتم فسنتغيّر نحن أيضاً".

عاملان حاسمان

هل يعني كل ذلك الحوار الإيراني- الأميركي سيسير نحو خواتيم سعيدة بعد مرحلة أولى من الشكوك المتبادلة، خاصة وأن هذا الحوار سينطلق بعد أيام في موسكو (27 آذار/مارس الحالي) وفي أمستردام (في 31 آذار/مارس)، على هامش المؤتمر الدولي حول أفغانستان؟

الأمر يعتمد على عاملين متلازمين: حقيقة الهدف الأميركي من الحوار، وحقيقة ما تٌعدّ له إسرائيل لـ"مواكبة" هذا الحوار.

فإذا ما واصلت الولايات المتحدة الإطلالة على إيران كمجرد جزء، وإن كانت جزءاً مهماً، من لوحة شطرنج عالمية تدور فوقها رحى حرب موارد عالمية لا تُبقي ولا تذر: من ثلوج ألاسكا إلى أدغال إفريقيا ومن تيبليسي وباكو إلى طهران والرياض، فهذا سيعني أن الرئيس باراك سيسعى، وإن بوسائل مخملية، إلى تحقيق ما سعى إليه كل الرؤساء الأميركيين قبله بوسائل حديدية: ضرب كل القوى التي قد تقف حجر عثرة أمام تحقيق النصر في الحرب العالمية النفطية.

وإيران، بحكم صدفة الجغرافيا والسياسات، تعتبر الآن في طليعة هذه القوى!

هذا عن السؤال الأول. أما عن الموقف الإسرائيلي فقد كان فاقعاً في وضوحه في منحيين: مسارعة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز إلى توجيه رسالة إلى الشعب الإيراني يحضّه فيها على قلب النظام، بعد ساعات من رسالة أوباما إلى إيران قادة وشعباً، وتزّعم نتنياهو لحكومة يمينية-عمالية أولويتها القصوى تفجير الصراع مع إيران سواء مباشرة أو عبر الحروب بالواسطة.

صحيح أن تل أبيب لن تعمد إلى تعطيل الحوار الإيراني-الاميركي فوراً، لكن الصحيح أيضاً أنها ستضغط بشدة لتحديد أمد هذا الحوار بحيث لا يتعدى الشهور القليلة. وهي هنا ستنطلق من تقرير لجنة الطاقة الذرية الدولية الذي صدر الشهر الماضي، والذي أكد أن إيران "عبرت العتبة التكنولوجية النووية" وباتت تمتلك ألف طن من اليورانيوم الكافي لصنع قنبلة نووية...!

أقوال وأفعال

ربما بات واضحاً الآن أن الحوار الأميركي-الإيراني المرتقب لن يكون كجدول ماء رقراق ينساب وسط هضاب خضراء جميلة، بل سيكون في غالب الأحيان عُرضة إلى سيول جارفة قد تجرفه في أي لحظة عن مساره.

كما أن الكثير سيعتمد في هذا الحوار على ما ستفعله إسرائيل وأيضاَ على مسألة الثقة بين طهران وواشنطن. لكن، وكما أظهر نص خطاب خامنئي في مدينة مشهد، فإن هذه الثقة تكاد تكون عُملة مفقودة في العلاقات الإيرانية- الأميركية منذ 30 سنة وحتى ما قبل ذلك بكثير، بما في ذلك في بعض مراحل حكم عهد شاه إيران نفسه، مالم يقرن الرئيس الاميركي أقواله الجميلة بخطوات عملية جميلة أيضا!

سعد محيو

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف