أخبار

هل تتجه الجزائر نحو عفو شامل؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كامل الشيرازي من الجزائر: يطرح مراقبون في الجزائر تساؤلات ملحة عما إذا كان حديث الرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة" عن "العفو الشامل" بمثابة تمهيد لتوخي الأخير خلال مرحلة ما بعد 2009، ورغم أنّ بوتفليقة بدا صارما في حديثه عن "احتمال" ترسيم هذا العفو المثير للجدل، إلاّ أنّ شواهد عديدة لا تجعل الموضوع محصورا في زاوية "الكلام العابر الموجّه للاستهلاك الانتخابي"، فهل ستتجه الجزائر فعليا إلى إقرار عفو شامل لإنهاء الأزمة الوطنية المزمنة؟ ورغم أنّ الكثير من المتابعين اعتبروا الخطاب الشديد اللهجة لبوتفليقة قبل أسبوع بمثابة "إعلان مبطّن" عن عدم استعداده الذهاب بالمصالحة المعمول بها منذ مارس/آذار 2006، إلى منتهاها، من خلال فتحه النار على (التائبين) واستهجانه مطالبة هؤلاء بأكثر مما نالوه، إلاّ أنّ مهرجاني بوتفليقة بمنطقة تمنراست الجنوبية وقالمة الشرقية، أعادا الجدل مجددا حول إمكانية انطواء فترة (2009 - 2014 ) على طبعة أكثر (جرأة) مقارنة بما أتاحه قانون الرحمة في عهد الرئيس السابق "اليمين زروال" العام 1995، وقانون الوئام المدني الذي دشّن به بوتفليقة وصوله إلى سدة الحكم سنة 1999 وأخيرا ميثاق السلم والمصالحة الوطنية المزكّى شعبيا في خريف 2005.
واللافت أنّ بوتفليقة اختار عباراته بعناية شديدة مبقيا الباب مشرّعا على مصراعيه أمام تجسيد العفو الشامل، بهذا الصدد، أوعز حاكم البلاد المرشح للاستمرار في كرسي الرئاسة دون عناء، أنّ هذا العفو لن يكون قبل نزول آخر مسلح من الجبال، علما أنّه سبق لبوتفليقة أن لوّح بـ"العفو الشامل" في خطابه الشهير بمناسبة إحياء الجزائر عيدها الوطني في الفاتح نوفمبر/تشرين الثاني 2004، قبل أن يتراجع عن ذلك فجأة في تجمع له بمنطقة سطيف أواخر أغسطس/آب 2005، بعدما استبسل على مدار عشرة أشهر طويلة في التسويق لمزايا العفو وأثره في إنتاج مصالحة حقيقية.
ويبدو أنّ الرئيس الجزائري وهو أول مسئول جزائري"في الخدمة"، يفسّر تأخر أو تحوير مضامين قانون ما، إلى ما (أتاحته) التوازنات الكبرى داخل أجهزة الدولة، حيث سبق له أن برّر في أغسطس/آب 2005، ما تضمنه ميثاق السلم آنذاك بمسألة "التوازنات"، كان صريحا مع مواطنيه حينما أشار إلى صعوبة بلورة (العفو الشامل) ولاحظ أنّ الأخير ليس "كلاما بسيطا"، بيد أنّ الرجل لم يخف أمنيته أن "يحضر العفو الشامل" ويقحم فيه عموم الجزائريين بصرف النظر عن مناهلهم ومشاربهم السياسية". الأكيد أنّ رسائل بوتفليقة ليست اعتباطية أو خاضعة لما تفرضه الدعاية الانتخابية من متطلبات، حيث تؤكد تصريحاته أنّ ثمة مشروع يتم التحضير لإنضاجه على "نار هادئة"، خصوصا وأنّ الرئيس الجزائري وعد في ثالث أيام الحملة الدعائية بكون "المصالحة ستكون أوسع في حال فوزه بولاية ثالثة"، ورشح أنّ مطالبته العلنية لمن سماهم (المتآمرين) بالاعتذار، في إشارة صريحة إلى معارضي النظام بالخارج، بأنّ بوتفليقة سيصدر عفوا خاصا يستفيد منه رموز الحزب الإسلامي المحظور "جبهة الإنقاذ" على غرار أنور نصر الدين هدّام ومراد دهينة، وكذا الضباط الفارين من الجيش أمثال محمد سمراوي والحبيب سوايدية وهشام عبود.
ولعلّ ما تضمنه الخطاب الذي ألقاه بوتفليقة اليوم بمدينة قالمة، يزيد من حجم التنبأ بعفو من طراز جديد، حيث اعترف الرئيس الجزائري بأنّ "سياسة استئصال الإرهاب قديمة وغير ناجحة"، وقال:"في حالة تزكية الشعب الجزائري لي، فإنّ فترتي الرئاسية المقبلة ستكون مقترنة بعودة السلم النهائي في البلاد" ملفتا إلى أنّه سوف سيتابع سياسة المصالحة مهما كلفه ذلك (..)، مثلما شدّد على أنه "لن يرضخ لأي ضغوط".
ولوّح بوتفليقة قبل أشهر باحتمال إقرار إجراءات تكميلية لخطة المصالحة المعمول بها في بلاده منذ مارس/آذار 2006، وقال بوتفليقة في خطاب له منتصف شهر آب/أغسطس الماضي :"يستوجب اتخاذ إجراءات أخرى"، متصورا أنّ المصالحة التي استوعبت نحو ثلاثمائة مسلح وجرى العفو بموجبها عن 2200 من مساجين "الإرهاب"، لا تزال بحاجة إلى تعزيز، على حد تعبيره، مركّزا على أنّ استكمال المصالحة سيرسخ صورة بلد متصالح مع ذاته، قوي بأصالة قيمه العريقة ومتفتح علي محيطه الجهوي والقاري والدولي. وفُهم كلام بوتفليقة على أنّه إحالة على وجود مشروع مبادرة جديدة يجري التحضير لها وقد يتم الإعلان عنها على مواطنيه في غضون الفترة القادمة، ولعل ّ توكيد الرئيس الجزائري في سائر خطاباته على استمراره في انتهاج سياسة المصالحة رغم تصعيد غلاة العنف لهجماتهم، يحمل في طياته نية واضحة من بوتفليقة للذهاب بعيدا في تطوير المصالحة الجزائرية، وتدعيم مسارها بإجراءات مستحدثة.
ولعلّ من بين المؤشرات التي تحيل على فرضية إحياء جدلية "العفو الشامل"، تلك النداءات المتتالية التي وجّهها "حسن حطاب"مؤسس تنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" التي صارت تدعى (قاعدة بلاد المغرب الإسلامي)، بالتزامن مع كشف مدني مزراق الأمير السابق لـ"الجيش الإسلامي للإنقاذ المنحلّ"، قبل فترة، عن إمكانية تقديم السلطات "عروضا جادة" للمسلحين، واستعدادها -بحسبه- لإقرار تدابير لصالح ناشطي المجموعات المسلحة، بما في ذلك عناصر (القاعدة)، بغرض دفعهم إلى التخلّي عن العنف، ويقول مزراق إنّ السلطات يمكنها أن تستوعب 80 بالمئة من المسلحين "إذا ما تمّ تطبيق المصالحة بعدل".
ولا تزال وضعيات مئات المسلحين ممن سلموا أنفسهم إلى السلطات بعد انقضاء آجال العفو العام في 31 أغسطس/آب 2006، عالقة، ما جعل كوكبة من الحقوقيين ورجال القانون تنادي حاكم البلاد لاتخاذ تدابير عفو استثنائية لصالح هؤلاء شريطة عدم تورطهم في تفجيرات ومجازر جماعية، في وقت دعا رئيس اللجنة الجزائرية لحماية وترقية حقوق الإنسان (حكومية) "مصطفى فاروق قسنطيني"، سلطات بلاده إلى العفو عن التائبين الجدد، واعتبر قسنطيني إنّه من المصلحة العليا للجزائر، أن تصفح السلطة عمن ضلوا السبيل وعادوا إلى جادة الصواب. ولا يستبعد المحامي البارز "مصطفى فاروق قسنطيني"، أن يتم إصدار عفو شامل، ويبدي قناعته بأنّ ترسيم خطوة كهذه تمثل "حلا نهائيا لأزمة طال مداها"، متصورا أنّ الفعالية ستكون مضاعفة إذا ما تمّ معالجة نقاط ظلّ بقيت مبتورة على منوال فئات معتقلي الصحراء ومغتصبات الإرهاب، وكذا فئة المتضررين من الإرهاب ممن جرى سلب أو تدمير ممتلكاتهم، وهو اتجاه يؤيده المرشح الإسلامي "جهيد يونسي"، ويراه "حتمية" في كنف احترام قوانين الجمهورية ونبذ العنف، بحيث يتلافى تطبيق العفو أي محاذير. بدوره، يشدّد الرئيس الشرفي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان "علي يحي عبد النور"، على أنّ العفو يجب أن يكون نهاية لمسار سلم شامل وليس قبله، قائلا إنّ ذلك سيسهم في تمكين الجزائريين من قبول بعضهم البعض دون ضغائن أو أحقاد، وقال عبد النور إنّ مصالحة الجزائريين مع بعضهم مشكلة سياسية وليست أمنية أو اجتماعية، وبالتالي يتعين إيجاد حل سياسي لها من خلال تحليل الأحداث الماضية التي عاشتها البلاد بهدف البحث عن الحقيقة تحضيرا لبناء مستقبل علي أسس أكثر صلابة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف