جماعة أبو سياف في الفلبين.. متمرّدة على طول الخط
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
مانيلا: في العادة، تـُنسب المجموعة التي أفرجت يوم الخميس 2 أبريل عن رهينة (ولا زالت تحتجز اثنين أحدهما سويسري في جنوب الفلبين من مندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر)، على وجه الخطأ إلى تنظيم القاعدة، في حين أن جماعة أبو سياف، التي هددت بقطع رؤوس الرهائن تشتهر بلجوئها إلى استخدام الوسائل الإجرامية.
أكدت اللجنة الدولية للصليب الدولية نبأ الإفراج عن إحدى الرهائن الثلاثة المحتجزين من طرف متمردين مسلمين في جنوب الفليبين. وصرح المتحدث باسم اللجنة في جنيف أن الفليبينية ماري جون لاكابا التي أطلق سراحها توجد "بصحة جيدة لكنها تُعاني من تعب شديد". مُشيرا إلى أن بقية الرهائن وهما السويسري أندرياس نوتر و الإيطالي أوجانيو فانيي "على قيد الحياة".
وكانت وكالة الأنباء الإيطالية "أنسا" نقلت في وقت سابق من يوم الخميس 2 أبريل عن وزير الخارجية فرانكو فراتّـيني قوله، بأن الموظفين الثلاثة، العاملين لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر المحتجزين كرهائن في الفلبين "على قيد الحياة". وصرّح السيد فراتّـيني بأن الرهائن "أحياء، حسب المعطيات المتوفِّرة لدينا"، وخاصة بفضل "اتِّصالات مع مواطننا"، دون الدخول في المزيد من التفاصيل. وإثر ذلك، طلبت الحكومة الإيطالية من السلطات الفلبينية "عدم إطلاق عملية مسلّـحة ضد المختطِفين"، مثلما جاء على لسان وزير الخارجية.
وكان ساكور تان، محافظ جزيرة جولو، قد سبق أن صرّح، استنادا إلى معلومات حصل عليها من أحد المُـخبرين يوم الثلاثاء 31 مارس، إثر انتهاء الأجل الذي حدّدته جماعة أبو سياف، أن موظفي اللجنة الدولية للصليب الأحمر (الفلبينية ماري جون لاكابا، مهندسة، والإيطالي أوجينيو فانيي والمندوب السويسري أندرياس نوتّـر)، المختطفين منذ يوم 15 يناير، عندما كانوا يقومون بزيارة لأحد السجون، "لا زالوا على قيد الحياة".
ويوم الثلاثاء، أعلن ساكور تان أيضا عن حالة الطوارئ في جزيرة جولو، الواقعة جنوب أرخبيل الفلبين (الذي يشتمل على أكثر من 700 جزيرة)، وهو ما يتيح له إمكانية القيام بعملية عسكرية ضدّ المختطِـفين المنتمين إلى جماعة أبو سياف، التي تُـطالب الجيش بتسليمها السيطرة الكاملة على هذه الجزيرة (تبلغ مساحتها 894 كلم مربّـع)، التي تقطُـنها أغلبية مسلمة.
غشاء "إسلامي"
وفي معرض تبرير موقِـفها المتشدّد، أشارت الحكومة الفلبينية، إلى أن جماعة أبو سياف تنتمي إلى التنظيم الهلامي الإرهابي للقاعدة، وهو انتماء يُـشكِّـك فيه محلّـل سويسري، طلب عدم الكشف عن هويته، حيث قال: "يتعلّـق الأمر بالفعل بمجموعة إجرامية، تفتقر إلى هدف سياسي. فهذه الجماعة تُـغطّـي أنشطتها الإجرامية بغِـشاء "إسلامي"، لكنها لا تتمتّـع بأي حضور وسط السكان".
هذا الرأي تُـشاطره الفرنسية صوفي بواسّـو دو روشي، الباحثة في مركز آسيا بباريس، التي نشرت مؤخرا كتابا يحمل عنوان "جنوب شرق آسيا يقع في الفخّ"، خصّـصت جزءً منه للحديث عن الفلبين.
وتقول الباحثة الجامعية: "حسبما علمت خلال تنقّـلاتي الأخيرة في الفلبين، فإن خلايا القاعدة، التي توجد على اتصال مع مختلف الحركات الإسلامية في جنوب الفلبين، تواجه الكثير من الصعوبات مع أبو سياف، لأن هذه المجموعة لا تستمع لأيٍّ كان".
وتُـشدّد السيدة بواسّـو دو روشي قائلة: "إنها مجموعة متمرّدة، ترفض التفاوض على المستوى السياسي وتُـفضِّـل التحرّك والأسلحة بأيديها. فأبو سياف معروف بأعماله الإجرامية ولم يكن لديه أبدا برنامج سياسي".
في المقابل، لم تتمكّـن الحكومات الفلبينية المتلاحقة منذ عام 1991، تاريخ تأسيس هذه الجماعة، من القضاء على أبو سياف ومن معه. وتنوِّه الباحثة الفرنسية إلى أن "قُـدرة المقاومة المتوفِّـرة لدى هذه الجماعة، مثيرة للدهشة"، بالرغم من أن الجيش سدّد له ضربات شديدة خلال الأعوام الأخيرة. وتُـضيف قائلة: "اليوم، تتشكّـل هذه المجموعة من شبّـان قليلي التكوين والتربية ومؤطّرين بشكل سيء. إنهم "شبّـان طائشون" غيَّـروا مسارهم ليُـصبِـحوا إرهابيين إسلاميين، نظرا لأنه اتّـضح أن هذه التغطية مُـربحة أكثر من الكفاح السياسي".
هذا لا يعني أن الجماعة ليست عنيفة أو أنها تتردّد في ارتكاب جرائم القتل. ففي شهر أبريل 2007، قطعت جماعة أبو سياف رؤوس سبع رهائن مسيحيين، وتوضّـح صوفي بواسّـو دو روشي أن "أهدافهم، عادةً ما تكون من الفلبينيين المسيحيين أو الغربيين، لكن عددا من المسلمين يُـستهدفون أيضا من طرفهم للحصول على أموال أو غير ذلك".
ويتحرّك أبو سياف أساسا في جولو، وهي جزيرة تقع جنوب أرخبيل الفلبين في منطقة تقطُـنها أغلبية مسلمة، في حين أن 83% من الفلبينيين من الكاثوليك.
توتّـرات قديمة
جماعة أبو سياف لا تتوفّـر على أجندة سياسية محدّدة، لكنها تُـطالب مع ذلك، بإنشاء دولة إسلامية، كما تستفيد من الصِّـراع القائم منذ سبعينيات القرن الماضي بين الانفصاليين المسلمين وسلطات مانيلا، وهي مواجهة ذات جذور قديمة.
في هذا السياق، تُـذكِّـر الباحثة الفرنسية أنه "عندما نزل الإسبان في الفلبين في القرن السادس عشر، وجدوا المسلمين الذين كانوا قد وصلوا إلى أبواب مانيلا ولم يتمكّـنوا من إعادتهم إلى الخلف إلى أبعد من جزيرة ميندناو".
ونتيجة لذلك، ظلّـت هذه المنطقة الجنوبية على الدوام، غير خاضعةٍ للسيطرة تماما، سواء من طرف المستعمِـرين الإسبان والأميركيين (في فترة لاحقة) أو من جانب السلطات المسيحية، التي استلمت السلطة في البلاد، إثر الاستقلال، وهو ما أدّى إلى تهميش، بل تجاهُـل الجُـزر الواقعة جنوب الفلبين من طرف السلطة المركزية في مانيلا، "لذلك، فليست هناك هياكل تحتية وقليل من المدارس والمستشفيات. وفي غياب الآفاق، يُـفضِّـل الشبّـان المحليون، في معظم الأحيان، طريق العصابات"، مثلما تقول صوفي بواسّـوا دو روشي.
هذه الأرضية شكّـلت وسطا ملائما، نمَـت فوقه الحركات الانفصالية الرئيسية في جنوب الفلبين، مثل جبهة التحرير الوطني "مورو" والمنشقّـون عنها، الذين أسّـسوا الجبهة الإسلامية لتحرير "مورو".
الحليف الأميركي
في هذا الإطار، تُـشير الباحثة الجامعية الفرنسية إلى أن أبو سياف "لإسماع صوته، يُـطلق عمليات ضخمة ويدعو إلى إنشاء دولة إسلامية، وهو مطلبٌ تُـنادي به أيضا بعض الجماعات الإندونيسية، لتشمَـل (الدولة المقصودة) جُـزُراً مسلمة في إندونيسيا وجزءً من ماليزيا ومن جنوب الفلبين".
رغم كل ما سبق توضيحه، فإن أبو سياف قادر أيضا على اقتناص الفُـرص السياسية، التي قد تُـتاح له، لذلك، "فليس من باب المصادفة أن تتزامن عملية احتجاز الرهائن هذه مع زيارة هيلاري كلينتون في المنطقة، وهي جولة صرّحت خلالها وزيرة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة ستعود مجدّدا، لتُـصبح الحليف المفضّـل لجنوب شرق آسيا"، مثلما تشدِّد على ذلك صوفي بواسّـوا دو روشي، التي تُـذكّـر بأن واشنطن تدعم وتقدِّم النُّـصح للجيش الفلبيني في الحرب التي يخوضها ضد المتمردين في جنوب البلاد.