4 أسباب لتفاؤل كيري بمستقبل سلام الشرق الأوسط
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: استضاف مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط بمؤسسة بروكينغز الشهر الماضي السيناتور الديمقراطي جون كيري، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، وذلك للحديث عن زيارته الأخيرة للشرق الأوسط، حيث قام بجولة شملت كلاًّ من مصر والأردن وسوريا ولبنان وإسرائيل والضفة الغربية وغزة في فبراير الماضي.
وجاءت المحاضرة بعنوان "استعادة الدور القيادي في الشرق الأوسط: مدخل إقليمي للسلام". وقد تحدث كيري، الذي تولى رئاسة لجنة العلاقات الخارجية خلفًا لجوزيف بايدن بعد توليه منصب نائب الرئيس، عن قناعته بأن هناك فرصة سانحة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط نتيجة لأربعة أسباب رئيسة هي: تصاعد النفوذ الإيراني، وإمكانية البناء على مبادرة السلام العربية، ووجود اتفاق حول الصيغة النهائية للتسوية، وانتخاب باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة، بما يعنيه هذا من تجدد الأمل في العمل المشترك والرغبة في البحث عن صيغ للحل. كما تناول كيري سبل التعاون لإعمار غزة والدور السوري في المنطقة.
عوامل تحفز التحرك نحو التسوية
بدأ السيناتور جون كيري حديثه بالتأكيد على أن الوضع المتأزم في الشرق الأوسط يمثل فرصة يجب استغلالها، خاصة وقد لمس قناعة خلال جولته بالشرق الأوسط أن هناك حقيقتين تجعل من الوضع الراهن مرحلة فاصلة. الحقيقة الأولى هي انتخاب باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة، وتأكيد الولايات المتحدة قدرتها على الاستماع والقيادة. أما الحقيقة الثانية فهي أن الدور القيادي الذي ستقوم به الولايات المتحدة والأطراف الإقليمية الأخرى سيكون حاسمًا في تحديد فرص السلام. وسيكون الدور القيادي للولايات المتحدة في المنطقة حاسمًا ليس فقط في الإقليم ولكن للسياسة الخارجية الأميركية بوجه عام، خاصة فيما يتعلق بعلاقات الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي.
ثم قام كيري بشرح أسباب قناعته بأهمية المرحلة الحالية وإمكانية الحل على النحو التالي:
أولاً: تصاعد النفوذ الإيراني، خاصة بعد غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين، الذي أدى إلى اقتناع الدول العربية المعتدلة بالعمل مع إسرائيل، وذلك على أساس أن جميع الأطراف تشترك في الخوف من الدور الإيراني. وهو ما يعني أيضًا إمكانية العمل المشترك من أجل تحقيق السلام. ويرى كيري أن اللاءات العربية السابقة ـ لا للحوار مع إسرائيل، لا للاعتراف بإسرائيل، ولا للسلام مع إسرائيل ـ قد تم استبدالها بثلاث لاءات أخرى متعلقة بإيران هي: لا للسلاح النووي الإيراني، لا للتدخل الإيراني، ولا للنفوذ الإيراني.
وفيما يتعلق برد فعل الولايات المتحدة تجاه إيران، يؤيد جون كيري إدارة أوباما بفتح باب الحوار المباشر مع إيران، ولكنه يرى أيضًا ضرورة عدم استبعاد الخيار المسلح، مع الالتزام بداية بالخيار الدبلوماسي ثم تصعيد العقوبات متعددة الأطراف في حالة عدم استجابة إيران، مع ضرورة العمل على ضم روسيا والصين لهذه الجهود لكي تكون مؤثرة.
وأشار كيري للدور الهام الذي يمكن أن تلعبه العلاقات مع سوريا في الضغط على إيران. ويرى أنه في صالح الولايات المتحدة والمنطقة وسوريا أن يتوجه الرئيس الأسد غربًا للبحث عن علاقات جديدة بعيدًا عن إيران، ويؤكد أن سوريا قد اتخذت بالفعل خطوات في هذا الاتجاه، فقد أجرت سوريا منذ العام الماضي مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل عبر وساطة تركية رغم اعتراض إيران. وقد أكد كيري على ضرورة استجابة الولايات المتحدة للمطلب السوري للعب دور في هذه المفاوضات، والتأكيد على أن تقدم المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية لن يؤثر سلبًا على لبنان أو اعتبارات العدالة الدولية، كما دعا لتقديم حوافز اقتصادية لسوريا.
ثانيًا: مبادرة السلام العربية كأساس لخارطة طريق إقليمية. أشار كيري إلى أن مبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية عام 2002 لم تحظ بالاهتمام الكافي رغم أهميتها، ويعتقد كيري أن هذه المبادرة، التي يرى أنها وضعت إطارًا مناسبًا للسلام يقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام والاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها، يمكن أن تكون أساسًا لخارطة طريق إقليمية للوصول إلي تسوية سلمية تلتزم من خلالها الأطراف الإقليمية باتخاذ خطوات إيجابية وتحمل المسؤولية عنها.
وقد أشار كيري إلى أن الإسهام الهام والملح الذي يمكن أن تقوم به الدول العربية الآن هو الضغط على حماس للتوقف عن إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل والقبول بحكومة وحدة وطنية فلسطينية وبمبادئ الرباعية الدولية فيما يتعلق بوقف العنف والاعتراف بإسرائيل واحترام الاتفاقيات السابقة.
ثالثًا: الأمل في التوصل إلى تسوية في وقت يتوافر فيه القبول بين غالبية الأطراف حول شكل التسوية، خاصة كنتيجة لجهود الرئيس الأسبق بيل كلينتون وتقدم المفاوضات منذ أنابوليس.
رابعًا: تغير القيادة في البيت الأبيض وبدء مرحلة جديدة من البراجماتية والتواصل مع جميع الأطراف. وفي هذا الإطار تناول كيري أهم الخطوات التي يجب أن تتخذها الولايات المتحدة تجاه السلطة الفلسطينية وإسرائيل. على الجانب الفلسطيني أكد كيري على ضرورة دعم الرئيس الفلسطيني محمود عباس وتدريب قوات الأمن الفلسطيني لحماية الأمن ومكافحة الإرهاب. وعلى الجانب الإسرائيلي أكد كيري على ضرورة أن تتخذ الولايات المتحدة موقفًا حازمًا ضد استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات.
تحذير من الحفاظ على الوضع الحالي
في الوقت ذاته حذر كيري من أن استمرار الأوضاع على حالها في الشرق الأوسط يمكن أن يجعل الحل أكثر صعوبة. وقد أشار تحديدًا إلى ازدياد نسبة شريحة الشباب في العالم العربي، خاصة في الضفة الغربية وغزة، حيث يرى أن هذه الشريحة يمكن أن تتحول إلى مصدر خطر إذا استمر مناخ الحرب والتهميش. ومن ثم يرى كيري أهمية مضاعفة الجهود الآن من أجل السلام.
و يشير كيري إلى أن تأجيل التقدم في مسار السلام من شأنه أن يجعل من الصعب أن تبقى إسرائيل كدولة لليهود أو أن تتأسس دولة فلسطينية، كما أن من شأنه تشجيع قوى التطرف. وأكد على أهمية أن تفضي المفاوضات إلى نتائج ملموسة.
قضايا على أجندة الإدارة الأميركية بالمنطقة
تطرقت الأسئلة التي طرحت للنقاش لقضايا متعلقة بسوريا وحماس والمعونة الأميركية وإيران. وقد بدأ مارتين إنديك، مدير مركز سابان الأسئلة بالحديث عن حماس، وكيفية إعادة إعمار غزة دون أن يؤدي هذا لتقويتها.
وقد أشار كيري إلى أن سوريا ومصر يمكن أن تؤديا دورًا حاسمًا في هذا الشأن. وأشار إلى أن الرئيس الأسد بدأ يتخذ خطوات إيجابية ذات دلالة فيما يتعلق بعلاقة سوريا بحماس، مثل التقارب مع السعودية وإرسال وزير خارجيته للعراق. وعلى الجانب الآخر تمارس مصر دورًا لتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية يمكن أن تتلقى المعونة الأميركية في إطار من التنسيق مع دول عربية أخرى.
وأكد كيري على تشكيل حكومة فلسطينية من التكنوقراط في الضفة الغربية. ويمكن في إطار هذه الحكومة قبول ممثلين عن حماس طالما التزموا بمبادئ الرباعية الدولية الخاصة بالاعتراف بإسرائيل والاتفاقيات السابقة ووقف العنف. وفيما يتعلق بغزة يرى كيري إمكانية تشكيل لجنة تضم عددًا من الدول العربية لإدارة المعونة الموجهة للقطاع.
وفي سؤال آخر تناول إنديك قضية القيادة الإقليمية، وما إذا كان باستطاعة الأسد ونتنياهو الوصول إلى اتفاق سلام. وقد أجاب كيري أنه مقتنع أن كليهما لديه الرغبة في السلام. فالرئيس السوري من مصلحته تفادي أن تصبح إيران دولة نووية، وأن يتحسن الوضع الاقتصادي في بلده، كما أن الاستقرار في لبنان لا ينبغي النظر إليه على أنه يتعارض مع مصلحة سوريا. وفي المقابل فإن استعادة الجولان سوف تكون إنجازًا كبيرًا للرئيس بشار الأسد. وعلى الجانب الآخر أشار كيري إلى أن نتنياهو يواجه وضعًا داخليًّا معقدًا. ولكنه مقتنع بقدرته على إحداث تغيير.
وردًّا على سؤال حول الموقف الأميركي في حالة تشكيل حكومة يمينية في إسرائيل ترفض قبول حل الدولتين، قال كيري: إن علينا الانتظار لنرى ما تسفر عنه الأمور، لكنه أكد أيضًا أن تحسين الأحوال الاقتصادية للفلسطينيين لا ينبغي أن يكون بديلاً عن التوصل إلى حل سياسي للصراع.
وردًّا على سؤال حول إمكانيات إسرائيل النووية وما إذا كانت الولايات المتحدة يمكن أن تضغط لكي تصبح المنطقة خالية من السلاح النووي، أكد كيري أنه في محادثاته مع الرئيس المصري حسني مبارك والملك عبد الله عاهل الأردن والملك عبد الله ملك السعودية أشار الحكام العرب إلى تخوفهم من حصول إيران على قدرات نووية، ولم تتطرق المناقشات للسلاح النووي الإسرائيلي.
خاتمة
يشير الدور النشط الذي قام به كيري مؤخرًا إلى التزام إدارة الرئيس أوباما بتحقيق تسوية للنزاع في المنطقة. وقد خلف كيري بايدن في رئاسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بعد أن عبر عن رغبته في أن يصبح وزيرًا للخارجية، ولكن الرئيس أوباما فضل اختيار هيلاري كلينتون لهذا المنصب، رغم أن كيري كان قد أعلن تأييده لأوباما خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي. وقد عبر كيري عن سعادته بمنصبه الجديد وعزمه أن يحقق كثيرًا من خلاله، خاصة مع خبرته الطويلة في مجال العلاقات الخارجية منذ أن دخل مجلس الشيوخ لأول مرة في أبريل عام 1971 لتقديم شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية كمحارب سابق ومعارض للحرب في فيتنام، وكان عمره وقتها 27 عامًا. وتم انتخابه لمجلس الشيوخ لأول مرة عام 1984.
ويعتمد اقتراب كيري للسلام في الشرق الأوسط على تحفيز الأطراف على التواصل من خلال التأكيد على المصالح المشتركة وفرص النمو الاقتصادي، إضافة إلى الخطر الإيراني المشترك، الذي يبدو عاملاً محوريًّا في مدخله الإقليمي. ورغم تأكيد كيري على أن مدخله يقوم على الشمول، إلا أن الواضح أنه يطالب السلطة الفلسطينية بأكثر مما يمكن أن تقوم به في الوضع الحالي، خاصة مع عدم حدوث تقدم في مسيرة السلام وإعطاء أولوية للمفاوضات السورية ـ الإسرائيلية. كما يطالب الأطراف العربية بتشكيل إطارٍ لمفاوضات السلام يقوم على المبادرة العربية ويكون ملزمًا للأطراف العربية، وأطرٍ أخرى لإدارة المعونات الموجهة لإعادة إعمار غزة دون وضوح المقابل الذي يمكن أن تقدمه إسرائيل في هذا الشأن.