أخبار

معوقان أساسيان يمنعان أميركا من النجاة في أفغانستان

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

واشنطن: أثار إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما في مطلع شهر مارس عن إمكانية إجراء حوار مع العناصر المعتدلة من حركة طالبان، وما تلاها من زيارة المبعوث الأميركي الجديد لأفغانستان، ريتشارد هولبروك، في الخامس من إبريل عدة تساؤلات في كافة الأوساط الأكاديمية والسياسية حول ماهية هذا الحوار، وأطرافه، وشروطه، وتوقيته، والمشكلات التي قد تثار بشأنه. وفى إطار الإجابة على تلك التساؤلات أجرى" جايشيرى باجوريا"، من مجلس العلاقات الخارجية، حوارًا مع ستة محللين سياسيين حول إمكانية إجراء هذا الحوار وفرص نجاحه من عدمه.

أفغانستان وباكستان بين الحوار والدعم

يفرق شوجا نواز، مدير مركز جنوب آسيا التابع للمجلس الأطلنطي الأميركي، بين الاستراتيجية التي يجب أن تتعامل بها الولايات المتحدة مع المتمردين في كل من أفغانستان وباكستان. فيما يتعلق بأفغانستان أكد نواز على أن مسألة الانخراط في حوار مع حركة طالبان هي أحد الخيارات القابلة للتطبيق للتعامل مع الأوضاع المتردية، حيث إن ذلك يسمح لها بعزل العناصر المتطرفة عن تلك التي تم إقحامها في حركة التمرد ـ سواء أكان عن طريق التهديد أم الحوافزـ، كما أن إعلان الولايات المتحدة عن رغبتها في التحاور مع أعدائها سوف يحسن من صورتها على المستوى المحلى. وأن على الولايات المتحدة السعي لإحداث حالة من الانشقاق بين قادة المجاهدين لاسيما "قلب الدين حكمتيار" و"جلال الدين حقاني" من جانب، و" الملا محمد عمر" من جانب آخر مستغلة في ذلك التنافس القائم فيما بينهم حول السلطة في العاصمة الأفغانية "كابول".

أما على الصعيد الباكستاني، يشير نواز إلى ضرورة انتهاج الولايات المتحدة سياسة مغايرة عن نظيراتها في أفغانستان، وتتمثل في دعم الجهود الباكستانية الداخلية في عزل العناصر المتطرفة عن طريق استمالة السكان ـ سواء في المناطق القبلية أو المستقرة بالقرب من الحدود الشمالية الغربية ـ وذلك بتقديم دعم مالي مباشر للمشروعات الاجتماعية أو المشاركة في توفير الخبرات اللازمة لمكافحة المخدرات عن طريق السفارة الأميركية في باكستان، وذلك بهدف تقليل نفوذ حركة طالبان في البلاد.

وفى الحقيقة اتفق مع الرأي السابق لاسيما فيما يتعلق باختلاف الوضع بين كل من أفغانستان وباكستان، وذلك على اعتبار أن الوضع في باكستان يعتبر أكثر استقرارًا إذا ما قورن بنظيره بأفغانستان حتى وإن تواجدت حركة طالبان فيها، وبالتالي فإن استراتيجية الحوار تعتبر أكثر ملائمة في أفغانستان نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية فيها وارتفاع نسبة الخسائر بين قوات حلف الشمال الأطلنطي، على الجانب الآخر يعتبر أسلوب الاستقطاب والاستمالة أكثر ملائمة لباكستان.

مع من نتحاور في طالبان؟

يؤكد توماس جونسون مدير مركز دراسات الثقافة والصراع بالبحرية الأميركية، على أهمية الدخول في حوار مع حركة طالبان كجزء من الاستراتيجية الأميركية الرامية لمكافحة التمرد، لكنه في الوقت ذاته يرى أن هذا النهج مفعم بالمخاطر، وذلك استنادًا إلى سوابق هذا الشأن، فمنذ عام 2006 حاولت مجموعة الدول المشاركة بقوات في أفغانستان بالإضافة إلى السعودية، الدخول في حوار مع حركة طالبان إلا أن كل تلك المحاولات لم تبؤ بالفشل فحسب بل امتدت آثارها إلى ارتفاع مستوى العنف في البلاد، ذلك فضلاً عن زيادة نسبة الخسائر التي تكبدتها قوات التحالف.

ووفقًا لجونسون فإن فكرة الحوار مع طالبان هي مسالة خلافية، فبينما ترى مجموعة من القوى الدولية لاسيما المملكة المتحدة، إيطاليا، فرنسا، والنرويج جدواها، تشكك مجوعة دول إقليمية أخرى بخاصة روسيا، الهند، وإيران في نتائجها.

يسوق معسكر الرفض اعتراضه على أن قوات التحالف في الوقت الحالي تعاني من موقف ضعف في أفغانستان، وبالتالي أي حوار من هذا القبيل سيصب في مصلحة حركة طالبان. على الجانب الآخر يرى المؤيدون والذي ينتمي جونسون إليهم، أن هذا الحوار مع من أسماهم بالمعتدلين من طالبان سيسهم بشكل كبير في إضعاف وشق الصف داخل الحركة.

وفى إطار صعوبة تحديد العناصر المعتدلة في طالبان وتعقيد هيكلها التنظيمي، يشير جونسون إلى أن الحوار لابد من أن يبدأ من المستويات الأقل بين قادة أي من القادة على المستوى المحلى ثم ينتقل إلى المستويات الأعلى في الهرم التنظيمي للحركة. كما يؤكد جونسون أن هذا النهج قد يعتبر سلاحًا ذا حدين على اعتبار أنه قد يقحم الولايات المتحدة في علاقات مع مجرمين أو قادة يتمتعون بقدر كبير من الفساد.

ومن أجل ضمان نجاح محاولات الحوار، يرى جونسون ضرورة تلافي بعض الجماعات أثناء الحوار لاسيما القيادي "قلب الدين حكمتيار" على اعتبار أنه متعطش للسلطة وغير جدير بالثقة على حد وصف جونسون، ذلك بالإضافة إلى الجماعات المهشمة من قبل نظام الرئيس "كرزاي" وخاصةً ما يطلق عليه "الحلف الشمالي". لكن في رأيي، تواجه فكرة الحوار من الأسفل إلى الأعلى تحديًا رئيسًا يتمثل في أنه وفقًا لنظام اتخاذ القرار داخل الحركة فهو في ظاهره قائم على الشورى أما في باطنه هو ديكتاتوري وما يكرس ذلك أن الشورى وفقًا للمنظور الطالباني معلمة وليست ملزمة، فالقرارات المهمة يتخذها الملا محمد عمر وله الحرية الكاملة في الأخذ بآراء مجلس الشورى أو رفضه.

كما أن الملا محمد عمر يتمتع بصلاحيات واسعة، حيث اختارته طالبان أميرًا لهم في أغسطس 1994، وبايعه 1500 عالم من علماء أفغانستان عام 1996 أميرًا للبلاد ولقبوه بأمير المؤمنين، وله حقوق شرعية فلا تجوز مخالفة أمره، كما لا يجوز عزله إلا إذا خالف التعليمات الدينية، أو عجز عن القيام بمسئولياته، ويبقى في منصبه حتى الموت. وبالتالي فإن مسألة تأثير القادة على مستوى المحليات هو أمر يغيب عنه الواقع.

طالبان وغياب أسس الحوار

لا يرى روبرت تمبلر مدير مشروع آسيا في مجموعة الأزمات الدولية أي جدوى من الحوار مع حركة طالبان الآن في أفغانستان، استنادًا إلى أن أي حوار من الموقف الأضعف لن يؤتي ثماره المرجوة، ولكن على العكس من ذلك سوف يؤدي إلى تداعيات وخيمة لعل أبرزها إضفاء مزيدٍ من الوهن للسلطة الشرعية، ومزيدٍ من الدعم والقوة لحركة طالبان، ذلك فضلاً عن إمكانية تزايد فرص حدوث مزيدٍ من الانشقاقات الداخلية الأفغانية.

وفى هذا الصدد، يؤكد تمبلر على أن مسألة الحوار مع حركة طالبان لا تزال تفتقد كثيرًا من الأسس يأتي في مقدمتها، أن مؤسسات السلطة الأفغانية تعاني من ضعف شديد لاسيما أجهزة الشرطة والقضاء والسجون، ذلك بالإضافة إلى نقص الموارد المالية الحكومية، كما أشار إلى وجود عدد من المسائل والأسئلة التي لم يتم التطرق إليها وبالتالي لم يتم الإجابة عنها وهو الأمر الكفيل بهدم فكرة الحوار من أسسها في حالة عدم حدوث قدر من التوافق حولها بين الأطراف المنخرطة في الحوار منها على سبيل المثال وليس الحصر؛ إمكانية التزام طالبان بالدستور من عدمه، إمكانية حدوث عفوٍ عامٍّ عن المتمردين من عدمه، وهل ستحتفظ طالبان بسلاحها أم لا؟

كما شدد تمبلر على أن أي حوار مدفوع من قوة خارجية مثل الولايات المتحدة سوف يبوء بالفشل ولن يؤدي بأي حال من الأحوال إلى التوصل لأي اتفاق يرضي كافة الأطراف، وفى هذا الإطار وضع تمبلر أساسين هامين يتوقف عليهما نجاح الحوار مع طالبان من عدمه، الأول: أن يكون هذا الحوار داخليًّا بالأساس أي أن يكون حوارًا أفغانيًّا ـ أفغاني بدون تدخلات خارجية ووفقًا للمبادئ الأفغانية المتفق عليها عبر الزمن ـ، أما الثاني: فيتعلق بضرورة إيجاد دولة أفغانية صلبة مما يمنحها القدرة على استيعاب المتمردين. بالفعل اتفق كُليةً مع هذا الرأي، بأن أي حوار في ظل غياب كل تلك المقومات السابقة لن يحدث آثاره المرجوة، بل من المتوقع أن يحدث آثارًا سلبية قد تزيد من تدهور الأوضاع.

الداخل ومعارضة الحوار

تشير هيلاري ساينوت، الباحثة بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أن أحد الصعوبات الرئيسة لمواجهة التحديات سواء في باكستان أو أفغانستان هي تحديد من أسمتهم بـ"الأشرار" الذين يضطلعون بمهمة زعزعة الاستقرار في المنطقة. كما تؤكد ساينوت أنه من الأخطاء الشائعة قصر من يعارضون وجود القوات التابعة لحلف شمال الأطلنطي وقوات الأمن الداخلية في كل من أفغانستان وباكستان على تنظيم القاعدة وحركة طالبان فقط.

فعلى مستوى الممارسة، تتضمن المعارضة جماعات مختلفة لكل منها دوافعها الخاصة منها على سبيل المثال تنظيم القاعدة والجماعات السلفية المتطرفة التي ستقاوم فكرة الحوار على أساس أنه قد يقلل من نفوذها، والجماعات التي أجبرت على تطبيق القواعد البشتونية وتلك التي فقدت أبناءها من جراء الحرب وعانت كثيرًا من غياب الفرص البديلة، وبالتالي على الولايات المتحدة أن تعمل على إجراء الحوار مع تلك الجماعات التي قد تقتنع بإلقاء سلاحها والاندماج في المجتمع والسعي وراء تحقيق السلام. كما تؤكد ساينوت،على أن تحقيق السلام والاستقرار لن يتحققا من خلال القوة فقط، بل لابد مما أسمته "الانخراط الانتقائي" والمفاوضات، وبذل مزيد من الجهد لإجراء المصالحة.

الحوار وأخطاء الماضي

يؤكد ميشيل سيمبل، النائب السابق للممثل الاتحاد الأوروبي الخاص لأفغانستان، على أهمية إدماج ما أسماهم ببرجماتي طالبان في النظام السياسي الأفغاني وذلك كأساس لإنجاح الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان، كما وضع ثلاثة أسس رئيسة من أجل ضمان نجاح عملية المصالحة وهي كالتالي، أولاً: أن تلك العملية يجب أن تتم من خلال الفهم العميق لطبيعة أسلوب وديناميكيات العمل السياسي للمتمردين، ثانياً: كما أنه لابد أن تأخذ في الاعتبار الخبرة الأفغانية السابقة في التحاور وإدماج مع المعارضة. ثالثاً: ضرورة التركيز على أهداف معقولة وقابلة للتطبيق على أرض الواقع.

وردًا على مزاعم فشل محاولات الحوار السابقة، أكد سيمبل أنه قد تم ارتكاب أخطاء كثيرة في الماضي منذ إسقاط نظام طالبان في عام 2001 والتي أدت بدورها لتعبئة مجموعة كبيرة من المتمردين، كما أشار سيمبل إلى افتقاد محاولات المصالحة السابقة لعنصرين هامين مكلمين لبعضهم بعضًا، الأول: غياب أي خطوات جادة للتحاور مع قادة التمرد من قبل الغرب، ثانياً: غياب أي جهود حثيثة من قبل المتمردين للتحاور مع الغرب. كما نصح سيمبل المسؤولين الغربيين بضرورة العمل بجدية على تحديد من أطلق عليهم برجماتي طالبان، الذين يمكن التعامل والتحاور معهم حتى تحقق عملية التحاور أهدافها المرجوة المتمثلة في إدماجهم في الحوار ثم استبعادهم من السلطة فيما أطلق عليه.

وفى سياق متصل، أكد سيمبل أنه على الولايات المتحدة إذا استطاعت وضع مبادرة مصالحة جديدة، تقوم على استيعاب العناصر المتمردة، وحمايتها من مضايقات قوات الأمن سواء الداخلية أو الخارجية، وتوفير فرص عمل فإن ذلك سيسهم بشكل كبير في إقناعهم بإلقاء أسلحتهم، مما سيؤدي لإقرار السلام الدائم والشامل.

أما على الصعيد الباكستاني وكنتيجة للترابط الشديد بين حركة طالبان في كل من أفغانستان وباكستان، يشير سيمبل إلى أن نجاح الولايات المتحدة في أفغانستان في استيعاب والقضاء على حركات التمرد هو المفتاح الرئيس لإنهاء تلك الأزمة في باكستان. بعبارة أخرى يرى سيمبل أن القضاء على مفهوم الجهاد في أفغانستان سوف يؤدي بالضرورة للقضاء عليه في باكستان.

ثنائية المصالحة السياسية والمفاوضات

في إطار التفرقة بين مقتضيات المصالحة السياسية وفكرة المفاوضات مع طالبان، يشير الدبلوماسي الأفغاني السابق مسعود عزيز إلى أن تحقيق الاستقرار في كل من أفغانستان وباكستان يتطلبان توفير مصالحة سياسية واسعة النطاق بحيث تتضمن تمثيلاً شرعيًّا وعادلاً لكافة الطوائف والعرقيات، حيث أكد عزيز أنه بالنسبة لباكستان يلزم إدماج المناطق القبلية في النظام السياسي الباكستاني، أما بالنسبة لأفغانستان يلزم توفير تمثيل حقيقي لكافة العرقيات في النظام السياسي الأفغاني.

أما حينما يتعلق الأمر بالمفاوضات مع طالبان، يؤكد عزيز على ضرورة معرفة البنية التشريحية للحركة، حيث تنقسم حركة طالبان وفقًا لعزيز إلى أربعة أقسام، الأول: تنظيم القاعدة، الثاني: من أسماهماldquo;Qalibanrdquo; ، واللذان يمثلان معًا القوام الأساسي لقوات طالبان والتي يصعب التفرقة بينهما، وفى هذا السياق ينصح عزيز بعدم خوض أي مفاوضات مع هاتين المجموعتين. أما القسم الثالث فيتكون من مجموعة من تجار المخدرات، والمرتزقة، والمجرمين بحيث يجب استئصالهم وعدم التفاوض معهم، رابعاً: المعتدلون من طالبان الذين يعانون من ويلات الحرب وقهر المتطرفين من حركة طالبان سواء في أفغانستان أو باكستان.

وبالتالي ينصح عزيز بضرورة التركيز على تلك المجموعة الأخيرة في إطار صياغة استراتيجية جديدة للتفاوض معهم وحمايتهم مما يسهم في عزل المتمردين عن تلك القاعدة الشعبية التي تساندهم مما يؤدي إلى إضعاف حركات التمرد وإقرار حالة الاستقرار في البلاد.

وفى إطار تحديد أهداف وتوقع نتائج المفاوضات، استبعد عزيز إمكانية إعطاء "الملا عمر" مكان في الحكومة الأفغانية، وإنما العمل على توفير كافة السبل الممكنة لتمكين السلطات المحلية من الوصول إلى كافة المدن والقرى لتوفير مستوى أمني مرتفع، مما يهيأ المناخ لإنشاء مجالس محلية تكون قادرة على تحديد احتياجاتها تعمل بالتعاون مع السلطات المحلية والمساعدات الدولية على إنهاء حالة الفقر وانعدام الأمن وقهر العناصر المتمردة.

لكني أرى أن مسالة تحديد المعتدلين في حركة طالبان أمر في غاية الصعوبة خاصةً بعد إعلان القيادي " ذبيح الله مجاهد" بأن طالبان ليس بها معتدلون وأن إجراء أي محادثات بينها وبين حكومة كابول لن تكون ممكنة إلا إذا وافقت الحكومة الأفغانية على شروط طالبان بشأن سحب القوات الدولية من البلاد مؤكدًا أن طالبان لن تتخلى مطلقًا عن تسلحها.

وفى السياق ذاته، صرح "قاري محمد يوسف" المتحدث باسم طالبان حين سئل عمَّا إذا كان الملا "محمد عمر زعيم" طالبان سيعلق على اقتراح الرئيس أوباما بأن "هذا لا يستوجب أي رد أو رد فعل لأنه غير منطقي." وأضاف " أن طالبان متحدة ولها زعيم واحد وهدف واحد وسياسة واحدة ولا أعرف لماذا يتحدثون عن طالبان المعتدلة وماذا يعني ذلك".

زيادة القوات في أفغانستان ليست الخيار الأمثل

وتُعد الحرب الأميركية في أفغانستان وتأزم الوضع الأميركي هناك واحدة من أكثر الملفات تعقيدًا التي ورثتها إدارة أوباما عن إدارة سلفه بوش، لاسيما مع سيادة الاعتقاد بأن إدارة بوش أهملت الملف الأفغاني مقابل الاهتمام بالملف العراقي. وفي هذا السياق تشهد العاصمة الأميركية جدلاً واسع النطاق حول السبيل الأمثل للخروج الأميركي من المأزق الأفغانستاني. فعلى الرغم من الاتفاق الأميركي على ضرورة زيادة عدد القوات الأميركية العاملة في أفغانستان والذي تم تدشينه مع قرار أوباما بإرسال 17 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان، لا يزال هناك جدل واسع النطاق حول جدوى هذه الخطوة وضرورة أن تقترن بخطوات أخرى لتحقيق أي نجاح فعلي.

حان وقت التغيير

في مقالتهما المعنونة بـ"دليل عملياتي لمواجهة العصيان: نسخة أفغانستان، والمنشور على موقع مجلة السياسة الخارجية بعدد يناير/فبراير 2009، يقدم ناثانيال فيك وجون ناجل، الباحثان بمركز الأمن الأميركي الجديد ، تلخيصًا لأهم عيوب الأداء العسكري الأميركي في حرب أفغانستان على مدار السنوات الخمس الماضية، والتي يجملانها في: الاندفاع الاستراتيجي، التكتيكات المتضاربة، وانخفاض عدد القوات. ويستنتجان من ذلك أن الوقت قد حان لاستبدالها باستراتيجية أكثر عدوانية وإبداعًا يمكنها إنقاذ أفغانستان من حافة الهاوية.

ويرشحان تبني نسخة خاصة بأفغانستان من الدليل العملياتي للجيش الأميركي، الذي وضعه الجنرال دافيد بيتريوس لمواجهة العصيان، وتبنى هذا الدليل استراتيجية تقوم على مجموعة من الأسس البسيطة إلا أنها راديكالية في الوقت ذاته وهي: الاهتمام بحماية المدنيين أكثر من الاهتمام بقتل العدو، افتراض ووجود قدر كبير من المخاطرة، استخدام الحد الأدنى وليس الأقصى من القوة.

ويشير الكاتبان إلى أن هذه الاستراتيجية قد شكلت الانفراجة وبداية النجاح الذي تشهده الساحة العراقية على مدار الأشهر الثمانية عشر الماضية، لاسيما وأنها نجحت بشكل واضح في تحسين الوضع الأمني هناك. وهناك ما يشبه الاتفاق على أمرين لتطبيق هذه الاستراتيجية في أفغانستان هما: زيادة القوات، والرغبة في الحديث والتفاوض مع بعض إن لم يكن كل الجماعات المعارضة لوجود قوات التحالف في أفغانستان.

معوقات نجاح السياسة الأميركية في أفغانستان

ويشير الكاتبان في مقالتهما إلى عدد من المعوقات التي كانت بمثابة حجر عسرة لنجاح السياسة الأميركية في أفغانستان. ويجمل الكاتبان تلك المعوقات في معوقين أساسيين، أولهما الاعتقاد الأميركي أن المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان ـ والتي تعد المقر الرئيس لتنظيم القاعدة، إلى جانب فلول طالبان ـ لا يمكن السيطرة عليها لاسيما وأنها منطقة جبلية وعرة.

ولتفنيد هذا المعوق يقولان: إن غياب حكومة مركزية على النمط الغربي لا يعني غياب الحكومة بشكل كامل، فقبائل الباشتون على طول هذه الحدود لديها تاريخ عريق من التنظيم الديني والهياكل القبلية والاجتماعية وسبل الحكم وحل النزاعات. ويمكن القول: إن عدم الاستقرار الذي تشهده هذه المنطقة هو النتيجة المباشرة للمحاولات العالمية المتكررة لتفكيك هذه الهياكل، ومن ثم ترك هذه المناطق للجماعات المتطرفة لتملأ الفراغ بها، أي إنه من الممكن إعادة الاستقرار للمنطقة من خلال إعادة تمكين القيادات القبلية والمحلية في هذه المنطقة من ممارسة دورها.

أما المعوق الثاني فيتمثل في الاعتقاد الأميركي بأن الأفغان ليست لديهم الرغبة في التخلص من قوات التحالف كما كان حالهم مع القوات البريطانية ثم السوفيتية. فغالبية الأفغان يتوقون للتخلص من وجود قوات طالبان في قراهم، إلا أنهم يكرهون فكرة عدم وجود قوات تحل محل قوات طالبان بعد خروجها، كما أنهم عاجزون عن فهم عدم قدرة قوات التحالف على تقديم الخدمات الأساسية لهم. أي أن الأفغان ليسوا كارهين للوجود الغربي إلا أنهم محبطون من العجز الغربي.

بدائل لإنجاح السياسة الأميركية

واستنادًا إلى ذلك يؤكد الكاتبان على ضرورة اتباع القوات الأميركية بعض المفاهيم الأساسية الواردة في دليل الجنرال بيتريوس لاستراتيجية مواجهة العصيان، ومن النصائح التي يقدمانها في هذا الصدد:

أولاً: التركيز على التنمية في مقابل العمليات العسكرية، فأفغانستان من أفقر بلدان العالم وأقلها تقدمًا، و قد يكون الأمن مهمًّا، إلا أن التنمية هي العنصر الوحيد الذي يمكنه أن يضمن سلامًا دائمًا. فالتنمية ستخلق الأمن من خلال زيادة ثقة الناس في حكومتهم وتوفير بديل لطالبان موثوق فيه. وتكتسب إعادة بناء الطرق أهمية خاصة في إطار أية خطط تنموية يجب تبنيها في أفغانستان. فكما يقول القادة العسكريون الأميركيون تبدأ قوات طالبان في الظهور حالما ينتهي الطريق.

ثانيًا: ضرورة تعاون القوات العاملة في أفغانستان مع القوات الأمنية الأفغانية في تحقيق الأمان، إذ تعد هذه هي الطريقة الوحيدة لفصل العدو عن المدنيين. وعلى الرغم من أن التواجد الدائم للقوات الأميركية بين المدنيين قد يؤدي إلى تزايد أعداد الضحايا من القوات الأميركية، إلا أنها الطريقة الفعالة الوحيدة لحماية السكان كما أنها ستجعل القوات أكثر أمانًا على المدى الطويل. وينطبق ذلك أيضًا على المدنيين الأميركيين العاملين في أفغانستان لاسيما أعضاء البعثة الدبلوماسية والممنوعين تقريبًا من التجول في أرجاء كابول بمفردهم.

ثالثًا: بناء قوات أمن أفغانية قوية وحكومة فغانية يمكن الوثوق بهما، فهي أفضل استراتيجية للخروج، ففي حقيقة الأمر لن تبقى الولايات المتحدة وحلفاؤها في أفغانستان إلى ما لانهاية.وفي هذا السياق يرى الكاتبان أن الجهود الأميركية الحالية تتسم بعدم الوضوح. فحكومة الرئيس حامد كرزاي يعتريها الفساد فضلاً عن صلتها بتهريب المخدرات، لكن توجه كرزاي لاستبدال بعض الوزراء فضلاً عن الانتخابات المزمع عقدها هذا العام تعد مؤشرات على أنه يمكن لهذه الحكومة أن تتحسن بحيث تصبح أحد عوامل فعالية السياسة الأميركية في أفغانستان.

رابعًا: تقليل الاعتماد على القوة العسكرية، ففي عام 2007 وصل عدد عمليات القصف "العنيف" التي قامت بها قوات التحالف إلى 3.572 عملية، سقط على إثرها عدد كبير من المدنيين الذين لم يكونوا مستهدفين أساسًا، وقد أدى سقوط كل فرد من هؤلاء الضحايا إلى تقليل شرعية الحكومة الأفغانية فضلاً عن إضفاء المصداقية على ما تبثه الآلة الدعائية لأعداء الولايات المتحدة لاسيما طالبان. ومن المتوقع إذا ما التزمت القوات الأميركية باستخدام قدر أقل من القوة، فسوف يقل لجوء المقاومين للعنف.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف