جدل في تونس حول "أخلاقيات المهنة" الصحفية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إسماعيل دبارة من تونس: تسود حالة من التوتّر الشديد أروقة نقابة الصحافيين التونسيين للأسبوع الثالث على التوالي بعد "المؤتمر الصحافيّ الساخن" الذي عقد يوم الرابع من مايو /أيار الجاري وقدمت خلاله قيادة النقابة تقريرا جريئا عن واقع الحريات الصحافية في تونس.
وشهد المؤتمر الصحافيّ عراكا و تشابكا بالأيدي بين عدد من الصحافيين التونسيين بعضهم محسوب على الحزب الحاكم ، إلا أنّ مقطع الفيديو الذي بثته بعض الفضائيات والمواقع الالكترونيّة للصحافيّ كمال بن يونس وهو يهمّ بالاعتداء على نقيب الصحافيين ومحاولة عدد من زملائه منعه من الإقدام على ذلك ، خلف وقعا كبيرا في صفوف أهل المهنة حول "الانتهاكات" التي بات يتعرّض لها ميثاق الشرف الصحافيّ في تونس.
ثلاثة من أعضاء المكتب التنفيذي للنقابة استقالوا من مناصبهم احتجاجا على التقرير الذي تقدّمت به نقابتهم في حين تشير بعض التسريبات إلى قرب استقالة رابعة ما يعني واستنادا إلى القانون الداخليّ للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين حلّ المكتب التنفيذي الحالي والدعوة إلى مؤتمر استثنائي في مدّة لا تتجاوز 60 يوما من تاريخ الاستقالة الرابعة.
وندّد المستقيلون وهم مقربون أو منخرطون في "التجمع الدستوريّ الديمقراطي "الحاكم بالتقرير الذي عرضته النقابة و تحدثت فيه عن انتهاكات تستهدف الصحافيين في تونس شكلا ومضمونا و اعتبروه متضمّنا لـ"مبالغة شديدة ومقاربة سوداوية لواقع الحريات الصحافية في البلاد وأنه كان من الأجدر في هذا التقرير إعطاء صورة أفضل للحريات الصحافية" وهو ما يرفضه الشقّ الآخر المستقلّ داخل النقابة ممن ينادون باستقلال الهيكل الذي تأسس في العام 2007 عن كل الأطراف.
من جهته رفض ناجي البغوري نقيب الصحافيين التونسيين مطالب الاستقالة التي تقدّم بها ثلاثة من المكتب التنفيذي لما سماها "عدم جدية ما ورد بها من مبررات وإحالتها على أول جلسة عامة باعتبارها أعلى سلطة بين مؤتمرين للحسم فيها"، كما اعلن البغوري في بيان له "إفقاد الزميل كمال بن يونس رئيس لجنة أخلاقيات المهنة عضويته في النقابة لخرقه أخلاقيات المهنة وميثاق شرفها بمحاولته الاعتداء بالعنف على رئيس النقابة، وذلك عملا بأحكام الفصل 11 من القانون الأساسي، الفقرة الرابعة، والتزاما بقرار المكتب التنفيذي المنعقد يوم 4 ماي 2009 والقاضي، بإجماع كافة أعضاء المكتب، بإحالته على المكتب وضرورة تحميله مسؤولية تصرفه".
الصحافي توفيق العياشي عضو النقابة الوطنية للصحافيين قال في تصريحات لإيلاف إنّ مجموعة من الصحافيين تجمعهم غاية وحيدة وهي ضرب ثقة الصحافيين بنقابتهم تسبّبوا في ما آلت إليه أوضاع النقابة.
و تساءل عياشي عن الجدوى من محاولات البعض تسويق ما حدث يوم 4 أيار على انه يعكس أزمة أخلاق لدى عموم الصحافيين في تونس في حين أن الحقيقة عكس ذلك ومن يقول بذلك لا يعلم تفاصيل المشهد وطبيعة الصراع داخل الهيكل المهني لصحافيي تونس".
وتحدث عما سماه "مخططا كاملا يهدف إلى الإطاحة بمجموعة "المستقلين" داخل المكتب التنفيذي للنقابة" ، و اعتبر المفارقة التي جدّت لما حاول رئيس لجنة "أخلاقيات المهنة" كمال بن يونس الاعتداء على نقيب الصحافيين جعلت من أحداث يوم 4 مايو تجد صدى لها و أسى لدى عموم الصحافيين على اعتبار أن الزميل بن يونس هو صحافي ذو أقدمية في الميدان و يدرّس في معهد الصحافة وعلوم الإخبار وهذا دليل على ما يمكن أن يؤدي إليه الارتهان السياسي و المصلحي" على حدّ تعبيره.
أما الصحافي المستقلّ بسّام بونني فيقول لإيلاف:" الإشكال الحقيقي أن من يسيّر المشهد الإعلامي في تونس لم يتغير. حين رفض بعض الشرفاء توجيه برقية مساندة للرئيس بن علي في انتخابات 1994 باسم جمعية الصحافيين التونسيين، دفعوا الثمن باهظا. سبب المشكل ليس التقرير بل هي تصفية حسابات مع إدارة نقابة تريد أن تقطع مع برقيات التهنئة والمناشدة للحكومة والتي عهدناها في السابق."
ويتابع بونني:"بث الفيديو هي حرية التعبير ذاتها. التعاسة أن يسوّق البعض نفسه على أساس أنه مستقل ويشتم وسائل الإعلام التي بنت تقاريرها على الفيديو. والفيديو لا يكذب. عموما، أحمق هو من يتصور أن التونسيين أو العالم لا يعرف ما يحدث في بلادنا. كفى لهذا التعامل الغبي مع المعلومة. الآن، نعلم كلنا ما يحصل في حق زملائنا من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب.كيف ننتظر موقفا مشرفا من بعض صحافيين قضوا ما يقرب النصف قرن في التنكيل بالمستقلين وتزوير الانتخابات وشتم الصحفيين المحترمين وتنظيم حملات قذف في حق المدافعين عن حقوق الإنسان والعمل كبُوق غوغائي للنظام الحاكم. كنت أنتظر بعد سحب عضوية البعض، سحب أيضا صفة "صحافي" لأن الصحافة مثل الدين، تدين به أو تكفر به وهؤلاء هم كفرة الصحافة ولا يستحقون صفة "الصحفي" لأنها مهنة شريفة.لا يمكن أن يخرج حادث 4 ماي عن السياق العام في البلاد. هذا يعكس عدم قبول النظام ورجاله الموزعين في كل مكان لسماع آراء مخالفة".
ويدور الجدل الان داخل النقابة حول إمكانية استقالة عضو رابع من المكتب التنفيذي وهو ما سيعجل إمكانية عقد مؤتمر استثنائيّ يراه متابعون "انقلابا" على القيادة الحالية التي شهدت أوساط محلية ودولية بشفافية المناخ الذي دارت فيه عملية انتخابها.لكنّ الخلاف الذي اشتدّ بين محسوبين على الحزب الحاكم صلب النقابة و بعض المستقلين لم يعد خافيا.
إذ شنت عدة صحف مقرّبة من الحكومة في الأيام الأخيرة هجوما لاذعا عبر أعمدتها على النقابة وقيادتها التي لم تستقل بعد و شككت في استقلاليتها وربطت بين تقريرها بمناسبة اليوم العالمي لحريّة الصحافة وأجندة بعض أحزاب المعارضة الراديكالية.
ويقول توفيق العياشيّ "مخطط البعض للانقلاب على النقابة و شرعيتها لا يزال متواصلا من خلال عمليات الترهيب التي تنتهجها إدارات بعض المؤسسات الإعلامية - بتعليمات من وزارة الاتصال - على الصحافيين من أجل التوقيع على عريضة سحب الثقة ضدّ رئيس النقابة الحالي الزميل ناجي البغوري لكن هذه الطريقة جوبهت بإرادة راقية من قبل عدد كبير من الصحافيين خاصة الشبان منهم للمحافظة على القيادة الحالية الشرعية والمنتخبة".
ويختم قائلا:"الوقت الراهن يقتضي تطهير الجسم الإعلامي من الدخلاء و أصحاب المصالح الذين لا يمتون بصلة للصحافة".