أوباما يعيد إكتشاف الدبلوماسية العامة لأميركا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: أثار وصول الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما لسدة الحكم في الولايات المتحدة التفاؤل لدى غالبية الأوساط السياسية والأكاديمية في العالم؛ لما نادى به من ضرورة العمل على توطيد أواصر العلاقات بين مختلف الدول عبر منهج دبلوماسي منظم يقوم على الحوار وتبادل وجهات النظر بهدف التوصل لأفضل نتائج. وتدعيماً لهذا الاتجاه بدأ أوباما بالقيام بعدد من الزيارات لمختلف عواصم العالم لاسيما الإسلامي بدأها بتركيا وعزمه زيارة المملكة العربية السعودية والعاصمة المصرية في الرابع من يونيه من العام الجاري.
وفى إطار تفسير مدى جدوى هذا المنهج الدبلوماسي الجديد أصدر مركز الدراسات الدولية والإقليمية ، بجامعة جورج تاون ، دراسة بعنوان "الدبلوماسية الأميركية العامة ما بعد فترة رئاسة بوش"، للكاتب "سينتيا شيندر" ، كمحاولة جادة لتدشين مرحلة جديدة في تاريخ الولايات المتحدة تهدف لتحسين وضعها ومكانتها العالمية التي كانت قد تشوهت نتيجة نهج إدارة بوش القائم على عنصر القوة كأساس لحل المشكلات الدولية.
تقوم تلك الدراسة على فرضية مفادها أن الولايات المتحدة الأميركية قد فقدت مكانتها وتدهورت صورتها في العالم كدولة تسعى لحماية قيم ومبادئ عالمية مما أثر بشكل ملحوظ على نفوذها على المسرح الدولي، وبالتالي عليها اللجوء إلى مصادر وأساليب أخرى غير القوة التي أثبتت أنها غير قادرة على نشر القيم العالمية، كما أثبتت فشلها في إيجاد حلول مرضية للمشكلات الدولية المختلفة. وفى هذا الإطار يقترح كاتب ضرورة تبني ما أسماه " الدبلوماسية العامة".
الدبلوماسية العامة بين الأفعال والأقوال
وفى إطار الحديث عن الدبلوماسية العامة كأداة لاستعادة المكانة الدولية للولايات المتحدة، تؤكد الدراسة على ضرورة قيام أوباما بعميلة دمج بين الأفعال والأقوال كدولة كبرى تسعى لنشر مبادئ وقيم عالمية، وليس فقط الاكتفاء بالأقوال فقط. ولهذا يؤكد الكاتب على ضرورة القيام بأفعال تدعم وتساند ما تنادى به من مبادئ كنشر الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان لاسيما إغلاق معتقل غوان تنامو الذي يمثل أحد معاقل انتهاك حقوق الإنسان.
وفى مستهل تحليلها أكدت الدراسة على أن الدبلوماسية العامة لا تعني بالضرورة فرض الولايات المتحدة سياستها على الآخرين أو إقناعهم بها بل هي عبارة عن عملية ثنائية الاتجاه بين الولايات المتحدة والآخرين لا تقوم على التلقين فحسب وإنما على الاستماع والاحترام والمتبادل بين الأطراف المعنية وذلك بهدف إيجاد رؤية أكثر وضوحًا.
كما أن نجاح الدبلوماسية العامة وفقًا للكاتب يتوقف بالأساس على مدى قيام الولايات المتحدة بتوسيع أو إعادة تعريف دورها على المسرح الدولي بحيث لا يقتصر فقط على المناحي السياسية كشئون المعاهدات والعلاقات الدولية بل يمتد ليشمل مجالات أخرى كالإعلام والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والتعليم. وبالتالي ينظر الكاتب إلى الدبلوماسية العامة بمفهومها الواسع ويعرفها على أنها كل الوسائل التي تستطيع الدولة استخدامها بهدف تقديم رؤيتها الخاصة للعالم.
شروط نجاح الدبلوماسية العامة
أما عن كيفية استغلال الإمكانات المتاحة، تشير الدراسة إلى ضرورة استخدم الولايات المتحدة ما تملكه من مقومات مثل: قدرتها على استيعاب التنوع الاجتماعي، زيادة الفرص في المجتمع، حرية الرأي والتعبير، الجدارة الاجتماعية أو المجتمع القائم على الجدارة والمنافسة ، في التأثير على الدولة المضيفة. ذلك علمًا بأهمية حسن اختيار الوسيلة أو الأداة المناسبة في كل حالة أو دولة على حدة والتي تتفق ومصالح الدولة الأخرى، فما قد يفلح البعض قد لا يصلح مع البعض الآخر.
ترصد الدراسة عدة عوامل لابد من توافرها حتى تنجح الدبلوماسية العامة في تحقيق أهدافها المرجوة، يأتي في مقدمتها مايلى؛ أولاً: أن تقدم الخبرات والمساعدات للدول الأخرى في إطار تبادلي يقوم على الاحترام ويتمثل في فتح قنوات بين الدبلوماسيين الأميركيين والدولة المضيفة لهم على أن يكون ذلك في إطار استراتيجية طويلة المدى تهدف لإقامة علاقات قوية فيما بينهم تسهم في تحقيق مزيد من التعاون بين الطرفين. ثانيًا: يجب أن تتسم الدبلوماسية العامة بقدر كبير من المرونة في اختيار بين البدائل المتاحة والإبداع من حيث إيجاد حلول للمشكلات التي قد تنشأ من جراء استخدامها لتلك البدائل.
العلوم والتكنولوجيا كأحد أدوات الدبلوماسية العامة
أكدت استطلاعات الرأي وفقًا للدراسة على أن مجالي العلوم والتكنولوجيا في الولايات المتحدة هما الأكثر جاذبية بالنسبة للسكان العالم لاسيما في منطقة الشرق الأوسط مما يعطي الولايات المتحدة ميزة نسبية في حالة استخدامهما لتحقيق أهدافها باعتبارها أحد أهم أدوات الدبلوماسية العامة، وبالتالي ينتقد الكاتب عدم تقديم الولايات المتحدة مساعداتها في هذين المجالين، كما ينادي بضرورة الاهتمام بالقطاع الخاص فيما يتعلق بتقديم المساعدات التنموية وعدم قصرها على الدعم الحكومي فقط.
وتأسيسًا على ذلك، تؤكد الدراسة على ضرورة استخدام العلوم والتكنولوجيا استخدامًا استراتجيًّا وذلك من خلال تكثيف الولايات المتحدة من مساعداتها في هذين المجالين اللذين يؤثران بشكل ملحوظ في المنظومة التعليمية لتلك البلدان مما يعطيهم القدرة على التوصل لحلول جذرية لمشكلاتهم المجتمعية بدلاً من محاولة حلها بصورة مباشرة.
العالم الإسلامي من المنظور الأميركي
يأخذ الكاتب في تلك الدراسة بالمفهوم الواسع للعالم الإسلامي والذي لا يقصر الإسلام على الدول العربية فقط وإنما المسلمين في شتى مناحي المعمورة بما فيها بعض مناطق قارة آسيا وحتى المسلمين الموجودين في الولايات المتحدة ذاتها.
وفى محاولة لمعرفة الأسباب الحقيقة وراء الخلاف بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة، تؤكد الدراسة وفقًا لاستطلاعات الرأي الصادرة عن معهد جالوب لقياسات الرأي العام العالمي، على أن غياب الاحترام والتفاهم هما وراء كراهية المسلمين للولايات المتحدة وليس كما يظن البعض الحرب على العراق أو الإمبريالية الأميركية أو حتى قضية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وبالتالي تجيب نتائج تلك الاستطلاعات على التساؤل الأميركي الهام والأكثر إلحاحًا وهو " لماذا يكرهوننا؟". وعلى الصعيد الآخر، تؤكد الاستطلاعات السابقة عدم معرفة الشعب الأميركي كثيرًا عن العالم الإسلامي حتى يستطيع الحكم عليه بصورة واضحة.
من هنا يؤكد الكاتب، على أهمية ذلك الدور الذي من الممكن أن تقوم به الدبلوماسية العامة بخاصة العنصر الثقافي منها العادة تشكيل المنظومة الفكرية والثقافية للعالم الإسلامي مما يؤدي لتغير رؤيتها تجاه الولايات المتحدة.
إشكالية الثقافة في الولايات المتحدة
بما أن الدراسة قد أكدت على أهمية الثقافة كأحد أكثر أدوات الدبلوماسية العامة تأثيرًا، كشف الكاتب النقاب عن أن المشكلة الحقيقة وراء عدم نجاحها حتى الآن يرجع إلى أن الثقافة في الولايات المتحدة لا تلقى أي دعم حكومي وتتمتع باستقلالية تامة، حيث يتولى إدارتها القطاع الخاص وبالتالي فهي تعبر عن رؤية من يملكها وليس رؤية الدولة.
وفى إطار محاولة حل تلك الإشكالية، يؤكد الكاتب على ضرورة استثمار مزيدٍ من الأموال العامة والحكومية في توزيع وتسويق المنتجات الثقافية الأميركية كبرامج والأفلام الموجودة بالفعل والتي تتفق مع الرؤية التي تريد الولايات المتحدة نشرها وليس صناعة منتجات جديدة.
ولتحقيق مزيدٍ من النجاح، ينصح الكاتب ساسة الإدارة الأميركية بتقديم دعم أكبر لكل من يسهم في نشر الوعي الثقافي والقيم العالمية في أي مكان في العالم لاسيما الممثلين، المفكرين، الأدباء، والقيادات المثقفة، ذلك تقديرًا لدورهم الهام في تحقيق أهداف الولايات المتحدة وخاصة في إنشاء مجتمعات منفتحة تتمتع بقدر لا بأس به من حرية الرأي والتعبير.
هل يخاطر أوباما بأمن أميركا؟
قضى نائب الرئيس الأميركي الأسبق "ديك تشيني" أسبوعًا كاملاً متنقلاً بين وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الأميركية، مدافعًا عن الإدارة الأميركية السابقة ـ إدارة بوش الابن ـ وسياساتها التي انتهجتها طوال الثماني سنوات المنصرمة، خاصة تلك المرتبطة بقضايا الأمن القومي والإرهاب. بالإضافة إلى تبريره الحروب التي خاضتها الإدارة في أفغانستان (أكتوبر 2001) والعراق (مارس 2003)، والدفاع عن لجوء إدارة الرئيس الأسبق "جورج دبليو بوش" إلى استخدام أساليب ـ وصفها كثيرون داخل أميركا وخارجها بأنها أساليب تعذيب قاسية ـ في التحقيق مع المعتقلين.
جاءت هذه التحركات نتيجة مجموعة السياسات والقرارات التي اتخذها أوباما للتعامل مع قضية الحرب على الإرهاب من قبيل إغلاق معتقل غوان تنامو. وقد أثارت تلك القرارات والسياسات حفيظة كثيرٍ من الجمهوريين وعلى رأسهم "تشيني" وكثير من الديمقراطيين، الذين دفعوا بأن من شأن هذه الإجراءات أن تجعل أميركا أقل أمنًا.
وفي المقابل كان اتخاذ أوباما لعدد من القرارات العكسية للاتجاه الذي أعلنه منذ وصوله للبيت الأبيض مخيبة لآمال كثيرٍ من أصدقائه والمؤيدين له من التيار الليبرالي. حيث أبقى "أوباما" على عدد من الإجراءات والسياسات التي اعتمدتها الإدارة السابقة، والتي قوضت مساحة الحريات والحقوق المدنية، بحجة أن مثل هذه الإجراءات والسياسات حاسمة في مدى نجاح أو فشل المواجهة الأميركية مع الإرهاب.
أوباما يخطب ود الأميركيين
في ظل المواجهة بين الرئيس الأميركي الجديد "باراك أوباما" ونائب الرئيس الأسبق "ديك تشيني" أعد كل من سكوت ويلسون ومايكل إيه فليتشر تقريرًا لصحيفة الواشنطن بوست، تناولا فيه هذه المواجهة، مؤكدين أنها أعطت قضايا الأمن القومي زخمًا كبيرًا، لم تحظ به حتى أثناء احتدام المنافسة بين المرشحين لمنصب الرئاسة الأميركية خلال العام الماضي.
وتعليقًا على الخطاب الذي ألقاه "أوباما" كرد فعل على الحملة التي قادها الجمهوريون على سياساته الخاصة بالأمن القومي، أكد الكاتبان أن "أوباما" كان يهدف إلى إقناع الرأي العام الأميركي والديمقراطيين المتمردين بأن الانصياع الكامل لحكم القانون، والمرتبط بالاحترام الكبير للحقوق والحريات الأساسية، هو الأسلوب الأمثل لتتمكن الولايات المتحدة الأميركية من هزيمة أعدائها، بالرغم من أنه ـ كما يقول التقرير - قد أقر بعض الأساليب والسياسات التي اعتمدتها الإدارة السابقة في التعامل مع قضايا الإرهاب.
وبالإضافة إلي ذلك فإن هذا الخطاب كان بمثابة محاولة من جانب أوباما من أجل استعادة زمام المبادرة من جديد في التعامل مع قضايا الأمن القومي، والتي أثبتت نجاحًا كبيرًا في التعامل معها في الفترة الأولى من وجوده في البيت الأبيض، خاصة بعدما أمر بإغلاق معتقل غوانتنامو في كوبا في خلال عام، ومطالبته عملاء وكالة المخابرات الأميركية المركزية (CIA) بالتقيد بالقواعد القانونية أثناء التحقيق مع المعتقلين، حتى لا يتم مرة أخرى استخدام بعض وسائل التعذيب التي استخدمتها الإدارة الأميركية السابقة في التحقيق مع المتهمين في قضايا الإرهاب.
ولفت التقرير الانتباه إلى أن هذه الإجراءات وُجهت في الفترة الأخيرة بغضب وتمرد كبيرين، سواء من الجانب الجمهوري أو حتى داخل الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس. فخلال الأسبوع الماضي رفض مجلس الشيوخ الذي يُسيطر عليه الديمقراطيون منح أوباما التمويل اللازم، حتى يستطيع تنفيذ رؤيته المتعلقة بإغلاق معتقل غوان تنامو.
أوباما وجهًا لوجه مع الكونغرس
وفي السياق ذاته استضاف برنامج - الذي يذاع على شبكة فوكس نيوز ويقدمه الإعلامي كريس والاس - اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ، هما السيناتور الجمهوري جون كايل والسيناتور الديمقراطي بن نيلسون. بدأ والاس بالحديث عن الأمور التي يحتاج إليها الرئيس الأميركي أوباما من أجل إقناع أعضاء الكونغرس الذين رفضوا تمويل خطته لإغلاق معتقل غوان تنامو بوجهة نظره، حتى يوافقوا على رؤيته المتعلقة بالسماح لبعض المعتقلين داخل قاعدة غوانتنامو - بعد أن يتم إغلاقه - بالتواجد داخل الولايات المتحدة، واحتجازهم داخل أحد السجون الفيدرالية الأميركية.
وردًّا على هذه التساؤلات أكد السيناتور الجمهوري كايل أنه ليس هناك أي شيء يمكن أن يفعله أوباما لإقناع أعضاء الكونغرس الأميركي بهذا الأمر، حيث اعتبر أن احتجاز هؤلاء الإرهابيين داخل الولايات المتحدة هو ضد القوانين الأميركية، وهو أمر لا يمكن السماح به في أي حال من الأحوال، حيث شدد على أنه من الأفضل بالنسبة للولايات المتحدة أن يبقى هؤلاء بعيدين عن الأراضي الأميركية.
كما أن معتقل غوان تنامو لا توجد به أي مشاكل خاصة بتواجد هؤلاء المعتقلين داخله، وهذا الأمر أكد عليه مدير المباحث الفيدرالية الأميركية مولر في شهادته الأخيرة أمام الكونغرس، ولكنه في الوقت ذاته حذر من أن المشاكل سوف تحدث، إذا سمح لهؤلاء الأشخاص بالتواجد على الأراضي الأميركية.
أما السيناتور الديمقراطي نيلسون فقد أكد على ضرورة أن يكون لدى الرئيس الأميركي خطة شاملة ومتكاملة حول هذا الأمر، وهذا يقتضي أن تتم التفرقة بين الإرهابيين الذين ارتكبوا أعمالاً إرهابية ضد المواطنين الأميركيين على الأراضي الأميركية، وثبتت عليهم هذه التهم من ناحية، وبين الذين ما يزالون قيد التحقيق والمحاكمة من قبل السلطات الأميركية من ناحية أخرى.
وهذه المحاكمات - كما يشير نيلسون - يمكن أن تتم في أي مكان، وإن كان هو يفضل أن تتم بعيدًا عن الأراضي الأميركية، ولذلك أكد على ضرورة عمل الترتيبات اللازمة والتنسيق مع الدول التي ينتمي إليها هؤلاء المعتقلون، فهذه الدول عليها أيضًا أن تتحمل مسئولياتها في هذا الشأن، فهم مواطنون ينتمون إلى هذه البلدان.
وعن إمكانية أن يتم بالفعل إغلاق معتقل غوان تنامو بحلول يناير القادم دون حسم جميع الأمور المتعلقة بهذا الأمر، من قبيل تحدي مصير هؤلاء المعتقلين وأين سيذهبون، في هذا الشأن أشار كايل Kyl إلى أن أوباما يمكن أن يتخذ قرارًا غبيًّا - على حد وصف السيناتور - بغلق المعتقل، دون أن يحدد على وجه الدقة كيفية التعامل مع هؤلاء المعتقلين هناك، وهذا سوف يمثل مشكلة كبيرة له أمام الرأي العام الأميركي، الذي أكد في استطلاع للرأي أجرته فوكس نيوز أن 55% من المواطنين الأميركيين يرفضون أن يتواجد هؤلاء المعتقلون على الأراضي الأميركية، في مقابل 37% يقبلون بمثل هذا الأمر.
وعلى هذا الأساس أشار كايل إلى أن ساحة الكونغرس سوف تشهد في الفترة القادمة مشروع قانون سيقدمه أحد أعضاء الحزب الديمقراطي، يطالب فيه بإبقاء معتقل غوان تنامو مفتوحًا، طالما يخضع لقواعد الإشراف والمراقبة من جانب المنظمات الدولية ذات الشأن، وهذا ما دفع كايل إلى رفض فكرة إنشاء سجن جديد ليحتجز فيه هؤلاء المعتقلون داخل الولايات المتحدة، طالما أن معتقل غوانتنامو موجود، ويمكن أن يؤدي المهمة المطلوبة منه طبقًا للأسس والقواعد المتعارف عليها.
أما السيناتور نيلسون فقد أكد على ضرورة أن يتم إغلاق المعتقل بحلول مطلع العام القادم، وهذا الأمر لم يكن خاصًّا فقط برغبة الرئيس باراك أوباما، ولكن كل من السيناتور الجمهوري جون ماكين، والرئيس الأميركي السابق قبل رحيله عن البيت الأبيض، ووزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، جميعهم طالبوا بإغلاق معتقل غوانتنامو، مؤكدًا على ضرورة - سواء تم الإغلاق أم لم يتم - وجود خطة شاملة حول كيف تسوية كافة الأمر المتعلقة بهذا المعتقل، خاصة مصير المحتجزين فيه، علاوة على التنسيق مع البلدان التي ينتمي إليها هؤلاء.
من يحقق المعادلة الصعبة
أما عن الخلاف الذي ثار خلال الأيام القليلة الماضية بين كل من الرئيس باراك أوباما ونائب الرئيس الأسبق ديك تشيني، والذي عبر عنه تشيني بقوة في خطاب له حول الأمن القومي الأميركي في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما، ألقاه في معهد أميركان إنتربرايز ، فقد تساءل والاس عن أيهما يمتلك الرؤية الأكثر توازنا؟ والتي تحقق المعادلة الصعبة بين الحفاظ على أمن الولايات المتحدة الأميركية من جانب، والمحافظة على القيم والحريات الأميركية من جانب آخر.
فمن جانبه أكد نيلسون أن كليهما - بدرجة أو بأخرى - يمتلك هذه الرؤية، فأيٌّ منهم لا يريد أن يرى الولايات المتحدة تتعرض لهجوم جديد مثل ذلك الذي حدث في يوم الحادي عشر من سبتمبر، مضيفًا أن الرئيس الأميركي أثناء حملته الانتخابية للرئاسة أكد هو ومنافسه الجمهوري آنذاك السيناتور جون ماكين على ضرورة وقف استخدام أساليب التعذيب القاسية، خاصة أسلوب الإيهام بالغرق، وهو ما يعني ضمنًا أن القرار بوقف استخدام مثل هذه الأساليب كان قد اتخذ قبل نوفمبر الماضي. وأضاف نيلسون إلى أن ما تحتاجه الولايات المتحدة في الوقت الحالي هو أن يتم التأكد من صحة ودقة المعلومات التي تقوم وكالات المخابرات بجمعها.
أما السيناتور كايل فقد أكد على صحة موقف نائب الرئيس الأسبق تشيني، وتأييده الكامل لكل ما جاء في خطابه، مؤكدًا من ناحية أولى أن وسائل التعذيب هذه كانت إدارة بوش قد أوقفت استخدام كثيرٍ منها منذ سنوات مضت، ومن ناحية ثانية أن هذه الوسائل لم تكن تستخدم مع جميع المعتقلين، بل كان يتم استخدامها مع قلة معينة ، كما أن استخدام هذه الوسائل ليس بمثابة جريمة من ناحية ثالثة، فقد اعتبرها كايل وسائل دستورية لا تخالف أي معاهدة وهذا من الناحية القانونية. أما من الناحية الواقعية فقد أسهمت هذه الوسائل في إنقاذ حياة كثيرٍ من الأرواح لأنها ساعدت المحققين على التوصل إلى معلومات حول هجمات محتملة ضد المدنيين.
وأضاف كايل أن الادعاءات التي أكد فيها أوباما أن وجود معتقل غوانتنامو سيكون سببًا رئيسًا في تفريخ مزيد من الإرهابيين، الذين سيهددون أمن الولايات المتحدة الأميركية، ليس صحيحًا على الإطلاق، حيث أشار إلى أن هؤلاء الإرهابيين وجدوا قبل أن يتم إنشاء معتقل غوانتنامو، لذلك فمن الخطأ - طبقًا لما أورده كايل - الربط بين وجود المعتقل والإرهاب، كم أن القول بأن هناك كثيرًا من الأخطاء قد وقعت داخل المعتقل لم يكن صحيحًا أيضًا، فلم تتجاهل الولايات المتحدة القيم والأخلاقيات التي تؤمن بها في تعاملها مع هؤلاء المحتجزين.