نقاش حاد حول علاقة أوباما بالكونغرس وموافقته على شن الحروب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: تشهد الولايات المتحدة الأميركية الآن لحظة تاريخية مثيرة تدور حول إعادة النظر في مفهوم إعلان الحرب وصلاحياته. بعبارة أخرى يُسيطر على الساحة الأميركية نقاش جِديًّ حول إشكالية العلاقة بين الرئيس الأميركي بصفته رئيس السلطة التنفيذية، والكونغرس الأميركي الذي يعبر عن السلطة التشريعية والمخول بالموافقة على أي حرب قبل شنها، وخاصة في ظل تربص الأجواء لشن حرب أخرى، وانتظار رئيس جديد قد يُعنى بمحاولات وجهود أخرى للتعدي على سلطات الكونغرس الدستورية في إعلان الحروب.
ومن ثم يُعنى هذا التقرير بعرض الجدل الذي يدور حول قانون الحرب الأميركية من المنظور الدستوري، وهو ما تم طرحه خلال لجنة الاستماع التي عقدتها اللجنة الفرعية للمنظمات الدولية وحقوق الإنسان، والتي حملت عنوان "صلاحيات الحرب للقرن الواحد والعشرين: المنظور الدستوري". وبحثت الجلسة تساؤلا رئيسًا تمحور حول ما إذا كانت هناك حاجة لإحداث تغيير في الثقافة الدستورية الأميركية، وأن يكون هناك قناعة لدى غالبية الأعضاء بالتزاماتهم؛ لكونهم شركاء مع الرئيس في أكثر قرارات الأمة مصيرية، وهو قرار الذهاب للحرب؟، أم أن هناك حاجة للتغيير في العملية ذاتها، بالتأكيد على أن يقوم الكونغرس بمسئولياته الدستورية؟.
الجدل والنقاش بشأن سلطات وصلاحيات الحرب مابين السلطة التنفيذية وسلطة الكونغرس ليس موضوعا نظريًّا أكاديميًّا وإنما هو موضوع يخضع للواقع. ومن المهم للغاية الآن أكثر من أي وقت مضى في تاريخ هذه الأمة أن ندخل في نقاش حول تلك القضية.
السياق التاريخي لإعلان الحرب في الدستور الأميركي
عهد الآباء الأولون للدستور الأميركي بقرار إعلان الحرب للكونغرس، سواء أكانت صراعات عسكرية كبرى، أم مناوشات صغيرة أم حروبًا قصيرة، باستثناء واحد هو أن الرئيس يُمكنه استخدام القوة استجابة للهجوم المفاجئ. ويرجع ذلك لأسباب رئيسة منها: رغبة واضعي الدستور في خلق معوقات لخوض الحرب من خلال مراجعة العقول المستقلة، إلى جانب حالة الشك بشأن منح السلطة التنفيذية سلطة صنع قرار الذهاب للحرب بمفردها، ومنها أيضًا رغبتهم في توفير مشاركة ديمقراطية موسعة بشأن قرار بدء الحرب والذي يتطلب موافقة الهيئة التشريعية.
ويستطيع الكونغرس، دستوريا أن يقيد قيام الرئيس بـ "هجوم مضاد" لفترة محددة، بالإضافة إلي منعه من الاستجابة للتهديدات باستخدام الأسلحة النووية. وتسمح قيادة الرئيس الأميركي للقوة المسلحة من الهجوم المضاد في إطار الدفاع الذاتي، والذي يكون مستقلا عن سلطات الكونغرس عندما يكون صامتًا، ولكن دون تجاهل القيود الإيجابية التي يسنها الكونغرس.
قانون الحرب
ظهرت الحاجة لسن قانون الحرب نتيجة لأحداث الحرب في فيتنام؛ بهدف جعل سلطة قرار التورط في الحرب سلطة مشتركة بين الرئيس والكونغرس. غير أن الرؤساء الأميركيين دستوريًا تحدوا هذا القانون. وفي هذا الصدد يرى إدوين دي ويليامسون. ، أنه منذ الأيام الأولى لنشأة الولايات المتحدة الأميركية، وهناك توافق عام على وجود ثلاث قواعد يُمكن للرئيس من خلالها اتخاذ قرار فردي باستخدام القوات المسلحة. تدور تلك القواعد حول إنهاء حالة العصيان المسلح، وحماية المواطنين، ومواجهة أي هجوم مباشر أو وشيك على الأراضي الأميركية. وتأسيسًا على ذلك اعتاد الرئيس استخدام القوة دون موافقة الكونغرس المسبقة أكثر من 200 مرة. ويتفق إدوين Edwin مع هذه الرؤية فهو يؤمن بأن أي رئيس يُمكنه أن يستخدم القوة ضد أي تهديد للمصالح القومية للولايات المتحدة الأميركية والحيوية. وأنه رغم الإجماع بشأن تغيير سلطات الكونغرس من صنع الحرب لإعلان الحرب ، إلا أن للرئيس سلطة استخدام القوة على الأقل في بعض حالات الدفاع (والمختلف عليها). غير أن التاريخ أوضح حكمة أن يحصل الرئيس على الدعم السياسي من الكونغرس عند استخدام قوات أكبر.
وفي هذا السياق أوضح ميشيل جيه. غليننون أحد المشاركين في لجنة الاستماع بأن الحديث عن عدم دستورية القانون يدور بشكل رئيس حول ثلاث نقاط، وهي: فترة الـ60 يوم الموجودة في القسم الخامس (ب) ، حق النقض التشريعي للقسم 5(ج) ، وقاعدة البيان الواضح قسم 8(أ) (أ) (1). وقد أوضحها كالتالي:
القيود بشأن الـ60 يوم: يحدد الكونغرس فترة تمتد لـ60 يومًا لاستخدام القوات المسلحة كما هو مشروط في (قسم 5 "ب") من القانون مع إعطاء الرئيس مرونة؛ لأن يمد هذه الفترة لأكثر من 30 يومًا أخرى في قضايا الضرورة العسكرية الملحة. ونتيجة ذلك وضع عبء على الرئيس لإقناع الكونغرس باستمرار الحاجة لاستخدام القوات المسلحة في الخارج. ويرى ميشيل أن فترة الـ60 يومًا دستورية، فالكونغرس يستطيع أن يُنظم ممارسة الرئيس لسلطاته بفرض قيود من خلال سن التشريعات.
هذا في حين رأى جولز لوبل، أن القانون لا يفرض قيودًا ثابتة فعالة على السلطة التنفيذية لبدء الحرب، فالرئيس يمكن أن يدخل في حرب أحادية في 60 يومًا رغم أن الدستور يشترط أن يوفر الكونغرس سلطة سابقة لبدء الحرب غير الدفاعية، ليس خلال الـ60 يومًا بعد بدء الحرب، كما أن التاريخ قد أثبت صعوبة وضع حد للحرب عندما تبدأ.
الفيتو التشريعي: وقد أشار ميشيل إلى أن (قسم 5 "ج") من القانون الذي يسمح للكونغرس سن قرار متزامن يُجبر الرئيس على سحب القوات المسلحة، غير أن الأخذ بقرار متزامن يمكن أن لا يكون له أثر ملزم في فرض الانسحاب، ومن ثَّمَ فإن مثل هذا القرار قد لا يُوفي بغرض وضع سلطات الرئيس في أقل درجاتها. في حين رأى جولز أن قانون الحرب فشل في توفير آلية ملائمة لإنفاذ هذا المبدأ الأساسي. ففي القسم 5(ج) يتطلب أن يضع الرئيس حدًا لأي استخدام لقوات الولايات المتحدة الأميركية في العداءات بعد 60 يومًا، وذلك إذا لم يعلن الكونغرس بصورة إيجابية الحرب، أو تم إثبات عدم بداية الحرب. ورغم ذلك يتجاهل الرؤساء الأمر، والكونغرس لا يُبدي اهتمامًا كافيًا في فرض ذلك، كما ترى المحاكم أنه إذا لم يقم الكونغرس بشيءٍ، لماذا عليها هي أن تفعل، فالكونغرس لديه سلسلة واسعة من السلطات التشريعية تُمَكِّنْهُ من إيقاف الرئيس عن اتخاذ مثل هذا القرار (قرار الحرب)، فيُمكنه أن يسن تشريعًا يمنع استخدام قوات الولايات المتحدة الأميركية، كما أنه يُمكن أن يقطع تمويل استمرار الحرب.
على جانب آخر يرى بروس فيين ، أن الدستور اختص الكونغرس بشكل خاص بقرار إعلان بدء الحرب. لكن في إطار حكم المحكمة العليا في INS V. Chada عام 1983، يمكن ألا يستخدم الكونغرس حق النقض التشريعي المخول له لسحب القوات الأميركية، كما تم السعي له في قرار سلطات الحرب لعام 1973 في قسم 5 (ج). غير أنه في الممارسة لم يشن أي رئيس الحرب دون موافقة واضحة أو ضمنية من جانب الكونغرس. ويرجع ذلك للقوة التي يستمدها الكونغرس من تخصيص الأموال التي تؤكد أنه دون موافقة إيجابية من جانب الكونغرس لا قيمة لسلطة الرئيس. ومن ثم يرى أنه سيكون الأمر دستوريًا إذا منع الكونغرس الرئيس من إنفاق أي أموال في الهجوم على القوات الإيرانية، بما يشمل تفجير منشآتها النووية.
كذلك يتفق بروس مع إمكانية أن يقوم الكونغرس بتمرير قرار متزامن يُوضح إدراكه لانتهاك الرئيس حدود الإنفاق التي حددها الكونغرس في عمليات القتال. وأنه لابد أن يعامل الانتهاك كجريمة تقصير كبرى وجنحة تُبرر محاكمة الرئيس وإدانته بالكونغرس وطرده من الرئاسة.
كذلك القاعدة 8("أ""1" )، بشأن الجدل حول دستورية القسم 8(أ)(1) والذي يمكن أن يمتد إلى قسم 8(أ)(2)، بشأن المعاهدات. فأولاً: عندما لا يستطيع الكونغرس إلزام كونغرس آخر، أو أن يكون سَنُّ تشريع واحد جديد كافيًّا لإلغاء أي قانون يمرره الكونغرس السابق عليه، ومن ثم لا يستطيع أعضاء الهيئة التشريعية الجدد الالتزام بالسياسات القديمة. يعني ذلك أن يبقى الكونغرس حرًا لأن يسمح باستخدام القوة ضمنيًا.
ثانيًا: يمكن أن يسمح باستخدام القوة دستوريًا من خلال تشريعات ملائمة وقوانين أخرى ضمنية. ومن هنا يتيح قسم 8(أ)(1) أن يعطي الكونغرس دستوريًا تفويضًا بالحرب.
بينما رأى لويس فيشر ، أن القانون يتضمن عديدًا من المتناقضات، فرغم أن قسم 2(أ) من القانون يتحدث عن أن الغرضَ من القرار الملحق كان يضمن أن الحكم الجماعي لكل من الكونغرس والرئيس سيطبق، بينما في قسم 2 تظهر حماية القيم الدستورية. فبالنسبة لقسم 2(ج) يمكن أن تُمارس سلطات الحرب الرئاسية فقط نتيجة لـ: 1- إعلان الحرب، 2- تفويض تشريعي محدد، أو 3- طوارئ وطنية بسبب هجوم على الولايات المتحدة الأميركية، سواء على أراضيها أم ممتلكاتها، أم قواتها المسلحة. وعلى الرغم من ذلك يقوم قسم 4 و5 بالعكس، حيث يسمحا للرئيس ببدء العمليات العسكرية لـ60 يومًا دون الرجوع للكونغرس.
ضرورة إعادة النظر في قانون صلاحيات الحرب
يمكن القول: إنَّ هناك شبه إجماع حول ضرورة إعادة النظر في اختصاصات قانون الحرب. وفي هذا الإطار أشار جولز أن قانون H. R. Res. 53 يُعد خطوة كبيرة في هذا الصدد، إلا أنه أورد بعض الملاحظات. فأشار إلى أن القسم 3 المتعلق بتعديل قانون اختصاصات الحرب الدستورية عام 2007 والذي ألزم أن بدء الحرب من جانب القوات المسلحة يحدث فقط عندما يكون هناك تفويض من الكونغرس، أو في حال الرد على هجوم مسلح على الولايات المتحدة الأميركية أو على قواتها ومواطنيها الموجودين بالخارج. غير أن الصيغة المستخدمة في قسم3(أ)،(3) و(4) التي تعطي للرئيس سلطة استخدام القوة ـ إلى حد الضرورة ـ للرد على مثل هذا الهجوم. رغم أن القصد المحتمل منها هو الحد من استخدام الرئيس للقوات المسلحة، إلا أن جملة ـ إلى حد الضرورةـ تبدو مبهمة، ويمكن قراءتها من جانب رؤساء المستقبل مبررًا للاستخدام المسبق للقوة كضرورة للرد أو منع شن هجوم مستقبلي على الولايات المتحدة أو قواتها. ومن ثم رأى جولز إحلال هذه الصياغة بأخرى وهي " للرد على الهجوم المسلح أو هجوم وشيك وليس هناك وقت متاح للرئيس للحصول على تفويض الكونغرس"، وإلغاء 3(ب) التي تخول للرئيس اتخاذ أفعال ضرورية ومناسبة في مثل هذه الأحداث.
على الجانب الآخر يرى لويس أن مشروع القانون H. J. Res. 53 هو فرصة لتصحيح عيوب قانون الحرب، وذلك لمحاولته دعم المبادئ التي تتوافق مع القيم الدستورية الأميركية والحكومة الممثلة، والقيم الديمقراطية. ومع ذلك فهو يُقدم بعض الملاحظات على مشروع القرار المعلق.
فرغم تقديره للفقرة الفرعية 2 و3 والتي يحتمل أن يقصد منها تحديد دور الرئيس والكونغرس. فقد أكدت الفقرة الفرعية 3 "الاستخدام المستمر للقوات المسلحة في الحرب في النهاية يتطلب سيطرة متواصلة وإشرافًا." هذا صحيح، لكن كلمة في النهاية تضع الرئيس في موضع السائق حتى يتدخل الكونغرس في وقت آخر. كما أن كلمة سيطرة تتجاهل سلطة الكونغرس الهامة والمتساوية للسيطرة من خلال مشاريع قوانين تفويضية.
ومن هذا المنطلق فهو يرى تغيير هذه الصيغة واستبدالها بالآتي:
"الفقرة الفرعية (2) الرئيس القائد لتأكيد الأولوية المدنية والجهد المشترك و(3) الكونغرس هو فرع الحكومة الذي يقرر تحول البلد من حالة سلام للحرب وهو مسئول في كل الأوقات عن مراقبة غرض ونطاق القوة العسكرية".
على الجانب الآخر اعتبر بروس أن قرار H.J.Res.53 الذي كفله رجل الكونغرس والتز جونس هو الإطار الدستوري والحكيم لممارسة سلطات القوة. وهو يؤيد التفويض الدستوري للرئيس للرد على الهجمات المفاجئة بما يسمى الحروب الاستباقية باسم منع الهجوم، وذلك حتى لو منع الكونغرس التمويل لهذا الغرض بصورة واضحة، فالعالم انكمش جغرافيًّا، وكذلك الوقت من خلال التقدم التكنولوجي. وعلى الكونغرس أن يتكيف مع هذه المتغيرات بتفويض الرئيس ودعمه في الحرب الاستباقية، حتى لا تتعرض الأمة لتكرار أحداث الحادي عشر من سبتمبر.