هل يخاطر أوباما بأمن أميركا؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
جاءت هذه التحركات نتيجة مجموعة السياسات والقرارات التي اتخذها أوباما للتعامل مع قضية الحرب على الإرهاب من قبيل إغلاق معتقل جوانتنامو. وقد أثارت تلك القرارات والسياسات حفيظة كثيرٍ من الجمهوريين وعلى رأسهم "تشيني" وكثير من الديمقراطيين، الذين دفعوا بأن من شأن هذه الإجراءات أن تجعل أميركا أقل أمنًا.
وفي المقابل كان اتخاذ أوباما لعدد من القرارات العكسية للاتجاه الذي أعلنه منذ وصوله للبيت الأبيض مخيبة لآمال كثيرٍ من أصدقائه والمؤيدين له من التيار الليبرالي. حيث أبقى "أوباما" على عدد من الإجراءات والسياسات التي اعتمدتها الإدارة السابقة، والتي قوضت مساحة الحريات والحقوق المدنية، بحجة أن مثل هذه الإجراءات والسياسات حاسمة في مدى نجاح أو فشل المواجهة الأميركية مع الإرهاب.
أوباما يخطب ود الأميركيين
في ظل المواجهة بين الرئيس الأميركي الجديد "باراك أوباما" ونائب الرئيس الأسبق "ديك تشيني" أعد كل من سكوت ويلسون Scott Wilson ومايكل إيه فليتشر Michael A. Fletcher تقريرًا لصحيفة الواشنطن بوست، تناولا فيه هذه المواجهة، مؤكدين أنها أعطت قضايا الأمن القومي زخمًا كبيرًا، لم تحظ به حتى أثناء احتدام المنافسة بين المرشحين لمنصب الرئاسة الأميركية خلال العام الماضي.
وتعليقًا على الخطاب الذي ألقاه "أوباما" كرد فعل على الحملة التي قادها الجمهوريون على سياساته الخاصة بالأمن القومي، أكد الكاتبان أن "أوباما" كان يهدف إلى إقناع الرأي العام الأميركي والديمقراطيين المتمردين بأن الانصياع الكامل لحكم القانون، والمرتبط بالاحترام الكبير للحقوق والحريات الأساسية، هو الأسلوب الأمثل لتتمكن الولايات المتحدة الأميركية من هزيمة أعدائها، بالرغم من أنه ـ كما يقول التقرير - قد أقر بعض الأساليب والسياسات التي اعتمدتها الإدارة السابقة في التعامل مع قضايا الإرهاب.
وبالإضافة إلي ذلك فإن هذا الخطاب كان بمثابة محاولة من جانب أوباما من أجل استعادة زمام المبادرة من جديد في التعامل مع قضايا الأمن القومي، والتي أثبتت نجاحًا كبيرًا في التعامل معها في الفترة الأولى من وجوده في البيت الأبيض، خاصة بعدما أمر بإغلاق معتقل جوانتنامو في كوبا في خلال عام، ومطالبته عملاء وكالة المخابرات الأميركية المركزية (CIA) بالتقيد بالقواعد القانونية أثناء التحقيق مع المعتقلين، حتى لا يتم مرة أخرى استخدام بعض وسائل التعذيب التي استخدمتها الإدارة الأميركية السابقة في التحقيق مع المتهمين في قضايا الإرهاب.
ولفت التقرير الانتباه إلى أن هذه الإجراءات وُجهت في الفترة الأخيرة بغضب وتمرد كبيرين، سواء من الجانب الجمهوري أو حتى داخل الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس. فخلال الأسبوع الماضي رفض مجلس الشيوخ الذي يُسيطر عليه الديمقراطيون منح أوباما التمويل اللازم، حتى يستطيع تنفيذ رؤيته المتعلقة بإغلاق معتقل جوانتنامو.
أوباما وجهًا لوجه مع الكونجرس
وفي السياق ذاته استضاف برنامج FOX News Sunday - الذي يذاع على شبكة فوكس نيوز ويقدمه الإعلامي كريس والاس Chris Wallace - اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ، هما السيناتور الجمهوري جون كايل Jon والسيناتور الديمقراطي بن نيلسون Ben Nelson. بدأ والاس Wallace بالحديث عن الأمور التي يحتاج إليها الرئيس الأميركي أوباما من أجل إقناع أعضاء الكونجرس الذين رفضوا تمويل خطته لإغلاق معتقل جوانتنامو بوجهة نظره، حتى يوافقوا على رؤيته المتعلقة بالسماح لبعض المعتقلين داخل قاعدة جوانتنامو - بعد أن يتم إغلاقه - بالتواجد داخل الولايات المتحدة، واحتجازهم داخل أحد السجون الفيدرالية الأميركية.
وردًّا على هذه التساؤلات أكد السيناتور الجمهوري كايل أنه ليس هناك أي شيء يمكن أن يفعله أوباما لإقناع أعضاء الكونجرس الأميركي بهذا الأمر، حيث اعتبر أن احتجاز هؤلاء الإرهابيين داخل الولايات المتحدة هو ضد القوانين الأميركية، وهو أمر لا يمكن السماح به في أي حال من الأحوال، حيث شدد على أنه من الأفضل بالنسبة للولايات المتحدة أن يبقى هؤلاء بعيدين عن الأراضي الأميركية.
كما أن معتقل جوانتنامو لا توجد به أي مشاكل خاصة بتواجد هؤلاء المعتقلين داخله، وهذا الأمر أكد عليه مدير المباحث الفيدرالية الأميركية مولر Mueller في شهادته الأخيرة أمام الكونجرس، ولكنه في الوقت ذاته حذر من أن المشاكل سوف تحدث، إذا سمح لهؤلاء الأشخاص بالتواجد على الأراضي الأميركية.
أما السيناتور الديمقراطي نيلسون Nelson فقد أكد على ضرورة أن يكون لدى الرئيس الأميركي خطة شاملة ومتكاملة حول هذا الأمر، وهذا يقتضي أن تتم التفرقة بين الإرهابيين الذين ارتكبوا أعمالاً إرهابية ضد المواطنين الأميركيين على الأراضي الأميركية، وثبتت عليهم هذه التهم من ناحية، وبين الذين ما يزالون قيد التحقيق والمحاكمة من قبل السلطات الأميركية من ناحية أخرى.
وهذه المحاكمات - كما يشير نيلسون Nelson - يمكن أن تتم في أي مكان، وإن كان هو يفضل أن تتم بعيدًا عن الأراضي الأميركية، ولذلك أكد على ضرورة عمل الترتيبات اللازمة والتنسيق مع الدول التي ينتمي إليها هؤلاء المعتقلون، فهذه الدول عليها أيضًا أن تتحمل مسئولياتها في هذا الشأن، فهم مواطنون ينتمون إلى هذه البلدان.
وعن إمكانية أن يتم بالفعل إغلاق معتقل جوانتنامو بحلول يناير القادم دون حسم جميع الأمور المتعلقة بهذا الأمر، من قبيل تحدي مصير هؤلاء المعتقلين وأين سيذهبون، في هذا الشأن أشار كايل إلى أن أوباما يمكن أن يتخذ قرارًا غبيًّا - على حد وصف السيناتور - بغلق المعتقل، دون أن يحدد على وجه الدقة كيفية التعامل مع هؤلاء المعتقلين هناك، وهذا سوف يمثل مشكلة كبيرة له أمام الرأي العام الأميركي، الذي أكد في استطلاع للرأي أجرته فوكس نيوز أن 55% من المواطنين الأميركيين يرفضون أن يتواجد هؤلاء المعتقلون على الأراضي الأميركية، في مقابل 37% يقبلون بمثل هذا الأمر.
وعلى هذا الأساس أشار كايل إلى أن ساحة الكونجرس سوف تشهد في الفترة القادمة مشروع قانون سيقدمه أحد أعضاء الحزب الديمقراطي، يطالب فيه بإبقاء معتقل جوانتنامو مفتوحًا، طالما يخضع لقواعد الإشراف والمراقبة من جانب المنظمات الدولية ذات الشأن، وهذا ما دفع كايل إلى رفض فكرة إنشاء سجن جديد ليحتجز فيه هؤلاء المعتقلون داخل الولايات المتحدة، طالما أن معتقل جوانتنامو موجود، ويمكن أن يؤدي المهمة المطلوبة منه طبقًا للأسس والقواعد المتعارف عليها.
أما السيناتور نيلسون Nelson فقد أكد على ضرورة أن يتم إغلاق المعتقل بحلول مطلع العام القادم، وهذا الأمر لم يكن خاصًّا فقط برغبة الرئيس باراك أوباما، ولكن كل من السيناتور الجمهوري جون ماكين، والرئيس الأميركي السابق قبل رحيله عن البيت الأبيض، ووزير الدفاع الأميركي روبرت جيتس، جميعهم طالبوا بإغلاق معتقل جوانتنامو، مؤكدًا على ضرورة - سواء تم الإغلاق أم لم يتم - وجود خطة شاملة حول كيف تسوية كافة الأمر المتعلقة بهذا المعتقل، خاصة مصير المحتجزين فيه، علاوة على التنسيق مع البلدان التي ينتمي إليها هؤلاء.
من يحقق المعادلة الصعبة
أما عن الخلاف الذي ثار خلال الأيام القليلة الماضية بين كل من الرئيس باراك أوباما ونائب الرئيس الأسبق ديك تشيني، والذي عبر عنه تشيني بقوة في خطاب له حول الأمن القومي الأميركي في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما، ألقاه في معهد أميركان إنتربرايز American Enterprise Institute ، فقد تساءل والاس Wallace عن أيهما يمتلك الرؤية الأكثر توازنا؟ والتي تحقق المعادلة الصعبة بين الحفاظ على أمن الولايات المتحدة الأميركية من جانب، والمحافظة على القيم والحريات الأميركية من جانب آخر.
فمن جانبه أكد نيلسون Nelson أن كليهما - بدرجة أو بأخرى - يمتلك هذه الرؤية، فأيٌّ منهم لا يريد أن يرى الولايات المتحدة تتعرض لهجوم جديد مثل ذلك الذي حدث في يوم الحادي عشر من سبتمبر، مضيفًا أن الرئيس الأميركي أثناء حملته الانتخابية للرئاسة أكد هو ومنافسه الجمهوري آنذاك السيناتور جون ماكين على ضرورة وقف استخدام أساليب التعذيب القاسية، خاصة أسلوب الإيهام بالغرق waterboarding، وهو ما يعني ضمنًا أن القرار بوقف استخدام مثل هذه الأساليب كان قد اتخذ قبل نوفمبر الماضي. وأضاف نيلسون إلى أن ما تحتاجه الولايات المتحدة في الوقت الحالي هو أن يتم التأكد من صحة ودقة المعلومات التي تقوم وكالات المخابرات بجمعها.
أما السيناتور كايل فقد أكد على صحة موقف نائب الرئيس الأسبق تشيني، وتأييده الكامل لكل ما جاء في خطابه، مؤكدًا من ناحية أولى أن وسائل التعذيب هذه كانت إدارة بوش قد أوقفت استخدام كثيرٍ منها منذ سنوات مضت، ومن ناحية ثانية أن هذه الوسائل لم تكن تستخدم مع جميع المعتقلين، بل كان يتم استخدامها مع قلة معينة ، كما أن استخدام هذه الوسائل ليس بمثابة جريمة من ناحية ثالثة، فقد اعتبرها كايل وسائل دستورية لا تخالف أي معاهدة وهذا من الناحية القانونية. أما من الناحية الواقعية فقد أسهمت هذه الوسائل في إنقاذ حياة كثيرٍ من الأرواح لأنها ساعدت المحققين على التوصل إلى معلومات حول هجمات محتملة ضد المدنيين.
وأضاف كايل أن الادعاءات التي أكد فيها أوباما أن وجود معتقل جوانتنامو سيكون سببًا رئيسًا في تفريخ مزيد من الإرهابيين، الذين سيهددون أمن الولايات المتحدة الأميركية، ليس صحيحًا على الإطلاق، حيث أشار إلى أن هؤلاء الإرهابيين وجدوا قبل أن يتم إنشاء معتقل جوانتنامو، لذلك فمن الخطأ - طبقًا لما أورده كايل - الربط بين وجود المعتقل والإرهاب، كم أن القول بأن هناك كثيرًا من الأخطاء قد وقعت داخل المعتقل لم يكن صحيحًا أيضًا، فلم تتجاهل الولايات المتحدة القيم والأخلاقيات التي تؤمن بها في تعاملها مع هؤلاء المحتجزين.