لوس أنجلوس تايمز تفتح النار على فكر أوباما
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: جاء الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة واضعًا في إعتباره مجموعة من الدروس المستفادة التي كشفت عنها سياسات سلفه السابق جورج دبليو بوش، والتي أدت إلى تدهور علاقات الولايات المتحدة بكثيرٍ من الدول والقوى المؤثرة على الساحة الدولية، مما أثر كثيرًا على قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على مصالحها الحيوية، لذلك كان من المهم بالنسبة للرئيس الجديد أن يستعيد مساحة النفوذ والتأثير التي فقدتها الولايات المتحدة الأميركية نتيجة هذه السياسات الخاطئة - في مجملها - من جانب سلفه.
وكانت أولى مساحات النفوذ التي اندفع الرئيس الأميركي - بقوة - إلى استعادتها، هي تلك التي فقدتها واشنطن في دول العالم الإسلامي، نتيجة لعوامل كثيرة - ليس هنا مجال للخوض فيها - لذلك حاول أوباما منذ يومه الأول في الرئاسة إعادة تأسيس العلاقة مع العالم الإسلامي على أسس وقواعد جديدة، وتحسين صورة الولايات المتحدة لدى الشعوب الإسلامية، بتأكيده على أن العلاقة معهم يجب أن تقوم على الاحترام والمصالح المتبادلة.
وبعد الرسائل المتعددة التي وجهها أوباما إلى العالم الإسلامي ـ منذ توليه الرئاسة - اختار أوباما جامعة القاهرة في قلب العاصمة المصرية، من أجل أن تكون منبرًا جديدًا له يؤكد من عليه رسالته التي أعلن عنها من قبل إلى الشعوب الإسلامية.
وقد حظيت تحركات أوباما في هذا الشأن باهتمام كبير من جانب وسائل الإعلام الأميركية والمتخصصين في هذا الشأن، حيث أثارت هذه الممارسات كثيرًا من علامات الاستفهام حول قدرة أوباما على أن يأتي بجديد في التعامل مع العالم الإسلامي؟ وماذا يحتاج لينجح في مهمته؟ والمدى الذي يمكن أن يصل إليه في هذا الشأن؟
أوباما والحاجة إلى فكرة كبرى
فمن جانبها نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز تقريرًا أعده روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، استهله الكاتب بالتأكيد على أن أوباما وإن كان حتى الآن قد أعطى انطباعًا جيدًا عن رؤيته للمسلمين والعالم الإسلامي من خلال عدد من التحركات والتصريحات التي أدلى بها منذ توليه منصب الرئاسة، إلا أن هذه التحركات ما تزال بعيدة كل البعد عن طرح رؤية واضحة حول ما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي خلال المرحلة القادمة.
وأكد ساتلوف أن خطابه من القاهرة وبالتحديد من واحدة من أعرق الجامعات في المنطقة جامعة القاهرة ليس الأول الذي يتوجه به أوباما إلى العالم الإسلامي، فقد فعل هذا الأمر على الأقل ثلاث مرات من قبل، ولذلك فإن أوباما مطالب بأن يقدم فكرة كبرى تمثل جوهر السياسات الأميركية تجاه العالمين العربي والإسلامي خلال الفترة القادمة، وليس مجرد كلام عام لن يقدم أو يؤخر.
بوش ملك فكرة كبرى
ومن ناحية أخرى أشار ساتلوف إلى أنه على الرغم من الأخطاء الكثيرة التي ارتكبتها الإدارة الأميركية السابقة برئاسة جورج دبليو بوش، إلا أنه كان يمتلك بالفعل رؤية لمشروع وفكرة كبرى، تدور حول أن الإسلام الراديكالي المتطرف - الذي تحمل رايته جماعات العنف في العالم الإسلامي، والأوتوقراطية القمعية التي تتسم بها نظم الحكم في العالمين العربي والإسلامي، قد أدتا إلى تخريب بنية المجتمعات في هذه البلاد، ومن ثم فإن الحل - كما طرحته الإدارة الأميركية في هذا الوقت- هو نشر الديمقراطية وما يرتبط بها من قيم في هذه البلاد.
ولم يكتف الرئيس بوش وإدارته بطرح هذا الكلام المرسل عن الديمقراطية وضرورتها لشعوب العالمين العربي والإسلامي، بل تمت ترجمة هذه الفكرة إلى مجموعة من السياسات والإجراءات تجاه نظم الحكم والمجتمعات في المنطقة، هذه السياسات أدت إلى وجود حكومة منتخبة في العراق، تقودها الأغلبية الشيعية في البلاد، كما تابعت الإدارة الأميركية الانتخابات التي تمت في مصر وفلسطين ولبنان، وحاولت دائمًا التأكيد على ضرورة أن تتم في أجواء من الشفافية والنزاهة، وقدمت عددًا من المبادرات لإصلاح الأوضاع في المنطقة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، البعض منها - كما يشير الباحث - نجحت فيما كانت ترمي إلى تحقيقه، والبعض الآخر فشل في إدراك الهدف المنشود منها، وبقطع النظر عن هذا الفشل فإن ساتلوف أكد أن المهم هو أن كل هذه السياسات والإجراءات كانت تنبثق من الرؤية الكبرى التي طرحها الرئيس بوش للتعامل الأميركي مع المنطقة.
اقتراب أوبامي جديد
ويلفت ساتلوف الانتباه إلى أنه عندما جاء أوباما إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة طرح اقترابًا جديدًا للتعامل مع البلاد العربية والإسلامية حكومة وشعوبًا، وصفه بأنه اقتراب مضاد لما كان يطرحه الرئيس السابق بوش، يقوم هذا الاقتراب على أربع محاور الأساسية:
المحور الأول ينطلق من رفض مبدأ الرئيس بوش الذي طرحه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والذي يؤكد على "من ليس معنا فهو ضدنا"، وطرح أوباما بدلاً منه مقولة "الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة"، هذه الصياغة الفضفاضة التي أتت بها العبارة تركت المساحة لنقاش كبير وانطباع برجماتي للإدارة الجديدة حول سياساتها تجاه العالمين العربي والإسلامي، وأن السياسة هي طريق ذي اتجاهين دائمًا وليست ذات اتجاه واحد.
أما المحور الثاني يقوم على أنه لا يجب الاستمرار في رؤية العالم من خلال عدسة أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لذلك أخبر أوباما البرلمان التركي أن علاقات الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي لا يمكن أن يكون أساسها العداء للإسلام.
ويقوم المحور الثالث على أن سياسة الولايات المتحدة القائمة على وضع الدول المناوئة لها، وتمثل معضلة لها ولمصالحها في المنطقة ضمن دول محور الشر، واعتمادًا على ذلك تم فرض العزلة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية على هذه الدول، هي سياسة غير مجدية، ولذلك طرح اقترابًا جديدًا يقوم على إمكانية الحوار مع هذه الدول بدون أي شروط مسبقة.
ثم يأتي المحور الرابع ليؤكد خطأ سياسة الرئيس الأميركي بوش في التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث أكد بوش وإدارته أن التوصل إلى حل لهذا الصراع يتوقف على مدى تقدم الفلسطينيين على طريق تحقيق الديمقراطية والإصلاح، ولكن أوباما أكد منذ مجيئه إلى البيت الأبيض أنه عاد إلى طرح الحلول التقليدية للصراع، والتي تدور حول تطوير مجموعة من الحلول الدبلوماسية للقضية مثل التأكيد على عملية السلام، دون أن يتطرق بصورة مباشرة وواضحة إلى انتقاد ديناميات عمل النظام الداخلي في السلطة الفلسطينية.
ساتلوف عارض اختيار القاهرة
وينتقل ساتلوف إلى تحليل هذه المحاور التي تمثل جوهر السياسة الأوبامية في مواجهة سياسة بوش، حيث أكد أن هذه المحاور لا تمثل في مجموعها تلك الفكرة الكبيرة والمشروع التي يحتاج إليها أوباما في اقترابه من العالمين العربي والإسلامي، خاصة إذا نظرنا إلى سقف التوقعات الكبير الذي صاحب اختياره للقاهرة لتكون منبره الجديد للحديث مع العالم الإسلامي.
لذلك يطرح حقيقتين اصطدم بهما أوباما حينما اختار العاصمة المصرية ليلقي منها خطابه، الحقيقة الأولى أنه دائمًا ما يستخدم لفظ " العالم الإسلامي" للإشارة إلى هذا الطيف الواسع من دول العالم الإسلامي، هذا المصطلح - كما يشير ساتلوف - يتلقاه عديد من المسلمين بصورة سلبية، لأن هذا اللفظ غالبًا ما تستخدمه الجماعات الراديكالية وتنظيم القاعدة، فهو بصورة ضمنية يشير إلى أن المسلمين لديهم ولاءات متعدية لحدود دولهم القومية ومجتمعاتهم المحلية، لصالح ما يطلق عليه العالم الإسلامي.
أما الحقيقة الثانية فهي اختياره لعاصمة دولة عربية - وهى القاهرة وبالتحديد جامعة القاهرة، وليس أي مكان آخر، مما أعطى انطباعًا لبقية شعوب العالم الإسلامي غير العربية أن أميركا فقط تراهم من خلال عدسة الشعوب العربية الإسلامية - الذين يمثلون أقل من ربع سكان شعوب العالم الإسلامي - وليس أي عدسة أخرى.
وينتهي ساتلوف إلى أن نجاح أوباما للاقتراب من عالم المسلمين يقتضي بالضرورة إعادة صياغة الاستراتيجية الأميركية تجاه عديدٍ من الملفات، فهو في حاجة إلى اقتراب جديد للتعامل مع مناطق الحروب في العراق وأفغانستان، والدول الضعيفة الهشة مثل اليمن ونيجيريا وباكستان، واقتراب آخر من أجل التعامل مع القوى الإقليمية الهامة مثل تركيا ومصر وإندونيسيا.
رؤية ختامية
وبعد هذا العرض لمقالة ساتلوف يمكن القول: إن اختيار أوباما للقاهرة كمنبر لتوجيه رسالته إلى العالم الإسلامي أثار كثيرًا من الضجة الإعلامية الكبيرة خاصة في وسائل الإعلام المصرية والعربية، التي أكدت أن هذا الخطاب سوف يمثل نقطة تحول مفصلية في تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة ودول العالم الإسلامي، وقد تناولت هذه المنابر الإعلامية الموضوع وما يمكن أن يتناوله الخطاب بسطحية شديدة - ناهيك عن المبالغة الشديدة في تناول مغزى اختيار القاهرة لهذه المهمة - واعتقدت هذه المنابر أن الرئيس الأميركي الجديد يمكن أن يحدث تغييرًا جوهريًّا في سياسات وممارسات الولايات المتحدة تجاه العالم الإسلامي، متناسية عددًا من العوامل المهمة التي لا يجب أن يتم إغفالها في هذا السياق.
أولاً:جاء اختيار الأميركيين للمرشح الديمقراطي باراك أوباما ليمثل لحظة تاريخية في مسيرة التطور السياسي للمجتمع الأميركي، ليس فقط لأن أوباما هو أول رئيس أميركي من أصول إفريقية وينحدر من عائلة لها جذور إسلامية، ولكن أيضًا بسبب الأحوال المحيطة التي جاء فيها، سواء على مستوى السياسة الخارجية الأميركية، أو على المستوى الداخلي حيث لحظة الأزمة التي تعيشها الولايات المتحدة نتيجة التأثيرات شديدة السلبية للازمة الاقتصادية على الاقتصاد الأميركي. كل هذه الأحوال أعطت للرئيس الأميركي مساحة حركة كبيرة من أجل تنفيذ عدد من السياسات التي من شأنها أن تخرج الولايات المتحدة الأميركية من حالة الأزمة التي تعيشها داخليًّا أو خارجيًّاً.
ولكن حركة أوباما سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي ما تزال محكومة بالعوامل المؤسسية التي تمثل جوهر النظام الديمقراطي عامة والنظام الديمقراطي الأميركي خاصة، الذي يقوم على مبدأ غاية في الأهمية وهو، فكل فرع من فروع الحكومة في الولايات المتحدة (التنفيذية - التشريعية - القضائية) يمكن أن يمارس دورًا رقابيًّا على عمل المؤسسات الأخرى، لذلك فان أوباما لا يمكن أن يذهب بعيدًا عن رغبة واتجاهات المؤسسات الأخرى خاصة الكونجرس الأميركي، ويبرز إلى السطح هنا رفض مجلس الشيوخ الأميركي - ذو الأغلبية الديمقراطية - خلال الفترة الماضية تمويل خطة الرئيس لإغلاق معتقل جوانتنامو.
فكل ما يمكن أن يفعله أوباما خاصة على المدى القصير - في تعامله مع دول العالم الإسلامي خاصة ودول العالم عامة - هو تغيير في تكتيكات وأدوات إدارة السياسة الخارجية الأميركية، بالابتعاد عن آليات القوة الصلدة، التي جعلتها إدارة بوش وسيلتها الأساسية في التعامل مع كثيرٍ من المعضلات الدولية، والاعتماد على آليات التدخل متعددة الأطراف في إطار من الشرعية الدولية ، الأمر الذي أساء كثيرًا إلى صورة الولايات المتحدة الأميركية في الخارج.
ثانيًا: أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتحدث عن العالم الإسلامي ككتلة واحدة صماء، ليس بين دولها اختلافات على مستويات عدة، قد يصل إلى حالة من العداء المستحكم بين هذه الدول، صحيح أن أوباما تعمد دائمًا أن يستخدم مصطلح "العالم الإسلامي"، ولكن هذا لا يعني على الإطلاق أنه يدرك إمكانية التعامل مع دول العالم الإسلامي، على امتدادها الشاسع والطيف الواسع من سكانها بالسياسات والممارسات ذاتها، لأن ما يهم صانع القرار في أي دولة - وأوباما ليس استثناءً على هذه القاعدة - هو الحفاظ على المصالح القومية لبلاده، ومتى تعرضت هذه المصالح لتهديد حال ووشيك، فإنه لن يجد غضاضة في اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات - حتى لو وصلت لشن حرب - من أجل الدفاع هذه المصالح، لذلك نجد اختلافات كبيرة في التعامل الأميركي مع الدول الإسلامية الصديقة أو المناوئة، كل حسب ما تقتضيه المصلحة الأميركية العليا.
ثالثًا: إن هذا الخطاب لا يعتبر المناسبة الأولى التي يتحدث فيها أوباما إلى العالم الإسلامي، ولكن أوباما وجه في أكثر من مناسبة رسالته إلى العالم الإسلامي، فقد تحدث عن علاقة جديدة تقوم على الاحترام المتبادل في خطاب تنصيبه، كما تحدث عن أن الولايات المتحدة ليست عدوًّا للعالم الإسلامي في أول مقابلة تلفزيونية عقب توليه الرئاسة مع قناة العربية الفضائية، وكرر هذه الرسالة مرة أخرى في تهنئته للإيرانيين بعام النيروز، وفى خطابه الذي ألقاه أمام البرلمان التركي، وهى الرسائل ذاتها التي وجهها إلى العالم الإسلامي من جامعة القاهرة.