أخبار

الإنتخابات الرئاسية في إيران: التغيير مقابل التغيير

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إيران: توقع مشاركة قياسية في الانتخابات الرئاسية دبي: مهما كانت النتائج التي ستُـسفر عنها الانتخابات الرئاسية الإيرانية لصالح هذا المرشح أو ذاك، فهي ستبقى تؤكِّـد مشروعية النظام الذي يرى خصومه أنه فقد الكثير منها، بتخلِّـيه عن الكثير من "ثوابت" الجمهورية الإسلامية وأصولها، قد يكون من أهمّـها احترام حقوق القوميات والأقليات، كما نصّـت على ذلك بُـنودٌ واضحة من الدستور.

نعم.. فانتخابات إيران القادمة، وكما أبرزت ذلك الحملة الانتخابية للمرشحين الأربعة، وهم الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد ورئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي ورئيس مجلس الشورى الأسبق مهدي كروبي وقائد الحرس الثوري الأسبق محسن رضائي، عكست مرة أخرى إيمان الشعب الإيراني أو على الأقل من شارك فيها وتوجّـه إلى نظام الاقتراع، بنظامه الذي قام أصلا على أساس نظرية حكومة ولاية الفقيه.

لكن، ورغم أن شريحة كبيرة جدّا من جيل الشبان الذين لم يُـصوِّتوا على استفتاء "نعم أو لا" الذي أجري يوم 12 أبريل عام 1980 لاختيار شكل النظام، لأنهم ببساطة، لم يكونوا وُلِـدوا بعدُ أو أنهم لم يبلغوا آنذاك السنّ القانونية، يعتقدون ويروجون لاعتقادهم باستمرار أن لهم الحق في اختيار شكل جديد للنظام، ربما يتجاوز القواعد الأساسية للجمهورية الإسلامية، كما تبيّـن ذلك خلال دورتين رئاسيتيْـن للرئيس الإصلاحي سيد محمد خاتمي.

ومع أن هذه الأجيال الجديدة كانت مؤثّـرة جدا في انتخابات عام 1997، عندما رجّـحت - وبقوة - كفّـة خاتمي على منافسه المحافظ الشيخ علي أكبر ناطق نوري، فإن مجرد ذهاب النّـاخب في إيران إلى صندوق الإقتراع، يجعله يوقِّـع مرّة أخرى على صكِّ الإعتراف بنظام ولاية الفقيه، الذي أرساه الإمام الخميني الراحل.

مقبولية النظام!

صحيح أن مشروعية نظام الجمهورية الإسلامية تعرّضت في السنوات الماضية، وخصوصا بعد وفاة مؤسسه في يونيو عام 1989 للكثير من القدح والتجريح في نتائج انتخابات الرئاسة التي جاءت بخاتمي إلى سدّة الرئاسة، من واقع أن انتخابه مثّل يومذاك، تحديا له مغزى لنفوذ كبار المرجعيات الدينية، وحتى الولي الفقيه آية الله سيد علي خامنئي، الذين وقفوا - مباشرة أو بالواسطة - خلف المرشح الآخر علي أكبر ناطق نوري.

وأكدكثير من المرجعات الدينية في إيران سابقا، ومنهم خليفة الإمام المعزول آية الله العظمى حسين علي منتظري والمرجع الراحل آية الله العظمى محمد رضا كلبيكاني، ومع آية الله العظمى مكارم شيرازي، وأيضا مع كبار منظّـري اليمين الدِّيني المحافظ، مثل الزعيم التاريخي في حزب مؤتلفة الإسلامي أسد الله بادامجيان، أن انتخاب خاتمي يومها، إن لم يكن بمعنى إدارة ظهر للنظام، فإنه يطرح - على الأقل - تساؤلات عن مشروعيته.

وهو ما فسِّـره وزير الثقافة والإرشاد - في عهد خاتمي - عطاء الله مهاجراني في لقاء خاص بـ "المقبولية"، حيث شرح بأن انتخاب خاتمي من قبل جيل الشبان الذين أعرضوا عن الاستجابة لنداءات مراجع الدِّين ولم يُـصوِّتوا لصالح ناطق نوري، أشار إلى أن لديهم تحفُّـظا على مشروعية النظام، غير أنهم يقبلونه، ولهذا، فهُـم يذهبون كلّ مرّة إلى صناديق الاقتراع ويطمحون بالتغيير!

ديمقراطية مقنّـنة!

وعلى أية حال.. فإن الانتخابات الإيرانية، وهي أيضا نموذج له تطبيقاته في عالمنا عن الديمقراطية المقنّـنة من خلال تحديد عدد ونوعية المرشحين، وذلك عبر فرض مجلس صِـيانة الدستور، وهي الجهة الوحيدة المسؤولة عن تأهيل المرشحين، شروطا مثل الإلتزام العملي بالإسلام وبنظام ولاية الفقيه، قبل أن يوافق على تقديمهم للناخبين.

كذلك، فإن المشاركة الشعبية في الإنتخابات تحدّدها برامج المرشحين، التي لا تخرج عن دائرة النظام ودستوره الزاخر بالإيجابيات لصالح المواطنين الناخبين، خصوصا الأقليات والقوميات..

وإذا كان مجلس صِـيانة الدستور رفض الشروط التي عدّلها مجلس الشورى للحدّ من عدد المرشحين للإنتخابات الرئاسية ورأى فيها "مخالفة للدستور"، فإن المجلس المكوّن من ستة فقهاء يعيِّـنهم الولي الفقيه، ومثلهم من القانونيين (يختارهم مجلس الشورى)، والمكلف بالمصادقة على قرارات الشورى وتفسير الدستور والموافقة على الترشيح لأي انتخابات والمصادقة على نتائجها أو صحّـتها، فإنه أبقى على الشروط التي لا تسمح لسنّي أو حتى شيعي زيدي أو إسماعيلي وغيرهم، أن يصبح رئيسا للجمهورية. فالدستور يوجب أن يكون المرشح إيرانيا مؤمنا بالجمهورية الإسلامية، والأهم من كل ذلك أن يكون شيعيا إثني عشريا.

لكن الدستور الإيراني لا يعترض على أن يكون المرشح عربيا أو كرديا أو بلوشيا ومن قوميات أخرى غير فارسية، وهي فرصة للقوميات لاختبار جدية مجلس صيانة الدستور، وأعضاؤه في الغالب من المحافظين، في مسألة تطبيق الدستور وكل ما يتعلق بمسألة القوميات.

المسألة القومية.. أمنيا!

في إيران، يتعايش الأكراد والعرب والفرس والتركمان والآذريون والبلوش في دولة واحدة، استطاع الشاه المخلوع أن يوحِّـدهم بالحديد والنار وألفت بينهم الجمهورية الإسلامية بواسطة الدِّين والمذهب.

وهناك من يعتقد أيضا أن البختياريين واللور والمازندرانين والغيلانيين وغيرهم، قوميات بحد ذاتها، لاختلاف لغتهم عن الفارسية.

وفي ظل هذا الواقع، ومع انحسار أو ضعف التمسك بالدِّين والقِـيم الدينية، يعتقد مراقبون للأوضاع في إيران أنها تبدو اليوم معرّضة للتفكيك والتمزّق والتشرذم، إلى دُويلات، ما لم تعمد السلطات الممسكة بدواليب الحكم وبسرعة إلى تطبيق بنود الدستور فيما يتعلق بحقوق القوميات والأقليات، وتتجنّـب التعاطي مع هذه المسألة الخطيرة من منطلقات محض أمنية، كما فعلت في السابق وتفعل الآن.

في زاهدان مثلا، وكذلك في الأهواز، حصلت مؤخرا بعض الوقائع، وهي بالتأكيد نُـسخ مكررة لأحداث شهدتها في أوقات مختلفة محافظة سيستان وبلوشستان، ذي الغالبية السُـنية، ومحافظة خوزستان ومركزها الأهواز، ويسميها المطالبون بالإنفصال "عربستان أو الأهواز".

قبل أيام، حاولت جهات لم تتضح هويتها بعدُ تفجير طائرة ركّـاب كان يُـفترض أن يصعد لها الرئيس السابق سيد محمد خاتمي من الأهواز، حيث كان في رحلة دعاية انتخابية لصالح المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي، وقد انسحب من سباق الانتخابات لصالحه، وبعد تهديد جدّي بقتله، كما تم تفجير مسجد للشيعة أعقبته مواجهات بين زابليين شيعة وبلوش سُـنة، وهي حوادث تتكرّر في هذه المنطقة الفقيرة والتي تصنِّـفها السلطات نفسها بالمناطق المحرومة، على رغم مرور 30 عاما على قيام الجمهورية الإسلامية في إيران. ولا تنظر طهران إلى تلكم التفجيرات التي تتبنّـاها منظمة، تدّعي أنها "تطالب بحقوق السُـنّة"، على أنه عمل طائفي.

لكن طهران، وحين يتعلق الأمر بمطالب العرب في الأهواز (خوزستان)، وهي مطالب مشروعة عندما يتمسّـك أصحابها بحدود ما منحه الدستور من حقوق، فإنها تُـسارع إلى التعامل مع الموضوع من زاوية الأمن القومي وإلى تخوين كلّ من يقدم النصح والمشورة بضرورة تطبيق الدستور، الذي يمنح القوميات حقّـها في استخدام لُـغتها والترويج لها وإلى غير ذلك من حقوق أيّـدها الدستور.

وغالبا ما تُـبرر الحكومات التي تعاقبت على السلطة في طهران، سبب تعليق المادّتين 15 و19 من دستور البلاد مع السكان العرب في خوزستان، بأن نظام صدّام حسين يملك تطلعات قومية ويعمل على فصل خوزستان الغنية بالخصب والحياة وبالنفط والغاز عن إيران، لضمِّـها إلى العراق.

مع ذلك، يستمر تفسير إيران للأشياء بمقاييس أمنية، حتى بعد سقوط نظام صدّام الذي كان يتدخّـل فعلا في قضية الأهواز من خلال دعمه لمنظمات انفصالية، لجأ معظم زعمائها إلى الغرب، وبعضهم رمى بنفسه - كما فعل معارضون عراقيون سابقون مع بلادهم - في أحضان مخابرات هذه الدولة أو تلك، للعمل على تفكيك إيران.

ولا ننسى اتِّـهامات طهران للقوات البريطانية في البصرة بدعم جماعات انفصالية للقيام بتفجيرات في الأهواز عام 2005، كما لا يمكن تجاهل تأثير انتخاب رئيس كردي للعراق على أكراد إيران، لتبقى الحالة القومية في إيران أسيرة المسألة الأمنية.

بازار انتخابي!

عموما، لا يشك أحد أن الانتخابات الرئاسية في إيران تشكِّـل فرصة مهمّـة لإحداث تغييرات في طريقة تفكير الكثير من السياسيين، إزاء المسألة القومية وأهمية أن تُدار المحافظات (الولايات) بسلطات أكثر، قبل أن تُـضطرّ الحكومة في النهاية إلى مواجهة استحقاق "الاستقلال"، وهي كلمة ملطّـفة لـ "الإنفصال"، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مُـعظم سكان القوميات في إيران لا يطالبون (حاليا) بأكثر من الإنصاف، - وربما أقل - عندما ننظر مثلا إلى مطالب رفعها زعماء عرب وأكراد في السابق، حثّـوا الحكومة على "تخصيص 1% فقط من عوائد النفط والغاز، (ومعظم حقولها توجد في خوزستان)، لفائدة سكان الأقاليم المحرومة"، ناهيك عن تطبيق مواد الدستور 15 و19 حول الحقوق القومية.

واللافت، أن المرشحين الأربعة، الذين سمح لهم مجلس صيانة الدستو بخوض سباق الانتخابات، عدا أحمدي نجاد، فإنهم تناولوا هذه المسألة - خاصة - مهدي كروبي، باهتمام واضح مع أن كروبي تميّـز عنهم في أن كلامه جاء أكثر جُـرأة - ربما لأنه لوري - عندما طالب بتعديل الدستور ومنح حكام المحافظات سلطات أكبر وبانتخابهم عبر الاقتراع المباشر لا عن طريق التعيين.

وأما لماذا كروبي، فكما يقال: إذا فهم السبب بطل العجب. فكروبي اللوري يعمل، كما يبدو، على مغازلة الشعور القومي، حتى أكثر من محسن رضائي.. البختياري، الذي وجد نفسه في مقاربة مع المسألة القومية، رغم أنه كان من أوائل المؤيِّـدين للتعامل معها من زاوية الأمن، عندما كان قائدا للحرس الثوري في زمن الحرب مع العراق (1980 - 1988).

وأما مير حسين موسوي، فإنه وعَـد بمنح غير الفُـرس حقّ استخدام لُـغتهم، كما وعد ببناء مساجد للسُـنّة... في طهران العاصمة! غير أن انتشار تسجيل مُـصوَّر على هاتف نقّـال يظهر فيه الرئيس السابق سيد محمد خاتمي في مجلس خاص مع أقطاب الإصلاحيين الدّاعمين لموسوي، وهو يروي نكتة - من النِّـكات الكثيرة التي يذكرها الفُـرس عن التُّـرك الإيرانيين - أضعَـف موقف موسوي الانتخابي كثيرا في صفوف سكّـان ثلاث محافظات رئيسية، هي أذربيجان الشرقية وأذربيجان الغربية وأردبيل، إضافة إلى مدن أخرى يقطنها الأتراك الأذريون، ومنها بالطبع طهران ومسقط رأسه قَـزوين. كما أضرّت مزحة خاتمي بموقِـف كروبي في البازار الانتخابي، على أساس أن خاتمي هو المظلّـة الكبرى للإصلاحيين، ومنهم رئيس مجلس الشورى الأسبق.

شعارات انتخابية!

وعدا ذلك، فما بين الاقتصاد المريض المتّـكِـئ بقوة إلى عوائد النفط وتفاوت شعارات المرشحين ووعودهم، التي تبدو غامضة في الكثير من الأحيان، لأنها تغرق في العموميات وتظل فضفاضة لا تلامس أصل المعضِـلة الاقتصادية، تبقى قضايا رئيسية مثل: العلاقة مع الغرب وأميركا ومعاداة إسرائيل والموقف من البرنامج النووي، هي التي تدغدغ عواطف الناخب وتدفعه إلى صندوق الاقتراع، برغم أن الرئيس في مثل هذه القضايا، لا يملك إلا الخضوع لصلاحيات الولي الفقيه المطلقة، فهو الذي يوافق على الحوار المباشر مع الولايات المتحدة الأميركية وحل الأزمة النووية، طبعا باقتراح من رئيس الجمهورية وبعد الإطلاع على رأي مجلس تشخيص مصلحة النظام حتى وإن كان غير ملزم.

ويمكن القول هنا أن كُـلاّ من الرئيس محمود أحمدي نجاد وآخر رئيس وزراء قبل دمج هذا المنصب بالرئاسة مير حسين موسوي، يملكان رؤية واضحة إزاء هذه الملفات. فالأول، أحمدي نجاد لا يعتقد بحصول أي تغيير في السياسة الأميركية بعد مجيء باراك أوباما، برغم أنه مارس شيئا من التغيير تُـجاه واشنطن، حين أبرق لأوباما مهنِّـئا. بينما يرى موسوي أن هناك تغييرا حصل في السياسة الأميركية، يجب الاستفادة منه وبسرعة.

ومن هنا، يجد الشارع الإيراني - خصوصا جيل الشبان - أنه يميل أكثر إلى تصديق دعوة موسوي للحِـوار مع واشنطن، مقابل المرشح رضائي الذي يردِّد إيرانيون أنه يرفع شعارات معتدلة، لا يؤمن بها أصلا.

ومع غياب الرؤية الواضحة للمرشح كروبي حول الكثير من المسائل وعدم امتلاكه فريقا قويا، مثل مير حسين موسوي، الذي يُعتبر الأقرب إلى نهج الإمام الخميني الراحل، الذي حظى مؤخرا بتأييد علني من طرف أسرة الخميني في ذكرى وفاته..

وأيضا، ومع عدم حصول رضائي على دعم معظم قيادات التيار المحافظ، حتى في الحرس الثوري الذي كان يقوده، تنحصر المنافسة بين أحمدي نجاد ومير موسوي، الذي بدا استثناءً في الحملة الانتخابية برفقة زوجته الأكاديمية والفنانة زهراء رهنورد، بل ويظهر وهو يمشي خلفها قبل أن تتلاقى أيديهما أمام الجمهور المتعطّـش إلى حريات اجتماعية يضيّق عليها المحافظون بشدة.

وأخيرا، وانطلاقا من حقيقة أن الشعب الإيراني جرّب أداء كل المرشحين، وإن بأشكال متفاوتة: هل ينطبق قول الشاعر الإيراني حافظ شيرازي على هذه الانتخابات، حين أنشد في القرن الرابع الهجري: "هرچند آزمودم از وي نبود سودم" أو ما معناه: جربت حال حبيبي فلم أفز بجديدٍ.. من جرب المجرِّب حلت به الندامة.

ربما يُعيد المرء قراءة شيرازي مرة أخرى... لكن بعد الثاني عشر من شهر يونيو الجاري..

نجاح محمد علي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف