تجميد الإستيطان.. راوح مكانك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تل أبيب: تحولت المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية إلى ما يُشبه "كرة ثلج ملتهبة" في العلاقة بين تل أبيب وواشنطن في أعقاب رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي وقف الإستيطان أو الإستجابة لدعوة الرئيس الاميركي باراك أوباما الصريحة والعلنية إلى أن تُوقف اسرائيل كل النشاط الإستيطاني في الضفة الغربية إلى نشوب خلاف نادر بين الحليفتين.
وقال دبلوماسيون غربيون واسرائيليون يوم الاربعاء 17 يونيو 2009 إن الولايات المتحدة تريد أن تفرض إسرائيل "وقفا مؤقتا للعطاءات الجديدة لبناء مستوطنات يهودية في الضفة الغربية" ولكنها تدرس تدابير "قد تسمح باستكمال المشاريع القائمة بالفعل"
وقال مسؤولون اسرائيليون إن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو سيجتمع مع جورج ميتشل مبعوث أوباما للشرق الاوسط في أوروبا الأسبوع المقبل في محاولة للتوصل لاتفاق. ومن جهته قال ميتشل إنه من المهم جدا محاولة معرفة ما تقصده اسرائيل تحديدا "بالنمو الطبيعي" للمستوطنات. ويقول نتنياهو انه يريد من حيث المبدأ أن تكون الأسر التي تنمو قادرة على إسكان أبنائها في البلدات التي أقامتها اسرائيل على الاراضي المحتلة.
وفي أعقاب اجتماع عُقد في واشنطن بين وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ونظيرها الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان (وهو مستوطن)، دعت كلينتون إلى وقف الاستيطان وردّ ليبرمان بأن اسرائيل لا يمكنها القبول بوقف الاستيطان. ولكن كلينتون قالت "إن المناقشات ما زالت في بدايتها".
"نتنياهو خائن"
قد يكون هذا التعبير أقسى ردود الفعل على الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة الإسرائيلية في جامعة بار إيلان يوم 14 يونيو. وقد صدر عن مجموعة من المُـستوطنين الشبّـان في إحدى البؤر الإستيطانية "غير الشرعية" وِفق المصطلحات الإسرائيلية، المقامة في وسط الضفة الغربية بالقرب من نابلس.
هؤلاء الشبان أو الفتية يُـعرفون في إسرائيل بـ "فتية التِّـلال"، وهم مجموعة تعرف نفسها بأنها غير تابعة لأي إطار رسمي لتجمّـعات المُـستوطنين، بل "هم مجموعة من الأشخاص الانتهازيين"، كما قال أحد هؤلاء الفتية عن أعضاء مجلس المُـستوطنات، القيادة التقليدية للمستوطنين في الضفة الغربية.
بعض هؤلاء الفتية ينضَـوُون تحت ما يسمّـى بـ "دولة يهودا" وهي مجموعة تُـنادي بقيام دولة يهودية تحكم وِفق الشريعة الدِّينية اليهودية في الضفة الغربية. وتقوم دوافع المجموعة على أن إسرائيل في طريقها نحو الانهيار، لأنها تخالف تعاليم الإله وتتفاوَض مع الأغيار لتقسيم أرض إسرائيل.
هذا الأسبوع، أصدرت "مجموعة حاخامات أرض إسرائيل"، وهي إحدى المجموعات الدِّينية الأكثر تشدّدا في صفوف المُـستوطنين، بيانا ردّا على خطاب نتانياهو (14 يونيو) وعلى خطاب الرئيس الأميركي باراك اوباما في القاهرة (4 يونيو)، حصلت سويس انفو على نسخة منه.
البيان حمل عنوان "من يُسبّب الأذى لأرض إسرائيل يخاطر بمستقبله". وقالت المجموعة التي يترأسها الحاخام شلوم دوف ويلفا، في بيانها إن "دولة فلسطينية وتفكيك الاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة، تتعارض مع الأمر الإلهي، بأن أرض إسرائيل هي مِـلك لشعب إسرائيل.. أرض إسرائيل هي لشعب إسرائيل ومن يمسّـها كمن يمّـس قرّة عين الخالق عزّ وجل".
"الأردن هي فلسطين"
الأحزاب اليمينية كانت أقل حدّة في استعمال المُـصطلحات الدِّينية في تعقيبها على الخطاب، حيث قال أوري أورباخ، عضو الكنيست من حزب البيت اليهودي المشارك في ائتلاف نتانياهو: "إن الحزب يجب أن يبحث مستقبل وجوده في الحكومة بعد الخطاب"، أما عضو الكنيست البروفيسور ارييه الدّاد من حزب الوحدة الوطنية المعارض، فقد وصف الخطاب كخطاب جيِّـد مليئ بالسّموم واعتبر أن الدولة الفلسطينية في يهودا والسامرة، على حدّ تعبيره، هي خطر وجودي على إسرائيل.
وقال الداد لسويس انفو إنه "لا حاجة لقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وأنه تقدّم باقتراح قانون يقضي بأن الأردن هي الدولة الفلسطينية. قرابة 70% من سكان الأردن هم من الفلسطينيين، والملكة هناك فلسطينية أيضا. ما هو المزيد المطلوب من الأردن لتكون دولة فلسطين، هي كذلك الآن".
وواصل قائلا: "دولة إسرائيل تقوم على أقل من ربع المساحة التي حكمها الإنتداب البريطاني قبل عام 48. لقد تنازلنا عن 75% من مساحة دولة الإنتداب لنُـقيم فيها دولة اليهود".
الاستيطان.. نمو مستمر وسجال دائم
مشكلة المستوطنات والبناء فيها، التي عادت مجدّدا إلى صدارة العناوين مع دخول الإدارة الأميركية الجديدة وهدّدت بصِـدام حادّ بينها وبين الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتانياهو، شكلت إحدى أهم نِـقاط الخلاف في السِّـجال السياسي الإسرائيلي الداخلي، وما يُـسمّى الشّـرخ بين معسكرَيْ اليمين واليسار في إسرائيل، رغم أن كافة الحكومات الإسرائيلية منذ عام 1967، بنت في هذه المستوطنات.
فالخلفية العقائدية لدى اليمين الصهيوني المتديِّـن في إسرائيل تقول إن نتائج حرب 67 هي إعادة تأكيد من الله لشعبِـه المختار بسيادته على أرض الميعاد، وأن البناء فيها هو جزء من حملة إنقاذ أرض إسرائيل من أرض الاغيار وجلب الخلاص لها.
غير أن وتيرة البناء في المستوطنات اختلفت وِفق الأجندات السياسية والمتنوعة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والتي رأت بعض الأحيان في تشجيع الإستيطان ملاذا لتنفيس الاحتقان اليميني في الشارع الإسرائيلي (كما في حكومات حزب العمل برئاسة رابين وباراك وحكومات كاديما، برئاسة شارون وأولمرت) أو تجنّـدا كاملا لصالح هذا المشروع.
عضو الكنيست دوف حنين عرض الأسبوع الماضي مُـعطيات مُـثيرة حول تاريخ الإستيطان في الضفة الغربية في إطار اقتراح نزع ثقة عن الكنيست تقدّمت به كتلة "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة"، وِوفقا للمعطيات اتضح أن عدد المستوطنين قد ارتفع منذ عام 2001 وحتى اليوم بـ 95 ألف مستوطِـن وأن 100 بُـؤرة استيطانية جديدة أقِـيمت.
وللمقارنة، ذكر حنين أن عدد المستوطنات التي أقيمت بين عامي 1967 و1977 قد بلغت (إذا ما استثنينا القدس) 32 مُـستوطنة وعاش فيها 6000 مستوطِـن، أما اليوم، فهنالك 127 مستوطنة و100 بؤرة استيطانية، يعيش فيها 300 ألف مستوطِـن.
كما اتهم حنين سياسة الحكومات الإسرائيلية المتتالية بالكذِب والمُـراوغة، إذ قال: "على مدار السنوات، هنالك تصريحات مختلفة، تكون أحيانا أكثر كذِبا وأحيانا أقلّ كذبا، لكنها بشكل عام خاوية من أي مضمون حول الرنو إلى السلام. هنالك القليل من الخطوات في هذا الإتجاه والكثير الكثير من الخطوات باتِّـجاه تعزيز الاستيطان".
ووفق جمعية "بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية" منذ عام 1967، أقيمت في أراضي الضفة الغربية (يشمل شرقي القدس) 135 مُـستوطنة إسرائيلية أقرت بها وزارة الداخلية الإسرائيلية (16 مُـستوطنة أقيمت في قطاع غزّة وتمّ هدمها ضمن "خطّـة الانفصال" في صيف 2005).
بالإضافة إلى ذلك، أقيمت في الضفة الغربية عشرات البؤر الاستيطانية، بنِـسب متفاوتة من حيث التأهيل السكاني، ويمكن اعتبار جزء من هذه البؤر مستوطنات بكلّ معنى الكلمة، ولكن غير مُـعترف بها حالياً من قِـبل وزارة الداخلية الإسرائيلية. في الوقت نفسه، أنشأت إسرائيل داخل الأراضي المحتلة نظاما من الفصل والتمييز يتواجد في إطاره جهازَا قضاء مُـنفصلين في منطقة واحدة، تتحدّد فيها حقوق الشخص، حسب انتمائه القومي.
لقد اتسمت سياسات الحكومات الإسرائيلية تجاه المستوطنين بالتسامح وغض الطرف، بل إن "الأهداف الوطنية المعلنة للدولة تناغمت تاريخيا مع المستوطنين، ملح الأرض"، وهذا تعبير من بعض المصطلحات السياسية في إسرائيل.
الجمهور الإسرائيلي.. ممزق
المستوطنون هم "محقِّـقو الحُـلم الصهيوني بالعودة والخلاص لأرض إسرائيل"، فالصِّـدام مع المُـستوطنين شكّـل دائما نقطة خوف لدى الساسة في إسرائيل، إما تأييدا لمشروعهم وإما خوفا من حرب أهلية يهودية داخل إسرائيل نفسها، رغم المُـعطيات التي دلّـت على أن أغلبية الجمهور اليهودي في إسرائيل يوافق على اتخاذ مواقف وحلول سياسية، تتناقض تماما مع إرادة المستوطنين.
فوفق استطلاع للرأي نشره معهد الأمن القومي الإسرائيلي بعد الخطاب الأخير لنتنياهو، اتضح أن:
1 - 25% فقط من الجمهور اليهودي في إسرائيل يُـعارض تفكيك البؤر الاستيطانية غير المرخّـصة، مقابل 57% يؤيدون تفكيك هذه البؤر، وحتى وإن تطلّـب ذلك استخدام القوّة، و18% يشترطون تفكيكها بالتّـراضي مع المُـستوطنين.
2 - 42% من الجمهور اليهودي يُـعارض توسيع المُـستوطنات مقابل 41% منهم يؤيد توسيعها، إذا كان الأمر لا يعرِّض علاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة للخطر. 18% فقط أيدوا توسيع المستوطنات، دون علاقة مع موقف الولايات المتحدة.
3 - 77% يؤيدون سنّ قانون التعويض لمستوطني الضفّـة الغربية، مقابل إخلائهم من مستوطناتهم و24% يعارضون ذلك.
هذه المعطيات، وِفق المعهد، تدل أن لدى الحكومة الإسرائيلية الدّعم الكامل للقيام بخطوات فعلية لتفكيك البُـؤر الاستيطانية، إذا ما استنفذت كافة وسائل الحِـوار مع المُـستوطنين، ويدلّ أيضا على أن موضوع المستوطنات ما زال يمزِّق الجمهور اليهودي في إسرائيل، ولكن الأغلبية العُـظمى لا تريد الوُصول إلى مواجهة مع الولايات المتحدة بسبب موضوع الإستيطان، أي أن الحكومة ستحظى بدعمٍ من الجمهور الإسرائيلي لوقْـف الاستيطان، كجزء من تفاهمات شامِـلة مع الولايات المتحدة.
حلّ ممكن... وسيناريوهات بديلة
وِفق مُـعطيات المعهد، فإن تأييد الجمهور اليهودي في إسرائيل للحلّ الدّائم، الذي يشمل دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزّة، قد تعزّز خلال العشرين عاما الماضية وارتفع من 21% عام 1987 إلى 61% عام 2006 وعاد لينخفض إلى 55% عام 2007.
في الاستطلاع الحالي، فإن نسبة 64% من الجمهور اليهودي في إسرائيل تُـوافق على الحلّ القائم على أساس مبدإ دولتيْـن لشعبيْـن.
وحسب هذه المعطيات، فإن حكومة نتانياهو تملك تفويضا لتجميد الاستيطان وللموافقة على إقامة دولة فلسطينية، وتبقى الكُـرة ربّـما في ملعب بنيامين نتانياهو وحزب الليكود الحاكم، للذهاب إلى حلٍّ يتعارض مع طروحاتهم السياسية والعقائدية.
فالسيناريوهات البديلة، ليست أقل صعوبة، فإما أن تجرهم الولايات المتحدة بالقوة إلى هناك وإما مغادرة سدّة الحكم، إما من خلال انتخابات عامة جديدة أو من خلال إخلاء مكانهم لتسيبي ليفني، زعيمة المعارضة في إسرائيل هذه الأيام.
قاسم الخطيب