الواقعية تحكم رؤية أوباما للتسونامي الإيراني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: منذ الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية العاشرة منذ الثورة الإسلامية الإيرانية (عام 1979) التي أنهت جدل إعلان مناصري أكبر متنافسين، الرئيس الإيراني المنتهية ولايته "أحمدي نجاد" ومنافسه الإصلاحي "مير حسين موسوي"، بنصر منافسهم، وإيران تشهد اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن والمتظاهرين من المعارضة، بالإضافة إلى عقد تجمعات جماهيرية حاشدة على الرغم من قيام الحكومة بحظر المظاهرات والاحتجاجات. وهذه الاحتجاجات والمظاهرات جديدة على النظام الإيراني منذ الثورة الإسلامية.
أثارت النتائج الرسمية الانتخابات والتي أعلن بموجبها فوز الرئيس المنتهية ولايته "محمود أحمدي نجاد" بنسبة 63 في المائة من الأصوات، في حين حصل منافسه الأقوى "مير حسين موسوي" على نحو 34 في المائة موجة من الغضب الجماهيري التي يصفها كثيرون بـ"التسونامي الأخضر" قناعة شعبية أن النتائج لا تُعبر عن السلوك التصويتي للناخبين في انتخابات الثاني عشر من يونيو الجاري. وحيال هذا الغضب الشعبي الذي اجتاح المدن الإيرانية اتبع النظام الإيراني سياسة قسرية إكراهية مع المتظاهرين والقبض على كثير من العناصر الإصلاحية، والعمل على قطع اتصال الشباب الإيراني مع العالم الخارجي وفيما بينهم بحجب الحكومة الإيرانية المواقع الإلكترونية ومنع الرسائل النصية القصيرة التي يتبادلها الشباب عبر الهواتف المحمولة.
أتاحت نتائج الانتخابات الإيرانية وأعمال القمع فرصة للمعارضين للنهج الدبلوماسي ـ الحواري للرئيس "أوباما" مع النظام الإيراني لشنهم حملة قوية في الصحف التي يكتبون بها وفي جل وسائل الإعلام الأميركية وكذلك مدوناتهم الخاصة ضد سياساته وعدم إدانته بصورة علنية وقوية السياسات الإيرانية المنتهكة لحقوق الإنسان وحرية التعبير وتقديم الدعم إلى الإصلاحيين وتأييد موقفهم.
ادعم الإصلاحيين ولا تعترف بـ"نجاد"
دعا المعارضون لسياسات التقارب الأميركي مع إيران إلى عدم اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بإعادة انتخاب "نجاد" لفترة رئاسية ثانية، فعلى مجلة أتلانتك رأى أندرو سوليفن ـ صاحب تغطية متميزة للانتخابات الإيرانية ـ أن أولى وأهم الأدوات الغربية والأميركية لمواجهة عمليات التزوير وانتهاك حقوق الإنسان داخل إيران عقب الانتخابات الرئاسية هي ضرورة عدم الاعتراف بـ"أحمدي نجاد" كرئيس لإيران لفترة رئاسية ثانية.
وفي ضوء تلك الأحداث المتصاعدة داخل إيران دعا عدد من المحافظين داخل الكونغرس الأميركي ووسائل الإعلام الأميركية الرئيس الأميركي "باراك أوباما" وأعضاء إدارته إلى دعم المتظاهرين الإيرانيين بصورة قوية وعلنية وليس بكلمات على الهامش وإدانة تصرفات القيادات الإيرانية وتعاملها الفج مع المتظاهرين وإدانة التزوير في نتائج الانتخابات لإنجاح الرئيس الحالي "أحمدي نجاد" ضد منافسه الإصلاحي "مير حسين موسوي".
ومن هؤلاء المنافس الجمهوري السابق لأوباما على منصب الرئيس "جون ماكين" الذي طلب من أوباما الحديث بصورة علنية وجلية عن وجود فساد وتزوير وعدم نزاهة في الانتخابات الإيرانية. ويدعو أوباما إلى ضرورة تدعيم المتظاهرين الإيرانيين ضد سياسات النظام الإيراني السلطوي والقمعي ـ حسب كلمات ماكين ـ. ويضيف ماكين ينبغي ألاَّ نخضع أربع سنوات أخرى للرئيس المحافظ والمتشدد "أحمدي نجاد" ورجال الدين المتشددين داخل النظام الإيراني الذين يصوغون السياسة الإيرانية.
افهم الرسالة بطريقة صحيحة
انتقد تشارلز كروثامر ـ أحد منظري المحافظين الجدد ـ في مقالة له اليوم "الجمعة" الموافق التاسع عشر من يونيو الجاري بصحيفة الواشنطن بوست والتي حملت عنوان "الأمل والتغيير ولكن ليس لإيران صمت الرئيس الأميركي حيال الانتهاكات الإيرانية، قائلاً: إن المتظاهرين ينتظرون كثيرًا من إدارة أوباما لكن أوباما يخذلهم بصمته "غير المبرر" من وجهة نظر كروثامر، منتقدًا إعلان أوباما الاستمرار في انتهاج النهج الدبلوماسي مع النظام الإيراني، الذي يرى فيه نظامًا قسريًّا سلطويًّا يعذب المتظاهرين وينتهك حريتهم.
ويرى أن أوباما يفهم الرسالة فهمًا خاطئًا، حيث إن تلك المظاهرات والاحتجاجات الشعبية ليس على خلفية نتائج الانتخابات، ولكنها نتيجة تزايد عدم شرعية النظام الإيراني وفقدان شرعيتهم داخل الشارع الإيراني ولكن نتائج الانتخابات كانت فرصة مناسبة التي ينتظرونها منذ فترة ليست بالقصيرة ـ حسب كروثامر ـ ليعبر هذا الاتجاه الناقم على النظام الإسلامي في إيران عن نفسه. إن هذه المظاهرات تهز شرعية النظام الإيراني القائم، ومثل كثير من الثروات سيكون لها جل الأثر على منطقة الشرق الأوسط مثل كثير من الثروات العالمية التي أثرت في محيطها الإقليمي والدولي.
ويرى كروثامر أن سقوط النظام الإسلامي في إيران سيكون له تداعيات كالتي ترتبت على انهيار الاتحاد السوفيتي في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن المنصرم. فسقوط النظام الإيراني سيكون ضربة إلى التشدد الإسلامي. ولن تقتصر الأمر على ذلك ولكن كروثامر يرى أن هذا من شأنه أن يشكل ربيعًا جديدًا على المنطقة العربية كربيع عام 2005، حيث خرجت سوريا من لبنان وأجريت أول انتخابات عراقية. حيث من شأن سقوط النظام الإسلامي في إيران عزل قوى الممانعة ـ حسب تسمية وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس ـ في المنطقة في إشارة إلى حزب الله اللبناني الذي خسر الانتخابات اللبنانية مؤخرًا وحركة حماس ونظام الأسد الذي تربطه علاقات استراتيجية مع النظام الإيراني. ويرى كروثامر أن من شأن هذا إحداث موجة جديدة من الديمقراطية تعم دول المنطقة. ولذا يدعو الرئيس إلى فهم الرسالة بصورة صحيحة والشروع في دعم المتظاهرين والإصلاحيين الذين نزلوا إلى الشارع الإيراني لمعارضة نظام "الملالي" والتشدد الإسلامي الإيراني.
خمس خطوات لتعزيز الحرية
وفي صحيفة وول استريت جورنال كتب كل من دانييل سينور ـ زميل مساعد بمجلس العلاقات الخارجية ـ، وكريستيان ويتون ـ مستشار السياسة لمبادرة السياسة الخارجية ـ مقالة تحت عنوان "خمس خطوات لدعم أوباما الحرية في إيران " في السابع عشر من يونيو الجاري. طرحا فيها خمس خطوات على الرئيس الأميركي وأعضاء إدارته انتهاجها لتعزيز الحريات في طهران، وهي كالآتي:
أولاً: اتصال الرئيس أوباما بالمنافس الإصلاحي "موسوي" للتأكيد على أمنه وتدعيم مواقفه. مشيرًا إلى التجربة الأميركية مع المنشقين في مختلف أنحاء العالم دليل على الاهتمام من قبل الحكومة الأميركية وهو أمر مفيد ومرغوب فيه. مشيرين إلى النتائج المرتبة على إرسال نائب الرئيس الأميركي "جون بايدن" عشية الانتخابات اللبنانية أوائل هذا الشهر الجاري والذي ساعد في تدعيم التحالف المناهض لحزب الله اللبناني المدعوم من قبل النظام الإيراني. ويدعوان إلى استفادة "أوباما" من تزايد رأس ماله السياسي بالمنطقة بعد خطابه في الرابع من يونيو من جامعة القاهرة إلى العالم الإسلامي في تأييد القوى الإصلاحية في المنطقة. ولكن قد يرفض "موسوي" أن يكون هناك اتصال بينه وبين الرئيس الأميركي لما لذلك من تأثير سلبي على مستقبله السياسي.
ثانيًا: إرسال أوباما رسالة مسجلة إلى الشعب الإيراني. ويريان أن تلك الرسالة لابد أن تنطلق من قناعة أن النظام الإيراني هذه المرة يفتقد إلى التأييد الشعبي، وهذه المرة تكون الرسالة موجهة إلى المنشقين ومعارضي النظام الإيراني في الخارج، وأن يحث أوباما المنشقين والمعارضين على أن يطلبوا من واشنطن ما يريدون. وحسب كاتبي المقالة تتنوع وسائل الدعم الأميركي للمنشقين والمعارضين بين الموارد المالية ومؤتمرات للقوى الإصلاحية وحلقات عمل ولقاءات دبلوماسية. ويشير الكاتبان على سبيل المثال إلى الدعم الغربي والأميركي للثورات الملونة في دول أوروبا الشرقية لاسيما الثروة البرتقالية في أوكرانيا عام 2004. ويريان أنه لا تعارض بين سياسة أوباما القائمة على الانخراط الدبلوماسية مع إيران والبحث عن شرعية النظام الإيراني.
ثالثًا: يتعين على الرئيس أوباما توجيه سفراء الولايات المتحدة في أوروبا والدول الخليجية إلى لقاء المعارضين للنظام الإيراني في الخارج، حيث هناك نسبة كبيرة من الإيرانيين في جميع أنحاء أوروبا ودول الخليج. ويرى الكاتبان أن رمزية هذا ستكون قوية. فتلك الجاليات سيكون لها دور كبير وجلي في توجيه الجهود للمساعدة في عملية الإصلاح.
رابعًا: توفير تمويل إضافي إلى راديو فاردا Radio Farda وهو القسم الفارسي من راديو أوروبا الحرية والذي ساعد الإيرانيين للحصول على المعلومات والتحليلات التي تحجبها الحكومة الإيرانية، وتمويل شبكة الإنترنت والأقمار الصناعية ليحصل المواطنون الإيرانيون على المعلومات التي يحجبها النظام الإيراني وإلى التواصل مع العالم الخارجي.
خامسًا: ينبغي للإدارة أن تتخذ خطوات لإعطاء الإيرانيين الإصلاحيين والمنشقين فرص متكافئة مع النظام في معركة الأفكار. بتوفير وسائل اتصال حديثة من أجهزة الفاكس وآلات النسخ والوصول إلى الإنترنت ووسائل الاتصال الأخرى. وينبغي إعطاء منح لمجموعات خاصة لتطوير تكنولوجيا خرق جدر الحماية.
كن واقعيًّا
يرفض ستيفن والت، أحد رواد المدرسة الواقعية في السياسة الخارجية، ما يذهب إليه المعارضون لسياسات التقارب الأميركي مع النظام الإيراني. حيث رفض الاعتراف بإعادة انتخاب "أحمدي نجاد" لفترة رئاسية ثانية يعني توقف الولايات المتحدة عن التعامل مع النظام الإيراني الذي سيعتلي رئاسته "أحمدي نجاد" رغم عمليات التلاعب بنتائج الانتخابات. وإن القضية الأساسية بين الولايات المتحدة وإيران هي أزمة برنامجها النووي وليس نظام الحكم الإيراني.
رفض هذا الاتجاه يرجع إلى كثرة الملفات الجدلية بين طهران وواشنطن التي تحتاج إلى التعاون الأميركي ـ الإيراني بشأنها. وهي قضايا لا تقتصر على البرنامج النووي الإيراني ولكنها أبعد من ذلك. فإيران لها دور في كثير من الملفات التي تمس المصلحة القومية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط ـ بالمفهوم الأوسع لكلمة الشرق الأوسط ـ بداية من العراق ودورها الجلي هناك وتقاربها مع شيعة العراق، مرورًا بتحالفها الاستراتيجي مع نظام الأسد في سوريا وحركات المقاومة في المنطقة ـ حزب الله اللبناني وحركة حماس ـ والتي صنفتها الإدارة السابقة على أنها أحد قوى الممانعة في المنطقة وأحد مظاهر التهديد للمصلحة الأميركية بالمنطقة، وهي ما يمكنها من التأثير الإيجابي أو السلبي على عملية أي سلام بالمنطقة. وصولاً إلى محوريتها في أمن منطقة الخليج التي تعد أحد المواقع الاستراتيجية للولايات المتحدة لوفرتها النفطية والقواعد العسكرية الأميركية هناك، ناهيك عن إمكانية تأثيرها ـ بالسلب أو الإيجاب ـ على الأوضاع في أفغانستان وعلى مشاريع الطاقة الأميركية في بحر قزوين وآسيا الوسطى.
وفي مقالته المعنون بـ"الواقعية وإيران" والمنشورة على موقع مجلة "السياسة الخارجية" يرصد والت علاقات الولايات المتحدة الأميركية مع دول تنتهك حقوق الإنسان وحرية التعبير والمظاهرات، والأمثلة كثيرة. ويضيف أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد أن الولايات المتحدة تدعم وتؤيد الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية ودعمت إسرائيل في عدوانها على غزة والذي أدى إلى وفاة المئات من الفلسطينيين والذي يفوق عددهم مئات المرات من ماتوا في المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن الإيرانية عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات.
ويخلص والت إلى أن الخيار الذي سيتبناه أوباما حيال إيران بأزماتها سيرجع إلى إدراكه وصناع القرار الأميركي للمصلحة والأمن القومي الأميركي، وما إذا كان أوباما سيركز في سياساته الخارجية على تحقيق تحركات تصب في المصلحة القومية الأميركي (الواقعية في السياسة الدولية) أم أن سياساته ستركز على الجانب المعياري الذي يولي أهمية للقيم والمبادئ. وإن كان والت يفضل الواقعية في اتخاذ القرار السياسي، ولعل هذا ما يتبناه أوباما وأعضاء إداراته التي تتعامل بحكمة مع الأوضاع المشتعلة في طهران كمراقب عن بعد وعدم تفضيلها الانخراط القوي والصارخ في الشئون الإيرانية وإن كانت هناك إشارات على الهامش معبرة عن عدم رضاها على ما يحدث في طهران لا تشير إلى التخلي عن سياسات الانفتاح الأميركي على إيران.
الخاتمة
اتسمت تصريحات أوباما وأعضاء إدارته على نتائج الانتخابات الإيرانية بالحذر الشديد، حيث كان شديد الحذر في انتقاء عباراته لانتقاد أعمال العنف التي تخللت التظاهرات في إيران وفسر ذلك بخشية أن يقوم المحافظون المتشددون باستغلال تصريحاته للتلويح بشبح التدخل الأميركي من أجل تأمين الدعم الشعبي للنظام.
ويرى عدد من الخبراء الإيرانيين أن التدخل الأميركي في الشئون الإيرانية سوف يكون له تأثير سلبي على الأوضاع داخل إيران، مع تزايد الإدعاء بالتدخل الأميركي في الشئون الإيرانية. فرغم خجل التصريحات الأميركية يدعي النظام الإيراني بالتدخل الأميركي في الشئون الإيرانية. ومن شأن التدخل الأميركي أن تتحول المظاهرات والاحتجاجات الإيرانية من تصرف إيراني خالص يحركه شعور إيراني خالص للحفاظ على حريتهم السياسية وفي التعبير إلى تحرك مدعوم من الولايات المتحدة لقلب نظام الحكم والثورة على مكتسبات الثورة الإيرانية، وهو ما يقوي من حجة النظام الإيراني في مواجهاته مع المتظاهرين والمحتجين الإيرانيين، والذي يفقد التحركات والنضج الإيراني الشعبي من مضمونه. وغياب التصريح الأميركي الصريح على السياسات الإيرانية التي تنتهك حقوق الإنسان يفوت فرصة على النظام الإسلامي الإيراني لتدعيم قواه وشرعية تصرفاته.
إن أي تغيير في الرجل الذي يتولى منصب الرئيس لن يُحدث تغييرًا في السياسة الخارجية الإيرانية ولا في موقفها من البرنامج النووي حيث الرئيس هو الرجل الثاني في النظام الإيراني بعد منصب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية "آية الله على خامنئي" الذي يمسك بمقاليد السلطة رسميًّا في النظام الإيراني. فللمرشد الكلمة الأولى والأخيرة في البرنامج النووي الإيراني وأنه هو من يحدد التقارب أو التباعد مع النظام الإيراني، ناهيك عن أن المرشحين الأربعة في انتخابات الثاني عشر من يونيو الجاري تتفق على مبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية وعلى الخطوط الإيرانية العرضية للبرنامج النووي الإيراني وإن كان هناك اختلاف في المقاربات فقط وليس في الهدف. وهذا ما جعل أوباما وأعضاء إدارته يبتعدون عن تأييدهم الصريح للمرشح الإصلاحي "موسوي" إبان الانتخابات الإيرانية ولا بعد هزيمته ونزول مؤيديه إلى الشارع، حتى لا تظهر إدارة أوباما بمن يعادي النظام الإيراني.