الأميركيون يحتفلون بعيد الإستقلال والعراقيون يطلقون الألعاب النارية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إعداد عبدالاله مجيد: كتبت صحيفة "واشنطن بوست" تعليقا على إنسحاب القوات الأميركية من المدن العراقية في 30 حزيران/يونيو جاء فيه: يبدو غريبا للأميركيين وهم يحتلفون بعيد الإستقلال ـ في 4 تموز/يوليو ـ أن يكون العراقيون من يطلق الألعاب النارية حين تنسحب قواتنا. فنحن لسنا معتادين على أن يجري تصويرنا بدور البريطانيين. وفي العراق كل إنجاز تقريبا يبدو مصطبغا بالابهام. لكننا نشهد انجازا رغم ذلك. لم يكن الانسحاب الاميركي الأخير نقلة عسكرية حاسمة، فان وحداتنا لن تنفذ عمليات عسكرية احادية بعد الآن، ولكن هذا هو الوضع في العراق منذ أشهر باستثناء بغداد والموصل. وستبقى القوات الاميركية مرئية في الشوارع بدور مساند الى جانب العراقيين، ويمكن لقوات الرد السريع الاميركية ان تمد يد العون على الفور.
تصاعدت الهجمات المثيرة ، التي كانت غالبيتها من تدبير "القاعدة" خلال الايام الثلاثين الماضية بالمقارنة مع اشهر سابقة ـ ربما بقصد الايحاء بأن القوات الاميركية تُجبر على الرحيل. ولكن "تنظيم القاعدة لم يتمكن من شن حملة متواصلة" ، كما يقول مسؤول في الادارة. ويضيف "ان الهجمات مريعة ولكن تنظيم القاعدة يبقى في الزاوية".
الانسحاب الاميركي وإن لم يكن حاسما من الناحية العسكرية فانه علامة متميزة من نوع آخر. انه يمثل نجاح مقاربة بدت ذات يوم محكوما عليها بالفشل ـ الاستراتيجية القائلة: إذ يبني العراقيون قدرات قواتهم نخفض نحن حجم قواتنا. كان هذا من أكثر تقلبات الحظوظ استثنائية في تاريخ الحروب الاميركية. ففي عامي 2006 و2007 ـ بعد سنوات من العنف المتفاقم والتوقعات الخائبة ـ خلصت قطاعات واسعة ومعها الكونغرس ، مثلما خلص عضو مجلس الشيوخ هاري ريد الى "ان هذه حرب خاسرة". وأوصى البعض مثل الشيخ باراك اوباما وقتذاك ، بانسحاب الاميركيين على الفور تقريبا. بدلا من ذلك تضافر عدد من التطورات غير المتوقعة والمترابطة لتحويل الوضع في العراق تحويلا كاملا.
ـ قرار الرئيس جورج بوش الذي اتخذه وهو معزول بزيادة القوات منحه 24 شهرا اضافيا لتدريب قوات عراقية قادرة وتوفير الأمن للمدنيين ودعم حلفاء من شيوخ العشائر وملاحقة قادة "القاعدة" وتصفيتهم.
ـ خلال "صحوة الانبار" غادر 50 الى 100 الف مقاتل معسكر العدو ، ليس هذا فحسب بل انضموا الى جانبنا مساهمين بمعرفتهم حركة التمرد من الداخل.
ـ توجه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ، الذي انتُخب بدعم من المتطرفين الشيعة ، جنوبا لمنازلة المليشيات الشيعية المدعومة ايرانيا في البصرة ـ مؤكدا نفسه قائدا وطنيا وليس مجرد زعيم شيعي.
ـ وانخرط سنة العراق انخراطا تاما في عملية سياسية تستوعب الآن كثيرا من الطاقات التي يمكن ان تتفجر في الشوارع لولا هذه المشاركة.
ليس من انجاز من هذه الانجازات كاملا أو دائما. ولكن نجاح السياسة الخارجية يُقاس بمعايير نسبية وليس بمعايير مطلقة. وتُعقد المقارنة هنا مع انسحاب اميركي قبل عامين ـ كان من شأنه ان يغدو فيتنام ثانية بل وأسوأ بسيطرة تنظيم "القاعدة" على مناطق كاملة من العراق بعدما شكلت حكومة مؤقتة في الانبار لتكون قاعدة تنطلق منها عملياتها ضد اصدقاء في الشرق الأوسط وضد حلفاء في اوروبا وضد الولايات المتحدة. وبمساعدة ايران كان شيعة العراق سيخوضون حربا أهلية دموية ضد "القاعدة". وكان الجيران السنة سيجدون ما يغريهم بالتدخل بما يؤدي الى حرب اقليمية تشتعل على أرض العراق. وكان من الجائز ان يتعرض مواطنو العراق الى عنف كاسح يقرب من الابادة الجماعية. وكانت اميركا ستبوء بالفشل لا في ميدان قتال بعيد مثل فيتنام وانما في الشرق الأوسط ، مركز مصالحنا العالمية منذ الحرب العالمية الثانية.
فماذا أُنجز بما استهلكه العراق من ضحايا وصبر وموارد؟ إذا نجح العراق ـ إذا تمكن من ان يحمل ثقل سيادته ذاتها ـ سيكون ذلك تقدما تاريخيا. فالديمقراطية كما تصورها جيفرسون لم تكن مفترَضة أو موعودة ذات يوم. ولكن صيغة عراقية يجد فيها الشيعة والسنة والكرد غايات مشتركة من خلال عمليات ديمقراطية ستكون مثالا للمنطقة التي تبحث عن نماذج جديدة للتقدم. وان نشوء حليف مستقر في الشرق الأوسط يكافح الارهاب سيكون انجازا جيوسياسيا هائلا. ورغم السجالات السابقة ينبغي ان ينظر اوباما الى هذا الاحتمال لا بوصفه واجبا ثقيلا وانما كفرصة تُغتنم.
حتى إذا تراجع العراق الى مستوى الابتذال السياسي المحيط به فان الوضع تغير عما كان عليه قبل عامين. ولو تراجعت اميركا وقتذاك لكان ذلك فشلا لارادتنا نحن ولجيشنا. لكننا لم نفشل وجيشنا تكيف وقادتنا وبلدنا واصلوا العمل بمثابرة. لقد اعطينا العراقيين ما هو دين لهم علينا ـ فرصة معقولة للنجاح ، وهي الهدية الوحيدة التي يمكن ان يقدمها محرر. وسيكون الفشل الآن مبعث حزن وتحدٍ لكنه سيكون فشلهم.