أخبار

كيسينغر: أوباما يتعامل بواقعية لاعبي الشطرنج مع السياسة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

"دير شبيغيل" الألمانية تحاور وزير خارجية أميركا السابق
كيسينغر: أوباما يتعامل بواقعية لاعبي الشطرنج مع السياسة


إعداد أشرف أبوجلالة من القاهرة: هنري كيسينغر، واحد من أبرز رجالات الخارجية الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث استطاع أن يضيف لرصيده السياسي جملة إنجازات لعل أشهرها، وإن لم تكن أهمها، تلك الجولات المكوكية التي قام بها أثناء ولاية الرئيس نيكسون سعياً لإحراز السلام في منطقة الشرق الأوسط. ومن منطلق هذا الزخم الخبراتي الذي يتمتع به كيسينغر، حاورته مجلة دير شبيغيل الألمانية، ونشرت المقابلة كاملةً بعددها الصادر اليوم الاثنين، وقد انصبت محاور الحديث على جزئيات محددة، يأتي على رأسها، الدروس المؤلمة لمعاهدة فرساي، والمثالية في عالم السياسة، وحظوظ أوباما في إقامة سياسة خارجية سلمية للولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة، وفيما يلي أهم ما ورد بالمقابلة:

شبيغيل: دكتور كيسينغر، منذ 90 عام، تم التوقيع على معاهدة فرساي في نهاية الحرب العالمية الأولى. في رأيك، هل لازالت تشكل تلك المعاهدة أوجه السياسة المعاصرة ؟
كيسينغر: تحمل المعاهدة معنى خاص للجيل الحالي من السياسيين، لأن خريطة القارة الأوروبية التي تمخضت عنها المعاهدة هي نفس خريطة القارة الموجودة اليوم. لكن هؤلاء الأشخاص الذين قاموا بصياغة المعاهدة لم يفهموا الآثار المترتبة على أفعالهم، كما أن العالم الذي انبثق من معاهدة فرساي كان مخالفا ً بشكل كبير للنوايا التي وُقِعت من أجلها المعاهدة. ومن يريد أن يتعلم من أخطاء الماضي، فهو بحاجة لفهم ما حدث في فرساي.

شبيغيل: كانت تهدف المعاهدة في واقع الأمر إلى إنهاء جميع الحروب. لكن بعد مرور 20 عام فقط، انغمست القارة الأوروبية في حرب عالمية أخرى أكثر دمارا ً.. لماذا ؟
كيسينغر: كي ينجح أي نظام دولي، يجب أن يكون مشتملا ً على عنصرين أساسيين. أولهما، نوع من أنواع توازن السلطة الذي يجعل من الإطاحة بالنظام أمراً صعبا ً ومكلفاً. وثانيهما، ضرورة أن يكون هناك شعور بالشرعية. وهو ما يعني أن معظم الدول ينبغي عليها أن تؤمن بأن التسوية أمرا ً عادلا ً تماماً. وقد فشلت المعاهدة في كلتا الجزئيتين، حيث استبعدت اجتماعات فرساي اثنين من أكبر القوي القارية هما: ألمانيا وروسيا.

شبيغيل: رأينا في باريس تصادما ً بين مبدأين للسياسة الخارجية: المثالية التي جسدها ويلسون الذي كان يواجه نوعاً من الواقعية التي جسدها الأوروبيون. هل لك أن تفسر فشل المنهجية الأميركية ؟
كيسينغر: كانت وجهة النظر الأميركية هي أن السلام هو الوضع الطبيعي بين الدول. ولضمان تحقيق سلام دائم، يجب أن يكون النظام الدولي مرتباً على أساس المؤسسات المحلية المنتشرة في كل مكان، والتي تعكس إرادة الأشخاص، التي عادة ً ما تكون معارضة للحروب. لكن لسوء الحظ، لا توجد أدلة تاريخية تثبت صحة ذلك.

شبيغيل: لذا أنت ترى من وجهة نظرك، أن السلام ليس بالوضعية الطبيعية بين الدول ؟
كيسينغر: تعتبر الشروط المسبقة لتحقيق سلام دائم شروطاً أكثر تعقيدا ً مما يدرك كثيرون. ولا يعتبر هذا الأمر حقيقة تاريخية، وإنما تأكيد لوجهة نظر بلد مكونة من مهاجرين أداروا ظهورهم للقارة وامتصت نفسها على مدار مائتي عام في شؤونها السياسية الداخلية.

شبيغيل: هل نقول أن أميركا تسببت في نشوب حرب دون أن تقصد بينما كانت تحاول تحقيق السلام ؟
كيسينغر: لقد كان هتلر السبب الرئيسي وراء حدوث الحرب. لكن ووفقا للدور الذي لعبته معاهدة فرساي، لا يمكن إنكار حقيقة المساهمة التي قدمتها المثالية الأميركية في مفاوضات فرساي في الحرب العالمية الثانية.

شبيغيل: هل ترى أوباما من نمط الساسة الواقعيين؟
كيسينغر: اسمحوا لي أن أقول كلمة عن السياسة الواقعية، لمجرد التوضيح. كنت أتهم دائما ً بأني أنفذ السياسة الواقعية. ولا أعتقد أنه قد سبق لي استخدام هذا المصطلح من قبل. بل إنها كانت طريقة يريد من ورائها المنتقدين أن يقولون عني "راقبوه. هو ألماني في واقع الأمر. فهو لا يمتلك وجهة النظر الأميركية في القضايا".

شبيغيل: إذن كانت تلك وسيلة لإظهارك على أنك ساخر، أليس كذلك ؟
كيسينغر: يتعامل الساخرون مع القيم بشكل متعادل وفعال. كما يبني رجال الدولة قراراتهم العملية على القناعات الأخلاقية. ومن السهل دائماً تقسيم العالم إلى مثاليين ( هم الطبقة النبيلة ) وأناس يمتلكون قوة موجهة ( الذين يُفترض أنهم يتسببون في إحداث جميع مشكلات العالم ). ومن وجهة نظري، أرى أن أفضل تعريف لمصطلح السياسة الواقعية هو القول بأن هناك ظروفاً موضوعية لا يمكن بدونها تحقيق السياسة الخارجية. كما أن فن حسن السياسة الخارجية هو فهم وأخذ فيم المجتمع بعين الاعتبار، وإدراكها من منظور إطار الحد الخارجي لما هو ممكن.

شبيغيل: ماذا إن لم يتم أخذ القيم بعين الاعتبار لأنها غير إنسانية أو ذات طبيعة توسعية للغاية؟
كيسينغر: المقاومة تكون مطلوبة في تلك الحالة. ففي إيران على سبيل المثال، تكون بحاجة كي تسأل سؤال حول إذا ما كان عليك أن تحصل على تغيير في النظام قبل أن تتمكن من تصور مجموعة من الظروف حيث يمكن لكل طرف يبدي إلتزاما ً بالقيم الخاصة به أن يتوصل لنوع من أنواع التفاهم.

شبيغيل: وما هي إجابتك ؟
كيسينغر: من السابق لأوانه أن أقول شيء في هذا الأمر. وإلى الآن، تراودني أسئلة أكثر من الإجابات. فهل يقبل الشعب الإيراني حكم الزعماء الدينيين ؟ وهل سيتحد القادة الدينيون ؟ لا أعرف الإجابات، ولا يعملها أي شخص غيري.

شبيغيل: تبدو متشككا ً للغاية
كيسينغر: أرى أن هناك احتمالين. فإما أن نتوصل لتفاهم مع إيران، أو أن ندخل في صِدام. وكمجتمع ديمقراطي، لا يمكننا أن نبرر الصدام لشعبنا إلا إذا استطعنا إظهار بذلنا لمجهودات مضنية بهدف تفادي هذا الصِدام. وبذلك، أنا لا أعني أن نقدم جميع التنازلات التي يطلبونها، لكننا ملزمون بطرح أفكارا ً يمكن أن يدعمها الشعب الأميركي. كما يتوجب أن تأخذ الاضطرابات الجارية الآن في طهران مجراها قبل أن يتم استكشاف تلك الاحتمالات.

شبيغيل: هل تعتقد أنه كان من المفيد لأوباما أن يلقي خطابا ً للعالم الإسلامي من القاهرة ؟ أم أنه أنشأ الكثير من الأوهام حول ما يمكن أن توصله السياسة ؟
كيسينغر: أوباما يتعامل في هذا الشأن مثل لاعب الشطرنج الذي يلعب الشطرنج في وقت واحد، وقد بدأ اللعب بطريقة غير معتادة. لكننا، لم نصل إلى الآن لما هو أبعد من خطوة مباراة الافتتاح. وأنا من جانبي، ليس لدي أي مشكلة مع تلك الخطوة الافتتاحية.

شبيغيل: لم يكتفي أوباما وقتها بإلقاء خطاباً، بل قام بوضع كم من الضغوطات على إسرائيل لوقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية وتأسيس دولة فلسطينية مستقلة.
كيسينغر: يمكن أن تكون المحصلة حل إقامة الدولتين، ويبدو أن هناك اتفاقا ً جوهرياً حول مسألة الحدود الخاصة بمثل هذه الدولة.

شبيغيل: ألا يشعرك الموقف الحادث الآن في إيران بالخوف ؟
كيسينغر: الخوف ليس بالدافع الجيد بالنسبة للحنكة السياسية. وقد يكون هذا نوع من أنواع الصراع المحلي على الأقل، لكن ذلك لا يجب أن يحدث. فإيران تعتبر دولة ضعيفة نسبياً، كما أنها تعتبر دولة صغيرة ذات حدود متأصلة لقدراتها. كما أن علاقة الصين باقي دول العالم تفوق من حيث الأهمية التاريخية القضايا الإيرانية ذاتها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف