حسابات الربح والخسارة بعد إنسحاب الأميركيين من المدن العراقية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إعداد عبدالاله مجيد: كتب الباحث بروس ريدل، من مركز "سابان" لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكنز، تحليلا تناول فيها ما جنته الولايات المتحدة بعد ست سنوات على غزو العراق. وجاء في التحليل: يشكل انسحاب القوات القتالية الاميركية من المدن العراقية بداية النهاية لهذه الحرب ، أو على الأقل الجانب الأميركي منها. والمؤمل ان يؤشر الانسحاب ايضا نهاية حقبة من تضخيم أهمية العراق في السياسة الأميركية. فقد توصل غالبية الاميركيين منذ فترة طويلة الى ان الحرب كانت المعركة الخطأ في المكان الخطأ مع العدو الخطأ. وهم يدركون ان ما دُفع من ثمن بالارواح والموارد لا يتناسب مع المكاسب ، ناهيكم عن الضرر الذي لحق بسمعة الولايات المتحدة من اكذوبة اسلحة الدمار الشامل الى فضيحة ابو غريب. ولكن أشد ما يلفت هو ضآلة القسط الذي ساهمت به الحرب في تحقيق أهداف اميركا الأربعة الأساسية في الشرق الأوسط رغم الكلفة الباهظة.
لنبدأ بأمن الطاقة. خلال الحرب في العراق ارتفع سعر النفط بحدة ثم هبط بالقدر نفسه من الحدة. ولم يكن للعراق دور من الناحية العملية في أي من الاتجاهين. ولم تحقق الحرب أمن الولايات المتحدة في مجال الطاقة. إذ تبقى العربية السعودية وليس العراق هي العامل الحاسم في مستويات الانتاج. ومهما يحدث في العراق بعد الانسحاب النهائي للقوات الاميركية فانه على الأرجح لن يؤثر إلا هامشيا في نظام الطاقة العالمي.
كما ان هزيمة صدام حسين لم تسفر عن تقريب السلام بين اسرائيل والعرب ، كما وعد بعض مؤيدي الحرب. بل ان الحكومة الشيعية الجديدة التي جاءت بها اميركا في العراق لم تكلف نفسها حتى حضور مؤتمر السلام الاميركي في انابوليس في عام 2007 ، وذلك في تعبير مذهل عن جحودها تجاه الرئيس جورج بوش ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس. ومهما يحدث في العراق بعد رحيل آخر جندي اميركي فإن هذا ايضا لن يكون له على الأرجح تأثير يُذكر أو لن يكون له أي تأثير على البحث عن السلام بين العرب واسرائيل.
كانت "القاعدة" من الرابحين الكبار في العراق خلال الفترة الممتدة من 2003 الى 2006 ثم تمادى فرعها العراقي في غيِّه فاعتراه ضعف شديد. ولكن الأهم بكثير ان قيادة "القاعدة" الأساسية تمكنت من البقاء ثم الازدهار في باكستان وافغانستان بسبب توجيه الاهتمام والموارد الاميركية نحو العراق. ولعل حرب العراق انقذت اسامة بن لادن من الموت أو الأسر في عام 2003 لو واصلنا ملاحقته.
الآن تعلن "القاعدة" انها ساعدت في اقناع "العدو الاميركي بقرار الفرار وترك العراق" كما قال زعيمها الافغاني مؤخرا على قناة "الجزيرة". وهو على الأرجح مصيب: فان سعي "القاعدة" الدموي الى إشعال حرب أهلية حرض الاميركيين على تغيير نظرتهم الى الحرب. وبعد رحيل الولايات المتحدة عن العراق قد ينتعش فرع "القاعدة" العراقي الى حد ما لكنه سيبقى على الدوام تهديدا ثانويا بالمقارنة مع تهديد القيادة الأساسية ، لا سيما الآن وقد أنشأت "القاعدة" مثل هذه المعاقل القوية لها في جنوب آسيا. وهي لا يمكن ابدأ أن تأمل بالسيطرة على بلد غالبية سكانه من الشيعة الذين يكرهون الجهاديين السنة.
أخيرا ان حرب العراق أزاحت ألد أعداء ايران ، صدام ، وأسهمت في التصور الشائع في المنطقة بأن ايران والشيعة في صعود. وفي حين ان هذا التصور كان على الدوام مبالغا به الى حد ما فانه اصبح فكرة قوية في المنطقة. وتكفلت حماقة جورج بوش بإجهاض ما حاوله كل رئيس اميركي منذ جيمي كارتر لاحتواء الايرانيين.
سيتعين على الرئيس باراك اوباما ان يبدي حرصا شديدا كي لا يسمح للمشكلة بالتفاقم. فان لدى ايران افضلية الثقافة والجغرافية والتاريخ للقيام بدور في العراق. وقد يساعد الغليان الأخير بتحويل الطاقات الايرانية نحو الداخل ولكننا لا نستطيع ان نراهن على ذلك. وقد أُنيطت بنائب الرئيس جو بايدن مسؤولية التعامل مع السلطات العراقية في مرحلة الانسحاب ليحاول منع اندلاع صراع على السلطة في بغداد يمكن ان يفتح الباب لمزيد من النفوذ الايراني. ستكون مهمته شاقة. فان صراعات العراقيين ذات جذور عميقة ولا تتقبل وصفات العلاج السهلة.
رأى اوباما محقا ان الحرب كانت خطأ من البداية. ورأى ان العراق ليس العامل الحاسم لمصالحنا في الشرق الأوسط ولا مصدر مشاكلنا الأساسي. ويتمثل التحدي الذي يواجهه الآن في أن يُكمل المشوار وينسحب من العراق دون اعطاء ايران (أو "القاعدة") أفضلية لا مبرر لها. وينبغي ان تكون الوطنية العراقية عاملا مساعدا لأن العرب والكرد يرفضون تحكم الفرس بمقدراتهم مثلما رفضوا تحكم الاميركيين بها.