بعد مرور ستة اشهر مشاهد الحرب تلاحق ذاكرة نساء غزة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ميرفت أبو جامع من غزة: رغم مرور أكثر من ستة أشهر على توقف الحرب على قطاع غزة، لازالت ذاكرة ياسمين النجار من جنوب قطاع غزة تشتعل بأصوات طبول الحرب وأزيز الرصاص وفرقعة الصواريخ، هذه الأصوات اعتادت النجار منذ فترة طويلة سماعها، كونها تسكن في منطقة حدودية جنوب قطاع غزة، إلا أنها تقر أن ما شاهدته بهذه الحرب كان الأقوى والأعنف، " هذه أول مرة أمر بتلك اللحظات القاسية، لا استطيع وصف ما عشته بتلك الأيام، لن تنسى من ذاكرتي أبدا".
لم يعد من السهل على ياسمين العشرينية التي تعيش في بيت مجاور لبيتها الذي تهدم أن تقف أمام مشهد البيت المدمر، دون أن تبكي، مستذكرة أيامها الجميلة التي جمعت أسرتها وشهد البيت رغم ضيقه ذكرياتهم التي حفظتها جدرانه تقول،" نعيش في بيت خالي وهو مقابل لبيتنا لم تنل منه آلة الحرب ولا ندري إن كان سيبقى أم سيلحقه الدمار في جولات أخرى"، وتضيف " تهدم البيت ولم نستطع أن نأخذ معنا شيء خرجنا بملابسنا وحين عدنا كل شيء كان مدمر ".
وشنت اسرائيل حربا أواخر ديسمبر الماضي على قطاع غزة،راح ضحيتها آلاف من المواطنين وجرح أكثر من 5000 شخص معظمهم من النساء والاطفال وهدمت آلاف البيوت التي تعود ملكيتها للمواطنين، مكان بيت النجار لم يكن اقل تأثيرا في ذاكرتها ونفسيتها من الشارع الذي شهد إصابتها واستشهاد جارتها " الشهيدة روحية النجار على حد قولها. وتشير إلى المكان بأصبع مرتجف، وتقول :" هنا قتلوها عمدا برايتها البيضاء" وتقصد الشهيدة روحية "، تتابع" كنا أكثر من 100 شخص طلبوا منا مغادرة البيوت ومكان سكننا والذهاب إلى مركز المدينة، رفعنا بأيدينا رايات بيضاء علها تشفع لنا،وخرجنا وفي الطريق فوجئنا بالقوات الخاصة في بيت احد جيراننا حتى أطلقوا علينا النار من مسافة قريبة أصيبت بشظية وروحية قتلوها. تضيف النجار" كلما مررت من هنا تذكرت روحية، وهي تموت وأنا أحاول إسعافها، وتواصل" لن أنسى فالحرب لم تنته بعد، لازالت تدق كل يوم في رأسي، أرى تلك المشاهد التي عشتها في الواقع في أحلامي، كوابيس مفزعة".
أما غادة قديح فأوجاعها تتحرك كساعة حائط،كلما مرت من المكان الذي سلب منها فلذة كبدها،"آه يا ابني يا حبيبي نفسي شوفك ضمك لصدري "، تفتتح حديثها بالدموع قائلة :" استشهد أمام عيني ذهب ليشتري حلوى مات وهي في فمه، حتى لم يتركه الصاروخ يكمل أكلها، وتواصل بصوت مخنوق :" كان أملي في الحياة أن أعلمه ليكون له مستقبل مرموق ينتشلنا من الفقر وسوء أوضاعنا".
وتعيش قديح الحزن والبكاء المستمر، كلما فتحت عيونها مع إطلالة الصباح في اتجاه الشارع الذي لا زال يحتفظ ببعض قطرات دم وقطع لحم لشهداء سبعة فارقوا الحياة كومة من لحم ودم بينهم ابنها وشقيق زوجها.
تقول:" كلما عبرت الشارع تذكرت المشهد كان قاسيا جدا علي" في الساعة الرابعة من كل يوم وهو الوقت الذي شهد المجزرة ترتعش يدي واشعر بهزة عصبية في كل جسدي"
أما أم أيمن 44 عاما لم تستطع أن تتحدث دون رفع اللثام عن وجهها جراء أصابتها بحروق من الصاروخ الذي اخذ عمها وابنتها آلاء ودمر منزل ومأوى العائلة، وأكدت أن مكان بيتها الذي هدم لم تفكر في زيارته وتقيم حاليا عند بيت أختها وتضيف:" لماذا اذهب لكي اصدم بما حدث يكفي أن ذلك يلاحقني في ذاكرتي وأثاره في وجهي ليذكرني كلما نظرت إلى المرآة"
هذا المكان أخذ مني ابنتي آلاء لن أزوره كي لا أتذكر لحظة إصابتها بشظايا الصاروخ ومشهد عمي أشلاء ".
على بعد أمتار من بيت اخترقته قذائف إسرائيلية وتركت فيه فتحات بأحجام مختلفة سارت الطفلة مريم 15 عاما مسرعة ولما سألتها عن السبب ارتعد الكلام في فمها وقالت :" هنا كانت القوات الخاصة التي قتلت جارتنا وصوبت أسلحتها نحونا وأضافت أنها تشعر بانقباض وخوف شديد عندما تمر من هنا وتخشى أن يكون فيه قوات خاصة،لافتة أنها تتجنب السير في الشارع وحدها إلا بصحبة شقيقتها، وتقول :" في هذا المكان يخيل أني في أي لحظة سأتعرض لإطلاق نار أو أفكر أن أحدا يختبئ هنا".
وتشهد حدود قطاع غزة مع اسرائيل هذه الايام هدوءا حذرا بعد ستة أشهر من التوتر والأحداث الساخنة التي عاشها اهالي القطاع، اواخر ديسمبر العام الماضي، وتعبر غادة الزعانين من بيت حانون شمال قطاع غزة عن شعورها بالصدمة حين مرت بمكان بيتها ولم تجده إلا ركاما، وتقول :" لم احتمل رؤيته واخدت ابكي فهو كل ما نملكه في شقاء عمرنا،وتتساءل كيف سنبني في هذه الأوقات بيتا آخر مشيرة أنها تعيش في بيت بالإيجار لحين اعمار بيتهم الذي تهدم.
وعانت نساء غزة خلال الحرب خلال رؤيتهن المشاهد المأساوية والصور الفظيعة التي عكست شراسة الحرب حيث فقدت نساء أسرتها بالكامل أو واحد أو أكثر من أفراد أسرتها وفقدت المأوى والأمان وعشنا حياة قاسية لا تستطع ذاكرتهن أن تمحوها مثلما حدث مع جداتهن في حرب ال 48 وان كانت هذه الحرب الأعنف في تاريخ العدوان ضد الفلسطينيين.
من جهته حذر المعالج النفسي اشرف أبو اسحق من أن أمراض نفسية كبيرة تهدد النساء والأطفال أن لم يقدم لهم الدعم النفسي في وقته وذكر منها الصداع المزمن والاكتئاب والانعزال والانطواء والاضطرابات السلوكية.
وقال"بان المرأة كأي إنسان تعرض لحدث صادم يرتبط عقلها بالحدث نفسه طيلة الوقت، مشيرا أن قوة الناس تتفاوت بحسب قوة جسمهم النفسي وقدرتهم على التكيف مع الأحداث بسرعة،
وبين أن مجرد مرور الضحايا بمكان الحدث أو زمانه فقد تصاب بالاكتئاب بنفس اللحظة التي تلقت فيها الصدمة وتزيد العصبية وتحدث معها نوبات خوف وهلع في ذات المكان وأحلام مزعجة واضطرابات النوم.
و نصح ابو اسحق النساء بالعودة لممارسة حياتهن الطبيعية والتكيف مع المكان ومحاولة إشغال أنفسهن عن مكان الحدث بأعمال البيت أو نشاطات خارجية للابتعاد عن المواقف المحبطة وتجنب المنبهات كالشاي والقهوة وممارسة الرياضة كي تبدد التوتر وتجدد الطاقة ورغم ايجابية وسائل الإعلام في تغطية الأحداث على غزة وفضح جرائم العدوان وخلق رأى عام مناهض للحرب ومتضامن مع الفلسطينيين في غزة إلا أن مختصين يرون أن عرض الإعلام لصور الحرب الدموية يزيد من ويقول الإعلامي د. عاطف سلامة أن على وسائل الإعلام عرض الصور غير المؤلمة وتتجنب عرض صور الدمار والأشلاء حتى لا تذكر الضحايا بتلك الأحداث التي كانوا جزءا منها، وذلك مراعاة لنفسية المشاهد وللتخفيف من ألوان الأحمر القاني والأسود القاتم والميل إلى الألوان المفرحة وألوان تبعث الحياة والأمل في النفوس، مطالبا بضرورة اعمار غزة وبناء البيوت المدمرة لإنهاء معاناة أصحابها،داعيا إلى زيادة مساحة أماكن الترفيه واللعب ومراكز الرياضية من اجل تغيير ذاكرة المكان التي ارتبطت بالدماء والأشلاء والدمار والفسفور.
التعليقات
بعد مرور ستة اشهر
د محمود الدراويش -من خلال خبرتي العيادية ومعرفتي الدقيقة بالاثار والمخلفات النفسية والعقلية لحرب غزة المدمرة والهمجية بكل المعايير الانسانية والاخلاقية,وهجم الاذي التي تركته هذه الحرب على اطفال غزة ونسائها وشيوخها وحتى شبابها, وشح الامكانيات العلمية والعلاجيةالنفسية المتخصصة و قلة و تواضع الكوادر المدربة الملمة بكل اساليب الطب والعلاج النفسي المتخصص , والعدد الهائل ممن يحتاجون لرعاية معمقة ومتخصصة, وطبيعة الاصابات النفسية وما تتطلبه من رعاية وعلاج ومتابعة طويلة, والاف الاصابات الجسدية التي تحتاج الى رعاية وعمل علاجي نفسي مرافق للعلاج الجسدي, وانعدام البنى التحتية الاساسية الضرورية لقيام خدمة علاجية نفسية, فلا املك الا ان اقول لكم الله يا اهل غزة , انا اعرف طينة شعبنا الصلبة والشديدة والعصيةعلى الانحناء والاستسلام , واعرف ما يتمتع به شعبنا من روح وطنية مقدامة لا تخاف الردى ولا تهاب الموت ,واعرف استعداد الناس للتضحية وبسالتهم وتجربتهم الدامية في مقارعة عدو لا يعرف سوى لغة البطش والقتل ورغبة اكيدة في افناء شعبنا , واعرف ايمان شعبنا بالقضاء والقدر والشهادة , ومع كل هذا يجب علينا ان نعلن غزة باطفالها ونسائها ومرضاها وعجزتها منكوبة نفسيا, وانها تحتاج الى خدمات علاجية تفوق قدرة شعب محاصرسدت في وجهه كل السبل وعاجز عن التعامل بمفرده مع عشرات الاف الاصابات النفسية وعصاب الحرب وهستيريا الحرب , واشكال اخري من الاضطرابات النفسية التي تسبب بها العدوان القاتل والمدمر والمفرط بالقوة في رقعة صغيرة وذات اعلى كثافة سكانية في العالم , ان هجم الاذى النفسي الذي وقع على غزة كبير وكبير جدا, ولا ادري كيف السبيل الى عمل نفسي سليم بامكانات وخبرات محلية معدومة , ان العمل النفسي المطلوب لغزة يحتاج الى جيش من المتخصصين المهرة لانقاذ ما بمكن انقاذه وايقاف عذابات الكثيرين والامهم النفسية وما سيرافقهم في حياتهم من مشاعر وانفعالات نفسية معيقة لنمائهم وتطورهم النفسي وحياة معافاة من الاضطرابات النفسيةوالعقلية