أخبار

سوتومايور أول لاتينية للمحكمة العليا في الولايات المتحدة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

واشنطن: تحظى تعيينات المحكمة العليا باهتمام كبير من قبل الأوساط الرسمية والشعبية الأميركية؛ لما لتأثير قراراتها على مستقبل وحياة المواطن الأميركي في كثير من القضايا التي تُثير جدلاً سياسيًّا واجتماعيًّا داخل الولايات المتحدة من قبيل قوانين زواج المثليين والإجهاض وحق حمل السلاح والحقوق المدنية وما إلى ذلك. ناهيك عن الأهمية الخاصة لتسمية الرئيس الأميركي "باراك أوباما" لـ"سونيا سوتومايور Sonia Sotomayor" لعضوية المحكمة العليا لتكون أول قاضية من أصل لاتيني في المحكمة العليا في حال المصادقة على تعيينها من قبل مجلس الشيوخ.

إن تعيين "سوتومايور" لعضوية المحكمة العليا الأميركية، خلفًا للقاضي المتقاعد "ديفيد سوتر David Souter"، يتطلب موافقة أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي شأنها شأن كبار المسئولين الذين يعينهم أوباما، من وزراء وسفراء. وفي الثالث عشر من يوليو الجاري بدأت جلسات الاستماع والمساءلة باللجنة القضائية بمجلس الشيوخ الأميركي للموافقة على تعيين القاضية المرشحة لعضوية المحكمة العليا.

وسيجري مجلس الشيوخ أثناء جلسات الاستماع تحقيقات ومقابلات ومناقشات قبل أن يصوت بالموافقة على تعيين "سوتومايور" أو رفضها. وفي حال الموافقة على تعيين "سوتومايور" ستكون أول شخص ينحدر من أصول لاتينية، وثالث امرأة تخدم في عضوية المحكمة العليا.

ونظرًا لأن قضاة المحكمة العليا يصدرون أحكامًا في قضايا جدلية، كالحكم التاريخي الخاص بالرِّق والحكم الخاص بالفصل العنصري، يخضع القضاة المعينون لعضوية المحكمة العليا لتدقيق شديد متمعن. فقد تستغرق جلسات الاستماع للموافقة على تعيينهم عدة أسابيع أو شهور. فقد دامت عملية الموافقة على تعيين القاضي "سامويل أليتو Samuel Alito" ـ على سبيل المثال ـ ثلاثة أشهر خلال العام 2006.

ومن الجدير بالذكر أن المحكمة العليا هي أعلى محكمة في الولايات المتحدة الأميركية. وتتألف من تسعة قضاة يُفترض أن يخدموا في عضويتها مدى الحياة، وينظروا في القضايا التي تستأنف وترفع إليها بعد نظرها في المحاكم الدنيا، كما ينظرون في بعض القضايا الأصلية التي ترفع أمامها.

خطوات أربعة للتعيين

تولي "سوتومايور" منصبها بالمحكمة العليا الأميركية، يخضع لعدة خطوات أشارت لها لورين كالدويل Lauren Caldwell، في مقالة لها عن بداية جلسات الاستماع للموافقة على تعيين "سوتومايور"، ويمكن إجمال تلك الخطوات في الآتي:

أولاً: تقديم الرئيس اسم المرشح أو المرشحة للتعيين إلى مجلس الشيوخ للحصول على موافقته على تعيين المرشح. فقد حددت المادة الثانية (الفقرة الثانية) من الدستور الأميركي أن قاضي المحكمة العليا مثله مثل السفراء والوزراء يرشِّحهم الرئيس ويتم تثبيت تعييناتهم في مجلس الشيوخ. وقبل إعلان أوباما عن اختياره القاضية "سونا سوتومايور" لعضوية المحكمة العليا، ولضمان عدم اعتراض أعضاء مجلس الشيوخ على التعيين تحدث إلى أعضاء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، منهم أعضاء من اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ التي تعقد بها جلسات الاستماع للموافقة على تعيين "سوتومايور".

ثانيًا: قيام مكتب المباحث الجنائية الفدراليFederal Bureau of Investigations (FBI) بالتدقيق الشامل في تاريخ المرشح وخلفيته. ولذا سيتحدث موظفو (FBI) إلى أصدقاء "سوتومايور" وزملائها وسيتفحصون سجلاتها الجنائية والمدرسية بحثًا عن أي مخالفات.

ثالثًا: تبدأ بعد ذلك اللجنة القضائية جلساتها للاستماع إلى الشهادات والتحقيق، وتلك الجلسات بدأت بالفعل في الثالث عشر من الشهر الجاري. وتتألف اللجنة من تسعة عشر عضوًا منهم اثنا عشر عضوًا من الديمقراطيين وسبعة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين. ويطرح الأعضاء على "سوتومايور" أسئلة حول القرارات التي اتخذتها في الماضي وأحكامها كقاضية وعن تفسيرها للدستور.

إلا أنه، حسب لورين كالدويل، من غير المحتمل أن تكشف "سوتومايور" عن الكيفية التي ستصوت بها في القضايا الجدلية كقضية الإجهاض والهجرة وحمل السلاح، وهي كلها قضايا جدلية تهم الشارع الأميركي. فينص "القانون الداخلي للسلوك النموذجي لنقابة المحامينAmerican Bar Associationrsquo;s Model Code of Judicial Conduct على أنه لا يقدم القاضي أو القاضية تعهدات أو وعودًا أو التزامات بالنسبة للقضايا التي ستعرض على محكمته أو محكمتها.

رابعًا: عقب انتهاء جلسات الاستماع والمساءلة، تُدلي اللجنة القضائية بأصواتها وتُقرر ما إذا كان مجلس الشيوخ يوافق على التعيين أم لا. ولم يحدث إلا في حالات نادرة أن أحالت اللجنة قرارها على مجلس الشيوخ دون توصية بالموافقة أو الرفض. إلا أنه بقطع النظر عن قرار اللجنة فإن الموافقة على تعيين المرشح رسميًّا أو رفضه لا تتم دون أغلبية أصوات مجلس الشيوخ. وفي حالة تساوي الأصوات، يكون صوت نائب الرئيس هو المرجَّح.

وتشير كالدويل في مقالتها إلى أنه لم تزد نسبة القضاة المرشحين الـ158 الذين عرضوا على اللجنة كمرشحين لعضوية المحكمة العليا منذ تأسيسها عام 1789 ورفضتهم اللجنة عن 20 بالمائة. وقد رُفض بعض المرشحين من أمثال القاضي "روبرت بورك Robert Bork" في العام 1987 من قبل اللجنة ومجلس الشيوخ على السواء. وسحبت أسماء آخرين مثل القاضية "هارييت مايرز Harriet Myers" في العام 2005 قبل التصويت لأنه تبين عدم إمكانية حصولهم على الموافقة.

انقسام حول "سوتومايور"

ومنذ إعلان الرئيس "أوباما" عن اختيار "سوتومايور" في السادس والعشرين من مايو المنصرم لعضوية المحكمة العليا الأميركية، إلا أن هناك كثيرًا من الانتقادات لهذا الاختيار لاسيما من الجانب الجمهوري. فمدح الرئيس الأميركي لـ"سوتومايور" بأنها لا تمتلك المعرفة والخبرة المتخصصة اللتين حصلت عليهما خلال مسيرة عملية بارعة في حقل القضاء فحسب، بل والحكمة التي تجمعت لديها من خلال رحلة حياة محفزة أيضًا، يراه إليس كوز Ellis Cose في مقالة له تحت عنوان " شاهدة كاريكاتورية Caricature Witness" بمجلة النيوزويك Newsweek في الثلاثين من مايو المنصرم، ردًا مسبقًا على انتقادات متعددة داخل الأوساط الجمهورية بعد إعلان أوباما عن "سوتومايور" كمرشحته لعضوية المحكمة العليا الأميركية من أنها لا تمتلك الوزن الفكري اللازم لتكون عضوًا في المحكمة العليا.

ويشير في مقالته إلى أن هذا الانتقاد انطلق في مقالة نشرتها مجلة نيو ريبابليك New Republic شكك كاتبها في قدرة "سوتومايور" على موازنة قوة القضاة المحافظين في المحكمة. ثم انتقل هذا الانتقاد كالنار في الهشيم إلى المدونات على الإنترنت وغيرها من وسائل الإعلام.

وبعد ثلاثة أيام من جلسات الاستماع القوية والشاقة على "سوتومايور" تظهر كثيرٌ من التقارير الإعلامية والصحفية أن هناك انقسامًا بين أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري باللجنة عن مدى نجاح "سوتومايور" في توضيح رؤيتها وفلسفتها للعمل بالمحكمة العليا في حال الموافقة على تعيينها. فهناك عدد من الجمهوريين مثل السيناتور الجمهوري جون كورنين John Cornyn وJeff Sessions غير راضيين عن إجابات "سوتومايور" حيث يرون أنها تفتقد إلى الوضوح والشفافية الكافيتين. فيشير كورنين إلى أن "سوتومايور" تتعمد الغموض حيال عديدٍ من القضايا التي تهم المواطن الأميركي.

وفي المقابل يرى كثير من الديمقراطيين ومنهم على سبيل المثال السيناتور الديمقراطي عن ولاية ميرلاند بين كاردين Ben Cardin أن إجابات "سوتومايور" كانت واضحة وجلية ومباشرة، وأنها أتت ردًّا على انتقادات زملائه من الجمهوريين. ويرى كاردين أن إجابات "سوتومايور" خلال جلسة الاستماع تؤشر إلى أن أحكامها تعتمد على الحقائق، ومنتهجة الإجراءات القانونية، فيقول "هذا ما نريد أن نراه في قضائنا".

"سوتومايور" لموازنة المحافظين

يُرشح رؤساء الولايات المتحدة في معظم الأحيان قضاة يشاركونهم اتجاهاتهم الأيديولوجية. غير أن القضاة في كثير من الأحايين يتخذون قرارات لا تتوافق مع ما كان الرئيس يتوقعه. فعلى سبيل المثال عين الرئيس الأسبق "جورج بوش" الأب القاضي "ديفيد سوتر" (الذي ستحل محله "سوتومايور" في حال المصادقة على تعيينها) في المحكمة العليا عام 1990 متوقعًا أن يكون قاضيًا محافظًا، غير أن آراءه واتجاهاته كانت تميل بشكل عام إلى الليبراليين، عكس ما كان يتوقع بوش الأب.

وفي حال الموافقة على تعيين "سوتومايور" لعضوية المحكمة العليا الأميركية ستنضم إلى محكمة منقسمة بالتساوي بين أربعة قضاة يعتبرون ليبراليين بصفة عامة وأربعة آخرين يعتبرون محافظين بصفة عامة. وستحتل "سوتومايور" مقعد القاضي "ديفيد سوتر" الذي يستدل من سجل تاريخ تصويته على أنه كان يصوت ليبراليًا رغم تعيينه من رئيس جمهوري هو جورج بوش الأب في عام 1990، وإلى جانبه نجد جون بول ستفنز John Paul Stevens، وستيفن براير Stephen Breyer ، وروث بادر جينزبرج Ruth Bader Ginsberg. . أما القضاة المحافظون فهم رئيس المحكمة العليا جون روبرتس John Roberts، وصمويل أليتوSamuel Alito، وأنتونين سكاليا Antonin Scalia، وكلارنس توماس Clarence Thomas. أما القاضي أنتوني كيندي Anthony Kennedy فهو غالبًا من الأصوات المتأرجحة في الوسط، حسبما قال بنجامين ويتس Benjamin Wittes مدير الأبحاث في مركز أبحاث بروكينجزBrookings Institution.

وبهذا التوازن المتقارب لوجهات النظر السياسية في المحكمة حاليًا، فإن ذلك يعني أن كل مرشح جديد يمكن أن يغير التوازن الأيديولوجي للمحكمة، ولذا فإن ترشيح "سوتومايور" يخضع لفحص دقيق من الجمهور ومن الكونجرس. وفي مناسبات قليلة، استقطبت المناقشات الدستورية ذات الأبعاد الأخلاقية (كالعبودية أو الرق، والإجهاض، والفصل العنصري) الرأي العام الأميركي بشأن اختيار قضاة المحكمة العليا.

"سوتومايور" من أحياء نيويورك إلى القضاء

أشاد "أوباما" بتغلب سوتومايور على مصاعب طفولتها وشقائها فوصفها بأنها "امرأة ملهمة". فمن المعروف أن سوتومايور نشأت في مساكن شعبية مدعومة من الحكومة في حي برونكس Bronx بنيويورك لأسرة مهاجرة من بورتو ريكو واستطاعت دخول الجامعة بفضل منحة دراسية نالتها عن جدارة.

ودرست "سوتومايور" في جامعة برنستون Princeton University، التي حازت منها على أعلى جوائزها الأكاديمية، جائزة شرف أم تايلور بين M. Taylor Pyne Honor Prize. وتخرجت في كلية حقوق جامعة ييل Yale University Law School، وكانت محررة لمجلة قانون جامعة ييل Yale Law Journal.

لدى "سوتومايور" خبرة ما تقرب من سبعة عشرة عامًا في المجال القضائي. فقد شغلت سوتومايور لمدة أحد عشر عامًا منصب قاضٍ بالدائرة الثانية في محاكم الاستئناف الأميركية، وهو المنصب الذي رشحها له الرئيس الديمقراطي السابق "بيل كلينتون". وفي عام 1992 رشحها الرئيس الجمهوري جورج بوش الأب لتشغل منصب قاض في إحدى الدوائر القضائية الفيدرالية الأميركية بولاية نيويورك. كما عملت سوتومايور أيضًا كمحامية بإحدى شركات الاستشارات القانونية الخاصة وكمساعد للمدعي العام بأحد أحياء مدينة نيويورك أيضًا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف