لماذا يهدد وضع القدس خطط أوباما للسلام بالمنطقة؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
دبي: في الصيف الماضي، وفي كلمته له في سياق الحصول على دعم الجماعات الموالية لإسرائيل التي عبرت عن قلقها إزاء التزامه بالدولة اليهودية، أعلن مرشح الرئاسة آنذاك، باراك أوباما، أن "القدس ستبقى عاصمة لإسرائيل، ويجب أن تبقى موحدة." هذه الكلمات ربما تعود حالياً لتطارد أوباا وهو يسعى لاستئناف عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية المحتضرة عن طريق دفع إسرائيل لتجميد كافة أشكال البناء خارج حدود ما قبل عام 1967.
فقد وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خطاً أحمر فيما يتعلق بالقدس، ورفض بشدة مطالب واشنطن بوقف مشروع البناء في الجزء الشرقي العربي من المدينة التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967. إسرائيل تدعي السيادة على كامل القدس، وقال نتنياهو في اجتماع مجلس وزرائه الأحد إن مزاعمه أمور غير قابلة للتفاوض، بحسب ما ذهبت إليه مجلة "التايم" الأميركية.
ورغم معارضة الولايات المتحدة الروتينية لأعمال البناء الإسرائيلية في القدس الشرقية - وهي الأعمال التي وصفها الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، ووزيرة خارجيته، كوندوليزا رايس، بأنها "غير مفيدة" - فإن نتنياهو يراهن على ما يبدو على أنه من خلال التحدي العلني لأوباما بشأن القدس، فإنه يستطيع حشد التأييد له من زعماء اليهود في الولايات المتحدة الذين عبروا مؤخرا عن قلقهم بشان سياسات الرئيس الشرق أوسطية، وكذلك تأييد المسيحيين المحافظين المؤيدين لإسرائيل.
ومن الواضح أن الإسرائيليين يسعون للقيام بحملة حيال ذلك، فرئيس بلدية القدس أرسل إلى الولايات المتحدة لحشد المعارضة لموقف الإدارة الأميركية من المدينة. ولكن إيجاد صيغة لتقاسم القدس، فالجزء الشرقي منها يريده الفلسطينيون أن يكون عاصمة لدولتهم المستقبلية، يعد أمراً أساسياً لعملية السلام التي سعى أوباما لإحيائها؛ ولن يكون هناك فلسطيني أو عربي يمكنه الموافقة على أي اتفاق يترك كل مدينة القدس تحت السيطرة الإسرائيلية.
لذلك وباختياره المدينة المقدسة باعتبارها ساحة لاختبار إرادات مع أوباما، فإن نتنياهو يصعد بشكل أكبر من تحديه لأجندة الرئيس الأميركي لإحلال السلام. لقد احتلت إسرائيل الجزء الشرقي من القدس خلال حرب عام 1967، غير ان مطالبتها بالسيادة على الجزء المحتل من القدس لم تحظ باعتراف دولي. وفي إطار عملية للسلام في أوسلو، التي بدأت عام 1993، تم وضع القدس باعتبارها واحدة من قضايا "الوضع النهائي" ليتم التفاوض بشأنها في اتفاق سلام، إلا أن إيجاد حل لتقاسم المدينة واحدة من المسائل الشائكة.
فعندما تجرأ رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، على التفاوض حول القدس في كامب ديفيد عام 2000، توجه زعيم حزب الليكود آنذاك، أرييل شارون، المقدسات الإسلامية في المدينة في حركة رمزية تعبيراً عن تصميم حزبه على بقاء المدينة كلها بأيدي الجيش الإسرائيلي. وأشعلت زيارة شارون انتفاضة جديدة في الضفة الغربية وغزة وكانت شرارة الانتفاضة الثانية. واليوم يبدو زعيم حزب الليكود، نتنياهو، والأحزاب المتحالفة معه مصممون، كما كان شارون، على الاحتفاظ بالقدس "عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل."
وهذا الأمر ليس مفاجئاً. إن تقاسم القدس قد يكون واحداً من المتطلبات الأساسية لحل الدولتين الذي تطور خلال العقدين الماضيين، إلا أن نتنياهو أعلن تأيده المتردد متأخراً لهذا الحل، وحتى بعد ذلك التأييد، فإنه جاء مشروطاً بشروط، حتى العديد من مؤيديه يعترفون بأنه من غير المحتمل أن يقبل بها أي زعيم فلسطيني.
كما أنه رفض مطالب واشنطن بتجميد بناء المستوطنات. ووصلت مفاوضات الجانبين حول هذه المسألة لطريق مسدود، فيما تم تأجيل لقاء كان مقرراً سابقاً بين نتنياهو ومبعوث أوباما للسلام في الشرق الأوسط، السناتور جورج ميتشل، حيث وتأجلت للمرة الثانية هذا الأسبوع. إن رفض حتى مناقشة وضع القدس الشرقية يثير شكوكاً بين العرب بشأن جدية نتنياهو حول حل الدولتين.
لقد حذرت إدارة أوباما إسرائيل من مغبة المضي قدماً في مشروع إقامة حي سكني في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تنظر ترى أعمال البناء هذه تماماً كعملية توسيع المستوطنات. ولكن فيما أبدت حكومة نتانياهو استعدادها لتفكيك بعض البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة الغربية (ومعظمها يعيد المستوطنون بناءها في غضون أيام) أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأحد أن "إسرائيل لن توافق على هذا في القدس الشرقية."
ورغم أن أوباما يحظى بدعم دولي واسع - الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة التي أبدت دعمها العلني لموقف الولايات المتحدة - فمن الواضح أن نتنياهو يعتقد أن بإمكانه إجبار الرئيس الأميركي على التراجع. وبقيامه بذلك، فإن ورئيس الوزراء الإسرائيلي يكون قد اتخذ موقفاً سيجد من الصعوبة بمكان أن يتراجع عنه.
من الواضح أن نتنياهو سيحصل على دعم سياسي قوي داخل إسرائيل لوقوفه في وجه واشنطن فيما يخص القدس (كما فعل بمقاومته الضغوط من أجل تجميد الاستيطان)، وهو يتوقع أنه فيما يتعلق برمزية قضية لمدينة المقدسة القوية، فإنه سيفوز بدعم زعماء اليهود والمسيحيين المحافظين في الولايات المتحدة.
وخلال تقديم لنتنياهو، عبر وصلة فيديو في المؤتمر السنوي لجماعته المعروفة باسم "المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل" تعهد القس المحافظ، جون هاغي، بتوفير دعم 50 مليون مسيحي من أجل "حق إسرائيل السيادي في النمو وتطور المستوطنات على النحو الذي تراه مناسباً وليس الخضوع لضغوط حكومة الولايات المتحدة الأميركية." المشكلة التي تواجه أوباما هو أن الضغط من أجل حل الدولتين وضعه على خلاف مع حكومة إسرائيلية مترددة اختارت الآن قضية القدس الحساسة باعتبارها اختباراً للمدى الذي يمكن أن يبدي استعداده (أي أوباما) للذهاب إليه.
وإذا تراجع، فإن أوباما يسحب ما كان قاله عندما مد يد التواصل مع العالم الإسلامي، ويمكن أن نتوقع فشل جهوده لتسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني قبل أن تبدأ عملياً. غير أن الضغط المسبق حول مسألة القدس وأجندة السلام بشكل عام سيعني تكلفة سياسية مرتفعة للرئيس الأميركي.