مؤتمر في واشنطن يناقش معضلة غوانتانامو
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: بعد تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية في العشرين من يناير العام الحالي، أصدر الرئيس باراك أوباما أمرًا تنفيذيًّا بإغلاق معتقل غوانتانامو منهيًا بذلك إحدى السياسات السيئة السمعة التي انتهجها الرئيس جورج بوش، والمتمثلة في اعتقال وتعذيب السجناء في خليج غوانتانامو بكوبا. وحمل القرار رسالة إلى المجتمع الدولي مفادها "أن الولايات المتحدة، التي أُسست على مبادئ الكرامة الإنسانية والحرية، لن تهين الحقوق التي تدعي الدفاع عنها".
ومع أن قرار أوباما يُشير إلى التقدم الهام في الجهود الأميركية للإصلاح، فإنه على إدارة أوباما أن تفي الآن بوعودها، ما يعني معالجة المسائل الرئيسة المرتبطة بمعتقل غوانتانامو والمتعلقة بالاحتجاز والترحيل القسري وتعذيب المعتقلين. وهي القضايا التي كانت موضوع ندوة عقدت في واشنطن العاصمة في الخامس عشر من يونيو الماضي تحت عنوان (استعادة المصداقية في حقوق الإنسان والديمقراطية)، بمشاركة كل من إيساندر العمراني ، المحلل والكاتب المقيم بالعاصمة المصرية القاهرة، والذي كان معنيًا بتقديم وجهة نظر العالم العربي تجاه القضية. بينما تناولت كل من كلوديا هيليبراند ، وهيثر هيرلبرت ، الأمر من منظور أوروبي وأميركي.
وتمثلت النتيجة الأساسية التي توصل إليها الخبراء الثلاثة، في أن استعادة المصداقية الدولية للولايات المتحدة الأميركية لن تكون عملية سريعة أو سهلة، ليس فقط بسبب صعوبة القضايا التي تواجهها، بل أيضًا بسبب المعوقات السياسية واللوجستية.
بوش ومعتقل غوانتانامو
دشنت إدارة بوش الابن، في الثماني سنوات التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ما أطلق عليه حينها روبرتو غونزاليس "منظور جديد" يتعلق بالحرب ضد الإرهاب. اعتمادًا على فلسفة هذا المنظور الجديد فإن الاحتياجات الأمنية المزعومة للحرب ضد الإرهاب قد حلت محل القوانين المحلية والدولية الخاصة بحقوق الإنسان. بعبارة أخرى أصبحت الاعتبارات الأمنية تحظى بالأولوية المطلقة حتى على حساب احترام القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان. ومن ثم تآكلت الإجراءات الخاصة بضمان المحاكمة والمعاملة العادلة للمحتجزين بشكل كبير خلال هذه الفترة، استنادًا على أيديولوجية تبرر استخدام أي وسيلة للحرب على الإرهاب. وكانت النتيجة تراجع المكانة الدولية للولايات المتحدة بشكل كبير.
وكما ذكر الرئيس أوباما الأميركيين مرارًا، فإن انتهاكات حقوق الإنسان والتي أعقبت العام 2001 قد أدت إلى الإضرار بالأمن القومي الأميركي. وتحول خليج غوانتانامو إلى أداة تجنيد قوية للشبكات الإرهابية، ناهيك عن الضرر الذي أحدثه بصداقات واشنطن في جميع أنحاء العالم. وكان العالم العربي أكثر مناطق العالم شعورًا بـ"نفاق" الولايات المتحدة (تبنيها لخطاب مدافع عن حقوق الإنسان في الوقت الذي تقوم فيه بانتهاك هذه الحقوق)، وتتضح خطورة هذا الأمر من أن الولايات المتحدة لا تحتاج لكسب احترام منطقة أكثر من حاجتها لكسب احترام العالم العربي.
ورغم أن إدارة أوباما قد أعلنت عزمها على بدء فتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي، فإنه من المستحيل، كما يشير العمراني، التقليل من حجم الدمار الذي تسببت به إدارة بوش الابن، فدعوة أوباما لبدء صفحة جديدة قد قوبلت في منطقة الشرق الأوسط بـ"التفاؤل الحذر"، حيث الخبرة السيئة جدًّا لدى شعوب هذه المنطقة من تدخل الولايات المتحدة في المنطقة تتطلب معالجتها أكثر من مجرد "خطابات جوفاء" أو "حلول سطحية"؛ فعلى الولايات المتحدة أن تثبت مصداقية وعودها عبر السياسات الفعلية إذا كانت تأمل في الحصول على الدعم.
وقد يساعد إغلاق معتقل غوانتانامو في غضون عام، في إثبات جدية سعي الولايات المتحدة ومصداقياتها. لكن إغلاق معتقل غوانتانامو، حسبما تشير "هيثر هيرلبرت" المدير التنفيذي لشبكة الأمن الوطني، وإحدى الكتاب السابقين لخطابات الرئيس الأميركي بيل كلينتون، قد يكون أكثر صعوبة مما كان متوقعًا. فبرغم أن مهلة سنة تبدو فترة زمنية مناسبة، فإن التركة التي ورثتها إدارة أوباما ثقيلة.
المعضلة اللوجستية لغلق المجتمع
وأشارت هيرلبرت إلى المدى التعقيد اللوجستي الذي يعتري قرار إغلاق معتقل غوانتانامو، فعلى سبيل المثال لم يكن هناك ملفات شاملة عن سجناء غوانتانامو قبل عام 2009. وكانت المعلومات الخاصة بكل سجين، والتي تم جمعها من خلال الاستجواب أو التحريات، مبعثرة في مواقع وإدارات مختلفة. وبناء على ذلك سيكون من الصعوبة تحديد مَن مِن السجناء يشكل تهديدًا خطيرًا للولايات المتحدة ومن لا يشكل، وربما يستغرق هذا وقتًا طويلاً أيضًا.
وإضافة إلى هذه العقبات اللوجستية، فإن هناك انقسامًا حادًّا بين أفرع الحكومة المعنية بحقوق الإنسان والأمن الوطني. ففي حين يرى البعض ضرورة التركيز على اعتبارات الدفاع، يرى البعض الآخر أهمية التركيز على المبادئ والقيم الأميركية. ولأن أحدًا لا يملك معلومات إحصائية مثل نسبة المحتجزين المفرج عنهم والذين عادوا إلى ممارسة الإرهاب مرة أخرى، يصبح النقاش عالقًا بين مجموعة من الآراء والمصالح الفئوية. ومن ثم قد تستغرق إدارة أوباما بعض الوقت في سبيل الوصول إلى توافق.
وكغيرها من القضايا موضع الاهتمام داخل الولايات المتحدة الأميركية، تعرضت قضية إغلاق معتقل غوانتانامو إلى قدر لا بأس به من التلاعب السياسي، فقد عملت قوى المعارضة على المبالغة في خطر السجناء، ما جعل من قبول السياسيين استضافة السجناء على أراضي ولاياتهم نوعًا من الانتحار السياسي. ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يحتاج تعاونًا دوليًّا، لأنه لا يمكن استضافة كل السجناء في المنشآت الأميركية، وهو ما سيتطلب بدوره موافقة حلفاء الولايات المتحدة على إجراءات النقل والاعتقال، وسيستغرق ذلك وقتًا أطول قد يؤدي إلى مد الوقت المحدد لإغلاق المعتقل.
المعضلة الأخلاقية
وعلى الرغم من العقبات اللوجستية والسياسية التي تعقد من عملية إغلاق غوانتانامو، فإن الأمر الأكثر إثارة للجدل هو "المعضلات الأخلاقية" التي ينطوي عليها. فإيجاد توازن بين الأمن وحقوق الإنسان أمر ضروري لأية دولة، بل ويعتبر مسألة أساسية بالنسبة للهوية الوطنية، وعامل هام في تحديد السياسات. وعلى الرغم من أن المصالح الاستراتيجية والأخلاق لا يُستبعد بعضها بعضًا، فإن الاعتبارات الخاصة بالدفاع قد تأتي على حساب حقوق الإنسان، والعكس بالعكس.
وفي السنوات الثماني التالية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، طغى الخوف على سياسة الولايات المتحدة، وتم إضعاف نظام الرقابة والتوازن، وتضررت سلامة النظام القضائي وتآكلت المصداقية الأميركية سواء كقائد أخلاقي أو كدولة ديمقراطية. وأصبح خليج جوانتانامو مرادفًا لاستخدام التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان.
الترحيل القسري
وبرغم أن الترحيل القسري للمشتبه بهم هو "وسيلة خرقاء"، كما يشير الدكتور دانيال بايمان أحد كبار الباحثين في مؤسسة بروكينجز في جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، فإنها تعتبر "أداة حيوية لمكافحة الإرهاب". ونتيجة لذلك لابد أن يتم ترحيل المشتبه بهم بصورة أكثر شفافية وأكثر انسجامًا مع حكم القانون من أجل تقليل التكاليف البشرية والدبلوماسية.
وفي حين أن الترحيل القسري ليس بالأمر الجديد (وقعت أولى عملية للاعتقال والترحيل القسري في عام 1987. ومنذ ذلك الوقت وحتى عام 2001، لم تحدث سوى 70 عملية ترحيل قسري)، فإنها تحولت في الآونة الأخيرة إلى قضية سياسية. فالخوف المتزايد من الإرهاب في أعقاب هجمات العام 2001 قد أدى إلى مزيد من عمليات الاعتقال والترحيل القسري، ما أدى إلى تآكل الرقابة واحترام سيادة القانون. وعقب أحداث سبتمبر 2001، تزايدت عمليات تسليم المشتبه بهم حيث تُشير التقديرات إلى تسليم أكثر من 100 من المشتبه بهم.
ومن السابق لأوانه معرفة أي نوع من الترحيل القسري ستتبناه إدارة أوباما. وتتجاهل الإدارة الجديدة احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون في الخارج في سياستها الخاصة بالترحيل، لن يؤدي ذلك فقط إلى وصم الولايات المتحدة بالنفاق، بل إنه يتعارض بشكل تام مع مصالحها الأمنية على المدى الطويل. وعلى الرغم من أن تسليم المعتقلين قد يكون أداة حاسمة لضمان الأمن، ومن غير المرجح أن يتم إلغاؤه كليةً، فإنه لابد من وضعه في إطار نظام من الرقابة والشافية والتنظيم.
وعلى المنوال ذاته، لابد من إعادة النظر في ممارسات من قبيل الاحتجاز الوقائي (حبس المتهمين الذين يشكلون تهديدًا للأمن القومي من دون محاكمة) واحتجاز السجناء في الخارج. وهناك دلائل تُشير إلى أن إدارة أوباما تتفهم الحاجة إلى الإصلاح، وأهمية وجود إطار قانوني لضمان اتخاذ الإجراءات الملائمة.
ومع ذلك، لا يمكن لأي بلد أن تحفظ أمنها الوطني على نحو فعال من دون تكلفة، لكن تحقيق التوازن هو أمر ممكن بشكل يضمن السلامة العامة ويحمي حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه. ويشير النقاش والجدل الذي شهدته الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة إلى أنه لن تكون هناك حلول سهلة أو سريعة. ولا يرجع ذلك إلى غياب القناعة لدى الأميركيين لكن لأن الأمور شديدة الأهمية مثل الأخلاق الوطنية والاعتبارات الأمنية تتطلب نقاشات مفتوحة وعادلة. وكما يشير العمراني، فإن هذه المسائل المعقدة لم تشرح بشكل كافٍ للعالم الخارجي، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط. ومن ثم فإنه "من خلال إعادة النقاش إلى المجال العام، سيكون بوسع الإدارة الجديدة إيجاد حلول ترضي الرأي العام على الصعيدين المحلي والدولي.