أخبار

أكثر من مجرد قرصنة.. آفاق حل أزمة الصومال

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

واشنطن: يتمركز أسطول بحري دولي يتألف من نحو 25 سفينة حربية - بمشاركة كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والصين، وروسيا، وتركيا، والهند- حاليًا قبالة سواحل القرن الأفريقي. ويقوم بدوريات في مياه خليج عدن الخطيرة، مستهدفًا القراصنة الصوماليين الذين هاجموا، في العام الماضي، ما يقرب من 111 سفينة تجارية ونجحوا في اختطاف 42 منها.
وللأسف، ليست القرصنة أشد الكوارث التي يُعاني منها الصومال. فنتيجة لثمانية عشر عامًا من الحرب الأهلية المستمرة، يُعاني الصومال من أزمة إنسانية واسعة النطاق، كما أنه أصبح ملاذًا للقوى المتطرفة التي تسعى لفرض تفسير متشدد للشريعة (القانون الإسلامي)، وتقوم بتنظيم عمليات إرهابية. ورغم أن الولايات المتحدة اختارت أن تقود القوة البحرية الدولية لمكافحة القراصنة، فإن عليها أن تأخذ في الاعتبار تجارب التدخل العسكري السابقة والتي كان مصيرها الفشل، قبل أن تنشر أي قوات على الأرض. وبدلاً من ذلك، يتعين على الولايات المتحدة العمل على حل المأزق الصومالي عن طريق إشراك الصوماليين، ودعم المعتدلين في الفصائل التي تسعى للسيطرة على مقديشو، وتقديم الدعم لحكومات أكثر المناطق استقرارًا في الصومال.

القرصنة. خطر متزايد
على الرغم من الوجود البحري الدولي في خليج عدن، فإن معدل هجمات القراصنة قد ارتفع خلال الماضي، مسجلاً رقمًا قياسيًّا. وشهد العام الجاري (2009) 29 محاولة اختطاف ناجحة من بين 114 هجوم تعرضت له السفن. وإذا استمر القراصنة بالمعدلات الحالية ذاتها، ستتزايد عدد الهجمات التي تتعرض لها السفن إلى أكثر من الضعف، وسترتفع نسبة عمليات الاختطاف الناجحة إلى عشرة أضعاف. وبالرغم من أن العناوين كانت هادئة نسبيًّا عن هجمات القراصنة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2009، فإن القراصنة أنفسهم لم يختفوا، بل انتقلوا إلى الجنوب، بعيدًا عن خليج عدن (حيث تتركز القوة الدولية)، ونحو أعالي البحار.
ومن خلال توسيع نطاق أنشطتهم، جعل القراصنة الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للقوات الدولية للسيطرة عليهم. وعلى كل حال، ليس هناك سوى بضع عشرات من السفن (التابعة للقوات الدولية) التي تقوم بدوريات في منطقة بحجم منطقة البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر معًا.

وإذا كان القرار الذي اتخذته عديدٌ من الدول الكبرى في العالم بالعمل ضد القراصنة بدلاً من دفع الفدية لهم بمثابة خطوة أولى جيدة، فإن القوة الحالية ليست حلاًّ على المدى الطويل. فأولاً: تفتقر القوة الحالية، المكونة من نحو 25 سفينة، إلى الإمكانات اللازمة لحماية الإبحار في جميع أنحاء خليج عدن وشمال غرب المحيط الهندي، وبالتالي لا يمكن ردع القراصنة ردعًا تامًّا. ثانيًا: وحتى إذا قرر المجتمع الدولي زيادة حجم هذه القوة وتوسيع نطاق عملها ليشمل الساحل الجنوبي من الصومال وكذلك أعالي البحار، فمن المرجح أن يتكيف القراصنة مع ذلك كما فعلوا مع القوة الدولية الحالية.

سبل مواجهة القرصنة
ولمواجهة هذه المعضلة، هناك عديد من البدائل أمام الولايات المتحدة للتعامل مع خطر القراصنة الصوماليين على الملاحة التجارية. يتمثل البديل الأول في نشر قوات عسكرية، وشن هجمات على مواقع القراصنة على الساحل، في محاولة لحرمان القراصنة من قاعدة الدعم ودفعهم لامتهان صناعات مشروعة. لكن هذا الأمر لن يخلُ من صعوبة بالنسبة للولايات المتحدة، بسبب خبرة التجارب السابقة للتدخل العسكري في الصومال.
فبينما كان نشر القوات الأميركية في الصومال في مطلع التسعينيات لأغراض إنسانية في المقام الأول، فإن الولايات المتحدة سرعان ما وجدت نفسها محاصرة في مأزق العنف بين العشائر المتحاربة. وفي أكتوبر 1993، تم إسقاط طائرتين أميركيتين من طراز "بلاك هوك"، وقُتل 18 جنديًّا أميركيًّا وتم سحلهم في شوارع مقديشو أثناء القيام بعملية تستهدف واحد من أبرز زعماء الحرب في الصومال، وهو محمد فرح عديد. ومن ثم انسحبت الولايات المتحدة في شيء من الخزي، ودخلت مرحلة من شبه العزلة، تهدف إلى تجنب مثل هذه الكوارث العسكرية والسياسية.

ورغم أن الولايات المتحدة قد داوت جروحها، وعادت مرة أخرى للعب دور القوة العظمى الوحيدة، فمما لا شك فيه أن هناك وصمة عار لا تزال قائمة حول التدخل في الصومال.
وبالإضافة لما سبق فإن الحصول على الدعم السياسي لإدخال قوات برية، حتى لو اقتصر تدخلها على الساحل، سيكون مهمة شبه مستحيلة بالنسبة للرئيس أوباما. وإضافة إلى ذلك، وطالما أن القرصنة هي أكبر تجارة رابحة في الصومال (تشير التقديرات إلى أن القراصنة قد جمعوا ما يقرب من 80 مليون دولار في عام 2008)، فمن المحتمل أن يوقف القراصنة عملياتهم مؤقتًا، بانتظار انسحاب القوات ثم يعودون لاستئناف العمليات مرة أخرى.

وبعيدًا عن التدخل العسكري، هناك خيار أكثر فاعلية وعملية؛ وهو التعاون مع القوى المعتدلة في الصومال، وخاصة الحكومة العاملة في بونتلاند Puntland، وذلك لتدريب خفر السواحل الصومالية على مكافحة صناعة القرصنة. ويحتاج هذا البديل إلى بضعة خطوات أخرى من قبيل القيام بحملة تثقيفية تهدف إلى منع القراصنة من تجنيد أي عناصر جديدة وإقناعهم بترك هذا النشاط، وتدشين برنامج لإعادة تأهيل القراصنة السابقين، إلى جانب إعادة مأسسة صناعة الصيد المهجورة كبديل عملي للقرصنة. كل ذلك من شأنه أن يمكن الولايات المتحدة ليس فقط من الحد من خطر القرصنة، وإنما أيضًا تجنب إذكاء المشاعر المعادية للغرب وإضفاء الشرعية على قوى التطرف. وإضافة إلى ذلك، فإن توفير عديدٍ من الفرص للعاطلين عن العمل الصوماليين، سيساعد على التخفيف من استياء الصوماليين من تجاهل المجتمع الدولي للأزمة الإنسانية التي تعاني منها بلادهم.
تجاهل الأزمة الإنسانية في الصومال

لم يعد العالم يبدي أدنى اهتمامًا بالصومال بسبب الأزمة الإنسانية الميئوس منها التي تعاني منها البلاد، والتي استمرت لمدة 18 عامًا.
ففي العام 1991، وعندما سقطت حكومة الديكتاتور "محمد سياد بري"، انفجرت الأوضاع في البلاد مع صراع أمراء الحرب الصوماليين من أجل السلطة والمال، والموارد الأخرى. وبعد 18 عامًّا من الحرب الأهلية، و14 محاولة فاشلة لتشكيل الحكومة، يستحق الصومال بجدارة لقب "دولة فاشلة". والأسوأ من ذلك أن "الحكومة الاتحادية الانتقالية" الحالية لا تسيطر سوى على بعض المناطق في مقديشو، بل وتعتمد على قوات الاتحاد الإفريقي لإحكام هذه السيطرة. والأهم من ذلك أنها لا تستطيع أن توفر التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية أو غيرها من الخدمات لمواطنيها.

وحاليًّا يعاني الصوماليون من الصراع الدائر بشكل لا يمكن وصفه. فخلال العقد الماضي، لقي مئات الآلاف حتفهم بسبب القتال بين الفصائل أو المجاعات أو الأمراض. وخلال العامين الماضيين فقط، تم تشريد أكثر من مليون صومالي، وقُتل أكثر من 22 ألف شخص. ويستهدف "المتمردون" بشكل أساسي العاملين في المجال الإنساني، والصحافيين، والناشطين في مجال حقوق الإنسان. وطبقًا لتقديرات الأمم المتحدة، يحتاج ثلاثة ملايين إلى مساعدات غذائية، وينتشر الاغتصاب والقتل والنهب على نطاق واسع. وهناك جيل كامل من الصوماليين لم يشهد شيئًا سوى الحرب الأهلية، وبعض الذين فروا من الصومال لم يروا وطنهم على الإطلاق. هذه المأساة ربما تبرر قول أحد الصوماليين إنه قد تخلى عن مجرد الحلم بمستقبل أفضل لأسرته.
وتبدو الحلول للأزمة الإنسانية في الصومال محدودة. ونظرًا لعدم وجود حكومة مركزية قادرة على جمع وتوزيع المساعدات، أو حماية المنظمات الإنسانية العاملة في الصومال، فإنه من الصعب للغاية بالنسبة للمجتمع الدولي أن يفعل أي شيء في الوقت الحالي. ويبدو أن الولايات المتحدة تدرك هذه الحقيقة. فبينما قدمت الولايات المتحدة نحو 318 مليون دولار مساعدات إلى الصومال في عام 2008، لم تطلب إدارة أوباما إلا 103 مليون دولار للعام المالي 2010، كمساعدات تقدمها إلى الصومال.

التطرف يُسيطر على الصومال
كانت الحرب الأهلية في الصومال بمثابة نضال طويل استمر 18 عامًّا بين عديدٍ من الفصائل، كل منها يسعى لتوطيد سلطته في بلد استطاع التوحد بصعوبة تحت حكم ديكتاتور واحد. وضم الصراع أطرافًا عديدة كأمراء الحرب وأباطرة المخدرات، والإسلاميين والعلمانيين، وإثيوبيا، والولايات المتحدة، والأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، مع السيطرة الاسمية لبعض هذه الفصائل على البلاد في أوقات مختلفة طوال فترة الصراع.
وفي هذه المرحلة، تعد جماعة "الشباب" (شباب المجاهدين) أقوى جماعة في البلاد، وهي منظمة إسلامية متشددة تسعى لفرض تفسير متشدد للشريعة الإسلامية على الصوماليين. وقد عززت جماعة "الشباب" وحلفاؤها، مثل الحزب الإسلامي، من سيطرتها على المناطق الوسطى والجنوبية من الصومال، وتتمدد بصورة متنامية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الاتحادية الانتقالية في مقديشو. هذه المجموعات هي المسئولة عن السياسات المتشددة التي تقضي بحظر استخدام وسائل النقل العام للرجال والنساء معًا، ورجم النساء على الزنا، بما فيهم فتاة تبلغ من العمر 13 عامًّا ادعت أنها تعرضت للاغتصاب، وبتر علني لأيدي اللصوص. كما تثير هذه المجموعات مخاوف الولايات المتحدة.

وينتشر "المتمردون الإسلاميون" في جميع أنحاء البلاد، كما أنهم نجحوا في إيجاد ملجأ آمن لهم ولغيرهم من الجماعات الجهادية أخرى. فعبد الله العجبري، المهاجم الانتحاري الذي قتل أربعة سياح من كوريا الجنوبية في اليمن، بالإضافة إلى مرشدهم السياحي، قد خضع لتدريب في معسكر "الشباب" في مدينة تسيطر عليها الجماعة في جنوب الصومال. والمثير للرعب أكثر، أن الأميركيين - الصوماليين قد عادوا إلى الصومال لتلقي التدريب في معسكرات إرهابية، بما فيهم شيروا أحمد Shirwa Ahmed أول انتحاري أميركي. وغياب القانون في الدول الفاشلة يناسب المنظمات الإرهابية.
وفي أسوأ السيناريوهات، قد تتمكن جماعة "الشباب" والحزب الإسلامي وحلفاؤهم من هزيمة الحكومة الانتقالية، والسيطرة على مقديشو (بالإضافة إلى المناطق الجنوبية والوسطى من الصومال)، ومن ثم تتحول الصومال إلى أفغانستان أخرى، وتصبح مصدر جذب للمنظمات الإرهابية الخارجية، مثل القاعدة، التي تسعى للاستفادة من استمرار الحرب الأهلية وتصدير العنف إلى أجزاء أخرى من العالم. وبالتالي قد تشعر الولايات المتحدة بضرورة التدخل وسحق التهديد الناشئ، ولكن بطبيعة الحال، سيكون سيناريو الفشل العسكري للمرة الثانية، محتملاً.

وفي أفضل السيناريوهات، ستحظى الحكومة الانتقالية بدعم كاف من قبل العشائر الصومالية على الأقل فيما يتعلق بمقاومة هجوم "المتمردين". ولكن حتى في هذه الحالة، فإن الحكومة الاتحادية الانتقالية -التي تفتقر إلى القدرات، والمساءلة، والمصداقية ليس من المرجح أن تتمكن من هزيمة المسلحين بشكل دائم، ناهيك عن إيجاد تسوية سياسية.
ويمكن للولايات المتحدة أن تساعد على بناء قاعدة لتسوية مستقبلية من خلال عدة طرق:

أولاً: عليها أن تقبل أن استخدام القوة العسكرية هو أمر غير وارد، فالتدخل العسكري لا يخاطر فقط بأرواح الجنود الأميركيين، ولكن أيضًا يولد الاستياء، وبالتالي يعطي مبررًا للعنف والقمع الذي يمارسه المتطرفون، حيث يصورهم على أنهم "وطنيون يقاتلون من أجل سيادة الصومال، وليس مجرد جماعة معارضة متحجرة القلب".

ثانيًا: يجب على الولايات المتحدة أن تدرك أن أي حل دائم لا بد أن يوضع من قبل الصوماليين أنفسهم. فقد كانت هناك 14 محاولة دولية فاشلة لتشكيل الحكومة منذ سقوط محمد سياد بري فى عام 1991. ولا يمكن للعالم أن يفرض نظامًا على الصومال.

ثالثًا: يمكن للولايات المتحدة أن تدعم العناصر المعتدلة داخل الصومال من خلال فرض العقوبات واتخاذ تدابير أخرى ضد أكثر الجماعات تطرفًا، وإن انطوى ذلك على تقديم الدعم للحركات الإسلامية التي تتبنى تطبيق الشريعة في إطار محدد، فهذه الحركات بمثابة البديل للجماعات المتطرفة الأخرى مثل "الشباب".
وأخيرًا، يتعين على الولايات المتحدة تعزيز التعاون بين مختلف مناطق الصومال. ويمكن للحكومة الاتحادية الانتقالية، وأرض الصومال، وبونتلاند، وغيرهم من القوى أن تشكل ائتلافًا لاحتواء التقدم الذي تحرزه "العناصر المتطرفة" في التمرد، سياسيًّا وعسكريًّا، وليكون بمثابة أساس لدولة فيدرالية مستقبلية في الصومال.

خاتمة
إن كانت قضية القرصنة تسيطر على تغطية الإعلام الدولي للصومال، فإن الأزمة الإنسانية، وانتشار التطرف في الصومال هما أكثر تأثيرًا. فالأزمة الإنسانية لا تؤثر فقط على الصوماليين الذين قتلوا أو جرحوا أو أجبروا على الفرار من منازلهم، وإنما أيضًا على دول الجوار، الدولية منها والمحلية، والتي تستوعب ملايين اللاجئين والمشردين الصوماليين. أما التطرف فيمكن أن يشكل تهديدًا للأمن الدولي في أي مكان في العالم، فالجماعات الإرهابية مثل القاعدة تعتبر غياب القانون و"التطرف الإسلامي" في الصومال أمرًا مرحبًا به.
لكن الحل، متعدد الجوانب، للأزمة الصومالية لا ينطوي على استخدام القوة العسكرية. فبدلاً من ذلك، يجب على المجتمع الدولي العمل على تعزيز العناصر المعتدلة في الصومال لإعادة النظام إلى البلاد التي ينعدم فيها القانون، وخلق بيئة مناسبة للتوصل إلى تسوية لهذا الصراع الذي دام 18 عامًّا. كما يجب مساعدة الصوماليين على التوصل لحل بصورة مستقلة، بشكل يكفل له الشرعية والاستمرار.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف