عاصفة سياسية داخل الولايات المتحدة الأميركية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: أثار كشف مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) عن برنامج سري كانت تديره الوكالة أثناء إدارة الرئيس جورج بوش الإبن دون علم الكونغرس، عاصفة سياسية داخل الولايات المتحدة الأميركية، خاصة مع الاتهامات التي وجهت إلى ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي الأسبق، بإصداره أوامر لمسئولي الـ CIA تقضي بعدم إطلاع الكونغرس على البرنامج.
جذور الأزمة تعود إلى الرابع والعشرين من يونيو الماضي عندما أخبر "ليون بانيتا، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، قادة الكونغرس الأميركي، بأنه لم يكن يعلم بوجود برنامج سري كانت وكالته تديره منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلا منذ فترة قصيرة، خلال جلسة استماع عقدها مع مركز مكافحة الإرهاب داخل وكالة الاستخبارات، وأن نائب الرئيس الأسبق ديك تشيني أصدر تعليمات بعدم اطلاع الكونغرس على البرنامج.
برنامج سري
البرنامج السري كما ذكر كل من "جوبي واريك" و"بن بيرشنغ" في تقرير لهما لصحيفة الواشنطن بوست تحت عنوان "برنامج الـ CIA لقتل قادة القاعدة" نشر يوم 14 من يوليو 2009 كانت وكالة الاستخبارات المركزية قد أطلقته لمدة ثمانية أعوام بهدف اغتيال القادة الكبار في تنظيم القاعدة بواسطة قتلة مدربين تدريبًا خاصًّا، لكن الوكالة رفضت اطلاع الكونغرس على هذا.
وقد بدأ البرنامج- حسبما يذكر "دافيد اغناشيوس" في مقال له بصحيفة الواشنطن بوست تحت عنوان The CIA's 'Hit Team' Miss نشر يوم 22 يوليو 2009- في أعقاب أحداث 11 من سبتمبر عام 2001، كجزء من جهود أكبر لمكافحة الإرهاب تحت اسم "قذيفة المدفع". وكانت الفكرة الأولية في مركز مكافحة الإرهاب بالوكالة، طبقًا لأحد كبار المسئولين السابقين، هي تعقب عملاء القاعدة في أنحاء العالم والتضييق عليهم، وخطفهم، وقتلهم، إن استدعى الأمر.
وكان الهدف من البرنامج، طبقًا لاجناشيوس، هو أن "يشعر كل عضو بالقاعدة في أي مكان من الأرض أنه مخترق، في كل حين"، وكانت الوكالة تود توجيه رسالة مفادها: "إذا كنتم تعملون مع أسامة بن لادن، فسنجدكم ونلاحقكم".
وفى 17 من سبتمبر 2001، صدر قرار سرى يمنح سلطات واسعة لممارسة أنشطة مميتة ضد القاعدة. لكنَّ مديرَ الاستخبارات المركزية آنذاك، جورج تينيت، ومساعديه قرروا، بعد بحث الخيارات، أن برنامج الاغتيال الأحادي الجانب لن يحقق الهدف.
ويذكر اجناشيوس أنه عندما تولى ليون بانيتا منصب مدير وكالة الاستخبارات طرح سؤالين بخصوص البرنامج: الأول هو: هل أبلغ الكونغرس؟، والثاني: هل كان للبرنامج قيمة؟ وجاءت الإجابة عن السؤالين من جانب مسئولي مكافحة الإرهاب بالاستخبارات المركزية بـ "لا"، وهو الأمر الذي دعا بانيتا في أواخر يونيو إلى وقف البرنامج، وإبلاغ الكونغرس بشأنه.
الديمقراطيون يطالبون بالتحقيق
وما إن كشف النقاب عن البرنامج السري حتى تعالت أصوات النواب الديمقراطيين في الكونغرس، مطالبة بإجراء تحقيق، انطلاقًا من أن حجب وكالة الاستخبارات لمعلومات عن الكونغرس يشكل خرقًا للقانون، فالقانون الأميركي يشترط أن يتأكد الرئيس من أن لجنتَي الاستخبارات "على اطلاع تام ومتابع للأنشطة الاستخباراتية التي تمارسها الولايات المتحدة، ومنها أي نشاط استخباراتي مهم متوقع".
ففي لقاء مع شبكة "فوكس نيوز"، وصفت السيناتور الديمقراطي "ديان فينشتاين، رئيسة لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، الأمر الذي أصدره ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي السابق، بحجب تفاصيل البرنامج عن الكونغرس، بأنه "مشكلة كبيرة". وقالت :"أعتقد أنه إذا كان قد تم اطلاع لجان الاستخبارات على الأمر، كان بإمكانهم مراقبة البرنامج، وطلب تقارير منتظمة عنه، ومن ثم إصدار الأحكام المناسبة بخصوصه"، مضيفة "لكن الأمر لم يسرْ هكذا، لأنه تم إبقاؤنا في الظلام، وهذا شيء لا ينبغي أن يتكرر مرة أخرى أبدًا". ووصفت "فينشتاين" الفشل في اطلاع الكونغرس بأنه أمر "مخالف للقانون".
ومن جانبه دعا السيناتور الديمقراطي "ريتشارد ديربن" إلى تعيين مدعٍ خاص للتحقيق في القضية، وقال في لقاء مع شبكة ABC : إن الكونغرس يجب أن يحقق فيما إذا كان تشيني أو غيره أمر بألا يكشف البرنامج للمشرعين، مضيفًا أن زعماء الكونغرس يمكنهم حماية وجود برامج سرية. وأن عدم الكشف عن هذا البرنامج يمثل انتهاكًا لآليات الضوابط والتوازنات التي أقامها الدستور. واعتبر "ديربن" "أن وجود برنامجٍ ضخمٍ أُخفِيَ عن قادة في الكونغرس لا يعتبر فقط مسألة غير ملائمة، بل يمكن أن تكون غير قانونية".
ورغم هذه المطالبات، فإن تعيين مدعٍ خاص للتحقيق في الأمر لم يحظ بإجماع كل الديمقراطيين في الكونغرس، حسبما يذكر "جوليان بيرنز" في تقرير له بصحيفة لوس أنجلوس تايمز تحت عنوان "الصخب يتزايد حول أسرار الـ CIA"، فهناك ديمقراطيون آخرون دعوا إلى أنواع مختلفة من التحقيقات.
فقد دعت "فينشتاين" إلى قيام لجنة الاستخبارات بمراجعة الاستجوابات التي أجرتها وكالة الاستخبارات المركزية مع من يوصفون بـ "كبار المعتقلين"، الذين احتجزتهم في يوم ما. أما السيناتور "باتريك ليهي"، رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، فقد اعتبر أن تعيين مدع خاص قد يجعل من الصعب إنشاء لجنة مستقلة للتحقيق في مزاعم ارتكاب مخالفات أثناء حقبة بوش الابن.
وقال:" إن اللجنة مستقلة قد تعمل فقط في حالة إعطاء بعض الشهود الحصانة، الأمر الذي قد يعرقل التحقيق الذي يقوم به المدعي الخاص". ورغم "ليهي" أعلن أنه لن يعارض تعيين مدعٍ للتحقيق في القضية، فإنه حذر من أن مثل هذا التحقيق سيستهدف المسئولين في المستويات الدنيا ويتجاهل صناع القرار ذوي المكانة الرفيعة."
الجمهوريون يدافعون
لم تلق مطالبات النواب الديمقراطيين بالتحقيق في الأمر، آذانًا صاغية لدى الجمهوريين، فمن وجهة نظرهم، في شأن تعيين مدع خاص للتحقيق مع المستجوبين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أن "يقوض الأمن عن طريق إضعاف الاستخبارات".
وقال السيناتور الجمهوري "جون كايل":إنه يجب على المشرعين أن يقفزوا إلى أية نتائج، ويجب أن نتذكر أن تشيني كان يتحمل مسئولية حماية الأمن القومي". وفي لقاء معه على شبكة (سي إن إن)، قال السيناتور الجمهوري "جود جريغ" :إن الفشل في إخطار كبار قادة الكونغرس "لم يكن أمرًا مناسبًا". لكنه اتهم الديمقراطيين بتقويض وكالة المخابرات المركزية الأميركية من خلال النقد المستمر.
وأضاف "يجب أن يكون لدينا وكالة استخبارات قوية ونشيطة. هذه المحاولة الوطنية من بعض زملائنا في الجانب الآخر لتقويض القدرة على حماية وتنمية الاستخبارات، كما اعتقد، سوف تضر بنا في المدى الطويل".
أما السيناتور الجمهوري جون كورنين فوصف الدعوة لتعيين مدعٍ عام بأنها "أمر بالغ الخطورة. لأننا إذا قيدنا قدرة أو رغبة عملاء المخابرات وغيرهم للحصول على معلومات الضرورية لحماية أميركا، ستكون هناك عواقب وخيم".
ورفض السيناتور الجمهوري "جون ماكين "، مرشح الحزب الجمهوري السابق لانتخابات الرئاسة 2008 وأحد أشد المنتقدين لممارسات الاستجواب التي اتبعتها إدارة الرئيس جورج بوش، تعيين مدع خاص للتحقيق في القضية، قائلاً "نحن نعلم جميعًا أن هناك أمورًا سيئة تم ارتكابها، ونحن نعلم أن العملاء (الاستخبارات) الذين فعلوا ذلك، كانوا- على الأرجح- ينفذون أوامر تلقوها للقيام بذلك". وقال :"أنا اتفق مع رئيس الولايات المتحدة : لقد حان الوقت للمضي قدمًا وعدم العودة".
واعتبر الجمهوريون أنه ليس من الضروري إعلام أعضاء الكونغرس بمثل هذه المعلومات، مستندين في ذلك إلى مجموعة من الحجج:
أولاً: إن الخطة لم تكن قد وصلت إلى مراحل متقدمة في تنفيذها، الأمر الذي إن كان قد حدث كان سيتطلب معه ضرورة موافقة الكونغرس عليها.
ثانيًا: الضجة الكبيرة التي صاحبت الكشف عن هذه الخطة مؤخرًا تُوضح مدى خطورة أن يتم تداول مثل هذه المعلومات الحساسة في العلن.
ثالثًا: إن عدم إعلام الكونغرس لا يشكل أي مخالفة قانونية، فرغم أن القانون الأميركي يشترط أن يتأكد الرئيس من أن لجنتَي الاستخبارات "على اطلاع تام ومتابع للأنشطة الاستخباراتية التي تمارسها الولايات المتحدة، ومنها أي نشاط استخباراتي هام متوقع"، فإن اللغة التي استخدمها المشرع الأميركي، وخاصة التي في قانون الأمن الوطني العام المعدل لعام 1947 - حسبما يرى "سكوت شين" في تقرير لصحيفة النيويورك تايمز تحت عنوان "تشيني متورط في إخفاء مشروع للسي أي إيه"- تترك بعض الثغرات التي يمكن التعلل بها لإخفاء بعض البرامج. فهي تشترط أن تكون الجلسات "في نطاق يتفق مع اعتبار الوقاية من الكشف غير المصرح به لمعلومات سرية تتعلق بمصادر وأساليب استخباراتية حساسة وأمور أخرى ذات حساسية استثنائية".
وإضافة إلى ذلك فإن هناك فئة من البرامج على درجة عالية من السرية، وهي فئة يظل دور الولايات المتحدة فيها مخفي، تكون جلسات الإطلاع الخاصة بها محدودة جدًّا وفي إطار ما يسمى بـ"عصابة الثمانية"، والتي تتكون من زعماء الحزب الجمهوري والديمقراطي من أعضاء مجلسي الكونغرس ومن أعضاء لجنتَي الاستخبارات.
وبالإضافة لما سبق لا يمثل البرنامج أي مخالفة للأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأميركي السابق جيرارد فورد في عام 1976 بحظر عمليات الاغتيال، فهذا الحظر، طبقًا للجمهوريين، لا يشمل قادة القاعدة لأنهم - كما يرون - أهداف مشروعة للاغتيال، ولا يختلفون عن وضعية الجنود المحاربين على أرض المعركة.
وأخيرًا، وبقطع النظر عمَّا ستؤول إليه الأمور، فإنه إذا كانت الرقابة على الأنشطة السرية التي تقوم بها وكالة الاستخبارات الأميركية ضرورية، فإن تحول الوكالة إلى "كرة قدم سياسية"، كما يصفها دافيد اجناشيوس في مقال له بصحيفة واشنطون بوست تحت عنوان (ركل الـ CIA مجددًّا)- وهو أمر فعله الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء في السنوات الأخيرة- من شأنه أن القضاء على هدف الرقابة.
ويضيف "إجناشيوس "كان هذا واضحًا عندما كان الجمهوريون يقرعون الوكالة على عرقلتها لسياسات إدارة بوش، وهو واضح الآن في استجداء الديمقراطيين أدلة تثبت أن رئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسى كانت على حق عندما اتهمت الوكالة بالكذب حول أنشطتها".