حل الدولتين لا يحل شيئا من دون التصدي لجذور الصراع العربي الاسرائيلي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إعداد عبدالإله مجيد: نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الصادرة اليوم الثلاثاء مقالا شارك فيه حسين اغا وروبرت مالي* يتناول آفاق تسوية النزاع العربي الاسرائيلي على أساس حل الدولتين وفرص هذا الحل على خلفية جذور الصراع. وجاء في المقال: رحب حل الدولتين بهداية اثنين اليه. ففي الاسابيع الماضية أشار بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الى انهما يقبلان الآن ما دأبا على رفضه زمنا طويلا. وهذا التوافق الذي يقرب من الاجماع أقوى مؤشر حتى الآن الى ان حل الدولتين أصبح خاويا من المعنى، شعارا منفصلا عن القضايا الخلافية التي يُفترض ان يحلها.
يستطيع الجميع ان يقولوا "نعم" لأن كلمة "نعم" لم تعد تقول الكثير، والتفوه بكلمة "كلا" أصبح باهظ الكلفة. وينم قبول حل الدولتين عن استمرار النزاع الاسرائيلي الفلسطيني بوسائل اخرى.
أقر نتنياهو راضخا للضغط الاميركي بمبدأ قيام سيادة ذات معنى. ومن حيث الجوهر، مع بعض التعديلات الثانوية، فان موقفه أعاد التذكير بموقف القادة الاسرائيليين الذين سبقوه. أعلن نتنياهو ان الدولة سيتعين ان تكون منزوعة السلاح، بلا سيطرة على الحدود أو المجال الجوي، وان تبقى القدس تحت السيادة الاسرائيلية، وألا يُسمح بعودة لاجئين فلسطينيين الى اسرائيل. وكان تشديده على الاشتراطات لا على التنازل. وكما كان نتنياهو شغوفا بالقول، فانك تستطيع ان تسمي ذلك دولة ولكن على مَنْ تضحك؟
اما حركة "حماس" فان الاعتراف بدولة اسرائيل كان وسيبقى دائما من المحرمات. وحتى الآونة الأخيرة كانت الحركة تلمح الى انها قد تقبل بوجود اسرائيل كأمر واقع وتسلم بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة. هذا الموقف تطور الآن من التلميح الى التأكيد.
اثار خطاب الرئيس اوباما الذي وجهه من القاهرة في حزيران/يونيو مزيجا من الترقب والتوجس بين قادة حماس. فالرئيس الاميركي انتقد الحركة لكنه لم يربط ذكر "حماس" بمفردة الارهاب، وكان لتعداده مستلزمات التواصل معها صوتُ باب يُفتح عنوة أكثر من صوت باب يُصفق مغلقا، وجاء اعترافه بأن الاسلاميين يتمتعون بتأييد قطاع من الفلسطينيين على مضض لكنه كان التفاتة مُحسنة بالمعايير الاميركية. كل ذلك كان تطورا واعدا لكن فيه من النُذر ما دفع الى التفكير داخل حركة "حماس" في سبل الافلات من العزلة الدولية دون التنكر الى معتقداتها الجوهرية.
كانت محصلة هذا التفكير رسالة "حماس" في تمسكها بالموقف المقبول دوليا ـ دولة فلسطينية ضمن حدود 1967، سنة احتلال اسرائيل للضفة الغربية وغزة. كما ربطت "حماس" تنازلها بشروط متعددة مطالبة بانسحاب اسرائيل انسحابا كاملا وسيادة فلسطينية تامة واحترام حقوق اللاجئين. ولم يكن ثمة الكثير في ذلك مما يميز موقفها عن المواقف الفلسطينية المعهودة.
تتحدث الخطابات المتصارعة عن شيء أعمق بكثير من الدولة الفلسطينية ومنفصل عنها. فان نتنياهو يؤكد ضرورة الاعتراف باسرائيل دولة يهودية ـ ويستذكر ان النزاع بدأ قبل احتلال الضفة الغربية وغزة. والفلسطينيون بدورهم يرفضون الاعتراف باسرائيل دولة يهودية ويتمسكون بحقوق اللاجئين ويقولون ان اسرائيل إذا كانت تريد غلق هذا الملف فعليها ان تدفع ثمنا يزيد على مجرد اقامة دولة.
يعيد هذا الجدل النزاع الى جذوره التاريخية لأول مرة منذ زمن طويل وينقِّي جوهره السياسي ويلامس عصبه العاطفي الحساس. فالجانبان يتفقان ضمنا على ان التسوية ليست ممكنة إلا بالنظر أبعد من قضية الاحتلال الى القضايا الناجمة عما حدث في عام 1948 ـ رفض العرب الدولة العبرية حديثة النشأة ومصادرة اراضي اللاجئين الفلسطينيين وتهجيرهم.
يتمتع كل من الموقفين بتأييد واسع بين جماعته. فان قلة من الاسرائيليين يختلفون مع الاصرار على الاعتراف باسرائيل دولة يهودية، كونها تجسد صبوتهم العميقة التي تمتد جذورها في تاريخ الشعب اليهودي، الى وجودٍ يحظى بقبول كامل على ارض اسلافهم، ونهاية التشكيك العربي بشرعية اسرائيل وشبح عودة اللاجئين الفلسطينيين واي مشاعر بين عرب اسرائيل تنادي بعودة الأرض الى اصحابها.
أقل منهم الفلسطينيون الذين يختلفون مع الرفض القاطع لهذه المطالب الاسرائيلية، كما أكد مؤتمر "فتح" الأخير في بيت لحم. فان قبول اسرائيل دولة يهودية يُعد بنظرهم شرعنة المشروع الصهيوني المسؤول عن نكبتهم. وسيجعل النضال الوطني الفلسطيني بلا معنى في أحسن الأحوال وجريمة في اسوئها. وينبع تشبثهم بمبدأ حقهم في العودة من ايمانهم بان حرب 1948 أدت الى اقتلاع ظالم وان اللاجئين سواء اختاروا العودة أم لا أو سمح لهم بالعودة الى ديارهم أم لا فانهم لا يمكن ابدا ان يُحرموا من هذا الحق الطبيعي. وكانت الحركة الوطنية الفلسطينية الحديثة، قبل كل شيء، حركة لاجئين ـ بقيادة لاجئين والتركيز على محنتهم.
من السهل التطير من هذه المواقف. فهي تتعارض مع الاتجاه السائد في عملية سلام دعامتها المركزية تتمثل في ان انهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية قادرة على البقاء سيحل القضية. ولكن التذكير باصول الصراع الاسرائيلي الفلسطيني لا يعني فتح جبهة جديدة بل احياء جبهة قديمة لم تختف لمجرد ان اطرافا قوية تصرفت لبعض الوقت وكأن هذه الجبهة لم تعد موجودة.
على امتداد العقدين الماضيين كُنست جذور الصراع تحت البساط، مع كبحه تدريجيا عندما اكتسب النزاع نطاقا أضيق ينحصر بالأخذ والرد على اراضي ما بعد 1967 في الضفة الغربية وغزة. وكان طرفا النزاع، كل لاسباب خاصة به، ومعهما المجتمع الدولي، وافقوا ضمنا على التعامل مع مظهر الصراع الأحدث عهدا والأكثر ملموسية. فقد رأى الفلسطينيون فرصة لاقامة سلطة أخيرا على جزء من أرضهم التاريخية واراد الاسرائيليون ان يتخففوا من اعباء الاحتلال ووجد الفرقاء الدوليون ان ذلك أسهل وأرتب. وكان الأمل معقودا على ان معالجة وضع الضفة الغربية وغزة سيُغني بطريقة ما عن الحاجة الى التصدي لقضايا سابقة على الاحتلال ويمكن ان تبقى بعد زوال الاحتلال.
ان تكون كل هذه المحاولات العديدة لحل النزاع باءت بالفشل فان هذا سبب يدعو الى الاحتراز والتحوط. فالأمر يكاد يكون كما لو ان الفرقاء كلما تحركوا نحو حل توافقي وسط بشأن حقائق الحاضر، يُعادون بقوة لا تُقاوَم الى أشباح الماضي. ومن الصعب اليوم ان نتخيل حلا لا يؤدي الى قيام دولتين. ولكن حل الدولتين قد لا يكون حلا حقيقيا بتجاهل جذور هذا الصراع. ويكاد يكون من المؤكد ان المحصلة الاقليمية النهائية سيُعثر عليها داخل حدود 1967. ولكي تكون محصلة دائمة سيتعين ان تعالج قضايا موروثة منذ عام 1948. وستكون الخطوة الاولى الاعتراف بأن المسألة الاساسية في قلوب وعقول الاسرائيليين والفلسطينيين لا تتعلق بتفاصيل حل يبدو حلا عمليا بل انها صراع وجودي بين نظرتين.
على امتداد سنوات كان الاهتمام كله من الناحية العملية منصبا على مسألة الدولة الفلسطينية العتيدة وحدودها وسلطاتها. وكما يوضح الاسرائيليون بحديثهم عن ضرورة وجود دولة يهودية، ويؤكد الفلسطينيون عندما يستحضرون حقوق اللاجئين فان جوهر القضية ليس بالضرورة كيف يجري تحديد دولة فلسطين بل انه مثلما كان دائما بمعنى ما، مسألة كيف تُحدَّد دولة اسرائيل.
*شارك حسين أغا مع احمد خالدي في تأليف كتاب "اطار لمبدأ أمن وطني فلسطيني" A Framework for a Palestinian National Security Doctrine . روبرت مالي مدير برنامج الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية، عمل مساعد الرئيس بيل كلنتون للشؤون العربية ـ الاسرائيلية في الفترة الممتدة من 1998 الى 2001.