لبنان وسورية خلال العقد الأول: القطيعة والعودة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لعل الأحداث الأبرز خلال العقد الأول من الألفية الثالثة على الساحة اللبنانية هي سياسية وأمنية بامتياز، ولعل تحرير الجنوب من اسرائيل العام 2000 وانسحاب القوات السورية العام 2005 هي المتوجة لهذه الفصول التي أدت الى تحولات سياسية كبرى شهدها لبنان الذي عاش أكثر من حرب واحدة خلال العقد، حروب عسكرية وسياسية واعلامية سيطرت على مجريات أحداثه ولعل اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري مثل هزة أرضية تحت أقدام العلاقات بين بيروت ودمشق أدت الى ما أدت إليه من أحداث لم تكن في الحسبان.
بيروت: كان العقد الأخير بدءًا من نهاية 1999 عقد استعادة لبنان سيادته بامتياز من غير أن يتمكن من إقران السيادة بالإستقار السياسي النهائي والتفاهم الوطني بين جميع مكوناته الطائفية والحزبية على الثوابت التي تقوم عليها الأوطان. بدأ العقد بتحرير لبنان من احتلال الجيش الإسرائيلي لجزء من جنوبه وبقاعه الغربي عام 2000 مما فتح الأبواب على المطالبة فورًا من خلال الأساقفة الموارنة في نداء أول شهير بخروج الجيش السوري أيضًا بعدما كان قد أمضى قرابة ربع قرن على أراضيه.
لكن هذا النداء لم يلق استجابة في عز سطوة الأجهزة الأمنية المشتركة اللبنانية - السورية في عهد الرئيس السابق إميل لحود إلا من بعض الشخصيات والقوى المسيحية التي تجمعت في "لقاء قرنة شهوان". لقاء ظل كان معزولاً مدة طويلة واقتصر تأثيره على الناحية المعنوية بعد محاولاته اليائسة لاجتذاب رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي نصح لبعض أصدقائه بأن "يصبغوه" بطابع وطني عام من خلال مشاركة قادة مسلمين ، فكان التوجه أولا إلى رئيس مجلس النواب وحركة "أمل" نبيه بري الذي أبدى بعض التجاوب مع بعض مطالب كان البطريرك الماروني نصرالله صفير رفعها في النداء، لكن تدخل الرئيس لحود لدى القيادة السورية واعتراضه الشديد على موقف بري دفعه على التخلي عن مبادرته ، فما كان أمام بعض شخصيات "قرنة شهوان" المهجوسة منذ زمن بعيد بضرورة القيام بعمل مشترك إسلامي - مسيحي كي يقدر له شيء من النجاح ، إلا التوجه ناحية الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي نصح لهذه الشخصيات بألا تتسرع، مبديًا أمله في أن يكون عهد الرئيس السوري الشاب بشار الأسد مختلفًا عن عهد والده الطويل في أسلوب التعامل مع لبنان وشعبه .
وكان رهان الحريري الأب على الأسد الإبن صادقًا وقويًّا على ما روى لاحقًا ممن تابعوا تلك الحقبة . إلا أن اختلاف الكيمياء بين الحريري ولحود فعل فعله في دمشق ، خصوصًا بعد انتخابات نيابية اكتسح فيها الحريري في بيروت ومناطق أخرى.
حرب ضروس بين لحود والحريري
السنوات التالية بين 2000 و2004 شهدت حربًا ضروسًا سياسية وإعلامية وأمنية وقضائية في لبنان بين لحود الحريري، وكل منهما مدعوم بتركيبة متكاملة وله حلفاء في دمشق ، إلا أن حلفاء لحود كانوا الأقوى وعلى رأسهم الرئيس الأسد الشاب الذي قرر عام 2004 التجديد للحليفه الرئيس لحود ثلاث سنوات ، وكان ينوي أن تكون ستاً لكنه خشي على ما يروى أن تكون ردود الفعل الدولية ضد هذا التمديد أكبر، وأصر على هذا الخيار الذي عارضته أميركا جورج بوش وفرنسا جاك شيراك بشدة، علما أن الجيش الأميركي كان قد أصبح العام 2003 على حدود سورية المباشرة شرقًا من جهة العراق بعد حرب إسقاط النظام البعثي الآخر هناك.
أجبرت دمشق الحريري وكان رئيسًا للحكومة على طلب التمديد بنفسه للحود في جلسة لمجلس الوزراء . ومع ظهور التحضيرات لإصدار قرار دولي يخرج سورية في لبنان حمل لاحقًا الرقم 1559 ازداد إصرار دمشق على التمديد للحود الذي تلته أول محاولة اغتيال سياسي تعرض له النائب مروان حمادة الذي اتهمه ضمنا حلفا لسورية في لبنان بأنه أحد المساهمين في صنع القرار 1559. أثارت المحاولة استياء شديدا لدى جنبلاط ، وما لبث أن انعقد "لقاء البريستول" الذي جمع للمرة الأولى معارضين للنفوذ السوري في لبنان أو ما سمي "نظام الوصاية" السوري - اللبناني، يمثلون الجزء الأكبر من المسلمين سنة والمسيحيين والدروز إلى شخصيات وقوى شيعية.
اغتيال الحريري الجريمة الأكبر في العقد الأول
ولم يتمكن أي زعيم سني غير رفيق الحريري ممن تولوا رئاسة الحكومة في تلك الحقبة، سواء الرئيس سليم الحص أو عمر كرامي، ولاحقًا الرئيس نجيب ميقاتي من استقطاب الطائفة التي التفت حول الحريري ، الأب والإبن في ما بين. فكان الحريري بلا منافس في الشارع عمليًّا. وبدا انتقاله يائسًا من جانب إلى جانب في الصراع السوري - اللبناني (جزئيًا نظرًا إلى غياب الوحدة الوطنية الشاملة حيال هذا الشأن) عاملاً حاسمًا في دفع الأمور إلى اتجاهات دراماتيكية : اغتيل الحريري في 14 شباط/ فبراير 2005 وتشكلت لجنة تحقيق دولية تلتها محكمة دولية بقرارات صدرت عن مجلس الأمن ، وتوسعت صلاحياتهما لتشمل سلسلة اغتيالات سياسية لشخصيات من قوى 14 آذار/ مارس على وقع ارتفاع وتيرة اللهجة ضد النظام السوري الذي بدا في أقصى عزلته العربية والدولية، إلا أن حلفاءه في لبنان وفي مقدمهم "حزب الله" سارعوا إلى إضفاء نوع من التوازن الداخلي بدا حمائيا وقائيا في المرحلة الأولى ومالبث أن تعاظم بعدما اعتبر "حزب الله" أن إخراج الجيش السوري من لبنان مقدمة لعزله ومن ثم إضعافه وضربه.
وفي عز هذا الصراع وقعت حرب تموز/ يوليو 2006 التي أعلن "حزب الله" خروجه منها بـ "انتصار إلهي"، ثم تفاقمت الحال بين الحزب والغالبية التي دعمت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الذي سعى جهده خلال الحرب ليكون القرارالدولي 1701 وفقا للبنود السبعة التي وضعها بنفسه ووافق عليها الحزب ، في ما بدا في ما بعد وسيلة لإنهاء الحرب المدمرة من غير كثير اقتناع ، وتبع ذلك الإعتصام والمخيم الشهير في وسط بيروت ومحاصرة مقر رئاسة مجلس الوزراء في السرايا الحكومية، لينتهي بعدماجاوزالسنةبيوم 7 أيار/ مايو ، عندما انتشر مسلحو "حزب الله" وحلفاؤه في شوارع غرب بيروت وسيطروا عليها إلى أن كان "اتفاق الدوحة" الذي أتاح انتخاب قائد الجيش آنذاك ميشال سليمان رئيسا للجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية على قاعدة 5 - 10 - 15 التي تكررت لاحقا برئاسة الحريري بعد انتخابات نيابية في 8 حزيران / يونيو خسر فيه تحالف "حزب الله" - "أمل" - "التيارالعوني" الغالبية لمصلحة قوى 14 آذار وحلفائها ، لكنه عوّض بالسياسة المستندة إلى قوة السلاح وموازين القوى العملية.
2009: سنة العودة السورية سياسيا
هكذا يمكن القول بالإختصار إن سنة 2009 كانت سنة استعادة سورية نفوذها السياسي في لبنان بعدما أخرجها منه عسكرياً التحرك الشعبي الكبير في ساحة الشهداء وسط بيروت والمدعوم عربيا ودولياً في 14 آذار 2005 إثر اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، كذلك يمكن القول بالاقتضاب نفسه إن مرحلة التوترات الداخلية المتفجرة قد أصبحت وراء اللبنانيين، وإن المستقبل الممتد أمامهم يعد بمرحلة من الاستقرار وإن كان نسبيا بعدما ثبتت صيغة التوازن التي أرساها اتفاق الدوحة انعكاساً لميزان القوى.
إلا أن هذا الستاتيكو الذي يتوقع في حال استمراره أن تعمر حكومة الرئيس سعد الحريري طويلا، يظل رهنا بعوامل خارجية أو لا يمكن التحكم فيها لأنها تشكل خطرًا مستمرًا على البلاد، كأن يصدر قرار اتهامي في قضية اغتيال الرئيس الحريري عن المحكمة الدولي يوجه مسار المحاكمة في اتجاه شديد الخطورة، أو ينفجر الملف النووي الإيراني، أو يتعطل لسبب ما التقارب العربي - العربي الذي ينعم لبنان بتداعياته الإيجابية هذه الأيام خصوصًا التقارب السعودي - السوري، أو تندلع حرب مفاجئة بين إسرائيل و"حزب الله".
ومع زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري في الشهر الأخير من السنة لدمشق انهار جزء كبير من الجدار السياسي والنفسي الذي كان قد ارتفع بين النظام السوري وغالبية من الشعب اللبناني، وإن كانت سياسة التقارب المدروس التي انتهجتها دمشق حيال المسلمين السنة ممثلين بزعامتهم الرئيسية "تيار المستقبل"تختلف عن مقاربتها لوضع من اصطلح على تسميتهم بـ "مسيحيي 14 آذار"، في حين تترسخ علاقاتها بالمسؤولين بدءًا برئيس الجمهورية ميشال سليمان، وعدد من السياسيين البارزين يتقدمهم النائب الجنرال ميشال عون بما يحمل من رمزية، وذلك في مسعى يومي تبذله دمشق من أجل إلغاء مفاعيل المرحلة السابقة الممتدة منذ مطلع ٢٠٠٥ .
فمن علامات العودة السورية إلى التأثير السياسي الوازن في لبنان إن العلاقة بين الرئيسين سليمان وبشار الاسد باتت موصوفة بالتنسيق الدائم والإنسجام وغادرت مرحلة الاهتزاز بعدما اجتازت بنجاح اختبار العام الأول و"فترة السماح"، كما أن عملية التنسيق الأمني بين الجيشين اللبناني والسوري تعود الى عهدها السابق تحت عناوين ضبط الحدود التي ستبدأ عملية ترسيمها تقريبًا بناء على اتفاق الأسد مع الحريري، وكذلك يسود التنسيق بين الجيشين تحت عنواني مكافحة الارهاب وحالات التطرف.
لكن الهدف المباشر للسوريين في عملية تصفية آثار المرحلةالسابقة وانجاز عملية الانتقال الى الوضع الجديد يبقى تحالف ١٤ آذار الذي يشكل مجتمعًا الرمز الأبرز لتلك المرحلة، والذي شكل كجسم سياسي ناشئ رأس الحربة السياسية في المواجهة مع سورية. وإذا كانت دمشق حققت أبرز مكسب لها في 2009 بخروج رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط أو إخراجه من هذا التحالف وتقديمه أوراق اعتماد لدمشق، ملبيا كل ما تطلبه وتشترطه في انتظار استقباله فيها وطي صفحة الماضي ، فإنها تبدي اهتمامًا أكبر بمسألة اعادة بناء العلاقة مع الرئيس سعد الحريري ومن خلاله مع الطائفة السنية في لبنان عبر سياسة الاحتواء المزدوج" التي تمتزج فيها الاغراءات والضغوط. إلا أن من يتابع التوجه العام لـ "تيار المستقبل" لا بد أن يلاحظ ثباتًا في تحالفه مع بقية قوى 14 آذار / مارس من المسيحيين وإن اختلفت التعابير بينهما في تناول بعض المواضيع مما يشي بتفاهم ضمني بين هذين الجانبين يترجمه استمرار الأمانة العامة لهذه القوى في ما دأبت عليه من إصدار مواقف مشتركة بعد اجتماعات أسبوعية يحضرها ويساهم فيها ممثلو "المستقبل، علمًا أن هذه الأمانة تعتبر التجسيد العملي للتحالف وحلقة الربط والتواصل بين مكوناته المتنوعة .
وفي سعيها للعودة الى وضع ما قبل العام ٢٠٠٥ والذي تستخدم فيه كل الوسائل السياسية من المصالحات الى الترويض والاحتواء الى المسايرة والمساءلة، تثير دمشق حذر أطراف سياسيين من ان تكون العودة الى وضع ما قبل عام ٢٠٠٥ عودة الى سيئات مرحلة الوصاية وسلبياتها، وان يظل التعامل السوري مع لبنان في عمقه وجوهره على ما كان سابقًا، وذلك على الرغم من كل ما حصل من انسحاب العسكري وتبادل تمثيل دبلوماسي بين البلدين للمرة الأولى في التاريخ، واكتمال عقد المؤسسات اللبنانية الدستورية.
تعزز هذه المخاوف أحيانًا حملات إعلاميّة وسياسيّة علنيّة وضمنيّة لا يمكن وصفها، إلا بأنها تدخل مباشر من دولة في شؤون دولة أخرى، على غرار حملة التشكيك بزيارة الرئيس سليمان الأخيرة الى واشنطن قبل حصولها، وكذلك استقبالات الرئيس الأسد لسياسيين لبنانيين مما يوحي أنه لا يقيم وزنًا للأصول وأنه يتعاطى على أساس أن ثمة محاورين لبنانيين لدمشق غير رئيس الدولة ورئيس الحكومة والمسؤولين الرسميين، وإن العلاقة لم ترق بعد الى مستوى علاقة من دولة الى دولة.
يمكن أن يضاف إلى ذلك أيضًا موضوع الاستنابات القضائية التي حملت بعدًا سياسيًا واضحًا في توقيتها على الأقل واستخدام شكوى لبناني هو المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد ضد لبنانيين أمام القضاء السوري. وكذلك التوظيف السياسي المبالغ به الزيارات الكثيفة الى سوريا لتقديم التعزية الى الرئيس السوري بوفاة شقيقه، إذ صورتها وسائل إعلام تابعة لسورية أو لحلفائها في لبنان على انها استفتاء على نفوذ سورية القديم الجديد في لبنان ومبايعة لبنانية سياسية واسعة للرئيس بشار الأسد استكملت بالمصافحة ثم العناق في دمشق بينه وبين رئيس حكومة وحدة الوطنية في لبنان سعد رفيق الحريري.
التعليقات
رأي
hassan -كل عام وأنتم بخير...بضاعة كاسدة ياسيد إيلي...ويستحسن عدم المتاجرة هذا العام بدم السيد رفيق الحريري...إللا إذا أصر على ذلك ;الحكيم; وعندها ليس لك في الأمر حيلة وسوف نعذرك...