جماعة نسائية أميركية تتظاهر مع الباكستانيين ضد «الدرون»

خرج أهل إسلام أباد في مظاهرة حاشدة أعقبتها مسيرة يومين إلى المناطق القبلية المتأثرة بغارات طائرات "الدرون" الأميركية. لكن الأضواء الإعلامية سلطت بشكل خاص على قرار جماعة "كود بينك" النسائية الأميركية المعادية للحروب المشاركة في هذا الاحتجاج.

صلاح أحمد: عبأت "كود بينك" النسائية الدولية أعضاءها ومؤيديها للانخراط في صفوف مظاهرة صاخبة انتظمت إسلام أباد خلال عطلة نهاية الأسبوع احتجاجًا على "الموت الآتي عشوائيًا من السماء" ممثلاً في غارات "الدرون" (الطيارات بلا طيار).

و"كود بينك" (الناموس القرمزي) جماعة تأسست في أميركا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2002 وفق برنامج يتألف من "معاداة للحروب والسعي إلى العدالة الاجتماعية وإعادة توظيف الموارد والأموال المخصصة للقتل في الرعاية الصحية والتعليم وقضايا البيئة وكل ما شأنه ترقية الحياة". وظلت تطالب بوقف حربي أفغانستان والعراق بشكل رئيس حتى الآن.

في انعكاس لأسمها فهي تتخذ من اللون القرمزي الصارخ شعارًا لها، كما إنها تلجأ في كثير من الأحيان إلى أساليب "غير مألوفة في جرأتها" تضمن اجتذاب الأضواء الإعلامية.

ورغم أن هذه الجماعة نسائية، فهي لا تغلق أبوابها أمام من أراد الانخراط في صفوفها أو دعم نشاطها من الرجال. وكانت حقيقة أنها جماعة "نسوية + غربية" تشارك في مظاهرة داخل المجتمع الباكستاني المغالي عمومًا في المحافظة كافية لاجتذاب الضوء الإعلامي الدولي، الذي يعتاش معظم الوقت على "تضارب الأضداد".

شارك أعضاء هذه الجماعة الجمعة والسبت في المظاهرات، التي تدين لجوء وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي ايه" إلى طائرات "الدرون" في حربها ضد من تعتبرهم إرهابيين. والغرض هو الاحتجاج على أن السواد الأعظم من ضحايا الغارات بهذه الطائرات من المدنيين الأبرياء العزل، وغالبيتهم النساء والأطفال.

أما غرض "كود بينك" من جهتها فهو الإدانة وأيضًا توعية الشعب الأميركي خصوصًا، والغربي عمومًا، بفداحة الخسائر البشرية التي ترتكب باسم "الحرب على الإرهاب".

ووفقًا للأنباء التي تناقلتها وسائل الإعلام البريطانية والأميركية فقد شارك 30 عضوًا من الجماعة النسائية في المظاهرة التي نُظّمت في إسلام اباد، وانطلقت منها إلى وزيرستان الجنوبية (الحدودية القبلية المتأثرة بشكل رئيس بالغارات) مسيرة ضخمة، نظمها زعيم حزب "حركة الإنصاف الباكستانية" عمران خان نجم الكريكيت السابق المعروف دوليًا.

وبالنظر الى حساسية الوضع الأمني في هذه المنطقة واحتمال تعرّض المشاركين في المسيرة للهجوم من كل أو أي من الأطراف المعنية بالحرب على الإرهاب (القوات الأميركية من جهة ومقاتلي طالبان والمتعاطفون معهم من جهة أخرى)، فقد ظلت المخاوف تلقي بظلال كثيفة على الحكمة من وراء هذا العمل، خاصة على ضوء تهديد طالبان باحتمال دسّ انتحاريين في المظاهرة وفقًا لتقارير غير مؤكدة. من جهتها قالت جماعة "كود بينك" إنها ستدعو أهالي المناطق، التي ستمر بها المسيرة، إلى الانضمام إلى صفوفها درءًا لأية هجمات محلية محتملة.

الواقع أن غارات "الدرون" - التي تقول واشنطن إنها السلاح الأكثر فعالية على الإطلاق لتصفية الإرهابيين وقادتهم - أثارت ردود فعل دولية حادة بالنظر إلى الخسائر البشرية المرتبطة بها عضويًا. وفي دراسة أنجزتها جامعتا ستانفورد ونيويورك الأميركيتان وأوردت فحواها "إيلاف" أخيرًا، جاء أنه بين كل 50 شخصًا تقتلهم "الدرون"، لا يزيد عدد ضحايا الإرهابيين المقصودين بها أصلاً على شخص واحد في المتوسط.

يلقي التقرير باللائمة في هذا الوضع بشكل رئيس على "الضربات المزدوجة" التي تطلق فيها الدرون قذائفها مرتين: الأولى على هدفها، والثانية على الهدف نفسه للنيل من أولئك الذين يهرعون لإغاثة المصابين بدفعة القذائف الأولى. وقال إن هذا الأمر حدا بالناس إلى تأجيل الإغاثة لساعات قد تطول فقط من أجل ضمان سلامتهم هم أنفسهم من ويلات القصف الجوي.

ويمضي التقرير قائلا إن آثار هذا الوضع لا تقتصر على الخسائر الفورية من قتل وإصابة بجروح. فأولئك الذين يعيشون في ظل غارات "الدرون" 24 ساعة في اليوم يعانون تزايد الضغوط النفسية العالية عليهم يومًا تلو الآخر ومن مختلف الأمراض المتولدة عن هذه الضغوط. كما إن من الأعراض الجانبية الخطرة هي أن معظم الآباء أخرجوا أبناءهم من المدارس خشية مقتلهم في الغارات، التي تستهدف الإرهابيين، لكنها تصيب الأبرياء في السواد الأعظم من الحالات.

لهذا كله يقول المنتقدون إن أحد أسوأ الآثار الجانبية للحرب الأميركية على الإرهاب يتمثل في أنها "تدمّر أسلوب الحياة نفسه لدى قطاع هائل من الناس".