مراقبون: الجامعات ملاذهم الأخير بعد قمعهم في الساحات
هدوء أنصار مرسي النسبي بالونة اختبار للمصالحة مع الحكومة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
رأى مراقبون أن حالة الهدوء النسبي في الشارع المصري تعود إلى افتقار الإخوان للقدرة على الحشد، وعدم قدرة الجماعة على إقناع الشارع بموقفها. وفي أحاديث لـ "إيلاف"، اعتبر فريق آخر أن حالة الهدوء بمثابة بالونة اختبار، لجسّ استعداد الحكومة المصرية للمصالحة، وإتاحة الفرصة لممارسة ضغوطات على النظام.
محمد نعيم من القاهرة: باستثناء حادث الاعتداء الإرهابي على حافلة سياحية في طابا، ساد الهدوء النسبي شوارع مصر وميادينها، لاسيما في أيام الجمعة، التي كانت مقصدًا لداعمي جماعة الإخوان المسلمين وأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي.
وفرض هذا التحوّل العديد من علامات الاستفهام، خاصة ما يتعلق منها باستراتيجية الاخوان المستقبلية، وانعكاس تلك الاستراتيجية على الواقع المصري على المديين المنظور والبعيد.
وفي محاولة لقراءة تلك الاستراتيجية، استصرحت "إيلاف" عددًا من المراقبين المتخصصين في شؤون الحركات الإسلامية، فقال سامح عيد الباحث في شؤون الحركات الإسلامية: "مبدئيًا وبشكل عام سادت الشارع المصري حالة من الهدوء النسبي، وخفّت وتيرة الأعمال الإرهابية بشكل نسبي، باستثناء عملية طابا الأخيرة، فكانت جماعة الإخوان والمحسوبون عليها، يرون في تلك العمليات وسيلة لتعطيل حركة الدولة، لتتحول إلى كيان فوضوي، وتخضع الحكومة للتفاوض معها، ويعني ذلك أن الجماعة تراجع نفسها وتعيد حساباتها من جديد، بعدما حققت فشلًا ذريعًا في الشارع المصري، وخسرت كل شيء، ولم تجنِ أية مكاسب فعلية من أعمال العنف والشغب، التي حدثت طيلة الأشهر السبعة الماضية".
حاجة إلى إعادة التوازن
علل عيد ذلك بحاجة الجماعة إلى البقاء وإعادة تواجدها وتوازنها في المجتمع المصري من جديد، بعدما تبخرت كل آمالها، مما يضطرها إلى التراجع، في محاولة منها للتوصل إلى المصالحة، خاصة أن الإخوان من طبيعتهم المساومات والمواءمات، التي تجعلهم يقدمون الكثير من التنازلات من أجل العودة، حتى لو أغضب ذلك الشعب والشارع.
استكمل عيد حديثه لـ "ايلاف" قائلًا: "إن الجماعة سعت منذ فترة إلى الضغط الإعلامي على النظام المصري الحالي، ووجدت في ذلك وسيلة تمكنها من حشد الرأي العام للتضامن معها، وظهر ذلك واضحًا من خلال فضائية "رابعة"، التي بثت إرسالها باللغتين العربية والانكليزية، ولا ينفي ذلك أن هذا الهدوء تستره حالة من التفاوض القائمة بالفعل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر للتقارب من المشكلة، لأن الإخوان أصبحوا يريدون الخروج من مشكلتهم، بعدما باتوا يعيشون حالة من الإحباط مع الاعتراف بالواقع، وأدركوا أن لديهم 20 ألف مسجون، وأن بقاءَهم الحقيقي أصبح مهددًا في مصر، وأن التجربة كانت قاسية على التنظيم الدولي، وبالتالي لا سبيل أمامهم سوى التقارب للوصول إلى حل وسط لمشكلتهم، خاصة أن المجتمع أصبح كارهًا لهم بشكل كبير".
استطرد: "إن حالة الهدوء النسبي التي يعيشها الشارع المصري حاليًا تعود إلى أن الإخوان يعيشون فترة من الضعف والوهن، وليس لديهم ما يمنعهم من التفاوض والدخول في مبادرة جديدة للمصالحة، لضمان عدم صدور أحكام إعدام ضدهم، وضمان تخفيف العقوبات بمرور الوقت للقيادات أو خروجهم من السجون بعد هدوء الأوضاع ومرور خمس سنوات مثلًا، للعودة إلى العمل السياسي، خاصة أنهم يرغبون بإلحاح في بقاء التنظيم، وأن يعودوا إلى مربع حسني مبارك، أي لوضعهم خلال تلك الفترة، أو بعبارة أخرى كما كانوا قبل ثورة 25 كانون الثاني (يناير)، ولكن هذا الأمر مرفوض تمامًا".
الضغط الخارجي مستقبلًا
وأكد عيد أن جماعة الإخوان المسلمين ستتبنى سياسة الضغط الخارجي خلال الفترة المقبلة، لتحسين شروط التفاوض، وإثناء السيسي عن الترشح سيكون أحد المطالب خلال التفاوض المرتقب، كما سيحمل هذا التفاوض طابعًا إقليميًا ودوليًا، لكن ستقابله "قنبلة دخانية"، وهي كتلة الشباب الانتقامي الثائر، الذي تم شحنه بصفة مستمرة لسفك الدماء على مدار سبعة أشهر، بزعم نصرة الحق والدفاع عن الشرعية، كما كان يقال لهم.
أضاف: "هذه الكتلة الشبابية ترى أنها ضحّت بنفسها، وراحت ضحية الإخوان في مقابل الحفاظ على القيادات الأولى والثانية والثالثة والرابعة، كما يرى هذا الشباب في نفسه أنه وقف في مواجهة قوات الأمن لعودة الشرعية، وأنهم خرجوا عن إطار أوامر الجماعة".
من جانبه، قال الدكتور شعبان عبد العليم أمين عام حزب "النور" السلفي في حديثه لـ "إيلاف" إن الجماعة لن تخمد بهذا الشكل، وأن هذه الفترة هي مرحلة ركود وخمول، سيعقبها نشاط فعلي من جانب الإخوان المسلمين، ما لم يكن هناك حل سياسي، لأن الخمول الكامل صعب، خاصة بعد الخسائر المتلاحقة التي تعرّضت لها، وما أصابها من إصابات بالغة.
ورجّح عبد العليم أن هذا الهدوء يأتي في إطار ترقب الحل السياسي، وربما لإعطاء الفرصة للنظام الحالي لعرض مبادرة سياسية للخروج من الأزمة العصيبة التي تمر بها مصر، إضافة إلى أن الإخوان ينتظرون عودة الدراسة في الجامعات كي يستغلوها في التجمعات وتظاهرات الطلاب، بعدما أصبحت الشوارع مغلقة أمامهم.
في حدود الممكن والمتاح
أما المحامي مختار نوح، القيادي المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، فقال في حديث خص به "إيلاف": "الجماعة قامت بعمل خطة وحيدة من أجل الضغط والحصول على بعض المكاسب، لكن هذا الضغط لم يكن منظمًا ومدروسًا، فاعتمدت على سياسة أن ما يعطيه الواقع خير، ولكن للأسف الشديد الواقع لم ينصفها، ما اضطر الإخوان إلى تبني سياسة المقامرة في الفترة الراهنة، بمعنى أن الإخوان قدموا كل ما لديهم، وانتظروا تحقيق المكاسب، لكنهم خسروا كل شيء، حتى وصل بهم الأمر إلى العمل في حدود الممكن والمتاح لهم، ففكرة المصالحة مع النظام الحالي انتهت، ولم تعد موجودة، إذ فقدت الجماعة كل نقاط التفاهم للدخول في المصالحة مع الحكومة، لأن الحكومة لا يمكنها أن تنفصل عن الرأي العام، وجماعة الإخوان خسرت الرأي العام بمرور الوقت، وبالتالي إذا أرادت الحكومة التصالح، فإن هذه الفكرة لم تعد مُجدية".
وتابع نوح أنه أصبح هناك ارتباط شديد الآن بين القتل والاغتيال والإخوان، وإن كان الربط بين الجماعة والجرائم التي ترتكب يوميًا على أرض الواقع مجحفًا، إلا أنه أصبح حقيقة في الاعتقاد، خاصة أن قادة الجماعة جميعهم في السجون، وبالتالي فهي تحتاج وقتًا لعلاج مشاكلها أولًا، وأن تتبنى سياسة التسليم بالواقع، وأن تترك الأمور لمن يفهمها.
فقدان القدرة على الحشد
من جانبه، قال اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية السابق إن حالة الهدوء النسبي التي تسود الآن من جانب جماعة الإخوان المسلمين تعود إلى حالة الضعف التي أصابتها وعدم قدرتها على الحشد، بعدما فقدت تعاطف المجتمع المصري كله، لذا فهذا النوع من الهدوء هو بالونة اختبار، لمعرفة مدى رد فعل الحكومة المصرية والنظام الحالي حول المصالحات التي يسعى إليها بعض أفراد "الطابور الخامس"، وهذه المصالحات ما هي إلا لشغل الرأي العام، ومحاولة إعادة قبول جماعة الإخوان المسلمين من جديد.
أضاف المقرحي لـ "إيلاف": "إن "عصابة" الإخوان المسلمين لا تستطيع أن تفعل أكثر مما فعلت سوى عمليات التفجير التي تقوم بها في سيناء".
حسام علي رئيس حزب "المؤتمر"، المتحدث الرسمي باسم الحزب أشار في حديث لـ "إيلاف" إلى أن الجماعة وصلت إلى حالة من التخبط، بعدما فقدت السيطرة على زمام الأمور، وفقدت القدرة على التواجد داخل المدن والجامعات، ووسط الشباب، بعدما تصدت لهم الضربات الأمنية والمقاومة الشعبية، اللتان كانتا لهم بمثابة حبل الإعدام، الذي خنقهم، وقطع دابر أملهم الأخير.
أوضح علي: "أن الجماعة ستتبنى خلال الفترة المقبلة العمليات الإرهابية إعلاميًا، لإحداث أثر دولي لاكتساب ثقة التنظيم، الذي يدعمهم ويقف وراءهم ويؤمنهم من أجل الضغط على الحكومة المصرية لإطلاق سراح المعتقلين من الإخوان وجعل سيناء موطنًا آمنًا للإرهاب".
وأكد علي أن المصالحة أبعد ما تكون، لأن المجتمع لفظ الإخوان بلا عودة، لدرجة أن الشعب المصري ربط أي عملية تضر بمصالحه بالإخوان وأجندتهم.
أما الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، فقال إن جماعة الإخوان تفكر في التجاوب لإيجاد مخرج لها كي تنخرط بشكل أو بآخر في الحياة المجتمعية والسياسية، لذا نطالبها بمراجعة مواقفها السابقة وإعادة الانخراط في الحياة السياسية من خلال الحزب، وليس من خلال تنظيمها، كما إنه على النظام الحاكم أن تكون لديه مبادرة لدمج من لم تتلطخ يده بالدماء، ولم ينخرط في العنف.
وأضاف نافعة لـ "إيلاف": "إن المراجعة مطلوبة من كل الأطراف، على أن تكون هناك صيغة سياسية، وفق قواعد مشتركة، وعلى الدولة محاربة الإرهاب، أيًا كان مصدره بكل الوسائل المختلفة، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً".